fbpx

خطة “حزب الله” الشاملة لمواجهة الوباء: وعدٌ غير صادق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

انتصر الوزير. مات الشعب. “بعبارة لا داعي للهلع، انتصر حمد حسن”، قالها الوزير في حديث تلفزيوني متباهياً بانتصاره فيما بدأ عدّاد إصابات “كورونا” ووفياتها يسجّل أرقاماً مخيفة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في آذار/ مارس من العام الماضي، وبعد شهر على إعلان لبنان عن تسجيل أول إصابة بفايروس “كورونا”، خرج أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله إلى اللبنانيين ليعلن معركةً من نوع آخر “توازي في أهميتها الصراع مع إسرائيل”، لأن العدو هذه المرّة هو وباء غير واضح المعالم وفتّاك، ولا بدّ من مواجهته بكل ما تيّسر من إمكانات لدى الدولة والمجتمع والمؤسسات الصحية. جاء كلام نصرالله بعيداً من التسييس لمرّة نادرة، في محاولة منه لشحذ الهمم الشعبية والرسمية لتكون على قدر مواجهة الجائحة.

وانسجاماً مع إعلان الحزب الحرب على “كورونا”، كشف رئيس مجلسه التنفيذي هاشم صفي الدين عن تفاصيل خطة شاملة لمكافحة تفشّي الوباء عبر تدريب 15 ألف شخص على كيفية مواجهته وتجهيز فريق  صحّي من 4500 شخص، 32 مركزاً طبياً، 25 سيارة بآلات تنفس اصطناعي إضافة إلى جيش من المتطوعين في كل المناطق. وأشار صفي الدين إلى أن الحزب أنفق 3.5 مليارات ليرة في سبيل الخطة التّي استأجر بموجبها مستشفيات خاصّة وتجهيزها للاحتياط واستخدامها وقت الحاجة.

وبالفعل، نقلت وسائل إعلام مقرّبة من الحزب، في الأيام الأولى التي تلت الإعلان عن الخطة، توزع آلاف الفرق التي درّبها الحزب على اختصاصات وقطاعات وأذرع عمل وعشرات الخلايا واللجان في المناطق لإدارة الأزمة وغرف العزل المستحدثة.

بدا للبنانيين حينها، كالعادة، أن الحزب يفوق الدولة اللبنانية جهوزيةً بالعديد والعتاد لمواجهة الأزمة المستجدّة. كيف لا، وقد ذهب بعض مؤيّديه إلى حد اعتبار وزير الصحة حمد حسن الذي سمَاه الحزب “الوزير الأكثر تكنوقراطية” في تاريخ الجمهورية. ومع اكتمال استعدادات الحزب خطةً ووزيراً، لم يترك الحزب للبنانيين داعياً للهلع.

انتصر الوزير. مات الشعب.

“بعبارة لا داعي للهلع، انتصر حمد حسن”، قالها الوزير في حديث تلفزيوني متباهياً بانتصاره فيما بدأ عدّاد إصابات “كورونا” ووفياتها يسجّل أرقاماً مخيفة وصار القطاع الصحي ينوء بحمله الثقيل، حتى بدا حسن وكأنّه تخرّج حديثاً من مدرسة رئيس الحكومة حسان دياب في التباهي بإنجازات واهية تشبه إلى حد كبير تغريداته الشعرية التي أراد من خلالها طمأنة اللبنانيين بشكل دوري، فانتهى بهم الأمر قلقين لعجزهم عن فك شيفراتها.

وفي إطار إدارته لجهود الدولة في مكافحة تفشّي الوباء، شارك حمد حسن في احتفال شعبي صغير في مسقط رأسه بعلبك بمناسبة عيد ميلاد الأمين العام لـ”حزب الله”، سبقه احتفال آخر في المدينة نفسها رُفع خلاله على الأكتاف احتفاءً بـ”نجاحه” في إدارة للأزمة. وأظهرت مقاطع الفيديو الخاصة بالاحتفالين والتي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تجمعات كبيرة وتجاهلاً تاماً لمعايير الوقاية والتباعد الاجتماعي، مع عدم التزام بعض المحال التجارية الواقعة ضمن نطاق الاحتفال بقرار الإقفال العام. أتى ذلك في وقت نصّب النظام اللبناني عسكره وإعلامه مطاوعين لتأديب الناس وتوبيخهم في الشوارع وعلى شاشات التلفزة لعدم التزامهم بالحجر المنزلي واتباع الإجراءات الوقائية. 

