fbpx

النظام الصحي اللبناني في “العناية الفائقة” : أربعة أطباء يشرّحون حالته

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يمرّ قطاع الرعاية الصحّيّة في لبنان حالياً بمرحلة صعبة للغاية، تحت وطأة أزمة كورونا من جهة، وفي ظلّ عجزٍ عن التنبّؤ بالظروف الماليّة والنقديّة للبنان من جهة أخرى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

  • حسين اسماعيل- أستاذ مساعد في الطب السريري
  • نديم الجمل – باحث في أمراض القلب 
  • نهاد يزبك ضومط – استاذة مساعدة في كلية التمريض 
  • ايلي الشاعر- أستاذ علم الدماغ والأعصاب والأخلاقيات الطبية 

جاء تفشّي فيروس كورونا ليزيد من تفاقم الأزمة في القطاع الصحي الذي يعاني من أمراض اقتصادية مزمنة وخطرة تتهدد “حياته”. لمحاولة إنقاذ قطاع الرعاية الصحّيّة اللبنانيّ المتعثّر، تدعو هذه المادة المكتوبة بقلم أربعة متخصصين في مجال الصحة إلى اتخاذ تدابير عاجلة وطارئة لمعالجة الأزمة الراهنة، وتركز على ضمان وصول الجميع إلى خدمات الرعاية الصحّيّة، وتحسين مراكز الرعاية الأوّليّة والطوارئ والتحكّم في إعادة الدخول وتقديم خدمات التطبيب عن بُعد. كما تسلط الضوء كذلك على التدابير المتطلبة لتقليل العبء الماليّ على المستشفيات وتكاليف العلاج فيها وتقدم بعض المقترحات لدعم مقدِّمي خدمات الرعاية الصحّيّة والتعامل مع التحدّيات التي تواجه صناعة الأدوية والمستلزمات الطبّيّة.

نظرة عامة على واقع نظام الرعاية الصحية اللبناني

احتلّ لبنان المركز رقم 33 بين 195 دولة في مؤشّر الوصول إلى الرعاية الصحّيّة وجودتها لعام 2018. كما حصل لبنان على المركز الأوّل بين جميع دول الشرق الأوسط وسجَّل أفضل أداء إلى جانب المملكة العربيّة السعوديّة وتركيا بالنسبة إلى مؤشّر الوصول إلى الرعاية الصحّيّة وجودتها. وعلاوةً على ذلك، يبلغ متوسّط العمر المتوقّع في لبنان عند الولادة 76.28 عاماً ليحتلّ لبنان المركز الثالث في الشرق الأوسط بعد الإمارات وقطر. نجح لبنان أيضاً في تقليل معدّلات وَفَيَات الرضع إلى حدٍّ كبير، ومعدّل وفيات حديثي الولادة ومعدّل وفيات الأطفال دون سن الخامسة خلال الثلاثين عاماً الماضية.

كل هذا صار من الماضي. 

يمرّ قطاع الرعاية الصحّيّة في لبنان حالياً بمرحلة صعبة للغاية، تحت وطأة أزمة كورونا من جهة، وفي ظلّ عجزٍ عن التنبّؤ بالظروف الماليّة والنقديّة للبنان من جهة أخرى. 

ضربَت الأزمة الاقتصاديّة الأخيرة في لبنان القطاع الصحيّ بشدّة. يوجد في البلاد 163 مستشفى وما تزال تقدِّم فواتير خدماتها بالأسعار نفسها تقريباً حين كان سعر الصرف الرسميّ هو 1500 ليرة لبنانيّة مقابل الدولار الأميركيّ، مقارنة بأسعار الصرف الحاليّة في السوق السوداء التي تقترب من 8000 ليرة لبنانيّة للدولار الواحد. هذا الأمر جعل الصرخة تخرج من داخل القطاع الصحي بقرب انهيار كل شيء، خصوصاً أن مصرف لبنان يعتزم وقف الدعم عن القطاع الصحي والدوائي مع نهاية العام 2020. 

علاوة على ذلك، وبسبب التحدّيات الماليّة التي تواجهها شركات التأمين، فإنّ كثيراً منها تصدر سياسات تستثني المستشفيات الكبرى، أيْ الأغلى؛ وذلك من أجل توفير أقساط أقلّ وبأسعار معقولة. بالإضافةً إلى هذا، فإنّ تراجُع القوّة الشرائيّة للأسر اللبنانيّة تُعيق كثر من شراء بوالص التأمين. وقد أدّى نقص التغطية الصحية بالنسبة الى كثير من اللبنانيين إلى انخفاض في عدد المرضى الذين يقصدون المستشفيات الكبرى (التي عادةً ما تكون رسومها أعلى). وليس لدى هؤلاء الأفراد والأسر من خيار سوى محاولة الاعتماد على وزارة الصحّة العامّة لتغطية فواتير الرعاية الصحّيّة.

مع ارتفاع نسبة البطالة لن يكون بمقدور المزيد من المواطنين تغطية صناديق العمل

لَطالما كانت وزارة الصحّة العامّة والصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ مدِينَين للمستشفيات بسبب التأخّر في دفع الفواتير. وتلك الفواتير المتأخّرة بالليرة اللبنانيّة، ولذلك فهي عُرضة لكلّ تأثيرات انخفاض قيمة العملة خلال موعد تسوية الحسابات. ومع زيادة اعتماد المرضى على الوزارة، والخسائر التي يتكبّدها الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ، وزيادة النفقات، يصعُب على الجهتَين الوفاء بالتزاماتهما تجاه المستشفيات، مّما قد يُحدث مزيداً من التأثير على القدرات الماليّة لتلك المستشفيات. ومن أجل استمرار العمل وتقليل الخسائر، لجأت مستشفيات كثيرة إلى خفض أجور العاملين فيها، وتسريح البعض، ومَنْح البعض إجازات مؤقّتة بلا أجر، وتقليص أو إغلاق بعض الخدمات. ومع هذه الإجراءات المؤلمة بُغية خفض النفقات، فإنّ الوضع الحاليّ قد لا يصمد طويلاً؛ وقد أشار رئيس نقابة المستشفيات الخاصّة، سليمان هارون، إلى أنّ هناك 15 مستشفىً يتهدّدها خطر الإغلاق الوشيك وتّتجه إلى الانهيار.

على رغم خضوع أسعار الأدوية لهياكل التسعير التي وضعتها وزارة الصحّة العامّة، ما تزال هناك أدوية عديدة لا يستطيع المرضى ذوو الدخل المنخفض تحمَّل تكلفتها. ومن خلال شبكة مراكز الرعاية الصحّيّة الأوّليّة، توزّع وزارة الصحّة العامّة بالتعاوُن مع منظّمات غير الحكوميّة، بعض أدوية الأمراض المزمنة مجّاناً. يوجد 650 مستوصفاً تنتشر في جميع المحافظات، بالإضافة إلى 238 مركزَ رعاية صحّيّة أوّليّة. سعت وزارة الصحّة العامّة إلى تعزيز جودة الرعاية المقدَّمة من خلال ضمان قدرة هذه المراكز على تقديم مجموعة من الخدمات والمنتجات الصحّيّة الأساسيّة المدعومة ماليّاً للجميع.

ومع ارتفاع نسبة البطالة، لن يكون بمقدور المزيد من المواطنين استحقاق تغطية صناديق العمل، وسيعتمدون على إنفاق وزارة الصحّة العامّة أو سيدفعون من جيوبهم لتغطية نفقاتهم الصحّيّة، كلّ هذا مع عجزهم عن دفع أقساط التأمين الخاصّ في ظلّ استمرار تراجُع قدرتهم الشرائيّة.

يسجّل الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ عجزاً في الموازنة منذ سنوات عدّة، و ما زالت بعض المستشفيات ترفض استقبال المرضى المشمولين بتغطية وزارة الصحّة العامّة، بسبب عجز الوزارة عن دفع النفقات المترتبة عليها. ونظراً لأنّ الصندوق هو أكبر المساهمين من بين صناديق الضمان الصحي في لبنان، ولأنّ الوزارة هي شبكة الأمان النهائيّة بالنسبة للمواطنين الذين ليست لديهم تغطية صحّيّة، فإنّ فشلهما في تلبية تلك الالتزامات يؤثّر تأثيراً بالغاً على هدف توفير الرعاية الصحّيّة للجميع. وقد شهدت ميزانيّة وزارة الصحّة العامّة زيادةً ملحوظة من 232,945,000 دولار أميركيّ في العام 2005 إلى 485,899,000 دولار أميركيّ في العام 2018 (بافتراض سعر الصرف الرسميّ للدولار الأميركيّ بقيمة 1500 ليرة لبنانيّة، وكانت أعلى المبالغ التي أنفقتها الوزارة هي تلك التي تغطّي فواتير المستشفيات بنسبة تصل إلى 64% والأدوية بنسبة 22% في العام 2018.

تحديات أمام مقدّمي خدمات الرعاية الصحية

لدى لبنان وفرة في عدد الأطبّاء لتغطية احتياجاته في مجال الرعاية الصحّيّة؛ فهناك أكثر من 22 طبيباً لكلّ عشرة آلاف شخص، وهي خامس أعلى نسبة في منطقة شرق المتوسّط. لكنّه، من ناحية أخرى، يعاني من نقص في أعداد طاقم التمريض؛ إذ هناك أقلّ من 17 ممرِّضة وقابلة لكلّ عشرة آلاف شخص، ممّا يجعل لبنان في المرتبة 12 من بين 22 دولة في المنطقة. ويتعرَّض العاملون في مجال الرعاية الصحّيّة لضغوط هائلة نتيجة الأزمة الاقتصاديّة والماليّة. إذ يُصنِّف القانونُ اللبنانيّ الطبَّ على أنّه “مهنة حرّة”؛ ومِن ثَمَّ يُعامَل الأطبّاء باعتبارهم مهنيّين مستقلّين ويمكنهم العمل لحسابهم الخاصّ. وتبعاً لهذا، فالأطبّاء ليسوا موظّفين ذوي رواتب، سواء عملوا في عيادات خاصّة أو في مستشفيات كبيرة. وتُدفَع رواتب الأطبّاء من رسوم مهنيّة تُحصَّل بشكلٍ منفصل عن رسوم المستشفيات. وفي العيادات الخاصّة، يحصل الأطبّاء على رسومهم المهنيّة مباشرةً من المرضى. وكالمستشفيات، ما تزال رسوم الأطبّاء المهنيّة، كما حدّدتها نقابة الأطبّاء، تُدفَع بالليرة اللبنانيّة، مع مجرّد تعديل طفيف لجعلها تتماشى مع أسعار الصرف الجديدة أو معدّل التضّخم الجديد. وقد أدّى هذا إلى انخفاض ملحوظ في دخل الأطبّاء. وكدولٍ أخرى، انخفض دخل الأطبّاء بنسبة 50% بسبب وباء كورونا غير أنّه في لبنان، وبسبب أنّ هذا الانخفاض كان مصحوباً بخفض قيمة الليرة اللبنانيّة ، فإنّ إجماليّ الخسارة المتوقّعة في القوّة الشرائيّة للأطباء يصل إلى أكثر من 80%.. ونتيجة ذلك، تقدّم رسميّاً أكثر من 300 طبيب وأكثر من 200 من أفراد طاقم التمريض إلى مستشفياتهم وإلى نقابة الأطبّاء بطلبات لترك وظائفهم من أجل العمل في الخارج.

مصير الصيدليات

هناك في لبنان 2614 صيدليّة. أعلنت “نقابة صيادلة لبنان” أنّ عدد الصيدليّات التي أقفلت أبوابَها تخطّى 200 صيدليّة حتّى الآن، مع وجود 800 صيدليّة أخرى مُهدَّدة بملاقاة المصير نفسه. ويُعزَى السبب في ذلك إلى الانخفاض الكبير في الأرباح والخسائر التي مُنِيَت بها هذه الصيدليّات خلال العام الحاليّ. إذ إنّ الصيدليّات في لبنان تبيع المستحضرات الصيدلانيّة، كالأدوية، بهامش ربح ثابت تحدِّده وزارة الصحّة العامّة، ووَفقاً لسعر الصرف المدعوم. ومع انخفاض قيمة الليرة اللبنانيّة، انخفضت القيمة الفعليّة لهامش الربح الثابت للصيدليّات من بيع الأدوية.

منذ تشرين الأوّل/أكتوبر عام 2019، يُقدِّم مصرف لبنان الدعمَ الماليّ للمنتجات الدوائيّة (بما في ذلك الموادّ الطبّيّة الأوّليّة التي تدخل في الصناعات الدوائيّة المحلّيّة)، وذلك من خلال توفير 85% من العملات الأجنبيّة اللازمة لاستيراد الأدوية بسعر الصرف الرسميّ المعمول به في السابق. بَيد أنّ الأسواق المحلّيّة شهدت نقصاً في الأدوية منذ حزيران/يونيو 2020. وإلى الأضرار التي سببها تفشي فايروس كورونا في القطاع، أسهمت عوامل محلّيّة أخرى في هذا النقص، كان من الممكن السيطرة عليها ومعالجتها، من بينها: تهريب الأدوية المدعومة خارج البلاد، وتوجّه المرضى وأصحاب المستودَعات المحلّيّة إلى تخزين الأدوية تحسّباً لزيادة الأسعار في المستقبل، وفرْض مصرف لبنان آليّةً لاستيراد الأدوية تتطلّب وقتاً طويلاً للحصول على الموافقة وفتح الاعتمادات. وثَمّة سببٌ آخر غيرُ معلَن، ويُسهِم بشكل رئيسيّ في تفاقُم الأزمة، وهو التعارض المحتمَل في هياكل التسعير بين المستورِدين ووزارة الصحّة العامّة.

ثَمّة سياسة دعم مماثلة تنظّم استيراد المستلزَمات الطبّيّة وحاجيات الزرع الطبي إلى لبنان؛ غير أنّ المعدّات الطبّيّة وقطع الصيانة غير مشمولة في هذه السياسة. ومِن ثَمَّ، فإنّ استيراد أيّ معدّات جديدة حاليّاً يتوقّف على إمكانيّة تأمين العملات الأجنبيّة من السوق السوداء. وبما أنّ الأسعار الحاليّة للخدمات الطبّيّة المُقدَّمة ما تزال عند مستويات ما قبل الانهيار الاقتصادي، فليس لدى مقدِّمي الخدمات الصحّيّة حافزٌ يذكَر لشراء أيّ معدّات طبّيّة في الوقت الراهن.

اقتراحات حلول معمول بها عالمياً

أظهرت تجارب الدول الأخرى أنّ لخفضِ الإنفاق على الرعاية الصحّيّة -كجزءٍ من تدابير التقشّف- عواقبَ سلبيّة خطيرة على الصحّة العامّة، وتبيَّن أنّ له تأثيراً أكبر على الوصول إلى الرعاية الصحّيّة مقارنةً بالأزمات الاقتصاديّة ذاتها. ومِن هذا المنطلَق، يجب وضع خطّة استجابة مشترَكة بين وزارة الصحّة العامّة وبين ممثّلي مختلف أعضاء القطاعات الصحّيّة وممثّلي الوزارات الأخرى المعنيّة. ويجب أنْ تتمثّل أهداف هذه الخطّة في ضمان توفير خدمات الرعاية الصحّيّة التي يسهل الوصول إليها، ودعم قطاع الرعاية الصحّيّة خلال فترة الركود الحادّ، في انتظار الوصول إلى حالة استقرار جديدة.

على الرغم من ضرورة إعطاء الأولويّة لبعض فئات المرضى (المرضى الأكثر ضعفاً، والمرضى المتوقع شفاؤهم، والمرضى العاملين في قطاع الرعاية الصحّيّة…)، فيجب عدم التخلّي عن تقديم الرعاية الصحّيّة لأيّ مريض بسبب القيود الماليّة وحدها. ولذلك، لا بدّ أنْ تدرِس أيّةُ عمليّة منوطة باتّخاذ القرارات عواقبَ هذه القرارات المُتّخذة، وأنْ تحقّق أقصَى قدرٍ من الفوائد التي تعود على الفرد، وأنْ تكفل الإنصاف وتأخذ في أولويّاتها العواقب تجاه فئاتٍ أوسع من المتأثّرين بالقرارات (وليس الفرد فقط). تُعدّ الخبرة المكتسبة من البلدان التي خضعت لتغييرات مماثلة مؤشّراً واضحاً على أنّ مثل هذه العمليّة ستساعد على توجيه صانعي السياسات في اتّخاذ القرارات الصعبة، والتخفيف من قلقهم، وضمان الشفافية أمام الجمهور. وينبغي بذل جهود لاتّخاذ تدابير من شأنها خفض التكاليف التي يتكبّدها المرضى ومؤسّسات التمويل إلى أقصى حدٍّ ممكن. وفي هذا الصدد، يمكن الحديث عن بعض الإقتراحات المعمول بها عالمياً والتي يمكن أنْ تكون أهدافاً جيّدة لخفض النفقات:

  • تعزيز مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة لوزارة الصحة بأجهزة تصوير أساسية وخدمات مخبرية، لتفادي دخول الكثير من المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية أولية إلى المستشفيات، ولا سيما في حالات الطوارئ. وبذلك يصير تلقّي العلاج في المستشفيات هو الملاذ الأخير الذي يلجأ إليه المرضى المحتاجون إليها فعلاً، وهذا يساعد طبعاً في حالة مواجهة تفشي فايروس كورونا.
  • الحيلولة دون إعادة إدخال المرضى إلى المستشفيات بعد مدة من تلقيهم الرعاية الصحية الأولية وخروجهم منها. والتشجيع على إجراء متابعة العلاج مع مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة للوزارة. وتوعية المرضى في هذا السياق وتعزيز ثقتهم بهذه المراكز بعد تعزيزها. 
  • يمكن أنْ يساعد الطبّ الإلكترونيّ -أو تشخيص وعلاج المرضى باستخدام وسائل وأدوات تكنولوجيا الاتّصال عن بُعد- في تحسين جودة الرعاية الصحّيّة المُقدَّمة لمن يعانون من أمراض مزمنة، بالرغم من وجود بعض المساوئ. ويجب بذل جهود من شأنها تحديد المبادئ التوجيهيّة والأطر القانونيّة للتأكّد من حماية بيانات المرضى حماية كافية، وتستلزم أيضاً موافقة المرضى على الجهات التي يحقّ لها الوصول إلى سجلّاتهم خلال انتشار فيروس كورونا في لبنان، أصدرت نقابة الأطبّاء بياناً تسمح فيه بإجراء “المعاينة الطبّيّة عبر الإنترنت”، لكن البيان يفتقر إلى إطار تنظيمي، كما ان تنفيذ هذا الأمر يحتاج إلى بنية تحتية عامة، غير متوفرة بشكل جيد في لبنان، خصوصاً لجهة الكهرباء والتنكولوجيا الرقمية.ويمكن استخدام الطبّ الإلكترونيّ أيضاً لإجراء تقييم عن بُعد لأعراض الإصابة بفيروس كورونا وتحديد ما إذا كان المريض يحتاج إلى إجراء الاختبار أو تلقّي الرعاية في المستشفى مع تقليل مخالطته للمجتمع والعاملين في قطاع الرعاية الصحّيّة.

حلول نقدية ومالية للمستشفيات

لا شكّ أنّ الأزمة النقديّة التي يعاني منها لبنان هي المحرّك الرئيسيّ لكثيرٍ من التحدّيات الأخيرة. ويُعَدّ استمرار المستشفيات في العمل خلال هذه المرحلة الحرجة، خاصّة في ظلّ جائحة كورونا، أمراً فائق الأهمّيّة. طُلب من المستشفيات إنشاء وحدات مخصّصة لمصابي فيروس كورونا وتوسيع نطاقها. والتدابير التي سنطرحها يمكن أنْ تساعد المستشفيات في عمليّة تجهيز هذه الوحدات بالمعدّات اللازمة والأفراد العاملين فيها. ومع الإنتباه إلى تغير سعر صرف العملة، الذي يساهم في زيادة التكلفة على الللبنانيين، لا بدَّ من إيلاء اهتمام لثلاثة اعتبارات يمكنها مساعدة المستشفيات في تخطي ازماتها المالية. الأوّل هو أنّ لبنان وجهة الكثير من المرضى من جميع أنحاء العالم العربيّ الذين يأتون إليه من أجل تلقّي الرعاية الصحّيّة (وهو ما يعرف بالسياحة العلاجيّة)، ومِن ثَمّ، فإنّ كثيراً من المرضى هم وافدون غيرُ لبنانيّين أتوا خصّيصاً للعلاج في لبنان، وهؤلاء المرضى في إمكانهم، وفقاً لمعايير مختلفة، دفع تكاليف المستلزمات الطبية الباهظة والمحصور استيرادها بالدولار الأميركي. وعليه، يجب معاملة غير اللبنانيّين وفقاً لمعايير مختلفة. ينطبق هذا على القادمين من أجل السياحة العلاجيّة الذين يمتلكون المال الكافي لتغطية تكاليف رعايتهم الصحّيّة مع استثناء اللاجئين الذين تغطّي المنظّمات غير الحكوميّة معظم تكاليفهم العلاجيّة. أما الأمر الثاني، فهو أنّ نظام الدعم لا يشتمل على جهة رقابيّة أو تقييميّة لضمان عدم حدوث احتيال أو إفراط في استخدام السلع. والأمر الثالث هو ضرورة وجود نوع من الرقابة على ماهيّة الشركات أو العلامات التجاريّة المدعومة، إذ يجب على الاقتصاد المنهار التركيز على دعم أرخص الأدوية الفعّالة ولا ينبغي بالضرورة تقديم الدعم لشركات محدَّدة ما دامت البدائل الأرخص متوفّرة.

قد يتمثّل حلٌّ آخر يمكن النظر إليه لتخفيف المشاكل النقديّة في تقديم قروض للمستشفيات بأسعار فائدة منخفضة للغاية. يمكن أنْ تستخدم هذه القروض لتغطية المصروفات التشغيليّة، بما فيها صيانة المعدّات الطبّيّة. يجب أنْ يُنظر إلى هذه الحلول بوصفها حزمة (إجراءات) تستهدف استقرار القطاع، ويمكن ربطها ربطاً مثاليّاً ببعض الاشتراطات لضمان عدم حدوث مزيد من تسريح العاملين. ويجب أنْ يكون واضحاً أمام الجميع أنّ هذه ليست في الغالب إلّا (إجراءات) انتقاليّة إلى أنْ تمرّ موجة أزمة كورونا، وأنّها معلّقة في انتظار الحلول الكلّيّة للمشاكل الهيكليّة النقديّة والماليّة التي تواجه البلاد.

دعم مقدمي خدمات الرعاية الصحية

مما تقدّم تبرز الحاجة أيضاً لاجراء تعديلات لمساعدة مقدِّمي الرعاية الصحّيّة. في تموز/يوليو 2020، شرعت نقابة أطبّاء لبنان في إدخال زيادة على بدل المعاينات الطبّيّة بنسبة 30%، وشرعت في تقديم طلب إلى وكالات التأمين الحكوميّة والخاصّة؛ من أجل زيادة الأجر الأساسيّ الذي يحصل عليه الأطبّاء لإجراء العمليّات، استناداً إلى سعر الدولار في السوق السوداء.

على الجانب الآخر، تخضع أجور الممرِّضات والممرِّضين لشروط عقود العمل الحاليّة وتبرز حاجة إلى تعديل القانون الذي ينظم مهنة التمريض عن طريق البرلمان؛ من أجل السماح للنقابة، بالتعاوُن مع وزارة الصحّة العامّة، بإلزام المستشفيات وأصحاب العمل بالامتثال لسلسلة الرتب والرواتب. ويقضي إجراء آخر بضمان استمرار تشغيل الممرِّضات والممرِّضين من خلال مجموعة خطوات متنوّعة تتضمّن ربط الدعم الماليّ للمستشفيات بوقف تسريح العاملين. إذ إنّ ضمانة استمرار تشغيل الممرِّضات والممرِّضين تضمَن أيضاً تمتّعهم هم وعائلاتهم بتغطية التأمين الصحّيّ من الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ. علاوة على ذلك، بينما نعيش تحت وطأة فيروس كورونا، فإنّ العديد من الممرِّضات والممرِّضين يصابون أو يكونون عرضة للعدوى، ولذا يُطلب منهنّ ومنهم البقاء في الحجر الصحّيّ. لذلك يضمن العملُ من خلال هذه المقترحات عدمَ فقدان المستشفيات للموارد البشريّة الضروريّة لاستمرار معركتها ضد تفشّي فيروس كورونا. 

أما فيما يتعلّق بالصيدليّات، فإنّ مشكلاتها  ثلاثية الأبعاد. أوّلاً، تؤدّي آليّة التسعير إلى انخفاض الربحيّة في المجمل. وثانياً، انخفضت مبيعاتها الإجماليّة بسبب تناقص القوّة الشرائيّة. وأخيراً، يعتمد جزء كبير من تكاليفها الثابتة -مثل الإيجار- على الدولار، وليس هناك قاعدة واضحة حول أيٍّ من أسعار الصرف يمكنها اتّباعها؛ فأغلب العمليّات تتطلّب التعامل مع سعر الصرف بواقع 4000 ليرة لبنانيّة مقابل الدولار أو 8000 ليرة لبنانيّة مقابل الدولار. ويُعَدّ العمل على الوصول إلى حزمة متكاملة لمعالجة هذه المشكلات نهجاً منطقيّاً وضروريّاً للغاية.