fbpx

عن صحافة الحلول… القصة الكاملة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعمل الصحافيون على الممارسات السيئة ويكشفون عنها وينددون بها. إنها واحدة من بدهيات العمل الصحافي، ولكن ماذا بعد، وهل يكفي الوقوف في تخوم نظرية التنديد؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قد نندد بأشياء سيئة اليوم، تُضاف إليها أشياء سيئة أخرى غداً وتجعل من التنديدات اليومية عبر التقارير الصحافية والتقصي ومقالات الرأي إجراءً روتينياً لا أكثر. الجواب هو: كلا، لم تعد هذه نظرية التنديد تشغل العاملين في الصحافة اليوم، هناك منصات ورؤى وأساليب إعلامية جديدة، على رغم الصعوبات المالية والأمنية التي تعرقل العمل الصحافي في منطقتنا، تتجاوز نظرية التنديد وعرض المشكلات، وذلك بالوقوف عما تمكن تسميته “القصة الكاملة”. وهي، أي القصة الكاملة لا تقتصر على عرض المشكلات بالأشكال الصحافية المألوفة أو الاقتصار على قصة نجاح قد لا تقنع الجمهور العام ولا تستجيب لجميع المشكلات. والسبب هو أن صحافة الحلول لا تبحث عن الأبطال ورؤاهم لإيجاد الحلول بقدر بحثها عن آليات تجيز الاطلاع على جوانب القصة، وتكرس نفسها لتحليل وتقديم المعرفة المُحمّلة بالاستجابة والمبادرة الموثوقة لمشكلات اجتماعية واقتصادية وبيئية. 

يحتاج المتلقي دائماً إلى نماذج ومبادرات موثوقة تحثه على المشاركة في البحث عن الحلول. وقد تنطلق هذه المبادرات من المتلقي نفسه، أي من المجتمعات المحلية التي تتناول الصحافة مشكلاتها. ولهذا السبب، تعمل مؤسسات ومجموعات الاستبصار الدولية على مشاركة الصحافة في المشاريع الهادفة إلى مواجهة الأوبئة والتغير المناخي والبحث عن إيجاد الحلول. وبدأ المعهد الهولندي للعلاقات الدولية (Clingendeal) منذ عام 2016 العمل على إشراك الصحافة في مبادرة أطلقها في العام ذاته تحت عنوان (مبادرة الأمن الكوني). وبدأت مؤسسة “الإعلام الحر غير المقيد” FPU الهولندية شريكة مبادرة الأمن الكوني بالعمل على مشروع الحلول القائمة على القصة الصحافية في الشرق الأوسط (العراق تحديداً) وغرب أفريقيا (مالي وتشاد). هذا لا يعني أن صحافة الحلول حديثة الولادة، فهي تعود إلى العقد الأخير من القرن العشرين في الولايات المتحدة الأميركية وبداية 2000 في فرنسا وأوروبا عموماً، كما يمكن القول إنها جزء من الصحافة الاستقصائية، إنما تشير التجارب الجديدة الى تحديد الأطر التي تعمل وتنتج فيها. 

يشير أستاذ الصحافة في جامعة كيبيك في مونتريال UQAM باتريك وايت إلى أن القصف المستمر للمعلومات ومن دون توقف يومياً، والاشعارات الدائمة عبر جهاز الهاتف يشكل ثقلاً كبيراً على الناس، ناهيك بأن جزءاً كبيراً من هذه المعلومات متناقض أو مضلل. ويجعل هذا الالتباس صحافة الحلول مرغوبة لدى الناس، ذاك أن المعلومات الواردة فيها بحسب الصحافي والأكاديمي الكندي تتميز بالصدقية والعمق. “نحن نعيش في مجتمعات لم تعد قادرة على إدارة القصف المعلوماتي الذي يتعرض له دون التوقف، لذلك شاهدنا كيف بدأت الناس تتجنب الأخبار المتعلقة بوباء كورونا”. وتشير الإحصاءات في هذا السياق إلى أن 60 في المئة من الناس في بريطانيا يتجنبون أخبار الوباء، “لأنها معلومات ضاغطة وتجعل الناس مكتئبين، بينما الصحافة الباحثة عن الحلول تتحدث عن أشياء من شأنها توجيه المتلقي نحو الأحسن في المجتمع” برأي باتريك وايت. وتغطي صحافة الحلول الأحداث عبر الحوارات ورواية قصص شخصيات ومجتمعات وأناس عاديين تغطية دقيقة وموثوقة، وتذهب أبعد من حدود التغطية العادية في الاستجابة للمشكلات والأزمات، وذلك من خلال تغطية جميع جوانب القصة.

ويضيف الأكاديمي الكندي في السياق ذاته الى إمكانية تسمية صحافة الحلول بصحافة الطويل الأمد، لأنها تغطي وتتحدث يوماً بعد يوم عن الأزمات البيئية والتغير المناخي والتنوع الحيوي. ويعد اهتمام الناس بالقصص المتعلقة بانخفاض التلوث في الكثير من المدن أثناء الحجر الصحي في العالم وتحسن نوعية المياه في مدينة البندقية الإيطالية بسبب كوفيد-19، جزءاً من الأهمية التي تتميز بها صحافة الحلول. وعلى رغم أن قصص تنقية الهواء والمياه واستعادة الطبيعة بعض من حيويتها أثناء الحجر الصحي لا تتدخل ضمن صحافة الحلول، إلا أنها تشير إلى رغبة الناس، برأي باتريك وايت، في أن يشهد العالم تحسناً بيئياً في المستقبل.   