كل الانتقادات التي وجّهت لحسن على خلفية الاحتفالين، لم تثنه عن ممارسة نشاطه كالمعتاد. فحضر غداءً في أحد المنازل إلى جانب وزير الاقتصاد راوول نعمة على مائدة مزدحمة بالضيوف. إلّا أن انتصار حمد حسن في مقارعة “كورونا” داخل حلبات الدبكة وعلى موائد الغداء، لم يدم طويلاً. فبعد أسبوعين بالتحديد من مشاركته بالغداء المذكور، أصيب الوزير بالفايروس. لكنه وعلى عكس كثر من المصابين، لم يضطر إلى استجداء إدارات المستشفيات المزدحمة بالإصابات من اجل تأمين سرير له، ولم يبحث يائساً عن قارورة أوكسجين بلغ سعرها في السوق السوداء ألف دولار أميركي، بل وجد سريراً مع قارورة أوكسيجين بانتظاره في مستشفى السان جورج التابعة لـ”حزب الله”، والتي اشتراها الحزب ونقل إدارتها إليه لاستخدامها لتطبيب جرحاه في المعارك السورية.

ولم يتوقف مسلسل الاستعراض الإعلامي مع دخول “البطل” إلى المستشفى، فانتشرت صورة لوزير الصحة وهو يزاول عمله من داخل غرفته، موقعّاً أوراقاً تابعة لوزارته، ليأتيه الانتقاد اللاذع هذه المرّة من ابن بيته الحزبي وزير الصحة السابق جميل جبق ،الذي قال إن على الوزير ألا يوقّع أوراقاً رسمية وهو مصاب. جبق لام أيضاً وزارة الصحة لعدم اتخاذها موقفاً واضحاً من عدم جدوى قرارات اللجنة الوزارية الخاصة بفايروس “كورونا”، خصوصاً أن الإجراءات الوقائية المفروضة لا تطبّق بشكل صحيح.

التخبّط الذي تحدّث عنه جبق طبع عمل الوزارة في عهد حسن إلى حد دفع ببلدية حارة حريك إلى إصدار بيان أكّدت فيه أن “الوزارة تصدر منذ أشهر جداول بالمصابين بكورونا وتتضمن خلافاً للواقع أرقاماً غير حقيقية عن أعداد المصابين في البلدة، بحيث توردها الوزارة أضعافاً مضاعفة عن العدد الحقيقي للمصابين، على رغم مراجعة البلدية الوزارة مراراً وتكراراً وإبلاغها الأرقام الحقيقية”. وتمنت البلدية من وزارة الصحة أن “تتوخّى الدقة والموضوعية في نشر أرقام المصابين”. وليس خافياً أن كلاً من جبق وبلدية حارة حريك تابعين لـ”حزب الله” وأن هذه “النيران الصديقة” ضد الوزير الحالي، تعكس تخبّطاً داخل الحزب في تعاطيه مع الأزمة، وعجزه عن ضبط إيقاع مكوناته المشاركة في الخطة التي وضعها مع بداية انتشار الفايروس. 

“تضافر جهود” الثنائي تحرم الجنوب من مستشفاه 

في سياق عرضه لخطة الحزب لمواجهة الفايروس، لم يغفل صفي الدين عن ذكر أن تنفيذها سيتم بتضافر الجهود مع “حركة أمل”. تضافر معهود لم يثمر سوى خلاف حادّ على موقع تشييد مستشفى ميداني قطري قدّم للبنان كهبة لمواجهة الفيروس. ففي الوقت الذي أرادت فيه الوزارة ومن ورائها حزب الله نقله إلى بلدة جويّا، أصرّت “حركة أمل” على أن يقام في مدينة صور. ونتيجة الخلاف السياسي العالق، قبع المستشفى لشهرين في المدينة الرياضية من دون أن تستفيد أي منطقة من خدماته مع دخول البلاد في مرحلة التفشّي السريع للوباء، إلى أن تقدّم “عرّاب الحلول” رئيس مجلس النواب نبيه بري بحلّ يقضي بترك المستشفى في بيروت، متجاهلاً واقع إنتشار الفيروس بشكل كبير جنوباً وخاصّة في صور التي سجّلت أعداداً مرتفعة جدّاً من الإصابات. وما كان من وزير الصحة الذي تخطّاه برّي بهذا القرار، إلّا أن توجّه بالشكر لرئيس المجلس لموافقته على نقل المستشفى إلى بيروت من جديد! 

وبينما ترزح مستشفيات الجنوب تحت وطأة ارتفاع الإصابات وخطورة الحالة الصحية لعدد كبير منها، يؤكّد صحافي يعمل لأكثر من وكالة أخبار ووسيلة إعلامية فضّل عدم ذكر اسمه، أن “جميع المستشفيات الميدانية ومراكز التشخيص والتقييم الخاصة بكورونا التي يفترض إنشاؤها بموجب خطة حزب الله لم تر النور”. وأشار المصدر  إلى أن “المستشفيات المعنية بالأزمة اليوم هي مستشفيات المنطقة فقط، فيما “تقع معظم مراكز العزل هناك تحت إدارة حركة أمل التي ساهمت من خلال “جمعية الرسالة” في تراجع عمل الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لحزب الله في بعض النطاقات”. 

“جميع المستشفيات الميدانية ومراكز التشخيص والتقييم الخاصة بكورونا التي يفترض إنشاؤها بموجب خطة حزب الله لم تر النور”.

المشهد نفسه ينسحب على الضاحية، فمع تفاقم الأزمة الصحية غاب عنها الاستنفار الصحّي الذي شهدته مع إعلان خطة الحزب، وغابت عنها أيضاً المستشفيات والمستوصفات والمراكز الطبية المزعومة والسيارات المجهزة بآلات التنفس وآلاف المتطوعين والعناصر المدرّبة، في حين غرقت بعض بلداتها في تفلّت متكّرر من تطبيق إجراءات الإقفال التام خصوصاً مع غياب الدولة وأجهزتها على الأرض.

الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لـ”حزب الله”، تؤكد بعد مراجعتها أن عملها “يقتصر على عمليات الدفاع المدني فقط، من نقل مصابي كورونا من المستشفيات وإليها، وتولّي دفن الوفيات وعمليات التعقيم، وتقوم الهيئة بمئات العمليات المماثلة يومياً في كل المناطق اللبنانية”، مؤكدة أنها “غير معنية بإنشاء وإدارة مستشفيات أو مستوصفات ميدانية أو إقامة مراكز تشخيص وتقييم لحالات مصابة بكورونا”. 

الموت ولا اللقاح الأميركي

محاولة الحزب لعدم تسييس الوباء لم تسقط أمام خلافات المحاصصة المناطقية مع “حركة أمل”، وحسب، بل أسقطها أمينه العام في خطاب أكّد فيه أنّه لن يتلقّى اللقاح الأميركي. طبعاً، لا حاجة للإشارة هنا، إلى أن إعلاناً كهذا هو بمثابة تكليف شرعيّ لجمهور الحزب بعدم تلقّي اللقاح. 

تلقّف جمهور الحزب سريعاً موقف نصرالله من اللقاح الأميركي، واجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي مواقف لمناصريه الرافضين تلقّي اللقاح الأميركي أسوةً بقائدهم، وذهب البعض إلى حد نشر الشائعات حول خطورة اللقاح المذكور، وسعي الولايات المتحدّة إلى استخدامه للسيطرة على الشعوب. 

عام  2014، أعلن الجيش المصري اختراع جهاز طبي (جهاز الكفتة) قادر على شفاء المرضى كلياً من أمراض جرثومية ووراثية متنوّعة. حينها تعهّد الإعلامي المصري الساخر باسم يوسف بأن يذكّر جمهور برنامجه في كل حلقة بالاختراع وبالنتائج التي من المزمع أن يحققها، وذلك لأهميّة الوعد الذي قطعه النظام المصري للمصريين بشفائهم كليّاً. قال يوسف حينها: “عارفين يعني إيه تعطي للناس وعد؟ إنت بتوعد ملايين أنك هتعالجهم من أمراض كثيرة. بتوعدوهم بالشفاء، ولو الوعد دا ما تحققش لازم تتحاسبوا”. 

هل يحتاج هذا الكلام إلى ترجمة- لبننة؟ 

إقرأوا أيضاً: