fbpx

مساحة للحب والحرب مع جاري العوني

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

جارنا سمع الرئيس بالأمس، وسمع وزير خارجية فرنسا جان أيف لودريان وهو يلوح بعقوبات قد تصيب الرئيس وصهره، ولم يجد ما يرد إليه اضطراب مشاعره إلا عبارة “الرئيس ما طالع بإيدو شي”!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

جاري الستيني الذي يركض متثاقلاً كل صباح على الـ”treadmill”، أخفض صوته اليوم حين قال لابنته: “الرئيس ما بيطلع بإيدو شي”، مشيراً إلى الخطاب المتلفز الأخير الذي ألقاه ميشال عون والذي حذر فيه من أن عدم تسهيل مهمة شركة “لافاريز” في تدقيق حسابات مصرف لبنان سيأتي على الأمل الأخير للبنان في النجاة!

“الرئيس ما بيطلع بإيدو شي” هي لسان حال العونيين متوسطي الولاء، من جمهور عون غير المنخرطين في التيار، وهم تارة يسوقونها ليشيروا إلى أن الرئيس يريد أن يفعل شيئاً لكنه لا يستطيع، لكنهم تارة أخرى يستحضرونها لمزيد من التخفف من ولاء أثقل عليهم لكثرة من انغمس الرئيس في “متع الدنيا”، ولكثرة ما ضيّق عليهم هذه المتع. فجارنا هذا خسر ثقة ابنته الشابة التي أقلعت عن العونية منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والتي تجبره كل صباح على التوجه معها إلى النادي تفادياً لأن تصيب خيباته بالرئيس الذي يحبه قلبه الضعيف فترديه.

تشهد هذه المنطقة الشعورية أغرب الانفعالات! فأهلها يحبون الرجل، ويحبون فرنسا التي لا تحبه، فكيف يصرفون هذا الفصام؟

ثمة عاطفة غير سياسية ما زالت تربط محبي ميشال عون به، على رغم انحسار هذه العاطفة إلى حدٍ كبير. ومن المرجح أن صهر الرئيس ووريثه لن يتمكن من تجييرها لنفسه عندما يأخذ الله أمانته. لا بل أن الصهر هو ما يعيد إليه أصحاب هذا الحب إخفاقات عمه المتتالية. الصهر بحسبهم، وبحسب جارنا، هو من أخذ الرئيس إلى حارة حريك للقاء حسن نصرالله هناك، وبحسبهم أيضاً هو الذي أجبره على الذهاب إلى سوريا، وهو الذي ألحق بعمه تهم الفساد. لكن المحير بهؤلاء هو أنهم لن يجدوا وجهة لـ”حبهم” عندما يأخذ الله أمانته، لا سيما أنه حب أذاقنا طعم المرارة نحن الذين لا يحبون ميشال عون، ولهذا السبب تماماً نفتش عن وجهته في أعقاب موت الحبيب.

تشهد هذه المنطقة الشعورية أغرب الانفعالات! فأهلها يحبون الرجل، ويحبون فرنسا التي لا تحبه، فكيف يصرفون هذا الفصام؟ جارنا سمع الرئيس بالأمس، وسمع وزير خارجية فرنسا جان أيف لودريان وهو يلوح بعقوبات قد تصيب الرئيس وصهره، ولم يجد ما يرد إليه اضطراب مشاعره إلا عبارة “الرئيس ما طالع بإيدو شي”!

والحال أن جبران باسيل وعمه وضعا المسيحيين في موقع لا ينسجم أبداً مع فانتزماتهم لجهة أنهم جزء من الغرب ومن أذواقه وأنماط عيشه وخياراته. فعلى حين غرة فقد جارنا ماء وجهه أمام ابنته، الشابة التي ترطن بالفرنسية كلغة أولى وتنوع عليها بإنكليزية مستجدة إنما رشيقة، وحين توجهت إلى ساحة الشهداء لتشارك أصدقاءها التظاهر ضد الطبقة الحاكمة والفاسدة، فوجئت بصورة حبيب أبيها رئيس الجمهورية إلى جانب صورة نبيه بري وحسن نصرالله، فأصابها هلع ثقافي ما لبثت أن بددته مع تكرار القدوم الى ساحة الشهداء وقبولها بهذا المشهد، ثم اقتناعها لاحقاً بأن أبيها على خطأ.

لكننا اليوم أمام مرحلة متقدمة من هذا الفصام، فالغرب ذاهب خطوة أبعد في خصومته للرئيس ولصهره! بعد العقوبات الأميركية التي أصابت الرئيس مباشرة عبر صهره وسند ضهره جبران باسيل، ها هي فرنسا تلوح بعقوبات موازية، ولودريان كاد بالأمس يسميه بالاسم! لم تعد عبارة “الرئيس مش طالع بإيدو شي” تكفي لرأب هذا الصدع النفسي.

وضاعف من تراجيدية الفصام ذهاب بطريرك الموارنة بشارة الراعي إلى المطالبة بمؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، للبحث في مشكلة لبنان! المؤتمر مهمته الضمنية نقل لبنان من الموقع الذي قبل به الرئيس إلى الموقع الذي حدده له المسيحيون قبل تصدر ميشال عون مواقعهم! كل شيء يعمل ضد الرئيس باستثناء حزب الله، وهذا كاف لبقائه رئيساً، لكنه واقع مزلزل وله ارتدادات لا يستطيع جارنا هضمها وتدبيرها. فهو خسر ابنته، وخسر المرآة التي يواجه بها نفسه حين يطل عليه الرئيس الذي “مش طالع بإيدو شي”، وخسر بطريركه. ونحن بدورنا خسرنا، مع جارنا، لبنان، هذه المساحة الضيقة للحب وللحرب.       

إقرأوا أيضاً: