fbpx

“هيبة” الثأر العشائري تتعاظم في لبنان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو ايجاد حل لهذه المعضلة الدموية شبه مستحيل في الظروف الحالية، وتبدو قيادات الأجهزة الأمنية على قناعة بأن “السعي للحدّ من الثأر في الظروف التي تعيشها البلاد حاليًا لا يشكّل أولوية”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فيما كانت دارين زعيتر تخرج من قاعة حفل زفاف أخيها في بلدة إيعات البقاعية وهي تحمل طفلتها ذات الأشهر الستة،أطلق مسلّح النار عليها فأرداها. أُعدمت الأم أمام عائلتها، وفي يدها رضيعتها. 

حصلت الجريمة في في أواخر شباط/ فبراير الماضي، تنفيذًا لحكم ثأري أصدر بحقها منذ 12 عامًا بعد أن قامت شقيقتها بقتل شخص من العائلة نفسها على إثر خلاف شخصي لم تعرف تفاصيله.

وقعت الجريمة هذه، بعد يوم واحد من مقتل الشرطي علاء ابراهيم في برج البراجنة على خلفية مشاركته في إشكال راح ضحيته الشاب حسين زعيتر العام الماضي. وعلى الرغم من إثبات براءة علاء في التحقيقات الرسمية التي أدت إلى توقيف المتهم الأساسي، سقط الشاب بنيران ثأرية وهو “الخلوق الذي لا يؤذي نملة” بحسب أقربائه.  

تفتح هاتان الجريمتان النقاش مجدّدًا حول استيقاظ عمليات الثأر وتناميها في ظل غياب أجهزة الدولة التي تمرّ في أسوأ مراحل انهيارها على مختلف المستويات.

“الأخذ بالثأر والإنتقام لكرامتنا الجماعية بعد أي ظلم يقع علينا هو حق طبيعي لا يجوز التنازل عنه، فلا رادع للتعدّيات سوى التعدّيات المضادة التي تقع في خانة الدفاع عن النفس المشروع، ولا بديل عن ذلك اليوم مع تعاظم المخاطر وكثرة الجرائم”، يقول حسين ش. (60 عامًا)، ابن إحدى العشائر في البقاع الشمالي. 

يستذكر حسين كيف أقدم معروف حمية، بعد عامين على مقتل ولده محمد أحد العسكريين المخطوفين عام 2014، بالثأر له عبر قتل شقيق مصطفى الحجيري الملقب بـ”أبو طاقية”، بسبب ضلوع الأخير في قضية خطف العسكريين. لم تدفع الأعراف الإجتماعية المتوارثة فحسب معروف إلى الثأر، بل كان لفعله ذلك دوافع عاطفية أجّجت شعوره بالغدر والمظلومية، بحسب حسين: “فأيّ دولة وأي جهاز أمني قادران على شفاء غليل أب ذبح ابنه أمام عينيه؟”.

يرفض أحمد أ. (27 عامًا)، الذي يعيش في إحدى بلدات البقاع الغربي، معادلة الدم مقابل الدم التي يدافع عنها حسين، “فلا يمكن للمنطق العشائري أن يحكم حاضرنا ومستقبلنا كما حكم تاريخنا”، يقول أحمد مستغربًا إعتبار هذه الظاهرة أداة لإحقاق العدالة، فمعظم عمليات الثأر تتمّ بشكل عشوائي وتستهدف أبرياء لا علاقة مباشرة لهم أصلّا بالجريمة التي استوجبت الثأر سوى أنهم ينتمون إلى عائلة الجاني، الأمر الذي يغرق الطرفين في دوّامة قتل مستمرّة ومفتوحة.

ويؤكّد أن انتشار عمليات الثأر كان من الأسباب الرئيسية التي جعلت أبناء بعض المناطق يوصمون ظلمًا بالهمجية، فيما هم أول ضحايا هذه الظاهرة التي لا تزال تهدد أجيالًا كاملة وتشتت عائلات بأسرها: “لي أصدقاء اضطروا إلى ترك منازلهم وعائلاتهم هربًا من ثأر يلاحقهم، أو من ضغط إجتماعي يدفعهم للثأر لأحد أقاربهم”. ويلقي أحمد جزءًا من اللوم على الدولة التي “لم تقتص يومًا من أي قاتل، ولم تقتص حتى من الآخذ بالثأر فهي تسقطنا دائمًا نحن ومناطقنا من حساباتها”. 

إقرأوا أيضاً:

“الحد من عمليات الثأر ليس أولوية” 

ترتبك الأجهزة الأمنية اللبنانية في تعاطيها مع ظاهرة الثأر. فهي، من جهة مطالبة، بضبط الأمن المتفلّت، ومن جهة أخرى تحاول مراعاة العشائر وعادتها وتقاليدها تداركاً للاصطدام بها. ومع انفلات الوضع الأمني، في ظل الانهيار الاقتصادي الحاد وغياب الحكومة، وتفاخر مسؤولين حكوميين، بينهم وزير الداخلية اللبنانية، بتفلّته من العقاب، بعد اعترافه على الهواء مباشرة بقتل شخصين، يبدو صعباً على الأجهزة الأمنية فرض “هيبتها”. وهي تتخوف، كما تشير مصادر في قوى الأمن الداخلي لـ”درج” من إرتفاع نسبة الجرائم في لبنان بشكل عام، وليس فقط تلك المتعلقة بالثأر. إنطلاقًا من ذلك، ينحصر دور الأجهزة الأمنية في لململة ذيول جرائم الثأر والتحقيق فيها والعمل على ملاحقة الجناة، ولكنها ولحسابات مناطقية وحزبية تُجبر في أكثر الأحيان على أن تقف متفرّجة فيما تتجلّى المافياوية العشائرية في أخطر صورها، في الشارع، وعلى شاشات التلفزة. 

يتفق الدكتور جمال زعيتر، وهو أستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مع من يلقون الجزء الأكبر من المسؤولية على الدولة التي أفسحت بغيابها، المجال أمام تعاظم حكم العشائر “التي لم تتمكن من التحرر من بعض المبادئ غير الحضارية”، فلا يمكن، بحسب زعيتر، فصل تزايد حالات الثأر عن ظواهر أخرى كالتفلّت الأمني المستشري في المناطق ذات النفوذ العائلي والحزبي، وانتشار السلاح المرخص وغير المرخّص وقضاء لم يحاسب يومًا أي مرتكب بعقوبات مشدّدة تحصيلًا للحق العام على الأقلّ.

ويشير زعيتر إلى وجود مبادرات محليّة للحد من الآفة الكارثية التي تحصد الأرواح مجاناً: “أنشأنا بالفعل لجان إصلاح في منطقة بعلبك- الهرمل، وهي تقوم بعمل جيّد إلى حدّ ما في سبيل حقن الدماء، والسعي لإيجاد حلول سلمية بين العشائر المتناحرة”، إلّا أن هذا الجهد يبقى منقوصًا ما لم تواكبه الدولة من خلال تواجد عناصرها الأمنية على الأرض بشكل أوسع، وعبر حملات توعوية تستهدف المناطق التي يعيش أهلها حالة من الذعر والترقب الدائمين.

عادة موروثة تكرَسها عصبية عشائرية

يشرح الدكتور هاني سليمان، وهو محام وله دراسات في هذا المجال، مفهوم الثأر على أنه “عادة موروثة منذ ما قبل الجاهلية، وهي من العادات والتقاليد التي ترسّخت في المجتمعات العشائرية حتى باتت أشبه بمؤسسة لها شروطها وأحكامها، وتلجأ العشائر إليها كردّة فعل طبيعية تدافع من خلالها عن نفسها وترسّخ قوتها وسطوتها في محيطها الضيق”.

تنتشر هذه العادة في المناطق الداخلية والجبلية حيث تسيطر أعراف المجتمعات الأهلية على حساب مظاهر دولة القانون المدني، ويكون للعشيرة فيها الحكم المطلق. فهي لا تلتفت إلى الدولة في سعيها لتحصيل حقوقها التي لا تسقط بمرور الزمن.

يلعب الضغط الإجتماعي/ العشائري الدور الأبرز في الدفع بالأفراد إلى الأخذ بالثأر، بإعتباره حقاً وواجباً على العشيرة، ومن يتخلّى عن هذا الحق من أبنائها يكون متخاذلًا وقد تسقط عنه أحقيّة الإنتماء إلى عشيرته كونه فشل في الدفاع عنها.

ويعتبر سليمان أن الثأر كظاهرة إجتماعية لا تحدّه حدود تفلّت الأمن أو استتبابه، فهي من السلوكيات العشائرية الأكثر ترسّخًا في تركيبتها لأنها تسعى من خلالها إلى تحقيق ما تعتبره إستقرارًا إجتماعيًا يحافظ على العصبية التي تضمن استمراريتها، وأي تراجع عنه هو إنتحار جماعي بالنسبة لها، وبذلك يصبح الثأر بمثابة “إرث لا يزول”.

وفيما تحاول الأجهزة الأمنية، ان توكل مهمة السعي للحد من عمليات الثأر إلى العشائر نفسها، يبدو ايجاد حل لهذه المعضلة الدموية شبه مستحيل في الظروف الحالية، وتبدو قيادات الأجهزة الأمنية على قناعة بأن “السعي للحدّ من الثأر في الظروف التي تعيشها البلاد حاليًا لا يشكّل أولوية”. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.