fbpx

حرب افتراضية عليها… فلسطين تحذف النقاط عن الحروف

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ثمة دليل واضح على إصرار قطاع مؤثر من مستخدمي “فايسبوك” في المنطقة على مقاومة ممارسات الرقابة التي تقوم بها الشركة من خلال خدمتها، وما من شركة تعتمد على تسويق بيانات وسلوكيات مستخدميها قد تتغاضى عن تنامي سخط هؤلاء المستخدمين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يُستخدم تعبير “وضع النقاط على الحروف” عادة للإشارة إلى جعل الأمور أكثر وضوحاً وصراحة، ولكن مع خروجنا للتضامن الإلكتروني المتاح مع انتفاضة الفلسطينيين الأخيرة  وقف الوسيط الإلكتروني أمامنا كسلطة تدقق في ألفاظنا وتلاحق تضامننا، وأصبح سجن الحظر أمراً معتاداً لنا جميعاً خلال فترة التضامن، حتى انقلبت المعادلة وأصبح عدم وضع النقاط على الحروف هو المعادل لوضوح موقفنا التضامني. 

طاردتنا خوارزميات “فايسبوك”، لأن الشركة العالمية عابرة الحدود، لن تسمح للخطاب المناصر للحق الفلسطيني والمنتقد لارتكابات إسرائيل بالمرور خلالها، فقد  شكل اندلاع دورة جديدة من الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع، اختباراً أكثر وضوحاً للقواعد الجديدة التي يطبقها “فايسبوك” لحجب المحتوى رافض الاحتلال والتمييز العنصري وفاضح جرائم إسرائيل.

وفي مواجهة رقابة خوارزميات “فايسبوك”، ابتكر مستخدموه آليات ووسائل عدة للالتفاف عليها، كان آخر هذه الآليات، استخدام الأحرف العربية من دون نقاط. فكيف نجحت هذه الآلية؟ وما حظوظها من الاستمرار؟ وإلي أي حد تغنينا سبل الالتفاف على رقابة “فايسبوك” عن الحاجة إلى التحرر الكامل من هذه الرقابة، بطريقة أو بأخرى؟

كيف ينجح غياب التنقيط؟

تعتمد خوارزميات “فايسبوك” بصفة أساسية على كلمات مفتاحية ومشتقاتها. على سبيل المثال “إسرائيل” كلمة مفتاحية، ومشتقاتها “إسرائيلي، إسرائيلية، …”. يحتفظ “فايسبوك” بقائمة من الكلمات (المشبوهة)، لكل منها وزن ما، وعندما تظهر في المنشور الواحد كلمات عدة مشبوهة، يتم جمع أوزانها وإذا تخطى المجموع رقماً ما يُحجب المنشور ويوجَّه تحذير إلى صاحبه. 

هذا هو التصور المبدئي لعمل خوارزميات الرقابة في “فايسبوك”.

ما يهمنا هو أن هذه الخوارزميات تعمل من خلال التعرف إلى الكلمات المفتاحية في قائمتها. إذا لم يكن متاحاً التعرف إلى هذه الكلمات لن تعمل الخوارزميات، وبالتالي فالتعديل في هجاء الكلمة بشكل أو آخر  يمكن أن يمررها من دون أن تلاحظها الخوارزمية.

بدأت فكرة استخدام الأحرف غير المنقوطة، مثل “س” بدلاً من “ش”، و”ح” بدلاً من “ج” أو “خ”، بمنطق تعديل الهجاء ذاته، ولكن تطوير الفكرة تخطى تعديل الهجاء لأنه احتاج إلى حروف لا وجود لها، الفاء والقاف مثلًا لا بديل لهما من دون نقاط، الباء والتاء والثاء والياء لا بديل لها في بداية الكلمة ونهايتها، إلخ. هذا يجعل مثل تلك الحروف الخالية من النقاط أصعب في التعرف إليها لأسباب تقنية،  وفي الوقت ذاته تحتاج كتابتها إلى تطبيق مختلف للوحة المفاتيح على الهواتف الذكية، وهذا ما قام بعض المبرمجين بتوفيره فعلاً، فأصبح بإمكان من يرغب في ذلك بأن يقوم بتنزيل تطبيق للوحة المفاتيح، يحول الحروف المنقوطة التي يكتبها إلى أخرى بلا نقط.

إقرأوا أيضاً:

الرقابة تُجدي

هناك دائماً سبل للالتفاف حول أي رقابة تفرضها جهة ذات سلطة، ولكن هذه السبل تظل  “التفافاً”، وما يعنيه ذلك أنها أولاً ليست سبيلاً طبيعياً، وهي ثانياً تحتاج إلى فعل شيء ما إضافي، كبر أو صغر، والناس يألفون عاداتهم، ويزعجهم الاحتياج إلى تغييرها، وهم أيضاً بحكم اعتيادهم ما هو طبيعي، لا يميلون إلى فعل أي شيء إضافي، إلا اضطراراً وعلى مضض. صحيح أن تطبيقات لوحات المفاتيح التي تتيح للمستخدم أن يكتب ما يريده بالطريقة الطبيعية بينما تظهر النتيجة من دون نقط، قد جعلت الأمر سهلاً لصاحب المنشور، ولكن يبقى أنه سيكون عليه تنزيل تطبيق ما خصيصاً لهذا الغرض، وسيكون عليه الانتقال بين تطبيقين أو حالتين مختلفتين للتطبيق ذاته، إحداهما للكتابة بشكل عادي، والأخرى عند الحاجة للكتابة من دون نقط. وفي أحيان كثيرة سيكفي ذلك ليتراجع الشخص عن كتابة شيء من دون نقاط، إلا عندما يرغب في ذلك فعلاً، وأكثر من المعتاد، في كتابته.

على جانب المتلقي، وعلى رغم أن بإمكانه أن يتبين الكلمات المعنية، ويفهم المقصود من المنشور، إلا أن ذلك يتطلب أولاً الخروج عن المعتاد، وثانياً بذل جهد إضافي. إن ذلك يشبه إلى حد كبير وضع تطبيق في حالة مختلفة، فأمخاخنا تعمل بشكل مشابه في أي حال، وحتى إن لم نتبين ذلك، فهي تضع نفسها في حالة مختلفة للتعامل مع مدخلات بصيغة أو شكل مختلف. ومرة أخرى لا يميل الناس إلى الخروج عن العادة أو إلى بذل المجهود المطلوب لذلك، مهما كان ضئيلاً، إلا للضرورة، ولا يفعلون ذلك من دون الشعور بقدر من الانزعاج. قد يعادل شعور تحدي السلطة، وتحقيق إنجاز ما، شعور الانزعاج المتولد عن بذل جهد إضافي، ولكن ذلك لا يدوم طويلاً.

الأمر في هذه الحال يشبه ممارسات حجب المحتوى على الإنترنت التي تقوم بها الدول المختلفة لحجب مواقع وصفحات بعينها عن مستخدمي الإنترنت داخل حدودها من خلال تقنيات مختلفة. يمكن في معظم الوقت التغلب على الحجب باستخدام تقنيات “في بي إن” VPN، ومعظم التطبيقات المتاحة لهذه التقنية لا تتطلب مجهوداً يُذكر لتفعيلها، ومع ذلك فأغلب المستخدمين لن يكلفوا أنفسهم عناء تنزيل التطبيق أو تفعيله للوصول إلى صفحة محجوبة إلا في حالات الضرورة التي تختلف من مستخدم إلى آخر. الحجب في النهاية يظل فعالاً بنسبة كبيرة، بمعنى أنه يحقق هدفه، على رغم إمكان الالتفاف عليه.

حل لن يدومولكن

ربما لن تبقى خوارزميات “فايسبوك” عاجزة عن التعرف إلى محتوى المنشورات التي تستخدم الأحرف غير المنقوطة طويلاً. التقنيات المطلوبة لتجاوز ذلك موجودة بالفعل، وتضمينها في هذه الخوارزميات مسألة وقت.

حركة المقاومة لرقابة “فايسبوك” على ما يكتبه مستخدموه لن تمضي من دون أثر، فقيمتها الحقيقية تكمن في الرسائل التي وصلت بالفعل من خلالها. هذا إضافة إلى المظاهر الأخرى للاحتجاج على رقابة “فايسبوك” المحتوى المتعلق بالقضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي، مثل حملة تخفيض تقييم تطبيق “فايسبوك” على سوقي “غوغل” و”أبل”، لمستخدمي “أندرويد” و”آيفون” على التوالي.

 في الحد الأدنى ثمة دليل واضح على إصرار قطاع مؤثر من مستخدمي “فايسبوك” في المنطقة على مقاومة ممارسات الرقابة التي تقوم بها الشركة من خلال خدمتها، وما من شركة تعتمد على تسويق بيانات وسلوكيات مستخدميها قد تتغاضى عن تنامي سخط هؤلاء المستخدمين.

 لقد استطلع كثر بالفعل إمكان الهجرة إلى تطبيقات ومواقع بديلة عن “فايسبوك”، ما لا يزال يحول دون وقوع هذه الهجرة بأعداد تصبح مقلقة للموقع، هو أولاً أنه ما من تطبيق بديل مرضٍ بالقدر الكافي، وثانياً لأن أعداد الغاضبين على سياسات الموقع والجاهزين لهجره، ما زالت  أقل من تكوين مجتمع بديل على موقع آخر، بعبارة أخرى الهجرة الفردية أو المحدودة في عالم تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي لا تجدي، في النهاية تحتاج إلى عدد كاف من المستخدمين الآخرين على الموقع ذاته للاستمرار في التواصل معهم.

يمكن مع ذلك الإسراع من لفت انتباه “فايسبوك” إلى ظاهرة سخط مستخدميه وإمكان تحول أعداد كبيرة إلى البحث الجماعي عن بديل له، بتحويل التعبير عن ذلك إلى حملة دائمة. 

هناك  الكثير مما يزعج مستخدمي الموقع في المنطقة بخصوص سياساته الرقابية وطرائق تطبيقها في منطقتنا خصوصاً، سواء كان ذلك في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو بما ينشره أي منا بشكل اعتيادي وبصفة يومية. 

جمع الساخطين ومنحهم صوتاً موحداً وعالياً بالقدر الكافي قد يسمح بأن يصل هذا الصوت إلى مسؤولي الشركة بطريقة تقنعهم بتعديل سياساتها، وإن لم يفلح ذلك، فربما يسمح بتنظيم الهجرة الجماعية إلى خارج “فايسبوك”، ففي نهاية المطاف ينبئنا تاريخ شبكة الإنترنت على قصره، بأن التغيير هو سنّته الرئيسية، وليس ثمة ما يدعو إلى الاعتقاد بأن “فايسبوك” يمكنه بالضرورة أن يهزم سنّة التغيير.

إقرأوا أيضاً: