fbpx

في الضاحية… من نلعن سوى الدولة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
علي حسن

الداخل الضاحيوي يحمل الكثير من الأسى المكبوت.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في أرجاء الضاحية الجنوبية لبيروت، كسائر المناطق في لبنان، يعلو صوت الأنين والمعاناة بين المواطنين، إزاء غلاء المعيشة وفقدان القدرة على العيش الكريم شيئاً فشيئاً. نعم، الضاحية ليست مكاناً سحرياً لا يصيبه ما يصيب محيطه كما يعتقد البعض. وبكل بساطة، لست بصدد كتابة نص استشراقي يرسم الضاحية على أنها مكان غريب تجب دراسته لفهم الحلقة الضائعة في تطور الفكر المادي والبشري للمجتمعات، بل على العكس، هناك حيز راسخ وأساسي، هو محور كل النص، ذلك أن الضاحية كغيرها من المناطق، تعاني. إنما هناك فرق كبير بين معاناة وأخرى. التجوال في الضاحية لم يتغير، فالمشاهد لم تختلف كثيراً، ولكن الداخل الضاحيوي يحمل الكثير من الأسى المكبوت. فالمشكلة لم تعد تكمن في عدم القدرة على الاعتراض والالتحاق بشريحة المواطنين المنتفضين، من دون مواجهة خط الدفاع الداخلي للثنائي الشيعي الحريص على الأمن والأمان فقط، بل أصبحت في الفصام الذي يعانيه الشعب، فعلى من يُلقى اللوم؟ تنقطع الكهرباء والمياه، يجلس الشباب على الأرصفة في الأحياء عاطلين من العمل، يشكو صاحب الدكان من ارتفاع أسعار السلع واختفاء الكثير منها، ولكن من نلعن؟ “الدولة” بالطبع، إنها أساس مآسينا، والجميع يعلم ذلك. كمشهد من مشاهد مسلسل “ضيعة ضايعة” الذي ترمّز فيه الشخصيات للدولة بشخص رئيسها ومؤسساتها، ولكن بحذر وتحاذق، خوفاً من الآذان التي قد تسمع وتُخبر. أليس من البدهي أن نلعن الدولة ومؤسساتها؟ نلعن، نشتم، ونتابع حياتنا، نشعل الشموع، نستدين، نعتاش على القليل، ونتابع… مثير الريبة هو كمية الأمور التي تمر من دون أن يُحرك لنا ساكن، وإن تحرك، فنحن حذرون كل الحذر. قد يتشجع بعضنا ويوجه أصابع الاتهام، يقول الحلاق في منطقة الغبيري: “بيني وبينك، برّي باعنا، وهو متفق مع الأميركان عالحزب، ونحن آخر همه”. يكمل حديثه ويتعمق أكثر في نظريته، ليخلص إلى أن جهات كثيرة يمكن أن نلومها. سائق الأجرة يشكو من عدم إحساس الحزب به وبأمثاله، فلقد صَعُبت حياته تدريجاً، وهو يتمنى الرأفة به وبعائلته. يتوقف الحلاق والسائق عند هذا. توصيف غير واضح ومبهم لمن هم قريبون منا وينهشون لحمنا. فلان سارق، تنتهي هنا. نكمل حياتنا، الشبان غاضبون، ولكن يبدو أن الـPUBG وعودة دوريات كرة القدم كفيلة بترويض هذا الغضب. لا شيء يحصل هنا أبداً. في كل مرة تتواقح الحكومة، أو تتمادى في قرارات إفقارنا، يخيل لي أننا سنشهد القليل من الغضب، فقط القليل من الاعتراض، نأمل بأن ترتفع الاحتجاجات لتفتح أبواب الجحيم على من جوّع النّاس، ويلتحق بها آخرون، فتكبر، وتصبح سيلاً، لا يمكن أن ترده مونة وتهديد أي “حاج”، فلربما، بعدما وضعنا اسماً ووجهاً لـ”المجهولين”، قد آن أوان مواجهتهم في ساحاتنا. ولكن بالنسبة إلينا في الضاحية، نتعامل مع الدولة بمعزل عن أطرافها المختلفة وممن تتألف.

قد نسمي طرفاً أو آخر، ولكن الدولة هي المصطلح العام والخاص، هي دولة بالعموم، لا اسم ولا شكل لها، الدولة الفاسدة السارقة، تلك التي رفعت سعر ربطة الخبز، والتي قطعت الكهرباء، هي حكومة تحكم نفسها بنفسها، لا جهات حزبية أو حركية خلفها، او إن كنا نعي تلك الجهات، فنحاول قدر الإمكان أن نخلق مسافة بين من نشتم ونلعن، وبين تلك الأطراف وهؤلاء الأشخاص. لقد أصبح من السهل أن نعيش تلك الازدواجية، ذلك الفصام، الذي يحول بيننا وبين تسمية الأشياء بأسمائها. لا أعلم إذا كانت هذه الحالة، تجلياً لفترات الحرمان والمصاعب والحروب التي مرّت علينا وخلقت مناعة ضد الخوف (Panic)، لأنه إذا كان هناك وقت مناسب لإعلان الخوف، فهو الآن بالتأكيد. أم هو تضامن مع جلاد، أو خوف من ملاحقة ومحاسبة، ولكن من سيلاحق ومن سيحاسب؟ ولماذا؟ هل تهويل الحاج مخيف أكثر من العوز والذل؟ غريب أمر قوم يمرّون في أصعب الظروف، وفي حين يغلي البلد، يزداد سكون الضاحية، فيما يتصاعد الغضب الشعبي، الضاحية صامتة بشكل مريب. هل هذا تأثير 500 ربط خبز توزعها كل يوم جهة معينة تحاول ترقيع الثقوب في قاربها؟ أم الإجماع حول مقولة “لن نجوع” وتناقل عدوى روح الصمود بيننا، متمظهرة كثقة في النفس، ويقين بأننا حقّاً لن نجوع؟ كيف يتعايش فينا غاضب وحاقد يحاول تأمين لقمة العيش بشتى الوسائل، مع آخر متناسٍ جامد، غير عالم من أين تأتيه المصائب كل يوم؟ فكما قلنا، لا وجوه وشخصيات لهذه الدولة، وإن وجدت، فهي لفريق آخر، أما الفريق الذي “يمون” علينا، فهو على غرار قطة شرودنغر، حي وميت في الوقت ذاته، موجود وغير موجود في آن واحد، ولا سبيل لمعرفة شيء عنه إلا عبر قتله. 

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.