fbpx

“ماذا نفعل بأطفال السبي؟”:
قانون “الناجيات الإيزيديات” في العراق يثير جدلاً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“بعد كل تلك السنوات لا تزال مشاهد الاغتصاب والاعتداء والضرب اليومي وقتل الرجال الإيزيديين، حاضرة بتفاصيلها في ذاكرتي، وتمر أمام عيني”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
أنجز التقرير بدعم من مؤسسة نيريج للتحقيقات الاستقصائية.  

في العاشر من آب/ أغسطس 2017، داهم عناصر من الجيش العراقي منزلاً في غرب مدينة الموصل كان مقراً لتنظيم “داعش”، ليعثروا فيه على الإيزيدية المختطفة ديانا أمين ونساء أخريات نجون بأعجوبة من قنابل وصواريخ معارك التحرير.

تستذكر ديانا (22 سنة) الناجية من سبي امتد ثلاث سنوات، ما تعرضت له من تعذيب واعتداء وحرمان وآلام نفسية، وهي تتابع ما سيقدمه لها قانون الناجيات الذي أقر برلمانياً ورئاسياً في 8 آذار/ مارس 2021. تصف تشريع القانون بأنه جزء بسيط من حاجات الناجيات وحقوقهن “لقد تعرضنا في رحلة السبي لجرائم بشعة وخسرنا سنوات من أعمارنا. ما زلت أعيش صدمة ما مررت به مثل كثيرات غيري، ولا يستطيع شيء أن يعوض ما فقدته”.

ديانا التي تعمل في شبكة الناجيات في مخيم قاديا في زاخو أقصى شمال العراق، تدعو إلى إعادة تأهيل الناجيات بتطبيق فقرات القانون سريعاً وعدم إبقائه “حبراً على ورق” فذلك سيشكل مصدر إحباط ويأس، بحسب تعبيرها.

تفاصيل القانون

البرلمان العراقي مرر مؤخراً قانون “الناجيات الإيزيديات” الذي يعترف بالجرائم الخطيرة التي ارتكبها مقاتلو تنظيم “داعش”  بحق النساء المنتميات إلى هذه الأقلية الإيزيدية وصنفها في دائرة الجرائم ضد الإنسانية.

وكان تنظيم “داعش” قد اجتاح منطقة سنجار الإيزيدية في شمال العراق شهر أغسطس/ آب 2014، وقام مقاتلوه على مدار ثلاث سنوات بأعمال مروعة من قتل واغتصاب واختطاف وسبي وحتى بيع في أسواق النخاسة بحق الكثير من أفراد هذه الأقلية الدينية، قبل تحرير المنطقة عام 2017.

القانون هو الأول من نوعه عربيا إذ ينصّ على اهتمام يخصّ النساء الناجيات من جرائم العنف الجنسي في النزاعات المسلحة. 

قانون “الناجيات الإيزيديات” يتضمن في مادته الثانية إشارة إلى أنه يسري أيضاً على الناجيات من الأقليات الأخرى (تركمانيات، مسيحيات وشبكيات)، ولا يشمل النساء فحسب، بل يشمل الرجال من المكونات الأربعة سابقة الذكر، والتي تعرضت لأبشع أنواع القتل والخطف والتعذيب على أيدي مقاتلي تنظيم “داعش” أثناء اجتياحهم وسيطرتهم على محافظة نينوى.

ينص القانون على تأسيس مديرية عامة لرعاية شؤون الناجيات ترتبط بالأمانة العامة لمجلس الوزراء ويكون مقرها في محافظة نينوى، يديرها موظف بدرجة مدير عام يكون من الإيزيديين حصراً. كما يتضمن تعويض الناجيات مادياً براتب شهري يصل إلى مليون دينار عراقي (نحو 685 دولاراً) مع قطعة أرض سكنية لكل واحدة منهن، الى جانب اعادة تأهيلهن للاندماج بالمجتمع ورعايتهن وتوفير فرص التحصيل العلمي والعمل أمامهن. ويشمل افتتاح مراكز صحية خاصة بهن ومعالجة الأوضاع القانونية للأطفال المولودين نتيجة السبي، مع تخصيص رواتب شهرية لهم تعادل رواتب والداتهم.

ونصت المادة السابعة من القانون على البحث عن المختطفين من الرجال والنساء والأطفال من الإيزيديين والتركمان والمسيحيين والشبك، بالتنسيق بين ذويهم والجهات المختصة ومنحهم المستحقات القانونية والتعويضية.

