fbpx

متضررو تفجير بيروت: “دولتنا عملت فينا أكتر من إسرائيل”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هنا في أفقر مناطق بيروت والتي أصبحت دماراً، مسنّون يريدون أن يعيشوا بقية حياتهم بشيء من الراحة والكرامة بعد الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي، وهناك من يردّد: “باقون، لأن هذه الأرض لنا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“عملوا فينا أكثر من ما عملت فينا إسرائيل!”، جملة كررها زوج زينب ضو المسنّ والعاطل من العمل وهو أحد سكّان منطقة الكرنتينا في بيروت، بعدما فجّرت الدولة اللبنانية فسادها بانفجار كبير في 4 آب/ أغسطس 2020. كان الانفجار الكبير القشّة التي قسمت ظهر البعير ودفعت مواطنين إلى الشعور بأن عدوّهم الداخليّ أشدّ فتكاً من عدوّهم الخارجي وأصبحوا يقارنون لوعة الوجع بين العدوين، ويردّدون: “على القليلة إسرائيل منعرفها عدو”. 

وسط الركام، منزل أزرق يقع في أوّل منطقة الكرنتينا، يتألّف من طبقتين ويبتعد متراً واحداً تقريباً من منزل آخر مدمّر بشكل كامل. في الطبقة الأرضية لا شيء سوى غرفة جلوس متواضعة، أما الطبقة الأخرى فلا نستطيع تمييز غرفها، جميعها خالية بسبب قوّة الانفجار الذي حوّل كلّ شيء إلى بقايا تضج بالذكريات، حتّى أن الأسرّة أصبحت مجرّد خشب مفكّك مخلوع لا يحتمل فرشة صغيرة. ومع هذا الخراب الذي ألحق بزينب ضو وعائلتها، ما زالت تصرّ على البقاء في منزلها مهما كلّف الأمر. تردّدت زينب قبل أن تتكلّم، ثمّ قالت: “شو بدنا نضل نخاف؟ خلص بطّل في شي نخسره، بدي احكي!”. زينب ربّة منزل، تسكن في الكرنتينا منذ أكثر من ثلاث سنوات أي بعدما اضطرّت إلى إخلاء منزلها في أرض جلّول. الآن، زوجها عاطل من العمل وابنها جريح إثر الانفجار، وهي تؤكّد أن هذه الأيام هي أصعب ما مروا به على الإطلاق.

على رغم مآسي الحرب التي عاشوها، ووضع المنطقة التي أجبروا على التأقلم فيها، كانوا  بخير، يتدبّرون أمورهم، أمّا الآن، فالأذى ألحق بالسّقف الذي يأويهم. يأتي عناصر من الدفاع المدني ويحذّرونهم، داعين إياهم إلى ضرورة إخلاء المبنى لانه غير صالح للسكن، لكن زينب تصر: “أريد أن أبقى هنا حتى لو تهدّم هذا المنزل على رأسي، أنا باقية هنا”.

ولكن حتماً ليس هذا السبب الوحيد لتمسّكها بمنزلها الذي ليس ملكها أصلاً انما تدفع إيجاره شهرياً، السبب الاخر والذي تحاول أن تغفل عنه قدر الإمكان، هو أنها لا تملك وعائلتها مكاناً آخر للسكن وخصوصاً مع المحنة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان.

 في الطريق إلى الأحياء، رجل عجوز يجلس على حجرة على الأرض والدمعة في عينه يتأمّل بحسرة وصمت منزله الذي أصبح تراباً. لكنه رفض أن يتكلّم معنا لأنه لم يعد يحتمل حجم المآسي حتى أنه رفض أن يذكر اسمه وقال: “عمّي، سكّر راسي!”. دخل جيرانه على الخطّ، وقالوا إن هذا العجوز لم يعد يملك شيئاً، وتدمّر منزله بالكامل ولم يسأل عنه أحد، وأصبح الحجر كرسيّه الجديد الذي يسند عليه الشقاء والتعب، ويتخوّف من أن يصبح الشارع مأواه لما تبقّى من حياته.

“عملوا فينا أكثر من ما عملت فينا إسرائيل!”، جملة كررها زوج زينب ضو المسنّ والعاطل من العمل وهو أحد سكّان منطقة الكرنتينا في بيروت.

وعلى بعد أمتار قليلة، تجلس أم محمّد على باب منزلها (طبقة أرضية) المخلوع وتأكل رغيفاً من الخبز مع قطعة جبنٍ. تبتسم لكل من يقترب منها بانتظار أن يساندها أحد في محنتها. زوجها مسنّ أيضا ولا يعمل، وابنها شاب قالت إنه يبلغ العشرين من العمر، أيضاً لا يعمل. الدولة في خبر كان، المنطقة منكوبة بالكامل مسنّون في الشوارع ولم تأت لمعاينة الأضرار أو حتّى لتدوين أسماء المتضرّرين كخيط من الأمل لمساعدة ما، قد تصل، حتى مع أن السكان يعلمون ضمناً أن ذلك كله سيكون حبراً على ورق. من شدّة غضبها وقهرها، تصرخ أم محمّد: “وين الدولة؟ ليش في دولة؟ لو في دولة كانت على القليلة عطيتنا ضمان، أنا وزوجي عاجزين ما في مين يعينّا”. وتؤكد أن منزلها هو شقاؤها وشقاء زوجها لسنين طويلة، وبغمضة عين كل ذلك اختفى! وهي لا تنتظر من الدولة شيئاً مهماً، تريد فقط بعض الإصلاحات كي تتحسّن أوضاعها، ولا تقول سوى: “الحمد لله الذي سلّم لي ولدي وزوجي”. 

على رغم مأساة المشهد، هناك من لم يعد يكترث لشيء، فالخسارة أكبر من كتم الكلام والخوف. علي محمود، شابٌ في أواسط العشرينات من عمره يجلس مع شبّان في القهوة حيث يتبادلون الأحاديث ويحاولون نسيان ما حلّ بهم من خلال تبادل الهموم. سارع إلى الكلام، محاولاً تفادي الشتائم. مأزوم وتائه، وكأن مستقبله قد احترق قبل أن يبدأ، يوضّح مراراً ان لا أمل ولا كرامة بوجود هذه السّلطة التي تجاهلتهم قبل الانفجار وزاد ذلك بعده. يقول علي بنبرة عصبية: “حتى لو بيتنا منقدر ننام فيه، بس هيدي حياة؟ يفلّوا بقى.”

لم يرحم هول الانفجار الأطفال في الكرنتينا. فهناك أطفال لا يجيدون النوم خوفاً من أن يقع انفجار آخر ويرجون أهلهم لمغادرة المنطقة فوراً.

تحاول فرق من المتطوعين مساعدة السكان، وبينهم لاجئون سوريون هربوا من حرب بلدهم ليصطدموا بحروب أخرى، لتخطي هذه المرحلة أو على أقلّ تخفيف مأساتها. يوزعون حصصاً غذائية وأيضاً يعينون الصغار على آلامهم، إذ يسعى بعض المتطوّعين في المنطقة إلى إلهائهم بألعاب مختلفة أو نشاطات صغيرة تنيسهم حدّة الرّعب ولوْ لدقائق محدودة.

الكرنتينا منطقة قريبة جدّاً من موقع الانفجار وهي من المناطق الأكثر فقراً في بيروت. يعيش فيها حوالي 27 ألف نسمة من لبنانيين ولاجئين سوريين، وكانت هذه المنطقة عانت قديماً من مشكلات كثيرة، خصوصاً خلال الحرب الاهليّة وبعدها وآخرها أزمة النفايات، فمكبّ النفايات الاساسي لبيروت كان في الكرنتينا. زادت الأعباء عبئاً آخر لتنال النصيب الأكبر من الانفجار، إذ دمّرت منازل وأبنية بحالها وذلك نظراً إلى هشاشة العمار في تلك المنطقة.

يذكر أيضاً أن في منطقة الكرنتينا مستشفى حكومياً مهماً، إذ يعتبر المخزن الاساسي لأدوية الأمراض السرطانية والمزمنة، إضافة إلى قسم مهم لمعالجة الأطفال، إلا أن حجم الكارثة لم يترك من المستشفى سوى اسمه، والاعتماد اليوم هو على المستشفى الميداني المحيط بها.

هنا في أفقر مناطق بيروت والتي أصبحت دماراً، مسنّون يريدون أن يعيشوا بقية حياتهم بشيء من الراحة والكرامة بعد الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي، شباب وشابّات يسعوْن إلى لملمة ما تبقّى من أحلامهم المتبعثرة ويهاجروا بها الى الخارج، وأطفال سيحاولون جاهدين محو هذا اليوم من ذاكرتهم. ومهما كبرت المعاناة، هناك من يردّد: “باقون، لأن هذه الأرض لنا”.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.