fbpx

تركيا في لبنان: أردوغان “أباً جديداً للسنة”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يسعى أردوغان إلى تنصيب نفسه “أباً جديداً للسنّة” ويعيد شمل “الأمّة” تحت جناحه، خصوصاً بعد تراجع دور المملكة العربيّة السعوديّة في هذا المجال وتراجع دورها في لبنان وانكفائها إلى حدّ كبير بسبب تركيزها على ترتيب بيتها الداخلي وانشغالها بجبهات أخرى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل أي مسؤول لبناني، سارع السفير التركي في لبنان هاكان تشاكل إلى تفقّد مدينة طرابلس ومعاينة الأضرار التي لحقتها عقب الاحتجاجات الأخيرة. تركيا وعبر سفيرها في لبنان تبنت إعادة تأهيل المباني المتضرّرة، لا سيّما مبنى البلديّة الأثري، وأعلن تشاكل عن استعداد بلاده لتقديم مساعدات للعائلات الأكثر فقراً في المدينة.

فما سرّ هذا الاهتمام التركي المتزايد بلبنان؟

الحريري وأردوغان

في كانون الثاني/ يناير الماضي، أثارت زيارة رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، الرئيس التركي رجب الطّيب أردوغان أسئلة عدة، خصوصاً في ظلّ الحديث المتزايد عن تنامي دور تركيا في المنطقة عموماً، ولبنان خصوصاً.

تكثر التحليلات ونظريّات المؤامرة عن الدور التركي مع غياب المعلومات الوافية والأدلّة الملموسة والمعلنة عن أهدافها ومصالحها. فهل تسعى تركيا إلى التوسّع في لبنان وتحقيق مكاسب سياسيّة؟ أم إلى ملء الفراغ على الساحة السنيّة؟ وهل لبنان هو جزء من مشروع تركي محتمل في المنطقة والذي ظهرت معالمه من خلال التدخّل التركي الملحوظ في سوريا؟ 

ما هدف زيارة الحريري إلى أردوغان؟

بدت زيارة الحريري “المفاجئة” لأردوغان في هذا الوقت وقبل تشكيل الحكومة دليلاً على تطوّر الموقع التركي إزاء الوضع اللبناني والعربي عموماً، إذ تم تفسيرها أيضاً بأنها محاولة وساطة للتمهيد للمصالحة بين دول الخليج والجانب التركي عقب المصالحة الخليجيّة بين دول المقاطعة الأربع: السعوديّة، الإمارات، مصر والبحرين من جهة ودولة قطر من جهة أخرى. لكن، فهل يمكن أن يلعب الحريري، الذي لا تزال علاقته بالمملكة العربيّة السعوديّة متقلّبة ومتوتّرة، دور الوسيط بين الدولتين؟!

التدخّل التركي: حجمه وأهدافه

ممّا لا شكّ فيه أنّ الرئيس التركي يسعى إلى تعزيز موقع تركيا كإحدى القوى الإقليميّة الكبرى ولكن الحديث عن استعادة أمجاد الامبراطوريّة العثمانيّة، فيه من السطحيّة كما الخيال، فالقدرات التركيّة على مختلف الأصعدة لا تسمح لها في هذه المرحلة بالتوسّع أو “التمدّد” وحتّى لو أراد الجانب التركي الإيحاء بذلك.

يسعى أردوغان إلى تنصيب نفسه “أباً جديداً للسنّة” ويعيد شمل “الأمّة” تحت جناحه، خصوصاً بعد تراجع دور المملكة العربيّة السعوديّة في هذا المجال وتراجع دورها في لبنان وانكفائها إلى حدّ كبير بسبب تركيزها على ترتيب بيتها الداخلي وانشغالها بجبهات أخرى. 

ولكن الإشاعات والتهم عن دور أمني لتركيا في الشمال و”تمدد تركي سياسي ومالي وأمني في الشمال”، بحسب وصف رئيس التيّار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل أو “تورّط تركي في سلسلة أحداث حصلت في شمال لبنان… وتمويل بعض أعمال تخريب شهدها وسط بيروت التجاري”، بحسب العربية، أو الحديث عن سعي تركيا إلى تأسيس فدراليّة سنيّة، فهو مبالغ به، بحسب الصحافي اللبناني المتابع للملف التركي القطري صهيب جوهر الذي قال إنّ هذه الاتهامات “أغضبت الجانب التركي الذي اعتبرها محاولات من الجانب الإماراتي لشيطنة تركيا أمام الأفرقاء المتخوفين من أي تمدد مرتقب وقطع الطريق عليها في ظل تنامي شعبية أنقرة في الأوساط “السنية”، نتيجة المواقف التي يطلقها الجانب التركي في المنطقة والتي تخاطب العاطفة السنية التي تفتقد للقيادة والمرجعية”.

وفي هذا الإطار، يستغرب مسؤول الجماعة الاسلامية التي تعتبر الفرع اللبناني للإخوان المسلمين، إيهاب نافع “الفيديوات والتحليلات المفبركة”، باعتبارها “محاولات استباقيّة لعرقلة أي تدخّل تركي أو دور تركي في لبنان” مضيفاً أنّه “على المدى المنظور، تركيا لا تضع لبنان على قائمة أولويّاتها وتدخّلها الطفيف بتقديم مساعدات لا يرتقي أبداً إلى مستوى أن تلعب دوراً على الصعيد السياسي… فالمساعدات التي تقدّمها دول الخليج في يومين، تقدّمها تركيا في سنة تقريباً”، هذا إضافة إلى أنّ المساعدات التركيّة تقتصر على مساعدات وخدمات تقدّمها مؤسسات تنمويّة وغالباً غير حكوميّة.

أمّا عن “تتريك شمال لبنان”، فمّما لا شكّ فيه هناك تعاطف واسع في مناطق الشمال عموماً، مع الرئيس أردوغان والدولة التركيّة، ما بدا جليّاً من خلال تضامن كثيرين مع العملة التركيّة عقب التقلّبات التي شهدتها في آب/ أغسطس 2018. وقد يكون التعاطف أيضاً طائفيّاً في ظلّ شعور شريحة كبيرة من السنّة بالغبن وخصوصاً في لبنان في ظلّ قوّة المحور الإيراني وعظمته وسلطته في لبنان. إلّا أنّه، بحسب نافع، لا تسعى تركيا إلى دعم جماعات تستطيع مواجهة “حزب الله” أو توازن قدراته في لبنان أو أن تلعب على خطّ الصراع السياسي السنّي – الشيعي القائم في لبنان. ويؤيّد جوهر نافع مستبعداً وجود “رغبة تركية للعب دور مرتبط بالحدّ من دور إيران في الإقليم بسبب سياسة ربط النزاع بين الطرفين”.

ولكن لا شكّ في أنّ لتركيا اهتماماً كبيراً بلبنان لم تتّضح معالمه بعد ولكن يظهر من خلال زيادة المشاريع التركيّة على الأراضي اللبنانيّة في السنوات القليلة الماضية.

مشاريع تركيا في لبنان

لتركيا في لبنان أدوار مختلفة، تصبّ غالباً في الجانب التنموي والثقافي والإغاثي خصوصاً على المستوى الشعبي Grassroots level، ومن أبرزها:

المشاريع في طرابلس وعكّار من خلال المراكز التربويّة والجمعيّات الأهليّة وتأهيل الجامعة اللبنانيّة في طرابلس، الذي تولّت أمره شركة تركيّة خاصّة. إضافة إلى المنح التعليميّة للبنانيّين في المجالات والمراحل المختلفة، التي وعد السفير التركي في بيروت هكان تشاكل في شباط/ فبراير 2019 بزيادة عددها. هذا فضلاً عن المساعدات العينيّة التي قدّمتها الدولة التركيّة للبنان لمواجهة وباء “كوفيد- 19” أوّلاً، وعقب انفجار مرفأ بيروت ثانياً.

وتقوم الوكالة التركيّة للتعاون والتنسيق (تيكا) بإعادة تأهيل مستشفى صيدا. فالكثير من الخدمات والمساعدات التركية، منها “برنامج تبادل الخبرات” بين الطلّاب، تأتي عبر وكالة “تيكا” وهي مؤسسة حكوميّة تابعة لوزارة الثقافة والسياحيّة التركيّة. يؤكّد مصدر مسؤول في وكالة “تيكا” في لبنان لموقع “درج” أنّ الوكالة تموّل مشاريع بناءً على طلبات واقتراحات من جهات متعدّدة، وليس هناك أي ميزانيّة مخصّصة لمشاريع لبنان أو تركيز وأولويّة لمناطق محدّدة، بل يتوقّف ذلك على الاقتراحات التي يتم إرسالها ودرسها والموافقة عليها في أنقرة وليس هناك أي فيتو على أي جهة أو مؤسسة. ولكنّ المشاريع الأهم بالنسبة إلى الوكالة هي تلك المتعلّقة ببناء قدرات الشباب وتطويرها من خلال التدريبات وخلق فرص عمل وتنفيذ مشاريع إنمائيّة، لافتاً إلى عمل الوكالة في تأهيل مستشفى صيدا الذي سينتهي قريباً ليتمّ تسليمه جاهزاً للدولة اللبنانيّة لافتتاحه في هذه الظروف القاسية التي تواجه القطاع الصحّي. وتجدر الإشارة إلى أنّ “تيكا” ليست المؤسسة الأجنبية الحكوميّة الوحيدة في لبنان التي تقدّم مساعدات وخدمات وتنفّذ مشاريع.

لتركيا في لبنان أدوار مختلفة، تصبّ غالباً في الجانب التنموي والثقافي

والإغاثي خصوصاً على المستوى الشعبي Grassroots level.

من جهة أخرى، يلعب “المركز الثقافي التركي” دوراً مهمّاً في تعزيز صورة تركيا في عيون الشباب وتعليم اللغة التركيّة. أمّا السفارة التركيّة فدورها، أسوة بعدد من السفارات، لا يقتصر على العلاقات الديبلوماسيّة فحسب، بل يتعدّى ذلك إلى توجيه رسائل سياسيّة إلى الأطراف كافّة.

ويبقى التقدّم التركي الكبير في لبنان لناحية الإنتاج الفنّي وتحديداً الدراما التركيّة والمسلسلات التي باتت الأشهر في لبنان والمنطقة، إضافة إلى البضائع التركيّة، لا سيّما الملابس. 

علاقة التيارات السياسيّة المختلفة مع تركيا

لا شكّ في أنّ تركيا حليف استراتيجي لأطراف سياسيّة لا سيمّا “السنيّة” منها. 

فالجماعة الإسلاميّة لها علاقة مباشرة مع تركيا باعتبار الأخيرة “حاضنة” لجماعة الإخوان المسلمين، فـ”حزب العدالة والتنمية” قد يُعتبر نسخة تجديديّة منقّحة عن الإخوان المسلمين أسوة بتجربة راشد الغنوشي و”حركة النهضة” التونسيّة، مع اختلاف السياق والتجربة طبعاً. إلّا أنّ المسؤول السياسي للجماعة الإسلاميّة في الشمال إيهاب نافع يشدّد على أنّ لا مساعدات تركيا مخصّصة للجماعة الإسلاميّة في لبنان والخدمات والمساعدات التي قد تستفيد منها مؤسسات تابعة للجماعة لا تزيد عن 10 في المئة من قيمة المساعدات ويضيف، “ليت تركيا تخصص جزءاً من مساعداتها للجماعة الإسلاميّة ولكن هذا لا يحصل”.

إنّما بعض المعلومات غير الموثّقة ولكن من مصادر مطّلعة تتحدّث عن وعود تركية حديثة من جهة غير معلومة بمنح الجماعة الاسلاميّة مبلغاً قدره 700 ألف دولار. أمّا “تيار المستقبل” فأيضاً تجمعه علاقة إيجابيّة مع تركيا وله منسّق خاص فيها، رامي محفوض. ولكنّ التيّار يحتفظ لنفسه بموقع محايد نتيجة قربه من الإدارة الفرنسيّة وحفاظاً على أي تحسّن للعلاقات مع المملكة العربيّة السعوديّة، خصوصاً وأنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد وافق في اتصال مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتكليف الحريري لرئاسة الحكومة الحاليّة التي ما زالت عالقة بعد 3 أشهر من تكليفه في ظلّ انهيار مالي واقتصادي وصحيّ لم تشهد الدولة مثيله سابقاً. وتجدر الإشارة إلى أنّه حتى في حال التدخّل التركي في الشأن السياسي اللبناني، فلن تتخلّى تركيا عن الحريري.

ولكلّ من نجيب ميقاتي وفيصل كرامي وأشرف ريفي ووليد جنبلاط وغيرهم علاقات وطيدة أيضاً مع الأتراك. وعلى رغم تقارب الأحزاب السياسيّة مع تركيا، ولكن “لا تملك تركيا حليفاً صلباً في الساحة اللبنانية، كل ما هو موجود عاطفة سنية نتيجة ضعف القيادة وتعثر الثورات بسبب دول الخليج”، بحسب جوهر الذي يعتقد “أن أنقرة تطمح إلى تطوير حضورها ليصبح حضوراً سياسياً متقدّماً في لبنان” ولكن إمكاناتها في المدى المنظور ستحول دون ذلك.

“حزب العدالة والتنمية” قد يُعتبر نسخة تجديديّة منقّحة عن الإخوان

المسلمين أسوة بتجربة راشد الغنوشي و”حركة النهضة” التونسيّة.

الاحتدام الفرنسي – التركي

لا يخفى على أحد العلاقة المتوتّرة بين تركيا وفرنسا والتي تتجلّى في خطابات الرئيسين الفرنسي والتركي، لا سيّما بعد مقتل المدرّس الفرنسي صامويل باتي في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2020.

وكأنّ لبنان بات من أوراق اللعبة والتنافس بين البلدين. وعلى رغم أنّ لبنان هو ابن فرنسا المدلّل، إلا أنّ الأخيرة قلقة من تنامي النفوذ التركي في لبنان خصوصاً عقب الدور الكبير الذي لعبته تركيا في الأزمة السوريّة، ما قد يكون أحد الأسباب التي دفعت ماكرون للتحرّك والضغط حتى لا يملأ التركي والإيراني الشغور الخليجي في لبنان. 

ويبقى السؤال الأبرز، هل يحاول أردوغان استخدام لبنان كورقة للضغط أو أداة لاستفزاز ماكرون وفرنسا؟ وهل اهتمام ماكرون المتزايد في لبنان هو محاولة لقطع طريق التدخّل التركي في البلاد؟ “كل ما يحدث في المنطقة هو تنافس على ثروات المنطقة وتحديداً الخصومة بين تركيا وفرنسا وروسيا مرتبط بغاز المتوسط، فالحضور التركي في سوريا يرتبط بمجموعة عوامل أبرزها منع إقامة الدولة الكردية والمشاركة في صوغ سوريا الجديدة بعد الغياب العربي عنها”، وفقاً لجوهر، فالنزاع التركي-الفرنسي “هو نتيجة الصراع على المتوسط ولبنان هو إحدى النوافذ الصغيرة على المتوسط، لكن الواضح أن تركيا غير جاهزة للعب دور سياسي متقدّم في لبنان لمجموعة عوامل… لكن إذا حضرت العوامل فإن تركيا لن تتراجع عن ذلك كما يبدو في الأفق لأنها زادت نسبة اهتمامها في الملف اللبناني بشكل سريع منذ سنة ونصف السنة”.

التركمان: مدخل الدور التركي في لبنان 

لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى لبنان عام 2010 وتحديداً زيارته بلدتي الكواشرة وعيدمون في عكّار، دلالات كثيرة على اهتمام الرئيس التركي بالمناطق ذات الوجود التركماني في عكّار التي لطالما عانت من إهمال الدولة اللبنانيّة وتهميشها. فالبلدتان وبشكلٍ خاصّ بلدة الكواشرة الشماليّة من البلدات التي تضمّ الأقليّة التركمانيّة وتحتفظ بلغتها التركيّة. ففي لبنان حوالى 30-40 ألف نسمة من التركمانيّين، بحسب دراسة مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجيّة عام 2010: “الأتراك المنسيّون: الوجود التركماني في لبنان“.

وفي هذا السياق، صرّح وزير الخارجية التركي في آب/ أغسطس 2020، مولود تشاويش أوغلو، أنّه سيتمّ منح الجنسيّة التركيّة للتركمان وكلّ اللبنانيّين الذين بحوزتهم وثائق وأوراق ثبوتية تؤكد جذورهم التركية. إنّما هناك أعداد كبيرة من اللبنانيّين الذين يسعون إلى شراء عقارات في تركيا والحصول على الجنسيّة التركية من خارج التركمان أيضاً.

ولفت مقصود إلى أنّ الأولويّة والتمييز الوحيد لمشاريع “تيكا” في لبنان هو لبلدتي الكواشرة وعيدمون، لوجود الأقليّة التركمانيّة فيهما. 

المصدر: دراسة مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجيّة: “الأتراك المنسيّون: الوجود التركماني في لبنان”، شباط 2010

قد يكون التدخّل التركي في سوريا سبب التخوّف الأكبر عند قسم كبير من اللبنانيّين الذين يخشون تدخّلاً بهذا الحجم في لبنان يقلب موازين “اللعبة” السياسيّة. ولكن بغياب أي أدلّة ملموسة أو حتّى خطوات عمليّة لتركيا في الساحة المحليّة السياسيّة، فكلّ هذه التحليلات تبقى تنبؤات مبالغ فيها ربما، أو بروباغندا سياسيّة لقطع الطريق أمام أي دور محتمل لتركيا في لبنان. إنّما الأكيد أنّ اهتمام تركيا في لبنان يزداد يوماً بعد يوم، واللبناني سئم أن تكون بلاده ساحة معارك سياسيّة أو أمنيّة بيد القوى الإقليميّة المتنازعة. 

إقرأوا أيضاً: