fbpx

تعطيش الحسكة… هل أُعلنَت حروب المياه على العرب؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عاشت مدينة الحسكة أزمة مياه قاتلة، تعد الشكل المثالي لما يمكن أن تصبح عليه مأساة عدد كبيرٍ من المدن والدول العربية التي تعيش تحت رحمة المياه التي تأتيها من الأنهار التي تنبع من الدول المجاورة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بدأت خلال شهر آب/ أغسطس 2020، مقدمات ما كان سكان المنطقة يخشونه على الدوام في يقظتهم ونومهم، من دون أن يكون في يدهم رده، ألا وهو حروب المياه التي يمكن أن تُشنَّ عليهم بكل كفاءة وتأثير، لأنهم وصلوا إلى مرحلةٍ من العجز والاستكانة تمنعهم من منع نشوبها أو ردها أو التأثير في مجراها. فبعد أيامٍ من ضلوع تركيا في قطع المياه عن الحسكة السورية وتعطيش أهلها لمدة 20 يوماً، قطعت إيران مياه نهرين يصبان في العراق ويُعدان من شرايين الحياة بالنسبة إلى أهله، وتزيد مآسي هذا البلد بعد خفض تركيا حصة العراق من مياه دجلة والفرات. ويأتي هذان الحدثان فيما تعيش مصر والسودان هاجس العطش الذي سيسببه تشييد سد النهضة الإثيوبي، والذي لم تفلحا في إجبار إثيوبيا على تعديل جدول تعبئة خزانه أو تغيير حجم التخزين فيه.

وعاشت مدينة الحسكة أزمة مياه قاتلة، تعد الشكل المثالي لما يمكن أن تصبح عليه مأساة عدد كبيرٍ من المدن والدول العربية التي تعيش تحت رحمة المياه التي تأتيها من الأنهار التي تنبع من الدول المجاورة. وعلى رغم أنها لم تمتد سوى لفترة قصيرة، بين 10 و14 يوماً، فقد سببت العطش لحوالى مليون نسمة من سكان المدينة والنازحين إليها، وأدت إلى وفيات عدة، وفق بعض الأنباء، بسبب العطش. ومع أن المياه لا تأتي من أحد أنهارها، بل من 30 بئراً حُفرت لتزويد محطة مياه “علوك” في منطقة رأس العين بالمياه العذبة، إلا أن مصادر “الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا” قالت إن تركيا هي التي قطعت المياه عن المدينة بعد قطع التيار الكهربائي عن المحطة، والتي تعتمد عليها الحسكة في التزود بالمياه الصالحة للشرب.

وقالت مصادر الإدارة إن تركيا قطعت الكهرباء ردّاً على رفض الإدارة الذاتية زيادة كمية الكهرباء المخصصة لرأس العين التي تسيطر عليها تركيا. ولم تعد الكهرباء للمحطة إلا بعد تدخلات روسية ومناشدات دولية، وبعد قطع الإدارة الذاتية الكهرباء عن رأس العين بالكامل. وتفيد أنباء بأن هذه هي المرة العاشرة التي تقطع فيها المياه عن الحسكة بعد احتلال تركيا رأس العين في إطار حملتها العسكرية التي شنتها، في 9 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تحت اسم “نبع السلام”. وإن كان لتركيا يدٌ في قطع المياه عن الحسكة، هذه المرة أو في المرات السابقة، أم لم يكن، فهي تتحمل المسؤولية المباشرة عن هذا العمل، لأنه يعد من تداعيات تدخلها في سوريا وإزكاء الحرب فيها بعد شنها الهجمات على قوات سوريا الديموقراطية.

ويأتي هذا الأمر بعد تخفيض تركيا كمية المياه الواردة إلى سوريا والعراق إلى ربع الكمية المتفق عليها بين الدول الثلاث، خصوصاً بعد تشغيل سد “إليسو” التركي على نهر دجلة. وقالت تقارير صحافية إن نسبة المياه الواردة عبر نهر الفرات في سوريا وصلت، في شهر حزيران/ يونيو الماضي، إلى ربع الحصة التي حددتها اتفاقية عام 1987 بين سوريا وتركيا، وهي 500 متر مكعب في الثانية كمعدل سنوي. ولم يصل الفرات إلى هذا المعدل من الشح خلال السنوات السابقة المشهودة، وأصبح كما وصفه أحد الهاشتاغات التي انتشرت يومها: “الفرات تحول من نهرٍ عظيم إلى مستنقعات”. وعلى رغم أن البنتاغون الأميركي، وفي إطار تقييم شاملٍ له للصراعات المستقبلية المحتملة، عام 1992، توقع أن تكون سوريا وتركيا من بين 10 بؤر لحروب تندلع بسبب المياه، إلا أنه لم يضع باعتباره أن تكون بين طرفين غير متكافئي القوى كما هو الوقت الحالي بعد إنهاك سوريا في الحرب المندلعة منذ عام 2011. وإن لم تكن هذه حرباً تؤثر في الحواضر على جانبي النهر، وتهدد بتصحر مدن بكاملها وتشرِّد أهلها، فكيف تكون الحروب؟

على رغم أن الأزمة لم تمتد سوى لفترة قصيرة، بين 10 و14 يوماً، فقد سببت العطش لحوالى مليون نسمة من سكان المدينة والنازحين إليها.

ولزيادة الطين بلة، قطعت إيران المياه الواردة إلى العراق عبر نهري سيروان والزاب الأسفل. وقال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية، عوني ذياب، في تصريح لوكالة الإعلام العراقية، في 22 آب: “وزارة الموارد المائية رصدت هذا الانخفاض قبل 4 أيام تقريباً، وجدت نقصاً كبيراً جداً في نهر سيروان من 47 متراً مكعباً في الثانية إلى 7 أمتار مكعبة في الثانية، والتصاريف في مقدمة سد دوكان في نهر الزاب الأسفل وصلت إلى مترين مكعبين في الثانية، وهذا يعني تقريباً القطع الكامل للمياه”. وتعتمد محافظتا ديالي وكركوك بالكامل على مياه النهرين، علاوة على أن فائض مياه نهر الزاب الأسفل التي تزيد عن حاجة مدينة كركوك تصب في نهر دجلة لتستفيد منها بقية المحافظات القائمة على ضفتيه، ما يعني حرمان هذه المحافظات كمية وازنة من المياه.

أما مصر التي تعتمد بنسبة تتراوح بين 80 و85 في المئة في تأمين مياهها على النيل، فدخلت مرحلة الكابوس المتعلق بمستقبل الحياة فيها بعد بناء إثيوبيا سد النهضة الذي يهدد حصتها من المياه المتوقعة أن ينخفض نصيب الفرد منها من 2500 متر مكعب سنوياً إلى 600 متر مكعب، بحسب ما جاء في ورقة علمية بعنوان: “الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه سد النهضة الإثيوبي” الصادرة عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات بداية شهر آب 2020. وأصبح هذا السد بمثابة التحدي الوجودي لمصر، والذي وقَّع رئيسها، عبد الفتاح السيسي، على وثيقة إعلان المبادئ، عام 2015، التي اعترفت بحق إثيوبيا ببناء السد، وبالتالي كانت الورقة التي خولت إثيوبيا الحصول على قروض للمشروع، الذي كان متوقفاً لحين اعتراف مصر والسودان بحق إثيوبيا في بناء السد وهو ما وفرته الوثيقة.

وبرز لإسرائيل دورٌ استشاريٌّ، وربما تمويليٌّ في بناء سد النهضة، إضافة إلى تزويدها إثيوبيا بمنظومة دفاع جوي نوع “سبايدر أم آر” نُشرت حول السد لحمايته من هجمات مصرية محتملة في حال ازداد الصراع المصري الإثيوبي حوله حدةً. وبمجرد وجود أصابع لإسرائيل في تقوية موقف إثيوبيا، يمكن استشراف خطر يحدق بالدول العربية. ومن الملاحظ أن الدول العربية فقدت أسباب القوة التي تساعدها على رد الحرب المعلنة عليها والمتمثلة في بناء السدود على الأنهر التي تمر في أراضيها وتهدد الحياة فيها تهديداً جدياً. أما ما اقترحه بعض العراقيين في ممارسة الضغط الاقتصادي على إيران وتركيا لإعادة حصة العراق وحصة سوريا من مياه نهري دجلة والفرات فلا يتعدى مرحلة التمنيات؛ إذ إن هذه الدول لم تعد تملك من قرارها السياسي والاقتصادي ما يسمح لها بممارسة ضغطٍ كهذا. كذلك تخلصت الدول العربية من مبدأ التضامن الجدي العادل بين دولها، هو ما جعل الدول النافذة تتمادى في الإضرار بها، وهي مدركة أن معجزة ما لن تتحقق وتنقذ هذه الدول مما خُطِّطَ لها ويأخذ طريقه للتنفيذ أمام عيونها وفي ظل عجزها.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.