fbpx

التحرّش في إيران وصمت الضحايا… المعتدي غالباً من العائلة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“فضّلتُ أن أعاني بصمت وألا أشهد تفكك عائلتي… في بعض الأحيان يكون من المهم جداً أن تُحافظ الأسرة على سمعتها”، يُدرك الأطفال أنّ عليهم التستّر على معاناتهم من أجل حماية سمعة الأسرة في إيران.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لم أستطع إخبار عائلتي” هذا أمر واقع، ويتكرّر مع كثيرين تعرّضوا للإيذاء والتحرّش الجنسي. القليل من الضحايا يروون هذه التجارب المريرة، وهؤلاء الآخرون الذين يسرّ ضحايا التحرّش لهم، ليسوا بالتأكيد من عائلاتهم أو أقربائهم من الدرجة الأولى، وهذه الملاحظة هي واقعُ الحال في إيران على الأقلّ (نظراً إلى غياب إحصاءات رسميّة حول هذا)، وتكون العائلة عادة هي آخر مكان تكسر فيه الضحية صمتها وتتحدّث عمّا تعرّضت له/ لها.

في إيران، إحصاءات الاغتصاب والتحرّش الجنسي غير موثوق بها تماماً، إذ لا يتم الإبلاغ عن 80 في المئة من الحالات، كما أنّ دعم ضحايا الاغتصاب في إيران هو في الحدّ الأدنى، سواء قانونياً أو داخل الأسر، لكن لماذا الأسرة هي المكان الذي لا يُمكننا التحدّث فيه عن التحرّش الذي رأيناه أو عايشناه، وبخاصة التحرّش الجنسي؟ لقد تحدّثت عن هذا الأمر لمرات عدة مع من هم من حولي.

قصص التحرّش الجنسي، ابتداء من التحرّش اللفظي وانتهاء بالتحرّش الجسدي والاعتداء الجنسي، هي كثيرة جداً، لدرجة أنّنا عندما نجلس معا يُمكننا التحدّث لساعات عن تجاربنا الشخصية وتعليقاتنا وملاحظاتنا حول ذلك، ولكن حتى في بيئة آمنة وودّية، فإنّنا نتحدث عن التحرّش من قبل الغرباء في الأماكن العامة وحسب، بينما 90 في المئة من التحرّش الجنسي يحدث من قبل المعارف (بما في ذلك العائلة والأصدقاء)، وبناءً على المشاهدات والدراسات والتقارير المنشورة، يمكن توضيح سبب تفضيل الضحايا إخفاء تجربتهم عن الأسرة بشكل أو بآخر.

أحد أهم أسباب هذه السرّية هو أنّ المعتدي أو المغتصب غالباً في هذه الحالات يكون أحد أفراد الأسرة، والمعتدى عليه لا يبوح بأيّ شيء حتى لا يتسبّب في تفكّك الأسرة. قال شخص من محيطي لي، “منذ الصغر كنتُ أعرف أنّ الأزمات في منزلنا لا تُدار بشكل جيد، والداي لا يملكان القدرة على حلّ المشكلات غير المتوقّعة، وإذا أخبرتهم، فقد يكون يحصل عراكٌ جسديّ أو قد يصل حتى القتل، ولم أكن أرغب في ذلك”.

في إيران، إحصاءات الاغتصاب والتحرّش الجنسي غير موثوق بها تماماً، إذ لا يتم الإبلاغ عن 80 في المئة من الحالات.

“فضّلتُ أن أعاني بصمت وألا أشهد تفكك عائلتي. في بعض الأحيان يكون من المهم جدا أن تُحافظ الأسرة على سمعتها”، ويُدرك الأطفال أنّ عليهم التستّر على معاناتهم من أجل حماية سمعة الأسرة. أحياناً لا يكون السبب هو الخوف من القتل أو العار، ولكن الأسرة تكون ضعيفة جداً وهشّة في مواجهة الأزمة لدرجة أنّ الضحيّة تفضّل أن تتحمّل عبء هذا الحدث وحدها، حتى لا تُضيف معاناة أخرى إلى الأسرة.

“كنت أعرف أنّهم لن يصدقوني”. وهذا سبب آخر للصمت وهذه هي الكلمات التي تسمعها من الضحايا، فعدم تصديق الأسرة سبب آخر لصمت الضحايا. غالباً ما يكون أولئك الذين اعتدوا في الخفاء على أطفالهم جنسياً موقع ثقة الوالدين، لذا لا يمكنهم قبول أنّ أحد المقربين يمكنه أن يكون المُعتدي أو المُغتصِب. الكثير من الذين يتحدثون مع عائلاتهم عن تجاربهم في التحرّش، خاصة عندما كانوا أطفالا، يتم إطلاق صفة “الكذّابين” عليهم. 

تُظهِر إحصاءات من استطلاع أنّ 98 في المئة من تقارير التحرش الجنسي حقيقيّة، في حين أنّ 1 من كلّ 3 ضحايا أطفال لا يتم تصديقهم بعد بوحهم بالتعرّض للتحرّش الجنسي، وتعتقد عائلات كثيرة أنّ كلام الطفل نابع من تخيلات، ولا يُمكن أن يكون صحيحاً، لأنّ هناك نوعاً واحداً فقط من التحرّش الجنسي، وهو اغتصاب شخص بالغ غريب في مكان منعزل خارج المدينة لشخص بالغ آخر. في معادلاتهم، لا مكان لاغتصاب الأطفال من قبل معارفه المقربين أو حتى من أحد أفراد الأسرة.

90 في المئة من التحرّش الجنسي يرتكبه مقرّبون (بما في ذلك العائلة والأصدقاء).

“لو بُحت، لألقوا اللوم عليّ”. هذا سبب آخر لعدم البوح. غالباً ما تختلف أنماط حياة الأطفال الذين يدخلون سنّ البلوغ أو في فترة الشباب والمراهقة عن الوالدين، وهذا أحد الأسباب الرئيسة لاختلاف الآباء والأطفال حول أنماط حياتهم ومعتقداتهم وملابسهم وعلاقاتهم الاجتماعية، بخاصة في إيران، حيث نسبة كبيرة من الأطفال لا يزال ذووهم متديّنين أو تقليديين.

الخلافات حول شكل اللباس والسلوك وطبيعة الاهتمامات، والأصدقاء والعائلة، وتوقيت الخروج والعودة إلى البيت، والعلاقة مع الجنس الآخر، هذا كلّه يتسبب في أن يعيش الكثير من الأطفال حياة مزدوجة بعيداً من أعين العائلة، وعندما يحدث لهم مكروه لا يقولون شيئاً، خوفاً من التشكيك في خياراتهم، والأهمّ من ذلك، عدم منح الأسرة أسباباً لفرض المزيد من القيود. ففي مجتمعنا، هناك الكثير من العائلات يتّهمون ضحايا التحرّش الجنسي بأنّ سلوكهم سبب في حدوث التحرّش، لذلك يوجّهون أصابع الاتهام إلى الضحية بدلاً من المعتدي/ المتحرّش.

بالنسبة إلى الكثير من الأطفال، وبخاصة الفتيات، فإنّ الحريات التي اكتسبوها بعد صراع طويل مع أسرهم أهمّ وأغلى من كسر حاجز الصمت، كأنّهم يقولون “لن أكسر صمتي حتى لا تتعرّض حريتي للتهديد”.

أمر آخر يعدّ سبباً في عدم بوح الضحية وهو عدم تعامل الأسرة مع حوادث التحرّش بجدية والاستخفاف بها. لقد كان لديّ أصدقاء، عندما أخبروا أسرهم – وبخاصة الأم – بما حدث لهم، سمعوا الإجابة التالية: “أنت تبالغ في القضيّة كثيراً”. فبالنسبة إلى بعض العائلات، يبدو أنّ رد الفعل هذا هو وسيلة للهروب من الأزمة، وحلّ المشكلة. 

هناك آباء وأمهات يعتقدون أنّهم إذا قلّلوا من أهمية الاعتداء أمام أطفالهم، ستصبح المشكلة صغيرة وغير مهمّة بالنسبة إلى أطفالهم، في حين أنّ هذه الطريقة في نظر الطفل هي علامة على عدم التعاطف أكثر من كونها محاولة حلّ المشكلة.

إنّ تحريم الحديث عن الجنس، ونقص التثقيف الجنسي، من الأسباب التي تجعل الضحايا يصمتون أمام عائلاتهم، ولا يعرف الأطفال اللغة التي يجب أن يتحدّثوا بها عن الإساءة التي عانوا منها. في كثير من الأحيان لا مجال للحوار، والأم والأب يربطان أيّ إشارة للجنس بالحجاب واختفاء الاعتبارات الأخلاقية، وأحياناً لا يناقشان الأمور الجنسية مع أطفالهما أبداً.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الأسرة في هذه القصة ليست مجرد أم وأب وطفل، بل يُخفي كثر من الضحايا المعتدى عليهم، تجربتهم عن أزواجهم أو شركائهم، كما يُخفي كثيرون تجربة التحرّش الجنسي عن أطفالهم البالغين. 

تنطبق الكثير من الأسباب المذكورة في هذه المقالة أيضاً على كتمان هذه الأسرار وعدم البوح بها، فقد سمعت مرات عدة أنّ المُعتدى عليها روت قصة التحرّش لزوجها، فأصبح الزوج متشكّكاً حيالها أو حتى فكّر في إنهاء العلاقة معها، لأنّ استمرار العلاقة يذكّره باستمرار بهذا الحادث.

لكن ماذا نتوقع من العائلة؟

لهذه الأسباب، يمكن فهم “الصمت” على أنّه رغبة أو بالأحرى حاجة الضحايا أن يتم تصديقهم فيلجؤوا إلى ملاذ آمن من خلال بوحهم واستعادة بعض الأمان النفسي والجسدي. يُريد الضحية أن تسمع الأسرة قصته/ها دون تحيّز، وأن تصدّقه/ها دون أن تضع اللوم عليه/ها، ويعرف الشخص المعتدى عليه/ها من خلال التجربة أنّ الصمت عن التحرّش الجنسي وعدم إخبار الأسرة به، يشجّع المُعتدي/ المتحرّش على المزيد من التحرّش والاعتداء. 

الصمت يمنح الأمان للمعتدي/ المتحرّش ويجعله أكثر جرأة على تكرار الاعتداء، ومع ذلك فهناك العديد من الضحايا الذين يتعرّضون للاعتداء خوفا من معاقبة الأسرة لهم، لأنّهم يشعرون أنّهم لن يحصلوا على دعم الأسرة بالطريقة المطلوبة.

يقول الضحايا الذين رأيتهم أنّهم لو تلقّوا تثقيفا حول الحياة الجنسية، وخاصة التحرّش الجنسي في الأسرة والمدرسة، لكانوا أقلّ عرضة للتحرّش، بل لكانوا قد تعاملوا معها بوعي أكبر في حال حدوث التحرّش، ولاستطاعوا الحديث دون خوف وإحساس بعدم الأمان عن التحرّش الذي تعرضوا له.

هذا الإجراء لم يفت أوانه بعد، فمتى ما تم القيام به، فهذا أوانه ووقته وأن يحدث ذلك متأخرا، خير من ألا يحدث أبدا.