fbpx

غزة : عن حماس و”غزوة” الميلاد …

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“الشعب الفلسطيني شعبٌ واحد، بكل أبنائه في الداخل والخارج، وبكل مكوّناته الدينية والثقافية والسياسية…” فإذا كان كذلك، فإن على حركة “حماس” التي تدير قطاع غزة، أن تقوم بما عليها في هذا المجال بصراحة ومن دون مواربة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فوجئ الفلسطينيون بتعميم صادر عن المدير العام لـ “للإدارة العامة للوعظ والإرشاد” (15/12)، التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة غزة، التي تعمل وفقا لسلطة “حماس”، يعرض فيه على مسؤوليه في الوزارة فعاليات إدارته “للحدّ من التفاعل مع “الكريسماس”، خلال الأسبوعين القادمين، بما في ذلك نشر “فتاوى”، وإصدار دعوات في نصوص الكترونية وفيديوات وباستخدام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، والقيام بجولات دعائية ومخاطبة وزارتي الداخلية والاقتصاد.

المهم أن هذا التعميم قوبل باستهجان وغضب ورفض من الفلسطينيين، أولاً، لأن ذلك يعتبر انتهاكا لمشاعر البشر، وخصوصياتهم ومعتقداتهم الشخصية. وثانياً، لأن هكذا تعميم يبث الانقسام بين الشعب الواحد، ما يفاقم الانقسام الحاصل على أسس سياسية. ثالثاً، لأن قطاع غزة ليس بحاجة لهكذا سلوكيات تسلطية، ففيه ما يكفيه من تعتير ومعاناة، بحكم الحصار الإسرائيلي الجائر المفروض عليه منذ 13 عاما، وبحكم ندرة فرص العمل والبطالة والفقر. رابعا، لأن ثمة سوابق لأجهزة سلطة “حماس” في غزة في محاولتها فرض رؤى وسلوكيات معينة على الفلسطينيين، كأنها وصية عليهم. خامسا، لأن الفلسطينيين يواجهون تحديات كبيرة، ولا ينقصهم مثل ذلك التصرف، إذ إنهم بحاجة للوحدة أكثر من أي وقت مضى.

على أية حال فإن ردّة الفعل تلك دفعت الجهة المسؤولة في تلك الوزارة إلى إصدار تعميم أخر (19/12) لتوضيح التعميم الأول (مرفق صورة عن التعميمين)، إلا أن تلك الجهة جانبها الصواب، وزادت الطين بلة، إذ اعتبر التعميم الثاني أن “وزارة الأوقاف والشؤون الدينية المرجع الرسمي الديني لكل ساكني فلسطين من المسلمين والنصارى وغيرهم.” وهو ادعاء وتطاول ونوع من وصاية. وفي نصوص أخرى اعتبر التعميم أن “الإدارة العامة للوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف من اهم واجباتها التوعية وتذكير الناس بواجباتهم الدينية والأحكام الشرعية للمسلم، ولتبين الأحكام والآداب المتعلقة بعقيدتهم وأخلاقهم وعبادتهم والضوابط الشرعية الواجب التزامها في حياتهم الاجتماعية ومعاملاتهم اليومية الخاصة والعامة.” وذلك رغم إقرارها بالنص القرآني أن “لا إكراه في الدين”.

مناصري “حماس” ذهبوا بعيدا في الدفاع عن ذلك الخطأ باللجوء لخطابات سلفية متعصّبة وتكفيرية غريبة عن ثقافة الفلسطينيين وتاريخهم وتقاليدهم.

ومع تأكيد أن التعميمين لم يتضمنا منع المسيحيين من إقامة شعائرهم الدينية، أو الاحتفاء بأعيادهم، وتأكيد التعميم الثاني بأنهم شركاء في الوطن، إلا أن ذلك لا يخفّف من الأمر، ولا من مسؤولية سلطة “حماس” عن ذلك الخطأ وضرورة تصحيحه، لأنه يؤدي إلى تصدع لحمة الشعب الواحد، وفك علاقات التواصل والتوادد، إذ كيف يستقيم القول إننا شعبا واحدا، أو شركاء في وطن، ومحظور على قسم منه الاحتفاء مع القسم الثاني بأعياده؟

ما فاقم هذا الأمر أن بعض مناصري “حماس” ذهبوا بعيدا في الدفاع عن ذلك الخطأ باللجوء لخطابات سلفية متعصّبة وتكفيرية غريبة عن ثقافة الفلسطينيين وتاريخهم وتقاليدهم، ولا يبرر لهؤلاء أن ردة فعل البعض الغاضبة على التعميم ذهبت بعيدا أيضا في نقد حركة “حماس” وإخراجها عن الصف الوطني، لأن “حماس” أخطأت كسلطة، وهي المعنية بتصحيح هذا الخطأ المريع، إلا إنها لم تفعل ذلك بدليل التعميم، الثاني، الذي لم يخفف منه تصريحا، أو توضيحا، أو تصحيحا هنا أو هناك.

ضمن ردود الفعل تلك تميز بيان أطلقه “ملتقى فلسطين”، الذي يضم شخصيات فلسطينية من فلسطين التاريخية وبلدان اللجوء والشتات، باعتباره أن “المسيحيون الفلسطينيون هم نحن”، فبهذه العبارة المكثفة والمعبّرة أكد الملتقى رفضه وإدانته للتعميم الصادر عن سلطة “حماس” في غزة، انسجاما مع رؤيته لوحدانية شعب وأرض وقضية فلسطين وروايته التاريخية. ونوه الملتقى في بيانه إلى أن هذا الموقف يطرح “التساؤل من جديد حول طبيعة وأولوية حماس، فيما إن كانت تطرح نفسها كحركة وطنية تشمل الكل الفلسطيني وتعكس تنوعه، أم هي حركة دينية حصرية؟”

وذكّر بيان الملتقى بأن كفاح الشعب الفلسطيني “ضد المشروع الصهيوني، منذ بداية القرن الماضي، انطلق من وحدة الشعب، بتشكيل “الجمعيات الإسلامية ـ المسيحية”، التي قادت نضاله في عقد العشرينيات، تحت شعار الهلال والصليب، وإن حركتنا الوطنية المعاصرة لم تفرق بين قادتها على أساس ديني أو مذهبي فكان هناك ياسر عرفات وجورج حبش واحمد ياسين، وأعلاما تفتخر بدورهم في تطور الوعي الثقافي والسياسي، مثل: إدوارد سعيد ومي زيادة وسمير ة عزام وهشام شرابي وتيريز هلسة وأنيس صايغ وكمال ناصر وأنطوان زحلان وحنا ميخاٍئيل وجبرا إبراهيم جبرا وأميل حبيبي وناجي علوش والياس شوفاني وريم البنا، وكثر ما زالوا بيننا يثرون ثقافتنا الوطنية وهويتنا الكفاحية.”

باختصار فإن الأمر الوحيد الصحّ في تلك الحالة هو سحب التعميمين الأول والثاني جملة وتفصيلا، ومحاسبة المتورطين بهما، والاعتذار للشعب الفلسطيني عنهما، سيما أن ذلك يتناقض مع نص ميثاق “حماس” (1917) الذي أكد الآتي: “الشعب الفلسطيني شعبٌ واحد، بكل أبنائه في الداخل والخارج، وبكل مكوّناته الدينية والثقافية والسياسية…” فإذا كان كذلك، فإن على حركة “حماس” التي تدير قطاع غزة، أن تقوم بما عليها في هذا المجال بصراحة ومن دون مواربة. 

إقرأوا أيضاً: