fbpx

“كورونا” مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان :
التفشي الصامت

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

” كنت أحتاج إلى جهاز تنفس بشكل ملح، لكنني خفت أن أتوجّه إلى المستشفى. ” ماذا يفعل سكان المخيمات في ظل فايروس “كورونا” الذي بات تفشيه مرعباً؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ينشر هذا التحقيق بالتعاون مع راديو روزنة

تبدو الموجة الثانية من “كورونا” أكثر شراسة وانتشاراً في أنحاء لبنان، وعلى تجديد الحجر الصحي والإقفال العام، إلا أن التطبيق يبقى أقل من حجم المأساة، إذ يسجّل لبنان أكثر من 5000 حالة يومياً في الآونة الأخيرة. ما يجعل السؤال ملحاً وضرورياً، ماذا يفعل سكان المخيمات في ظل فايروس “كورونا” الذي بات تفشيه مرعباً؟ إنه سؤال قد تبدو إجابته سهلة لو كنا نتحدّث عن بلد آخر، لم تنفجر عاصمته في 4 آب/ أغسطس 2020، ولا يعاني من أزمة اقتصادية توازيها أزمة إنسانية وصحية تفوق قدرته على التحمل، ولا يعاني من وباء مزمن هو الفساد وفشل السلطة السياسية في إدارة الأزمات.

من البقاع إلى شمال لبنان، حيث تتمركز معظم مخيمات اللاجئين السوريين، حملنا هذا السؤال وطرحناه على المعنيين وعلى سكان الخيم وعلى أشخاص خاضوا المعركة ضد الوباء.

الحرب مع الوباء لن تنتهي في شباط المقبل، ولا تكفي 2.1 مليون جرعة لحماية بلاد تحوي ما يقارب 6 ملايين و800 ألف إنسان. وإثر ذلك ستبقى المخيمات بؤراً للتفشي الصامت الذي لا يأبه له المعنيون، على وقع استنزاف قدرات المستشفيات والكوادر الطبية والقرارات الحكومية المتردّدة وغير الكافية.

وفق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، “منذ أول حالة مؤكدة لـ”كوفيد- 19” بين اللاجئين السوريين في لبنان في نيسان/ أبريل 2020، تم تسجيل 2529 حالة تراكمية، حتى الآن، 71 هم حالياً في المستشفيات، مع تسجيل 104 حالة وفاة بشكل تراكمي.

إلا أن التفشي الحقيقي وفق ما عاين هذا التحقيق يكمن في تلك الحالات “غير المؤكدة” أو غير المسجّلة، وبمعنى أدقّ الإصابات التي لا تخضع لفحص “كورونا” ويتم التعامل معها كنزلة صدرية أو زكام.

يعيش في لبنان حوالى 860 ألف لاجئ سوري تقريباً، وبما أن النسبة التقريبية للإصابات هي 3.7 في المئة مقارنةً بعدد السكان، وإذا افترضنا أن هذه النسبة يمكن تطبيقها على اللاجئين، يمكن توقع حوالى 31820 إصابة في هذه المخيمات. فكيف أمضى المصابون الحجر؟ وهل حصلوا على ترف العزل عن العائلة في هذه الغرفة- الخيمة التي لا تملك معظم العائلات السورية سواها؟ هل حصلوا على المساعدة الطبية؟ وقبل ذلك هل أجريت فحوص PCR لكل من عانى من عوارض أو خالط مصاباً في المخيمات؟

الخضر- بعلبك

يوضح محمد الأمين وهو مسؤول (شاويش) أكثر من مخيم في منطقة الخضر- بعلبك أن “هناك عشرات الإصابات في المخيمات في منطقته، لكنّ معظم اللاجئين لا يخضعون لفحص كورونا نظراً إلى عدم قدرتهم على تحمّل كلفته، فيتم التكتم على معظم الحالات. حين يشعر أحد اللاجئين بالعوارض يحاول أن يحجر نفسه داخل خيمته عبر عازل ما أو يحاول أن ينعزل عن عائلته قليلاً مع العلم أن الجميع في خيمة واحدة!”.

كلفة فحص “كورونا” تختلف بين مستشفى وآخر، وتصل إلى 150 ألف و200 ألف ليرة، وكانت وزارة الصحة أقرّت تخفيض الكلفة في المستشفيات الحكومية إلى 100 ألف ليرة، لكن هذا المبلغ ليس مقدوراً عليه بالنسبة إلى اللاجئين، كما أن هذه المستشفيات تعجّ بأعداد هائلة من طالبي إجراء الفحص، ما يجعلها أيضاً بؤرة لنقل العدوى. 

إلا أن تكلفة الفحص هي شكوى كررها كل من التقاه هذا التحقيق، فمن أخطر المؤشرات المثيرة للقلق في ظل الأزمات المعقدة التي يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان، هو الزيادة الحادة في نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر المدقع، إذ وصلت إلى 89 في المئة عام 2020، مقابل 55 في المئة قبل عام فقط، وفق المفوضية. وهم يعيشون الآن على أقل من 308728 ليرة لبنانية للفرد في الشهر، وهذا أقل من نصف الحد الأدنى للأجور في لبنان (675 ألف ليرة). وهذا المدخول الشهري الذي تؤمنه مفوضية الأمم المتحدة، انخفضت قيمته مع انهيار الليرة اللبنانية، إذ بات الدولار الواحد يساوي أكثر من 8000 ليرة لبنانية. وهذا الإفقار يرزح تحته جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية، إلا أن اللاجئين يبقون الخاصرة الرخوة، لا سيما في ظل “كورونا”، كون المخيمات بيئة مؤاتية لانتشار الفايروس بشكل أكبر. 

“لا أحد يعين اللاجئ في أزمة كورونا، وبطبيعة الحال لا مستشفيات أو أسرّة شاغرة للحالات الحرجة، لا للاجئين ولا لغير اللاجئين، الوضع صعب جداً. وحده الصليب الأحمر اللبناني يعيننا، ونلجأ إليه حين تسوء حالة أحد المصابين، فتأتي فرقه لتأمين المساعدة والأوكسيجين داخل الخيم إذا أمكن ذلك”، يقول الأمين.

وحين سألنا أحمد ن. (25 سنة، بعلبك) عما إذا كان يفكّر بإجراء فحص “كورونا” له أو لأحد أفراد أسرته في حال الشعور بعوارض، كان جوابه: “ابني عندو عمى ألوان، وتقريباً رح يفقد نظرو، وماني قادر عالجو، بدك ياني إدفع حق فحص كورونا؟”.

نحو عرسال

نحو عرسال حملنا الأسئلة ذاتها وطرحناها على رئيس اللجنة الصحية لأيادي الخير في عرسال المهندس وليد رحمة الذي كرر الشكوى ذاتها من ارتفاع كلفة فحص “كورونا”، وعدم إجراء فحوص عشوائية دورية في المخيمات. وقال: “منذ مدّة أتت لجنة من وزارة الصحة وأجرت فحوصاً مجانية في مخيمات عرسال وتبين وجود 35 مصاباً. وكان القرار بعزل كل مخيّم تظهر فيه حالات، فالحجر الفردي شبه مستحيل داخل الخيم التي تعيش فيها عائلات من 5 أو 8 أفراد أو أكثر”. ويشير إلى أن “المساعدات المعيشية والطبية ضعيفة جداً، تقتصر على بعض الجمعيات المحلية والمبادرات الفردية”. علماً أن عرسال في البقاع الشماليّ تضم نحو 105 مخيمات للسوريين، حيث يعيش حوالى 75 ألف لاجئ. ومع التكتم على حالات الإصابة، يمكن تخيّل عدد المصابين الذين يئنون بصمت داخل تلك الخيم. 

ويفيد رحمة معدة التحقيق بتسجيل حالتي وفاة من اللاجئين في عرسال قبل فترة وجيزة، بسبب عدم القدرة على تأمين أجهزة للتنفس الاصطناعي أو سرير في مستشفى، مشيراً إلى صعوبات كبيرة يتكبدها أهل المخيمات في حال وجود حالات حرجة.

العواصف خطر مضاعف

بسبب الحالة الجوية المتعكّرة ووصول الثلوج والمتساقطات بغزارة إلى عرسال وبعلبك وغيرهما من المناطق، اضطر المئات إلى هجر خيمهم والانتقال للسكن مع لاجئين آخرين في خيم أو بيوت أخرى.

هذه المشهدية تعزز بطبيعة الحال تفشي الوباء مع حشر عدد أكبر من الأفراد في مسكن واحدة ويزيد من استحالة الحجر الصحي للمصابين.

وفي ظل الضعف في التدخل الرسمي لضبط الأمور داخل المخيمات وحتى خارجها، كان دور المبادرات المدنية، فاللجنة الصحية لأيادي الخير هي لجنة تضامنية بين اللاجئين أنفسهم، إذ يساهمون عبر اشتراك شهري رمزي في مساعدة بعضهم بعضاً لتأمين جزء من التغطية الصحية. يقول رحمة، “1200 عائلة ساهموا معنا في هذه اللجنة، كانت كل عائلة تدفع 1000 ليرة شهرياً، والآن أصبح الاشتراك 2000. نحاول توزيع المساعدات والتغطية الصحية للمحتاجين إلى علاج أو جراحة، نحاول تأمين 30 في المئة من الفواتير الصحية لأهلنا في المخيمات. والآن في زمن كورونا جمعنا مبلغاً لتأمين سلة نظافة لكل مصاب ونحاول تأمين الأدوية. واشترينا 3 عبوات أوكسيجين لتكون متوفرة للمحتاجين”. 

“أنا مريض ربو”

“أنا أعاني من الربو وأستخدم جهاز رذاذ طوال الوقت تقريباً. لم تكن عوارض كورونا رؤوفة أو لطيفة معي، تحملت الكثير. أحياناً كنت أختنق وأخرج من خيمتي بحثاً عن هواء أتنشّقه. زوجتي أيضاً أصيبت وبعد إجراء الفحص، كان علينا أن نحجر أنفسنا 14 يوماً. كنت أحتاج إلى جهاز تنفس بشكل ملح، لكنني خفت أن أتوجّه إلى المستشفى. أولاً بسبب وصمة العار التي تتلبّس المصاب بكورونا كما لو كان مذنباً، وثانياً لأن المستشفيات ممتلئة وسيكون صعباً أن أجد جهازاً أو سريراً. كما أنّ أوراقي ليست نظامية، وخفت من الاعتقال. اضطررت إلى تحمّل العذاب في خيمتي وبصمت”، هكذا يروي محمد م.، وهو لاجئ سوري في منطقة عرسال تجربته مع الوباء.

يضيف: “كانوا يتصلون بنا من البلدية وأيضاً من مفوضية اللاجئين للاطمئنان وسؤالنا عن الأعراض. لكنني لم أقل لأحد إنني أحتاج إلى جهاز أوكسيجين. غلبني الخوف من وصمة العار ومن التكلفة وأيضاً من الاعتقال”.

المنية- عكار

الناشط محمد الدهيبي يوضح أن الوضع مأساوي في معظم مخيمات الشمال من المنية إلى عكار. يقول: “في البقاع المخيمات تنعم ببعض التنظيم، أما هنا فالفوضى عارمة. هناك مخيمات تعود إلى ما قبل الأزمة السورية، وأخرى أضيفت إليها مع نزوح آلاف السوريين الهاربين من الحرب. لذلك من الصعب جداً إحصاء عدد المصابين أو حتى تقديم مساعدة شاملة”. يشير الدهيبي إلى أن “معظم اللاجئين لا يملكون ثمن فحص كورونا، فيتعاملون مع الأمر كأي زكام عادي ويحاولون معالجته في خيمهم مع عائلاتهم”.

“لم نسمع عن إجراء فحوص عشوائية هنا، خلال أزمة كورونا، ومع عدم قدرة اللاجئين على تحمّل تكلفة الـPCR فالأمر يزداد خطورة. والمساعدات تقتصر على بعض المبادرات والمتطوعين، وهي بطبيعة الحال لا تغطّي الحاجة” يقول الدهيبي. وتضاف إلى أزمة المخيمات السورية، المخيمات الفلسطينية في الشمال اللبناني وفي مناطق أخرى، ومع ضعف المقومات المعيشية والصحية وعدم الالتزام بالحجر الصحي والوقاية، تتضاعف خطورة الإصابة وتفشي المرض بصمت.

يتابع الدهيبي، “يضطر اللاجئون إلى إخفاء إصابتهم حتى يستمروا في العمل، فمعظمهم عمال زراعيون مياومون، وبالتالي لا يستطيعون التوقف عن العمل والانكفاء للحجر أسبوعين من دون أي مساعدة أو إعانة لهم ولعائلاتهم. هذا الأمر بطبيعة الحال يزيد من خطورة نقل العدوى والاختلاط وبالتالي تفشي الوباء أكثر وأكثر”.

هذا التعتيم وعدم إجراء الفحوص يجعل المخيمات قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة. اللاجئون أمام خيارين، إما العمل لإطعام أولادهم، أو الجوع والاحتماء من “كورونا”. ففي عكار والمنية مخيمات يضم واحدها حوالى 2500 لاجئ، لم تسجّل حالة مؤكدة واحدة ولم يُجرَ فحص واحد، وفق ناشط سوري فضل عدم الكشف عن اسمه. علماً أن مخيمات عكار والمنية تضم حوالى 150 ألف لاجئ سوري، ولم تسجّل حتى الآن سوى حالات معدودة مؤكدة، ما يشير بطبيعة الحال إلى وجود حالات كثيرة غير معلنة.

هذا مع العلم أن لبنان حالياً يرزح في المرتبة 21 عالمياً في أعداد الوفيات مقارنة بعدد السكان، مع أكثر من 250 ألف إصابة مؤكدة، وبمعدّل وفيات يتجاوز الـ50 يومياً.

إقرأوا أيضاً:

مساعدات غير كافية

في المقابل، تشير مفوضية اللاجئين لمعدة التحقيق إلى أنها “تتابع المصابين للتأكد من حصولهم على الرعاية الطبية المناسبة وتقديم المشورة بشأن العزل الذاتي بما يتماشى مع الإرشادات الطبية بشأن كوفيد- 19”. وتضيف: “وفقاً للنظام الذي وضعناه في استجابتنا للوباء، زودت المفوضية وشركاؤها، اللاجئين بالطعام والمطهرات من أجل مساعدتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية أثناء العزلة بينما تتم تغطية 100 في المئة من تكلفة العلاج، في حال دخول أحدهم إلى المستشفى”.

وتقول المتحدثة الإعلامية باسم المفوضية ليزا أبو خالد: “منذ شباط/ فبراير، بذلت فرق المفوضية كل الجهود لإعادة تأهيل وتوسيع سبعة مستشفيات حكومية في بيروت وصيدا وبعلبك ورياق وزحلة وطرابلس وحلبا. لقد قمنا ببناء مرافق مخصصة لتوسيع المستشفيات أو إعادة تأهيل الأقسام الموجودة غير المستخدمة وتجديدها بمعدات طبية جديدة”. 

لكنّ ذلك يبقى قاصراً عن حماية المخيمات والمجتمع ككل من تفشي الوباء بين تلك الخيم الصغيرة والمتراصة.

في هذا الإطار، يرى أستاذ التنمية والاستراتيجية في الجامعة الأميركية في بيروت ناصر ياسين أن “الاستجابة الرسمية والمحلية لما يحصل في المخيمات من تفشٍ للوباء، تأخرت كثيراً. لكن إن أردنا التفكير بإنقاذ الوضع قبل أن ندخل في نفق إصابات أكبر، فهناك ضرورة لإجراء فحوص عشوائية وبطريقة دورية في المخيمات، وألا يقتصر الأمر على حملات متقطعة ومحدودة. ولكن قبل ذلك من الضروري إيجاد مراكز للعزل كافية، قرب التجمعات والمخيمات”.

هل اللقاح للجميع؟

يترقّب لبنان وصول مليونين و100 ألف جرعة من لقاح “فايزر” تصل على مراحل بدءاً من شباط/ فبراير 2021. والصفقة ستشمل منح لبنان 600 ألف جرعة مجانية من ضمن العدد الكلي للجرعات. 2.1 مليون جرعة يعني تلقيح حوالى مليون من عدد المقيمين الكلي، إذ يحتاج كل فرد إلى جرعتين، وضمن هؤلاء 300 ألف لاجئ. 

علماً أن لبنان يستقبل حوالى 192 ألف لاجئ فلسطيني (174422 لاجئاً فلسطينياً في لبنان و17706 لاجئين فلسطينيين من سوريا) و865531 لاجئاً سورياً وفق أرقام مفوضية اللاجئين. وكان وزير الصحة حمد حسن تحدّث عن إبرام صفقات مع شركات أخرى لاحقاً.

ستوزع اللقاحات وفق الخطة في البداية على الأطباء والممرضين والعاملين في القطاع الصحي، الذين يشكّلون نحو 170 ألف شخص.

وبذلك يطالب ياسين “بضرورة توزيع اللقاحات وفق الحاجة والسن، وليس وفق الجنسية، حتى يكون مفيداً للمجتمع في محاربة الوباء، ضمن هذه المجموعة من اللقاحات التي ستصل أو في أي صفقة مرتقبة أخرى مع الشركات المنتجة”. فيما كان سُمع في الأرجاء بعد الإعلان عن إبرام الصفقة وإقرار القوانين الضرورية لاستخدام اللقاح، خطابات تنتقد شمل غير اللبنانيين باللقاح، واعتبار أن الأولوية لحاملي الجنسية اللبنانية. ما يشير إلى قصور حقيقي في فهم خطورة الوباء العابر للجنسيات وكيفية مواجهته.

الحرب مع الوباء لن تنتهي في شباط المقبل، ولا تكفي 2.1 مليون جرعة لحماية بلاد تحوي ما يقارب 6 ملايين و800 ألف إنسان. وإثر ذلك ستبقى المخيمات بؤراً للتفشي الصامت الذي لا يأبه له المعنيون، على وقع استنزاف قدرات المستشفيات والكوادر الطبية والقرارات الحكومية المتردّدة وغير الكافية.

إقرأوا أيضاً: