fbpx

السعودية تمنح بايدن فرصة لاتفاق نووي إيراني جديد؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من الصعب تخيّل موقف الولايات المتحدة وهي ترفع العقوبات عن إيران، الخطوة الضرورية لتحقيق رغبة بايدن في إعادة إحياء الاتفاق النووي، في الوقت الذي تفرض فيه عقوبات على السعودية…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا تمثّل الصفحات الأربع التي تلخص الاستنتاجات التي توصل إليها مسؤولو الاستخبارات الأميركية حول مقتل جمال خاشقجي سوى اتهام فاتر. وذكرت الوثائق، التي رفعت عنها الاستخبارات الأميركية درجة السرية وصدرت يوم الجمعة 26 شباط/ فبراير، أن مقتل خاشقجي كان بعلم وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان وموافقته.

إلا أن صوغ الدليل الدامغ المفترض يفسح مخرجاً محتملاً، إذ ذكر التقرير: “منذ عام 2017، كانت لوليّ العهد سيطرة مطلقة على أجهزة الأمن والاستخبارات في المملكة، ما يجعل من المستبعد للغاية تنفيذ المسؤولين السعوديين أي عملية بهذا النوع من دون موافقة وليّ العهد”.

ربما يتضمن التقرير الكامل مزيداً من الحقائق التي تدعم تلك الشكوك، أو حتى معلومات قد تؤدي إلى استنتاج مفاده علم الملك سلمان نفسه بمقتل خاشقجي عام 2018، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. لكن عندما تلجأ الإدارة الأميركية للاعتماد على سيناريوات “مستبعدة للغاية” وتختار إدراج تحليل سياسي لموقف وليّ العهد السعودي في التقارير التي تنشرها على الملأ، من دون تقديم أي دليل استخباراتي مثل التسجيلات الصوتية أو مراسلات البريد الإلكتروني، وطالما أن واشنطن ترفض الكشف عن كل المعلومات التي بحوزتها، سيظل من الصعب للغاية تقديم محمد بن سلمان للعدالة.

والنتيجة أن ملخص الاستنتاجات الواردة في التقرير الذي رُفعت عنه السرية لا تختلف كثيراً عمّا كان معلوماً بالفعل، أو عن التقييمات الأوليّة السابقة، خلال المراحل الأولى من التحقيقات في تلك الجريمة. وربما لذلك أيضاً اختار الرئيس الأميركي جو بايدن عدم فرض عقوبات شخصية على وليّ العهد السعودي، والاكتفاء بعقوبات على من كانوا على صلة مباشرة بجريمة القتل، سواء بالإشراف أو التنفيذ. ومن بينهم مساعد وليّ العهد وذراعه اليمنى، سعود القحطاني، الذي كان يرأس المركز السعودي للدراسات والشؤون الإعلامية وقت الجريمة.

تسببت جريمة مقتل خاشقجي في أزمة حادة على مستوى علاقة المملكة العربية السعودية بالكونغرس والرأي العام الأميركي.

وكما هو متوقع، سارعت المملكة العربية السعودية إلى إدانة استنتاجات التقرير، واعتبرت أن الولايات المتحدة تحاول التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة والإضرار بمصداقية القضاء السعودي، الذي حقق مع الكثير من أولئك المتورطين في الجريمة وأخضعهم للمحاكمة. وذكر البيان الحكومي الذي نقلته وسائل الإعلام الحكومية السعودية: “تم اتخاذ جميع الإجراءات القضائية اللازمة للتحقيق مع المتجاوزين وتقديمهم للعدالة، إذ صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية رحبت بها أسرة خاشقجي”.

يمكن القول إن وصف موقف أسرة خاشقجي تجاه الأحكام القضائية بـ”الترحيب” غير ملائم، إذ يقع أقارب خاشقجي تحت وطأة ضغوط شديدة، إضافة إلى التعويض المالي السخي. أما العزاء بعبارة “رحمه الله” فربما لا محل لها من الإعراب إلا عندما يوافق المسؤولون السعوديون أخيراً على الكشف عن مدفنه، أو المكان الذي نثروا فيه أشلاء جسده. 

تسببت جريمة مقتل خاشقجي في أزمة حادة على مستوى علاقة المملكة العربية السعودية بالكونغرس والرأي العام الأميركي، لكنها لم تؤثر على علاقات المملكة مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي منع نشر تقرير الاستخبارات واستمر في دعم ولي العهد، محمد بن سلمان. وبسبب تلك الجريمة والتدخل السعودي في حرب اليمن، أوقف الكونغرس الأميركي بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، الأمر الذي تجاوزه ترامب أيضاً عندما أعلن استخدامه حق النقض ضد القرار الذي أقره الكونغرس بسبب اعتبارات الأمن القومي. وفي الوقت نفسه، امتنع ترامب عن دعوة وليّ العهد إلى البيت الأبيض لأكثر من عامين، لكن ذلك لم يؤثر في قوة العلاقات الوثيقة بينهما، إذ كان جاريد كوشنر، صهر ترامب، يتولى مسؤولية الحفاظ على تلك العلاقات.

تركة معقدة

أصبحت قضية خاشقجي ضمن التركة التي ورثها بايدن، الذي وصف السعودية بالدولة “الحقيرة” بعد الجريمة، في الوقت الذي يحتاج فيه إلى الحفاظ على علاقات قوية بين البلدين. ويتطلب هذا الاحتياج من بايدن ضرورة رسم خط فاصل بين علاقته بالمملكة والملك سلمان من جهة وعلاقته بوليّ العهد محمد بن سلمان من جهة أخرى. لكن هل يمكن ذلك في ظل استمرار سيطرة وليّ العهد على الشؤون الداخلية والخارجية إلى جانب الإستراتيجية العسكرية للمملكة العربية السعودية، مع تراجع دور والده بسبب عمره ومرضه؟

لاقى إعلان جينيفر ساكي، الناطقة الرسمية باسم البيت الأبيض، ضجة كبيرة، عندما أعلنت أن بايدن ينوي إعادة تقويم علاقاته مع المملكة، وأن العلاقات مع القادة السعوديين ستستمر على المستويات ذاتها، أي من رئيس دولة إلى رئيس دولة. لكن مثل هذا التوضيح لن تكون له قيمة تُذكر عندما يجد وزير الدفاع الأميركي نفسه في محادثات مباشرة مع وليّ العهد السعودي الذي يشغل منصب وزير الدفاع، من بين مناصب أخرى، أو عندما يجد بايدن نفسه في مؤتمر دولي يحضره وليّ العهد السعودي.

تبدو السعودية الآن أكثر استعداداً للاستجابة أمام الضغوط الأميركية، مقابل عدم محاسبة وليّ العهد أو المملكة.

وقريباً، سيكون لديهما الكثير ليتحدثا بشأنه. ستكون عليهما مناقشة إنهاء الحرب في اليمن. تمثّل هذه القضية مصدر إزعاج قوي لبايدن وأصبحت جوهرية في مسألة بيع الأسلحة للسعوديين. والأمر الآخر الذي لا يقل أهمية بالنسبة إلى بايدن هو مناقشة تجديد المفاوضات بشأن الاتفاق النووي مع إيران. لذا، سيتعين على بايدن الآن إيجاد التوازن السحري بين توجيه اتهامات القتل والحاجة إلى خدمات السعودية على الساحتين العالمين والشرق أوسطية.

الإقدام على اتفاق مع إيران سيوقع بايدن في مأزق ديبلوماسي بالغ التعقيد إن كان ينوي فرض عقوبات على السعودية أو على وليّ العهد السعودي شخصياً. من الصعب تخيّل موقف الولايات المتحدة وهي ترفع العقوبات عن إيران، الخطوة الضرورية لتحقيق رغبة بايدن في إعادة إحياء الاتفاق النووي، في الوقت الذي تفرض فيه عقوبات على السعودية، التي تحتاج إليها لدعم التحركات الأميركية في المنطقة.

قد يفترض البعض في هذه الحالة أن التحالف غير الرسمي بين السعودية والإمارات وإسرائيل ضد إيران عامل سلبي بالنسبة إلى واشنطن. لكن إذا تمكنت واشنطن من تحييد ضلع واحد فقط من هذا الثالوث، والحد من معارضة الاتفاق النووي، لن تواجه بذلك الاتهامات ذاتها التي واجهها الرئيس الأسبق باراك أوباما بالتنكّر إلى الحلفاء واحتضان إيران.

تبدو السعودية الآن أكثر استعداداً للاستجابة أمام الضغوط الأميركية، مقابل عدم محاسبة وليّ العهد أو المملكة. قد تتمثل الضريبة التي يفرضها بايدن على السعودية جرّاء مقتل خاشقجي في المطالبة بتحسين حقوق الإنسان وإطلاق سراح السجناء السياسيين، الأمور التي شملتها بالفعل حزمة الإصلاحات التي أعلن عنها وليّ العهد السعودي هذا الشهر. هذا المقال مترجم عن الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً: