fbpx

اغتيال هشام الهاشمي : لعنة الميليشيا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الهاشمي، ضحية الإشكال الذي انتج منطق الميليشيا الشيعي، ولا يزال يحكم علاقة النخب الشيعية في العراق مع الدولة، والذي تغذيه إيران بنموذجها الطارد لأي قوة تحتكر العنف وتضعه في إطار شرعي، وتغذيه أيضاً مظلومية دولة السنّة المركزية…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في اغتيال الباحث والصحفي العراقي، هشام الهاشمي، أمام منزله في بغداد، اتصال ما بتحولات العملية السياسية التي تلت إسقاط نظام الديكتاتور صدام حسين، وخصوصاً موقع النخب الشيعية فيها. فالأخيرة، مارست السياسة انطلاقاً من ولاءات خارجية، وعلى قاعدة الانتقام، بعضها اتفق مع أميركا وآخر عارضها وحاربها، لكن الجميع تعامل مع هياكل الحكم التي أسسها التدخل الخارجي على أنها مسارح لنوازع أهلية. ورغم وجود الساسة الشيعة في الحكم، بقيت المظلومية تتحكم بذهنيتهم، وباتت الدولة، غنيمة للتعويض عن القهر التاريخي، وضعيفة خوفاً من استعادة الخصوم قوتهم وإعادة الجماعة المتغلبة حديثاً إلى موقعها السابق. 

الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد بين 2006 و2008، شكلت مناخاً نموذجياً، لتكريس سلوك النخب الشيعية الجديدة، وجعله مساراً متأصلاً يتحكم بشروط السياسة في البلاد، فالمخاوف والتصورات تغذت بالوقائع، وباتت أصلب وأشد تماسكاً. والمليشيا صارت مسرحاً لتصعيد “أبطال” جدد ومنحهم نفوذ وقدرة على تغيير مجريات السياسة. وإذا كانت الجماعات السنية المسلحة انتهت بالصحوات أو بالانخراط بالتطرف، فإن نظيرتها الشيعية، غدت أكثر فاعلية في السياسة، نظراً لموقع الشيعة في الحكم. والمليشيا في المتخيل الشيعي السياسي، هي إضعاف الجيش أي القوة العسكرية التي غالباً ما فتكت بمعارضات الجماعة، للتغلب السني. المشروعية المتخيلة تلبّست أحوالاً جديدة، خلال الحرب الأهلية، وسرعان ما تحولت إلى أخرى مع ظهور “داعش” واتساع سيطرتها، حيث شكل المرجع الشيعي علي السيستاني، مظلة لمجموعات عسكرية، غالبها شيعية، لقتال التنظيم المتطرف.

الفراغ  أحدثه عجز الساسة الشيعة عن مقاربة مسألة الدولة وشؤون الحكم، منذ بداية العملية السياسية، وما تلاه من حرب أهلية وصعود ” داعش”، وهو فراغ انتج المليشيات التي حصنت مواقعها، وسط استراتيجية إيرانية تعمل في السياق نفسه، حيث المليشيات الموالية أداة مدّ النفوذ وتجميع الأوراق في الإقليم. فمع نهاية “داعش” وإعلان النصر عليه، تحولت مليشيات “الحشد الشعبي” إلى أحزاب وقوى سياسية، وانخرطت في انتخابات جعلتها ثاني قوة في البرلمان، علماً أن القوى الأخرى ليس بريئة تماما من المليشيا التي اختلطت بالسياسة بحيث بات من المستحيل التمييز بينهما.

اغتيال الهاشمي، يكشف أن المعركة صعبة جداً، فالخصم شديد الالتباس ومتلون، وليس دولة واضحة. ما ينادي بإسقاطه المتظاهرون، شبكة معقدة من القوى والمصالح

والهاشمي، إذ نجح في مواجهة المليشيا السنية المتمثلة في “داعش” عبر تفكيكها معرفياً وكشف قادتها ومسارات تحولاتها، فذلك لأن الأخيرة معزولة عن السياسة، عكس نظيرتها الشيعية التي تملك امتدادات في ما يعرف بمؤسسات الدولة. ما يفتح المجال للكثير من المفارقات، أبرزها أن “قتلة” الهاشمي هم أنفسهم يطالبون بالتحقيق للكشف عن الجناة. 

الراحل ليس فقط ضحية المعركة التي يخوضها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ضد المليشيات، فهذه المعركة هدفها ضبط بعض المليشيات التي تستهدف المصالح الأمريكية، وليس إنهاء جذرياً للتساكن بين المليشيا والسياسة. الصحافي والباحث الشجاع، ضحية مواجهته المفتوحة مع منطق المليشيا بمختلف نسخها، في بلاد صارت فيها الأخيرة نواة صلبة للسلطة، تهندس الفساد وتوزع عائداته على عناصرها، تفرّغ أي محاولة للمأسسة من مضمونها، وتضع معيار الوطنية وتخوّن من يخالفها. 

والأهم أن الهاشمي، ضحية الإشكال الذي انتج منطق الميليشيا الشيعي، ولا يزال يحكم علاقة النخب الشيعية في العراق مع الدولة، والذي تغذيه إيران بنموذجها الطارد لأي قوة تحتكر العنف وتضعه في إطار شرعي، وتغذيه أيضاً مظلومية دولة السنّة المركزية وما رتبته من ظلم وغبن واضطهاد. الإشكال هذا، أدى إلى استبدال الجيش بالميليشيا، والاقتصاد بالغنيمة، والسياسة بالتحريض الطائفي وشحن جماهير الأحزاب.

وإن كانت التظاهرات الأخيرة شكلت خرقاً في جدار السلطة التي أسسها الإشكال السابق، فإن اغتيال الهاشمي، يكشف أن المعركة صعبة جداً، فالخصم شديد الالتباس ومتلون، وليس دولة واضحة. ما ينادي بإسقاطه المتظاهرون، شبكة معقدة من القوى والمصالح، لا يكفي لإنهائها، رفع شعارات جامعة، لابد من تصويب العلاقة بين الساسة الشيعة والدولة بحيث لا تبقى الأخيرة خالية من المضامين المؤسساتية انطلاقاً من كراهية النموذج السني السابق.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.