fbpx

إفصاح المعنفات العربيات … جذور التشكيك بالضحية والتبرير للفاعل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تكاد تفصح امرأة عربية عن تعنيف تعرضت له من زوجها أو أحد أقاربها حتى يواجه افصاحها بالتشكيك بالرواية، والتبرير للمعنف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وإن كان التبرير يستمد حججه من ثقافة اجتماعية دينية ذكورية محافظة، فالتشكيك مصدره سياق آخر، يتصل بالنقد الذي يوجه في الغرب للأفكار النسوية وللصواب السياسي ككل. 

المشككون العرب، يجتزؤون من مراحل تطور الفكر النسوي في الغرب وعلاقته بالأفكار التي تعاقبت، وما تزال، حقبة واحدة تتعلق بإشكالية فرض الحساسية النسوية ضمن خطاب من الصواب السياسي، لا يغير، حسب منتقديه، في الجوهر بقدر ما يوحي بتغيير في الشكل. وهي إشكالية طرحت في الفترة الأخيرة ليس بخصوص ما هو نسوي وحسب، بل بخصوص جميع الأقليات من سود ومثليين ومهاجرين وغير ذلك. وإن كان طرحها مرتبط بالنقاشات العامة حول مسألة الصواب، فهو كذلك مرتبط بحيوية الأفكار حول النسوية في الغرب، وتحولها من مظلومية حقوقية، إلى جزء من المتن المعرفي، أي مرورها بسياق طويل، من النضالات والمكاسب والتغيرات في القوانين والذهنيات. وضمن هذا السياق يمكن ملاحظة نسويات متعددة، وأحياناً متنافسة، تختلف في مقارباتها، انطلاقا من تفاوت الرؤية التي تؤمن بها. نقد النسوية بوصفها فرضاً ضمن قيم الصواب، يرتبط إذا، بمسار من التطور المعرفي وتراكم الأفكار في الغرب، واجتزاء هذا النقد ونقله للعالم العربي، سيكسبه معان ودلالات مختلفة عن تلك التي تُخلق في الموطن الأصل.

النقد المتجزأ من السياق الغربي، لا يستوي مع موقعها، بل هو يكرس هذا الموقع، عبر إنكاره ونفيه، وافتراض أن النساء يملكن موقعاً أكثر تقدماً على غرار ذلك الموجود في الغرب.

فالمرأة العربية، على تفاوتات الأوضاع في دولنا، تعيش ضمن بيئة معادية، تبدأ بالتحرش في الأماكن العامة والتعنيف في المنازل، وتنتهي بالتمييز في القوانين، مروراً بتصورات دينية واجتماعية وذكورية، تقلل من شأنها. بمعنى أنها تناضل للحصول على الحد الأدنى من حقوقها، وإيجاد مساحة آمنة نسبياً لمواصلة العيش دون خسائر نفسية وجسدية. وعليه، فإن النقد المتجزأ من السياق الغربي، لا يستوي مع موقعها، بل هو يكرس هذا الموقع، عبر إنكاره ونفيه، وافتراض أن النساء يملكن موقعاً أكثر تقدماً على غرار ذلك الموجود في الغرب. الأمر أقرب إلى القفز فوق مظالم نساء المنطقة، واختراع حيز جديد لهن، يتخيلهن في موقع القوة لإضعافهن أكثر، والموقع هذا لا يفترض فقط أن المرأة حصلت على حقوقها، بل وأيضا يفترض أنها تستثمر بمظلوميتها “السابقة” للحصول على مكاسب شخصية عبر خلق مناخ تشكيكي لا يركز على الاضطهاد نفسه بل يبحث عن شبهات الاستثمار به.   

فالمرأة التي تتعرض للتحرش في العمل، هدفها النيل من مديرها، والتي تكشف عن تعرضها لإفشاء أسرار شخصية هدفها تحسين شروط فصلها، والتي تكشف تعنيفها من قبل زوجها فهي تسعى لإحراجه والتشهير به ضمن مبارزة قضائية. هكذا، تتحول آلام النساء إلى سلوكيات لابتزاز الخصوم، بفعل الخطاب الذي يجري إسقاطه على العالم العربي، دون حساسية لأوضاع المرأة ومعاناتها.

والحال، فإن هذا الخطاب الذي يزرع التشكيك بأي اضطهاد تتعرض له المرأة العربية، معطوف على آخر، أصيل وجذري يتصل بالبنى السياسية والثقافية والدينية والاجتماعية، في المنطقة، ويمد المعنف بالمبررات لمواصلة تعنيفه دون أي شعور بالمسؤولية. فمجرد أن تفصح امرأة ما عن اضطهادها، يجري تسويق حجج، حول الخصوصية المنزلية وعدم التشهير بالعائلة، وضرورة الاستماع للطرف الثاني، ومعرفة حقيقة سلوكها معه. وإن كان الخطاب الثاني مألوف بحكم القيم الصلبة المعادية للمرأة، ويسهل تفنيده والرد عليه، فإن الخطاب الأول، ينتمي لتطورات الحداثة الغربية، وتفنيده، يتطلب الفصل بينه وبين الموقع المتخيل الذي يريد أن يموضع المرأة به، ليضعفها أكثر، عبر الإيحاء أنها متمكنة قانونيا ومجتمعياً ودينياً، وذلك بالاستناد إلى اجتزاء حقبة من حقبات التطور النسوي بالغرب وإسقاطها عربياً.

وخطورة هذا الخطاب لا تكمن فقط بموضعة المرأة بالضد مما هي عليه، بل وأيضاً، في إنهاء إي إمكانية للاستفادة من تجربة الغرب لتحسين أوضاعها عندنا، إذ إن هذه التجربة تصبح محصورة بنقد موقع النسوية في الصواب السياسي، وليس الاستفادة من السياق التحرري للمرأة في الغرب، بوصفه سياق متراكم انتهى بنقد الصواب، ولم يبدأ به.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.