إقرأوا أيضاً:

الموت أو السبي

وكان مقاتلو تنظيم “داعش” هاجموا قضاء سنجار غرب مدينة الموصل في الثالث من آب/ أغسطس واختطفوا بحسب احصائية لمكتب انقاذ المختطفين الايزيديين 6417 إيزيدياً غالبيتهم من النساء. تم تحرير 3545 منهم، 1199 امرأة، 339 رجلاً و1992 طفلاً. بينما لا يزال الآخرون في حكم المفقودين، على رغم مرور ست سنوات على تحرير سنجار ونحو 4 سنوات على تحرير الموصل وإسقاط الدولة التي كان أعلنها التنظيم هناك. 

لا إحصاءات رسمية في ما يخص بقية المكونات التي هاجم “داعش”، مناطقها إذ لم تقم أي جهة حكومية بجمع بيانات عن الضحايا، وتقتصر الإحصاءات على تلك التي تصدرها منظمات المجتمع المدني، عددهم يقدر بحوالى 1200 تركماني، بينهم 120 طفلاً و460 فتاة وامرأة.

وبحسب ما وثقته منظمة “شلومو” للتوثيق، هناك 161 مسيحياً خطفهم “داعش” عام 2014، بينهم عشرة أطفال، كما تعرضت 49 ناجية لاعتداءات جنسية. 

يشير الصحافي جعفر التلعفري إلى أن الناجين من التركمان رجالاً ونساء يبلغ عددهم 47 فرداً. بينما تقدر جهات أخرى أعداد الناجيات الشبكيات بـ5 فقط.

أقلياتٌ لا تطالب بمختطفاتها

لكن إقرار القانون لا يكفي للتخفيف من وطأة الوصم المجتمعي بحق الضحايا من النساء اللواتي واجهت كثيرات منهن تهميشاً وضغطاً اجتماعياً كبيراً، جراء ما تعتبره المجتمعات المحافظة وصماً اجتماعياً أصاب النساء المختطفات. هذا الموقف جعل الكثير من الناجيات تحت اضطهاد مضاعف حتى بعد تحريرهن من السبي، فكثيرات رفضت عائلاتهن استقبالهن وأخريات لجأن إلى الانتحار للخلاص من الحصار والوصم المجتمعي لهن.

قصص كثيرة مأساوية لحقت بهؤلاء النساء، لكن قليلاً ما تم الكشف عنها أو الحديث عنها علناً. المتخصص في شؤون الأقليات رائد بهجت محمود، يرى أن الأعراف القبلية مثلاً تمنع ظهور جهات تمثل جماعات “التركمان والشبك” من المطالبة بالبحث عن النساء من الأقليتين واللواتي تعرضن ايضا للخطف من قبل عناصر داعش في 2014 وبعدها.

ترفض عائلات شيعية تركمانية الحديث عن النساء المختطفات، اللواتي يُعتبرن متوفيات أو قتلن أثناء اقتحام المدينة. يقول شقيق إحدى المختطفات “لقد فقدناها إلى الأبد، بالنسبة إلينا هي متوفية”. لكن صديقه، وهو كردي ترك المدينة قبل أشهر من وصول “داعش” إليها يقول معلقاً، “هم لا يبحثون عنها، في إحدى المرات قال إن عودتها مشكلة أكبر من فقدانها، لذا يفضلون اعتبارها ميتة”.  

يعتقد محمود أن أعداد المختطفات من المكونين أكبر بكثير مما يتم تداولهُ. ويوضح أن أكثر من نصف المكونين (التركمان والشبك) من الطائفة الشيعية، وكانوا بحكم المرتدّين بالنسبة إلى “داعش”، لذا لم يكن عناصره يتورعون عن فعل أي شيء للنيل منهم. 

أما في ما يخص المسيحيين، فيقول بأن معظمهم غادروا الموصل قبل سيطرة “داعش” عليها عام 2014 بسبب الوضع الأمني المتوتر فيها منذ 2006 وهو العام الذي ظهر فيه فصيل الدولة الإسلامية المسلح ونشط في المدينة. 

وبالنسبة إلى الذين بقوا في المدينة بعد العاشر من حزيران/ يونيو 2014 فقد خيرهم التنظيم بين الإسلام أو دفع الجزية أو المغادرة. وقد فضل جميعهم الخيار الأخير بعد تخليهم عن أموالهم المنقولة وغير المنقولة. 

لكن هذه الخيارات لم تشفع للإيزيديين عندما اجتاح داعش مناطقهم، كما يقول محمود، إذ تعامل عناصر التنظيم معهم على أنهم كفار وقاموا بقتل الرجال وسبي النساء.

نصر كبير للضحايا

منال لقمان (22 سنة) من مجمع تل قصب في سنجار، واحدة منهن. كانت في الخامسة عشرة من عمرها حين  وقعت في قبضة التنظيم مع تسعة آخرين من أفراد أسرتها بينهم والداها. 

تعرضت للاغتصاب والضرب المبرح طول الأشهر الأربعة الأولى من أسرها قبل أن تتمكن من الهرب ذات ليلة، واستطاعت بمساعدة مدنيين من الوصول إلى اقليم كردستان: “كنت أطلب الموت من ربي يومياً، الموت كان أهون لي من البقاء في قبضتهم”. وتضيف “بعد كل تلك السنوات لا تزال مشاهد الاغتصاب والاعتداء والضرب اليومي وقتل الرجال الإيزيديين، حاضرة بتفاصيلها في ذاكرتي، وتمر أمام عيني”. 

نحو ثلاث سنوات أمضتها معظم الناجيات الايزيديات في الأسر، قبل أن تنحسر مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش” في سوريا والعراق وتضعف قبضته الأمنية إثر الحملات العسكريّة لتحرير المدن والبلدات العراقيّة والسورية من التنظيم، وحينها بدأ الحديث يتكرر عن العثور على ناجيات: “على رغم معاناتنا الكبيرة بعد التحرر من الخطف ووجودنا في المخيمات في ظروف انسانية صعبة إلا أننا لم نقف مكتوفي الأيدي وحراكنا كان مستمراً”. تفاخر منال بالجهود التي قدمتها مع عشرات غيرها من الايزديات، وتقول إنها أثمرت في النهاية كتابة مسودة قانون الناجيات الايزيديات.

لاحقاً شاركت منال بأنشطة وندوات كثيرة في بغداد وإقليم كردستان وقدمت مع أخريات مقترحات لتعديل بعض الفقرات التي قالت إنها “لم تكن منصفة للناجيات وقضيتهن”.

ومع أنها تسجل اعتراضها على فقرات في القانون تعتبرها “غير منصفة للناجيات”، إلا أنها تعتبر اقرار القانون نصراً كبيراً للنساء الضحايا وعائلاتهن وسيمنح الناجيات دافعاً كبيراً “للخروج من واقعهن المزري وسيجعلهن قويات لمواجهة تداعيات ماضيهن”.

إقرأوا أيضاً:

خطوة مهمة

الناجية والناشطة في مجال حقوق الناجيات حلا سفيل (21 سنة) اختطفت هي الأخرى من تل قصب في آب/ أغسطس 2014 وكانت وقتها طالبة في الصف المتوسط الثالث. تم تحريرها في الموصل عام 2017 بعد ثلاث سنوات من السبي.

حلا التي فقدت والديها وثلاثة من أشقائها، تعيش وحيدة في مخيم بيرسفي للنازحين في إقليم كردستان. ومثل كثيرات من الناجيات غيرها اللواتي يعشن لوحدهن أو في كنف أقرباء لهن، تعتقد حلا أن لا شيء سيعوضها عن أبويها اللذين فقدتهما، لكنها في الوقت ذاته ترى في إقرار القانون خطوة تعزّيها. 

مخاوف من عدم تطبيق القانون

على رغم الوعد الذي قطعه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بتسخير جهود حكومته من أجل تنفيذ بنود القانون، إلا أن قلقاً يساور نشطاء إيزيديين من عرقلة تطبيقه بسبب الإجراءات البيروقراطية والظروف التي يمر بها قضاء سنجار. فضلاً عن اعتراضات ما زالت قائمة من قبل بعض المعنيات بالدرجة الأساس بالقانون وهن الناجيات ولا سيما في ما يخص الأطفال المولودين نتيجة سبيهن على يد عناصر “داعش”. 

ويرى الحقوقي حسام عبدلله، مدير المنظمة الايزيدية للتوثيق، أن أهمية القانون تكمن في معالجته هذه القضية الحساسة والنادرة والتي تحمل تداعيات مستقبلية، “لكن العبرة في تطبيقه بالكامل ونحن بانتظار التعليمات الخاصة بذلك”.

ويتمنى أحمد خديده برجس، الإداري في منظمة يزدا أن يكون القانون حلاً عملياً بالفعل لمساعدة الناجيات وأن لا يكون مجرد حبر على ورق، سائلاً عن كيفية توزيع أراضٍ للناجيات وأين؟ في ظل تشتت الناجيات في أكثر من مكان. يشاركه هذه الحيرة المحامي شهاب عزيز خصوصاً “في ظل الظروف التي يعيشها قضاء سنجار في الوقت الراهن بوجود ميليشيات الحشد الشعبي وأخرى تابعة لها من جهة وقوات  pkk والفصائل الموالية لها من جهة أخرى”. 

ومرد قلق برجس وعزيز يعود الى الوضع القائم في البلدات الايزيدية المدمرة والتي حصلت على وعود إعمار كثيرة خلال السنوات الأخيرة، لكن أياً منها لم يتم الايفاء به، فلا تزال مدينة سنجار مدمرة والغالبية الساحقة من سكانها الايزيديين والكرد المسلمين لم يعودوا اليها. 

هذا القلق ينتاب أيضاً الناجية الايزيدية نادية مراد الحاصلة على جائزة نوبل للسلام في 2018، فهي تعتقد بأن تنفيذ القانون أهم بكثير من المصادقة عليه، مع أنها تصف إقرار القانون بـ”الخطوة المهمة والحاسمة” .

مشكلة أطفال الناجيات

الناجية الايزيدية شيرين خيرو تؤكد أن القانون يمثل اعترافاً رسمياً بما أصاب المكون الإيزيدي وله انعكاسات إيجابية مادية ومعنوية عليها وعلى رفيقاتها الناجيات: “كنا نتطلع إلى تشريع قانون الإبادة الجماعية بحق الايزيديين ولكن القليل المتحقق أفضل من لا شي”.

شيرين  كانت اقترحت على الحكومة العراقية خلال نقاش القانون معاقبة من يحاول استغلال الناجيات. 

وفي خطوة تعكس حجم الوصم المجتمعي الذي تحمله النساء، ما يجبرهن على خيارات قاسية وغير إنسانية أحياناً بحق الأطفال الناجمين عن السبي، سجّلت شيرين التي نجت من السبي اعتراضها على فقرة من القانون تنص على معالجة الأوضاع القانونية لأطفال الناجيات. وتصر على أنهم ولدوا نتيجة للاغتصاب وينبغي أن لا يربط أي قانون بينهم وبين الناجيات. وتذهب بعيداً: “بل يجب عدم منح أبناء المغتصبين حقوقاً!”.

تعد قضية الأطفال المولودين من مقاتلين في تنظيم “داعش” مشكلة معقدة، وسط رفض مجتمعي لهم، وهو ما دفع ناجيات للتخلي عن أطفالهن، فيما اضطرت أخريات إلى التخلي عن فكرة العودة الى عائلاتهن وفضلن البقاء أسيرات أو كزوجات لدى عائلات التنظيم، حتى لا يتعرضن للنبذ ومضايقات عائلاتهن.         

الناشطة والحقوقية التركمانية رشا وهاب تجد أن القانون أغفل أهالي الضحايا، وأنه كان يفترض أن تخصص لهم فقرة لتأهيلهم أيضاً ليتمكنوا من التعامل مع الناجيات بالطريقة العلمية ويكونوا جزءاً من العلاج. 

رفع إقرار القانون سقف التفاؤل لدى الناجيات من السبي الداعشي وغالبيتهن العظمى من الأيزيديات اللواتي تقاسمتهن المهاجر ومخيمات النزوح في إقليم كردستان، على أمل بأن ينتشلهن من الفقر ويعيد إليهن جزءاً من كرامتهن المهدورة.

بينما يأمل ذوو 2887 شخصاً إيزيدياً ما زالوا مختطفين ويعتقد أن جزءاً منهم في سوريا يعيشون تحت تهديد عائلات الجماعات الإسلامية المتطرفة، بأن يمنح القانون جهود البحث عنهم “قوة إلزامية” وأن تتم ملاحقة مرتكبي الجرائم بحق الايزيديين محلياً ودولياً وعدم شمولهم بأي عفو خاصٍ أو عام.

إقرأوا أيضاً: