fbpx

لن نموت بل سنحيا من أجله

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

شاهدت أماً سبعينية لا تنطق. كانت ممددة على الكنبة، وأنا لا أقوى على شيء سوى النظر الى جدران بيتها والى لطخات الدم. لم أتحدث كثيراً لكنني كنت في سرّي اشتم هذا الكوكب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مساعدة الناس ليست أمراً بدهياً، إذ ليس من السهل على من حلت به كارثة كجريمة تفجير مرفأ بيروت أن يتقبل “عطف” الغرباء بعد أن خذلته دولته. 

شعرتُ بثقل هذا الأمر وأنا أجول على أصحاب المنازل المدمرة في بيروت، فقد كنت ضمن مجموعات أوسع من شبان وشابات غصت بهم شوارع بيروت يحاولون ملء الفراغ الهائل الذي تسببت به دولتنا الفاسدة المجرمة. كنا نحاول المساعدة في كنس الزجاج والركام ومساعدة الأهالي.

خلال 48 ساعة زرت أكثر من6 شوارع مدمرة كلياً، ودخلت حوالي 12 بيتاً.  كان الألم طاغياً وبدا جامعاً لكل من فقد حبيباً أو بيتاً وكل من وجد مدينته كتلة من زجاج محطم ومباني مضعضعة. لكن المصيبة تجمع، هذا على الأقل ما جعل البعض يشعر بقليل من العزاء مع تهافت مجموعات واسعة للمساعدة. 

“تعبت، لم أعد أتحمل ما أراه في بيتي، صعب جدا استيعاب حب الناس، صعب جدا أن يدخل عليك أحد ويصلح ما تدمر فقط لأنه يشعر بك، لا تؤاخذوني لكن لا أستطيع إخفاء دموعي”، هكذا استقبلتنا سيدة ستينية وحيدة فقدت منزلها في الجميزة وما لبثت أن أجهشت بالبكاء. 

كان أمامي خيار وحيد، أن أهرب من دموعها وأن أبدأ بمعاينة ما يمكن ترميمه، لأن ما هو أصعب من انهيار الحجر، هو دمار النفس التي أمعنت السلطة بارتكابه ضدنا.  

في منزل آخر شاهدت أماً سبعينية لا تنطق. كانت ممددة على الكنبة، وأنا لا أقوى على شيء سوى النظر الى جدران بيتها والى لطخات الدم. لم أتحدث كثيراً لكنني كنت في سرّي اشتم هذا الكوكب. 

كان ابن السيدة يجول بنا في أرجاء البيت. المنزل واحد من بيوت بيروت العتيقة التي شيدت في الستينيات بأثاثه الخشبي العتيق المميز والذي لم يعد له مثيل له في عصرنا هذا. وكأنني دخلت بيروت القديمة ما قبل الحرب الاهلية، منزل مليء بالحنين لبيروت القديمة بأثاثها وعمرانها وروح أهلها. 

كل هذا بات اليوم ركاما.

وفيما يغلي الشارع بالمواطنين المتطوعين الذين يحاولون ملء الفراغ الهائل في ظل حاجة الناس لأبسط مساعدة، تأتي أخبار عاجلة تنقل لنا أنباء عن عرقلة السلطة للمساعدات الإنسانية من قبل المنظمات غير الحكومية وبعض الدول الخارجية. تضج المواقع بتصريحات كارثية لزعمائنا المجرمين، غير آبهين بحجم الدمار، وكأنه مجرد “حادث” كما صرح أكثر من مسؤول بينهم! 

الناس هنا يبحثون عن ضمادة جرح وأمور أولية بسيطة لم يؤمنها لهم أحد من الدولة التي تسببت في كل هذه المأساة.

على الطريق، وجوه قاتمة متعبة، لا تملك سوى تعاطف الناس من حولها. أطفال وعمال سوريون وآسيوين وأفارقة وشبان وشابات يعملون بجد يكنسون الطريق، يزورون البيوت من دون سابق معرفة، يعاينون الخسائر يسجلون الملاحظات على الورق، ويباشرون بالعمل من دون تردد. سيارات من كل المناطق تصل الى الشوارع المدمرة، وبخفة وسرعة تفتح أبواب السيارات كاشفة ما تيسر من مؤن وأطعمة ويقومون بتوزيع الاكل الطازج والمشروبات على أنواعها.

ما خسرناه لا يمكن أن يعود في ظل طبقة حاكمة مجرمة. لا معنى لإزالة الركام والترميم، ان لم يستكمل في اقتلاع مجرمي السلطة. هذه النار التي ابتلعت بيروت، واجب علينا

فرق أخرى من الشباب يوزعون أدوات التنظيف ومكانس وجميع المعدات الأولية اللازمة لإزالة الردم. مجموعات أخرى يوزعون المعقمات الخاصة باليدين والكفوف والكمامات، فبالاضافة الى كل هذا الدمار والازمة الاقتصادية، لا زالت جائحة كورونا تفتك باللبنانيين، من دون تدابير وقائية حقيقية من قبل الدولة، على الأقل هذا ما شهدناه من وزير الصحة الذي رقص بين الجموع قبل أسابيع قليلة من دون تباعد اجتماعي فقط لأنه يعتقد ان المرض اختفى من لبنان! في الحقيقة استخدام علامة التعجب في هذا المقال قد لا يوفي استغراب الناس لتصرفات هذه السلطة. 

وفي الشارع بينما نجول، يبدو مشهد رجال الامن من حولنا مستفزاً، إذ لا يشارك هؤلاء في عمليات الاغاثة وازالة الردم وكأن دورهم انحصر في قمع الاحتجاج حماية السلطة. اعترض طريقنا عنصر أمنى اتضح لنا فيما بعد أنه أوقف عربة الشرطة في منتصف الطريق لأن أحد المواطنين وجه له ملاحظة على وقوفه مكتف اليدين، فنظر الينا وقال “انا أيضا بيتي تدمر، لماذا لا تتضامنون معي!” 

معه حق لماذا لا نتضامن معه؟ الجواب بسيط، نحن الرافضين للقمع والمذلة، لن ندافع عمن يقف بوجهنا ضد من أذلنا. 

التعب ليس في عمل يوم أو يومين شاقين من شمس وعطش وازالة ركام والاستماع الى آلام من خسر حبيباً وليس تعباً نفسياً من دموع وصراخ وحزن وآلم، التعب هو لأن ما خسرناه لا يمكن أن يعود في ظل طبقة حاكمة مجرمة.

لا معنى لإزالة الركام والترميم، ان لم يستكمل في اقتلاع مجرمي السلطة. هذه النار التي ابتلعت بيروت، واجب علينا أن نمحي فيها صدأ السلطة السياسة. نحن لن نموت من أجل لبنان، بل سنحيا من أجله. 

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.