fbpx

لبنان: أقلّم أظافري على وقع الانهيار

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أقلّم أظافري فيما أتفرّج على البلاد. يمرّ حلم بين أظفور وآخر، أحياناً يمرّ قتلى، وأحياناً قتلة. أفكّر إن كانت العدالة تستوجب أن يعود القتلى من نومهم لنحر القتلة. ثمّ أفكّر بأن اللاعدالة التي نحن فيها، تستوجب ألا يعود القتلى وألا يحاسب أحد القتلة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هنا رجل يصرخ بأن رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان سرق ماله، هناك آخر يشكو من عدم قدرته على دفع أقساط أولاده في المدرسة. في شارع آخر، تتجادل امرأتان على أفضلية المرور، لا عند التقاطع، بل أمام متجر “لوي فيتون”. وفي كل شارع هناك من يضع رأسه في القمامة بحثاً عن لقمة. في ساحة ما، هناك من يدافع عن زعيمه، يقف بجانبه طفلٌ يشتم الزعيم ذاته، يأتي عناصر الأمن ويضربان الاثنين. ثم تقترب المراسلة الحذقة وتسأل المضروبين: “ما الذي استفزّ الجيش؟”.

أنتقل إلى أظفور آخر. تخبرني أختي بأنها اشترت كيلو لحمة بـ50 ألف ليرة، أقول لها: “حسناً إنها الآن تساوي 5 دولارات فقط!”. نضحك قليلاً، ولسوء حظي أفسد أظفور المعصم. تقول أمي: “خرجك، طوشتينا”. نتابع جولة الضحك. يتحدّث أبي عن حديقته، وكم توفّر علينا تكاليف الخضار والفاكهة. أفكّر بأن حديقة أبي لم تعد مجرّد متعة أو تسلية، تحوّلت إلى حاجة.

جارنا العسكري يشكو من أنّ راتبه بات يساوي 200 دولار، بسبب انهيار الليرة اللبنانية، وأنه في حال اضطرّ إلى شراء شيء ما بالدولار، سيبقى وزوجته بلا مصروف طيلة الشهر. ذلك أنّ زوجته لم تتقاضَ راتبها منذ شباط/ فبراير 2020.

لستُ بارعة في تقليم الأظافر، غالباً ما أفقد السيطرة على يديّ وأفسد الأمر. لكن لا مفرّ الآن، علينا أن نتخفّف من رفاهية الذهاب إلى صالونات التجميل، وأن نقلّم أظافرنا وحياتنا بالتي هي أحسن، وأن نحاول قدر المستطاع ألا نفسد الأمر.

يطلّ مسؤول لبناني ويخبرنا بأن الحل يكمن في أن يساعد كل مغترب عائلة بـ200 دولار، مؤكّداً أنّ هذا المبلغ مقدور عليه بالنسبة إلى المغتربين. نصف عائلتي وأصدقائي من المغتربين، وأتمنى كل يوم أن يعودوا وأن أعيش معهم، لكنّ الأسباب التي دفعتهم إلى الغربة لم تنتفِ، بل زادت حدّة. والآن هناك من يطالبهم بتمويل فقرنا الذي يبدو أنه سيطول. هل يعرف أحدهم بأننا لا نود العيش عالة على أحد وأن لنا كرامة نريد الحفاظ على ما تبقّى منها؟

جارنا العسكري يشكو من أنّ راتبه بات يساوي 200 دولار، بسبب انهيار الليرة اللبنانية، وأنه في حال اضطرّ إلى شراء شيء ما بالدولار، سيبقى وزوجته بلا مصروف طيلة الشهر.

كان ماياموتو من أعظم مقاتلي الساموراي في اليابان، شارك خلال حياته في أكثر من 60 نزالاً حتى الموت، وقاد جنوده في أكثر من 6 حروب.

قرأت ذلك في كتاب عن المحاربين القدامى، لكنني الآن بدأت أقتنع بأننا أشدّ صلابة من ماياموتو. نحن نخوض كل يوم حرباً على الموت ونحاول أن نتشجّع، ويبدو أننا نجحنا حتى الآن. علينا أن نُضاف إلى قائمة المحاربين الذين سجّل التاريخ أسماءهم. لكن علينا أوّلاً أن نتّفق على كتابة تاريخنا الخاص، وأن نكفّ عن حشو رؤوس الطلبة بفنون التنوخيين وحروب الفرس والبابليين وبلاد ما بين النهرين. ربما يحقّ لهم أن يقرأوا تاريخهم. 

تقليم الأظافر يجعلني أشطح في التفكير، عليّ تدبّر هذا الأمر.

صديقتي ستتزوّج خلال أسابيع. طلبت منّا أن نحضر بالشورتات وأحذية الرياضة. كانت جدّيّة. أخبرتها أن الأمر لا يروق لي، وأنني أفضّل الذهاب بالبيجاما. فراقت لها الفكرة وقالت إنها ستناقش حبيبها بالأمر. ليس هذه قصة كوميدية تماماً. هناك تراجيديا. صديقتي هذه عملت في دبي أكثر من 10 سنوات، والآن أموالها كلها محتجزة في المصرف، فكان عليها أن تختصر زفافها إلى أقصى حدّ. بعدما ضحكنا على نقاش الشورتات والبيجاما، بكت صديقتي… ثمّ أكدت أنها ستهاجر في أقرب فرصة.

تقول أختي: “ضيعان المصاري للي دافعينا لنضعف كم كيلو، هلق رح نجوع ونضعف لحالنا”. إنها من حسنات الانهيار. أنتهي من الأظفور الأخير، وأجيبها: “ضيعان المصاري للي دافعينا لنبرد ضفيرنا. هلق رح نبردن نحنا متل الشاطرين”. تنظر أختي إلى أظافري، وتقول إنّ تقليمي يشبه هذا البلد “منحوس!”.

ربيع ورّطني في هذا النصّ حين أخبرته أنني أقلّم أظافري فيما أتفرّج على البلد. ربيع يتفرّج على البلد من كندا ويسألني دائماً إن كنتُ أفكّر في البقاء فيه. وبحسب المسؤول الفطن، على ربيع أن يرسل لي 200 دولار شهرياً حتى أعيش، وأتمنّى أن يفعل ذلك بسرعة.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.