الأخبار الإيجابية ليست حلولاً

في البلدان التي تخضع فيها الصحافة لشروط الدولة وسياساتها، يصعب تناول “القصة الكاملة” وإبراز المشكلات كما هي وليس كما تريدها السلطات ان تنشر أو تظهر. في بداية تفشي وباء “كورونا” أرادت وسائل الإعلام التركية الخاضعة لحكم رجب طيب أردوغان اظهار تركيا كأمة ممانعة للفايروس، وذلك من خلال خريطة خضراء لم تقاوم كثيراً أمام اتساع دوائر الوباء الحمراء المنتشرة في العالم. وفي البلد الأم لانتشار فيروس كوفيد-19، الصين، لا زالت القصة الكاملة يشوبها الغموض بسبب رقابة الدولة الصارمة على المعلومات. كل ما نتلقاه هو عبارة عن أخبار إيجابية والسيطرة على الوباء. وكان من الممكن ان تصبح قصة الطبيب الصيني (لي ون ليانغ) بوابة لإيجاد الحلول، أنما توفي بتاريخ 7 شباط/ فبراير 2020 بعد إصابته بالفايروس التاجي. وقد أشاد بالطبيب المذكور الكثيرون بسبب الإنذار المبكر الذي أطلقه عن الوباء قبل أن يخرج عن نطاق السيطرة. وقامت السلطات الصينية بتوبيخه وإجباره على توقيع بيان يندد بتحذيراته السابقة باعتبارها شائعة لا أساس لها وغير مشروعة. وأثار موته الغضب والإحباط من سوء إدارة الحكومة الصينية للوباء وعدم مشاركة المعلومات في وقت مبكر وإسكات المبلغين عنه.

إن لم تستجب القصة الصحافية إلى المشكلة التي تتناولها عبر السرد وتوثيق أسبابها وكل جوانبها فهي لا تعتبر صحافة الحلول.

إن لم تستجب القصة الصحافية إلى المشكلة التي تتناولها عبر السرد وتوثيق أسبابها وكل جوانبها فهي لا تعتبر صحافة الحلول. ولا يمكن اعتبار النيات الحسنة والأفكار المسبقة جزءاً من الحلول بطبيعة الحال، ذاك أننا بحاجة إلى نماذج قد تنطلق كما سبقت الإشارة من البيئات المحلية وتجارب السكان المحليين الذين نكتب وننتج القصص الصحفية عنهم، ومن شأن مثل هذه التجارب إلهام مراقبين موثوقين وأكاديميين في بحثهم عن الحلول، دون الافراط في جرعات السعادة. هذا يعني ان اشراك المجتمعات المحلية وحثها على البحث لإيجاد الحلول، جزء من صحافة الحلول، أي أن هذه المجتمعات لم تبق مادة للكتابة بل أنها جزء تفاعل متعدد الأطراف. 

إن القصة الكاملة تنقل طريقة الاستجابة، وذلك من خلال التعمق في الموضوع وتوثيق الصعوبات الكامنة في المشكلة. أما القصص والمقالات التي تتسم بطابع البيانات الصحافية في ما خص نجاح مشروع أو تحذيرات حول سير العمل فيه دون المعلومات والحجج، فهي لا تختلف عن تلك المقالات والتقارير التي تطرح حلول المعجزة اعتماداً على رأي جهة معينة سواء كانت حكومية أو مؤسسات خاصة؛ ولا تخدم تالياً أهداف صحافة الحلول التي لا تخاف العيوب بقدر خوفها من التمجيد والمدح. ويذهب تيار آخر من الصحافة إلى اشتراط المال والتبرعات والاستعطاف كسبل إيجاد الحلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛ تبنّي الأطفال في مناطق الفقر والعوز مثلاً، أو مخاطبة عواطف المتلقي من خلال صورة انتقائية عن وجود مشكلات هي موجودة فعلاً، انما يتم الحديث عنها في مناسبات معينة دون توثيق كل جوانبها و وسبل معالجتها مستقبلياً.

اقتضاباً، تركز صحافة الحلول على مبادرات ملموسة، الاستجابة للمشكلات الاقتصادية، الاجتماعية والبيئية، قياس التأثيرات كماً ونوعاً وحث الناس على المشاركة في ايجاد الحلول لمشكلاتهم. وقد تكون صحافة الحلول كونية وذلك من خلال إبراز المشترك الإنساني. فحين نتحدث عن تجربة محلية ناجحة في مواجهة تأثيرات الجفاف على انتاج الغذاء وتعرض سكان بلد، منطقة، إقليم أو قارة لسوء التغذية بالسبب نفسه، ذلك يعني أن صحافة الحلول تصبح جسراً للتوصيل البيني بين المجتمعات من جانب وبين التجارب العلمية والأكاديمية من جانب آخر. 

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.