fbpx

سلطان هاشم… “البعثي الأخير”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الجزء الأكبر من أرشيف النظام ما زال إلى اليوم موزعاً على القوى وغير متاحٍ للباحثين، وهذا ما يجعل من التوافق على رواية واحدة للمأساة أمراً مستحيلاً، .وما النقاش والانقسام حول سلطان الهاشم إلا أحد علامات هذه الاستحالة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

النقاش الذي رافق موت سلطان هاشم، آخر وزير دفاع عراقي في زمن صدام حسن، قبل أيام في السجن في العراق، يكشف عن واقع لا يقل قساوة عن ذلك الواقع الذي خلفه سقوط نظام البعث عام 2003. الأكراد اعتبروا أن موت هاشم هو نهاية آخر أباطرة حملة الانفال التي شنها نظام البعث عليهم في ثمانينات القرن الفائت. السنة العرب أعادوا تقديمه بصفته أحد الضباط المحترفين الذين خاضوا الحرب مع إيران، ولم تتلوث يداه بدماء عراقية. الشيعة وقفوا على الحياد تقريباً، ذاك أن سلطان سلطان الهاشم لم يرتبط على ما يبدو بظلامة الشيعة في ظل نظام البعث!

سلطان هاشم في لقاء مع صدام حسين

والحال أن نظام ما بعد صدام في العراق بدد مأساة العراقيين في ظل البعث. صدام حسين نفسه، الطاغية الذي لا لبس في مدى تورطه بدماء العراقيين، جعله نظام ما بعد عام 2003 ضحية. فُصل رأسه عن جسمه في مشهد إعدام معلن وبشع انتقل عبره الجلاد إلى موقع الضحية. والأمر لم يقتصر على هذا المشهد، فقد انشغلت ضحية صدام بغنائم الحرب، وأهملت حقيقة أن قصتها مع النظام تحتاج لإعادة بناء وتأليف تساهم فيهما مختلف أطياف وأطراف الحكاية. 

انقضت ميليشيات الطوائف على الذاكرة وبددت جزءاً أساسياً من أرشيف كان يمكن أن يعين العراقيين على أن يتوافقوا على رواية واحدة عما جرى لهم في أيام حكم البعث. سلطان هاشم قائد الفيلق الذي نفذ عملية الأنفال، أم أنه مجرد ضابط محترف كان موجوداً في شمال العراق في الوقت الذي حصلت فيه تلك الحملة؟ الإجابة عن هذا السؤال كان يفترض أن تتولاها الوثائق التي خلفها نظام البعث، وتقاسمتها من بعده قوى وميليشيات ورثت النظام في أعقاب سقوطه.

صدام أنجب أشباهاً كثراً له، والبعث مبثوث في وعي ورثته، وهؤلاء ليس همهم تأسيس عراق مختلفٍ عن عراق صدام.

كنا في بغداد في حينها وكان الورثة يعبثون بذاكرة بلدهم ويبددون حكاية مأساة العراق الكبرى. الوثائق كانت متناثرة في الشوارع، وكثير منها معروض للبيع. الأكراد أخذوا حصتهم منها، وكذلك فعلت منظمة بدر وأحزاب أخرى. محاولة الإنقاذ الوحيدة تولتها في حينها مؤسسة الذاكرة العراقية، وهذه بدورها طُعن في نياتها، بعدما حولت وثائق الحزب إلى مؤسسة “هوفر” لتنظيمها، وهي اليوم في طريق عودتها إلى العراق. لكن يبقى أن الجزء الأكبر من أرشيف النظام ما زال إلى اليوم موزعاً على القوى وغير متاحٍ للباحثين، وهذا ما يجعل من التوافق على رواية واحدة للمأساة أمراً مستحيلاً، وما النقاش والانقسام حول سلطان الهاشم إلا أحد علامات هذه الاستحالة.

سلطان هاشم

كنت في الموصل حين اعتقل سلطان هاشم عام 2003 في إحدى نواحي العاصمة، وفي حينها تم تسليمه للأكراد بعد مفاوضات عشائرية شارك فيها ضابط في البيشمركة التقيته بعد العملية وأوحى لي في حينها أن الرجل مجرد ضابط في الجيش. وبعدها رفض الرئيس العراقي السابق الراحل جلال طالباني توقيع حكم الإعدام الذي صدر بحق هاشم. اليوم تصدر النقاش حول دور هاشم في حملة الأنفال مستشار طالباني هيوا عثمان، الذي اعتبر أن هاشم متورط بدماء الأكراد حتى عنقه، وهيوا صحافي وباحث يُعتد بما يقول. والفارق بين ضابط متورط في حملة دموية ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من العراقيين، وبين ضابط لم يتورط إلا بحكم تواجده على الجبهة الشمالية خلال الحرب مع ايران، فارق كبير وجوهري كان من المفترض أن يحسمه توافق العراقيين على حكاية واحدة لمأساتهم مع ذلك النظام.

لكن القصة العراقية هي اليوم أبعد من التوافق على ما حصل خلال حكم البعث. فصدام أنجب أشباهاً كثراً له، والبعث مبثوث في وعي ورثته، وهؤلاء ليس همهم تأسيس عراق مختلفٍ عن عراق صدام. أحزاب الشيعة تريد إلحاق عراقها بإيران، والسنة استجابوا لنداء “القاعدة” وأنجبوا بعدها “داعش”، والأكراد منفصلون بحكايتهم وبطموحاتهم عن عراقيي الشيعة والسنة. والرواية متنازعة بين صدام الطاغية والمجرم، وصدام في مشهد قطع الرأس الرهيب، وبين سلطان هاشم الضابط المحترف، وسلطان هاشم قائد الفيلق الذي نفذ حملة الأنفال. والعراق بطن ولادة لمزيد من الحكايات من هذا النوع، بدءاً من الحجاج بن يوسف الثقفي الذي خاطب العراقيين قائلاً “أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها”، والحجاج هذا لم يُتفق بعد، على إذا كان طاغية أم بطلاً.      

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.