fbpx

البابا فرنسيس في العراق… هل سيخبرونه عن قتل المسيحيين وتهجيرهم؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تُختصر مسألة خلو العراق من المسيحيين في عنف الحركات الأصولية والأحزاب الإسلامية وأجنحتها المسلحة المنفلتة، فهناك أشكال من العنصرية المُمأسسة في القوانين المدنية…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 ماذا يقول العراقيون للبابا فرنسيس أثناء زيارته العراق في الأيام المقبلة؟ أيكشفون له حقيقة ما حصل ويحصل بحق المسيحيين منذ 2003؟ هل يخبرونه أن الأديرة والكنائس تحولت إلى أبنية فارغة؟ أيقولون له إن السطو على أملاك المسيحيين أو اجبارهم على بيعها للمتنفذين وأعضاء الميليشيات المسلحة يجري على قدم وساق؟ هل يشرحون تلك الأسباب التي أدت إلى تناقص أعدادهم من مليون ونصف المليون قبل سقوط نظام صدام حسين إلى أقل من نصف مليون الآن؟ هل يتجرأون ويقولون له، إن المسيحيين وسائر الأقليات الدينية الإثنية يتعرضون لعنصرية منهجية في كل مكان، حتى في المحاكم والنصوص القانونية؟ أسوق هذه الأسئلة في سياق تحضيرات رسمية وشعبية لزيارة البابا فرانسيس العراق، حيث يتم وضع صور عملاقة له في شوارع بغداد، فيما يستعد “المسيحي الأخير” الذي لم يهجر بعد، لترك البلاد وعدم إخفاء الرأس في رمال الرومانسيات الوطنية التي لطالما اتسمت بها الثقافة العراقية. 

ذكر لي رجل دين مسيحي التقيت به في جنوب العراق أسباباً كثيرة تدفع المسيحيين وأفراد الأقليات الدينية والإثنية الأخرى إلى الهجرة خارج البلاد، إنما يعد العنف واستهدافهم من أحزاب إسلامية متطرّفة برأيه السبب الرئيس والأهم لخلو العراق من المسيحيين. وقد يحاول المسؤولون العراقيون حصر مأساة المسألة في القسوة التي مارسها داعش أثناء احتلالها الموصل، إنما الخوف من فقدان أملاكهم وكنائسهم وأديرتهم ووجودهم في الموصل كما في بغداد والبصرة، كان متفشياً قبل ظهور “داعش”. لم ير مسيحيو العراق في تاريخهم الحديث عنفاً مشابهاً لذلك الذي استهدفهم بعد 2003، وأحدث تغييراً ديموغرافياً كبيراً لمصلحة الغالبية المسلمة. فقبل أن يحتل مناطقهم وبيوتهم التنظيم المتوحش في مدينة الموصل، كانت الدلائل تشير إلى خلو المنطقة منهم ومن الأقليات الدينية الأخرى، ذاك أن الغالبيات كانت – وما زالت – تفكر بأملاك المسيحيين وليس بوجودهم وتاريخهم وثقافتهم في البلاد. 

لم ير مسيحيو العراق في تاريخهم الحديث عنفاً مشابهاً لذلك الذي استهدفهم بعد 2003، وأحدث تغييراً ديموغرافياً كبيراً لمصلحة الغالبية المسلمة.

“نخاف أن تتحول أديرتنا وكنائسنا العريقة إلى متاحف وأبنية وقصور تذكارية يزورها السياح”، إن نم هذا الخوف الذي أبداه ناشط مسيحي عام 2013 من تهديد وجودي مبطن ضدهم عن شيء، إنما ينم عن مأساة تهجير كبيرة طاولت جميع الطوائف والأقليات الدينية في العراق والمنطقة. وثقت صحيفة “لوموند” الفرنسية بتاريخ 14 شباط/ فبراير 1963 حملات عنف أخرى ضد الأقلية المسيحية في العراق، أثناء الانقلاب العسكري الذي نفذه البعثيون ضد حكومة عبدالكريم قاسم، إنما لم تؤد تلك الحملات إلى تغييرات سكانية ودينية داخل المجتمع العراقي. نشرت الصحيفة المذكورة في تلك الأيام تقريراً جاء فيه: ففي الأوساط الرسمية للنظام الجديد نسمعهم يقولون بشكل دائم: “لدينا قوائم بأسماء جميع الشيوعيين ولن نترك أحداً منهم يفلت من يدنا”. وقد شمل رعب الحملات التطهيرية الأقلية الكلدانية المسيحية قبل غيرهم من العراقيين، ذاك أنهم بحسب شهادة مراسل صحيفة “لوموند”، كانوا يصطفون مع الشيوعيين. 

كان عدد المسيحيين وفق الإحصاء السكاني العام سنة 1987 في العراق، مليوناً و400 ألف نسمة، وبلغ هذا العدد عام 2003 مليوناً ونصف المليون، بينما تراجع العدد إلى أقل من 300 ألف شخص عام 2016، وذلك بسبب أعمال عنف غير مسبوقة تنفذها أحزاب وجماعات إسلامية متطرّفة ضد كنائسهم وأماكن عباداتهم، ناهيك بمحلاتهم التجارية ونواديهم الثقافية والاجتماعية بعد عام 2003. وكان تنظيم “القاعدة” ووليد خاصرته “داعش” الأكثر توحشاً تجاه الأقليات الدينية في العراق. وقد جسّد وضع “داعش” حرف (ن) على منازل وعقارات المسيحيين في الموصل ما بعد 10 حزيران/ يونيو 2014، الحلقة الأعنف من سلسلة أعمال قاسية ضد المسيحيين وإجبارهم على ترك البلاد أو البقاء تحت “رحمة السيف”. 

بطبيعة الحال، لا تُختصر مسألة خلو العراق من المسيحيين في عنف الحركات الأصولية والأحزاب الإسلامية وأجنحتها المسلحة المنفلتة، فهناك أشكال من العنصرية المُمأسسة في القوانين المدنية تتمثل بتشريعات في الإرث والزواج والطلاق والنفقة وإلى ما شابه ذلك من الإجراءات تتعامل المحاكم بموجبها مع المسيحيين والأقليات الأخرى. قصارى القول إن القوانين السارية مجحفة بحق الأقليات إذ يعانون مما يلحقها من تبعات على نمط حياتهم وتقاليدهم وثقافتهم، ناهيك بقانون الأحوال المدني، إذ يضع غير المسلم أمام عنصرية قانونية، فارضاً شروطاً قد لا تناسب ثقافته ونمط حياته. تالياً، إذا اعترف المسؤولون العراقيون بهذه الحقائق أثناء الزيارة المرتقبة، نأمل الخير، لأن بعضاً من الاعتراف بالخطيئة، فضيلة. 

إقرأوا أيضاً: