fbpx

“كورونا” العراق: فحصي الضائع في دائرة الصحة والموت خوفاً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فوجئنا بإعلان إضياع نتائج الفحوص، بعد مرور أكثر من 8 أيام. بعد تلك المحصّلة المخيّبة، نشرت الخبر على حسابي في “فايسبوك”، كتبت: “أجريت مسحة وقد أبلغتني دائرة صحة الرصافة أن النتائج ضائعة، ولست بمفردي، إنها 20 عينة ضائعة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أذكر أنني كنت جالسةً في الحافلة، وسعلت (ابتلعت ريقي)، إلا أنني عجزت عن إقناع عيون الركاب، التي تتهمني وتسائلني، بأنني لا أحمل “الفايروس”.

كُنتُ أعدّها مزحةً، كان الأمر مستبعداً، أن تلاحقني وصمة “كورونا” فأبدو كمتّهمة بشيءٍ ما، وتتربص بي عيون الركاب في الحافلة، في الشارع، في أي مكان…

لكنّ هذا ما حصل، قد لا يلاحقك الفايروس ذاته، قد تكفي وصمته لإزعاجك، وجعلك تتنقل بين نظرات الناس واتهاماتهم، من دون أن تعرف حقاً ما هي تهمتك.

الآهاتُ المعتادة، التي ضاعفها انتشار الوباء، بحرماننا أبسط مُتَعنا اليومية، كوب القهوة الذي أشتريه كل مساء عند رجوعي من عملي، مستمعةً إلى بعض الأغنيات، وجوه الرجال الوسيمة، وقد تجاوزوا الثلاثين، والفتنة التي قد تُثيرها ملامح وجهي الأنثوية كلما مررت بينهم… كل ذلك اختفى الآن، فقد تشابهت ملامحنا المُغطاة بالأقنعة…

وعلى رغم بساطة التفاصيل التي حُرمناها، إلا أن طابع الاتهام المُتبادل بالنظرات في ما بيننا كان الأكثر تأثيراً. ظننتُ خلال الشهر الأول من انتشار الفايروس في العراق أي منذ بداية آذار/ مارس 2020  وحتى نيسان/ أبريل، أن هذا أتعس ما يُمكن أن يواجهنا من تبعات “كورونا”، غير الجوع وارتفاع نسبة البطالة طبعاً، لكنني فوجئت بأن هُنالك الأسوأ، وأنني سأكون يوماً واحدةً من ضحاياه.

أعمل مراسلة في إحدى القنوات التلفزيونية، كُنت وزملائي نشعر بين حين وآخر بأن خطر الوباء على مقربةٍ منا، وكنا نفقد ما نستجمعه من طمأنينة كلما انتشر خبر وفاة أحد زملائنا أو أصدقائنا أو العاملين في الفن أو الرياضة، بسبب الوباء، وكأن الفايروس يقترب منا، وإن بخطواتٍ بطيئةٍ…

في أحد المساءات، أعلن مدير عمليات القناة أن مهمّات التصوير الخارجي قد أُلغيت حتى إشعارٍ آخر، لم يوضح لنا السبب، حتى أصرّ بعضنا على سؤاله، ليخبرنا أن “فريقاً طبياً من دائرة صحة بغداد الرصافة، التابع لوزارة الصحة العراقية، سيزور القناة لإجراء 20 فحصاً لـ20 شخصاً من العاملين بالقناة”.

وقد تم اختيار 20 فرداً من العاملين، وفقاً لما منحته الدائرة (20 مسحة)، تحت ذريعة “قلة عدد المسحات المتوفرة، وتأنّي الكوادر خلال استخدام هذه المسحات بتوجيه من الوزارة طبعاً”. 

اختير الـ20 شخصاً وفقاً لطبيعة عمل كل فرد من فريق القناة، ولأنني مراسلة، وعلى احتكاكٍ مباشر بالناس، تم اختياري لإجراء الفحص، مع زملائي من المراسلين الآخرين، ومُعدي الفقرات الذين يحتكون أحياناً أيضاً مع بعض الأشخاص بحكم طبيعة عملهم إضافة إلى سائقي المركبات في القناة والمصورين…

كان صباحاً مُتعباً بالنسبة إلي سبقهُ ليلٌ قلق، فقبل يومين من إجراء الفحص وأنا أشعر باحتقانٍ رهيبٍ ببلعومي وجوف فمي، وارتفاع حاد بحرارتي، وجفاف غير مسبوق في أنفي وفمي، وقد امتنعت عن الذهاب إلى العمل، كُنت أنتظر أن أتأكد من سلامتي، لعدم نقل العدوى للآخرين، ولكنني قررت الذهاب صباح يوم 20 حزيران/ يونيو بطلب من ادارة القناة لإجراء الفحص.

توقفت أمام بناية القناة عند الساعة 11 صباح ذلك اليوم ثلاث سيارات، تُقل حوالى 10 أفراد من الكوادر الطبية، كانوا يجلسون ملتصقين ببعضهم بعضاً داخل السيارات، يرتدون عدة وقايةٍ كاملة، ملابس وقفازات وأقنعة وأحذية، ويحملون معهم أدوات الفحص والكشف، دخل إلى مبنى القناة أحدهم صارخاً “يلا بسرعة، ترا ماعدنا وقت، اكو احد هنا نتفاهم وياه؟”.

لم يكُن أسلوبه لطيفاً أبداً، بل على العكس كان شديد الفظاظة، فيما لم أعر ما يدور حولي أي أهمية، بل كُنت منشغلة بالتفكير بالألم الذي سأشعر بعد إدخال أداة أخذ المسحة إلى انفي.

كُتبت أسماؤنا على ورقة بيضاء نوع A4، حملها أحد أفراد الفريق الطبي، وقد أفرغنا لهم غرفة في إحدى الطبقات، حرصنا على تنظيفها وتعقيمها لتكون صالحة لأخذ المسحات لنا. بدأوا مهمتهم لأكون أنا أول الأسماء الموجودة في الورقة، دخلتُ مرتجفةً فطلب مني الرجل المختبئ خلف بدلة الوقاية البيضاء أن أفتح فمي، وأدخل قصبة رفيعة إلى بلعومي وأخرجها بسرعة. سألته برتباك “هل انتهينا؟”، فصرخ بي “شبيج خايفة خبلتيني ترا خلصت المسحة”. بين سعادتي لأن المسحة لم تكن من طريق الانف وانزعاجي من صراخه سألته، “يعني ماكو مسحة من الخشم؟”. فأجابني بالنفي، مؤكداً أنهم أصبحوا يكتفون بالفحص من طريق الفم.

مرت الأيام الثمانية الأولى ونحن محجوزون في منازلنا بأمرٍ من إدارة القناة، حتى ظهور النتائج، علمنا خلالها أن أحد زملائنا مصاب بالفايروس، وأنه كان السبب وراء إجراء هذه الفحوص لكل منا، خوفاً من أن يكون قد نقل العدوى إلينا.

لم أكن واثقة من أداء كادر صحة الرصافة، بعد إضاعته 20 فحصاً، فضلاً عن تنبيه كثرٍ أثق بهم، بينهم أطباء أكدوا أن المستشفيات موبوءة، وقد يُنقل المرض إلى الشخص السليم من خلال احتكاكه بأحد أفراد الطاقم الطبي، أو في حال دخوله المستشفى، لعدم نظافة معدات الفحص والكشف عن الوباء.

فوجئنا بإعلان إدارة القناة ضياع نتائج الفحوص، بعد مرور أكثر من 8 أيام. بعد تلك المحصّلة المخيّبة، نشرت الخبر على حسابي في “فايسبوك”، كتبت: “أجريت مسحة وقد أبلغتني دائرة صحة الرصافة أن النتائج ضائعة، ولست بمفردي، إنها 20 عينة ضائعة”.

فوجئت بأن أكثر من 30 شخصاً أكدوا في تعليقاتهم أنهم أجروا مسحات، منها ما ضاع، أو تبين أنّ نتيجته غير دقيقة، إضافة إلى أن ظهور النتائج يستغرق أحياناً 15 يوماً أو أكثر.

أضحكني أحدهم حين علق قائلاً: “صديقي أجرى مسحة وظهرت النتيجة بعد 15 يوماً، وكان مصاباً بالفايروس، فأخبره الطبيب بضرورة حجر نفسه لمدة 14 يوماً في المنزل، فقال صديقي للطبيب: لكن دكتور أنا شُفيت الآن بعد ظهور المسحة التي أخذتموها لي قبل 15 يوماً حين كنت مصاباً وقد حجرت نفسي، فأجابه الطبيب أن تاريخ الحجر يحتسب من وقت ظهور النتيجة وإن كنت قد شفيت”. أيُّ نوعٍ من المهازل البشرية نحن نعيش؟

رفضت دائرة صحة الرصافة إرسال مسحات بديلة إلينا، لكنها قررت إجراء تحليل دم باستخدام الكواشف (الكتات) والتي تقبل نسبة خطأ أكثر من 75 في المئة، على أساس أن من تكون نتيجته إيجابية، يُجرى له فحص “كورونا”. لم أكن واثقة من أداء كادر صحة الرصافة، بعد إضاعته 20 فحصاً، فضلاً عن تنبيه كثرٍ أثق بهم، بينهم أطباء أكدوا أن المستشفيات موبوءة، وقد يُنقل المرض إلى الشخص السليم من خلال احتكاكه بأحد أفراد الطاقم الطبي، أو في حال دخوله المستشفى، لعدم نظافة معدات الفحص والكشف عن الوباء. دفعني ذلك إلى الاعتذار، مفضّلة إجراء التحليل في مختبر خاص غير حكومي، نصحني به أحد أصدقائي. وقد أجريت الفحص بمبلغ 50 دولاراً تقريباً، لتظهر النتيجة بعد ثلاث ساعات ظهيرة يوم 14 حزيران/ يونيو، وتؤكّدَ أنني شخص سليم غير حامل المرض. اتصلت بمديري في القناة وبشّرته بالأمر، فأخبرني هو الآخر أن النتائج الضائعة وُجدت، وأنني غير مصابة بالفايروس. كُنت أفكر كثيراً بعد 15 يوماً من القلق وانتظار نتائج مسحة فايروس “كورونا”، وتوهم أعراضه، هل مات المصابون أو غير المصابين خوفاً من الفايروس نفسه أم بسبب الإصابة به؟

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.