fbpx

مصر: الدولة والشيخ “مؤنس” يد واحدة لتبرير “الاغتصاب الزوجي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تتخذ مصر إجراءً ضد الاغتصاب الزوجي، فالدولة بأجهزتها لا تعتبره تعذيباً من الأساس، والأجهزة – سواء كانت أمنية أو قضائية – لا يدفعها إلى عدم الاعتراف بالاغتصاب الزوجي القانون وحده، إنما ذكوريتها أيضاً…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قدم مسلسل “لعبة نيوتن” الذي عرض في رمضان الماضي مشكلة الاغتصاب الزوجي في إطار رافض وواضح. للمرة الأولى ربما في تاريخ الدراما المصرية لا يمر مشهد اغتصاب زوجة كحدث عادي، واحتاط كاتب السيناريو تامر محسن من طرح جريمة “الاغتصاب الزوجي”، من دون إثارة الجدل حولها. 

ظهرت البطلة الدكتورة هناء غارقة في الانفعالات والصدمة والقهر بعد تعرضها للاغتصاب الزوجي، لتعبر عن الآلام المسكوت عنها في قلوب آلاف الزوجات، وأظهر المسلسل الشيخ مؤنس زوجها في مربع الجاني، على رغم عدم قدرته على استيعاب “الاغتصاب الزوجي” باعتباره جريمة، ما فتح نقاشاً مجتمعياً متأخراً حول هذه الجريمة.

 “القسيمة” تمنح الزوج “حق الاغتصاب الزوجي” 

مثل الشيخ مؤنس، شرائح واسعة من الذين لا يعترفون بأن إكراه الزوجة على ممارسة الجنس هو أحد أشكال العنف ضد المرأة، الذي تجرمه بلدان عدة، لكن الدول العربية، التي يضع بعضها عقوبات صارمة على مرتكبي جريمة الاغتصاب، تتهاون بمجرد أن يصبح اغتصاباً زوجياً. 

ينصّ عقد الزواج “القسيمة” في معظم الدول العربية على شرط الطاعة، الذي يتعارض مع مفهوم الاغتصاب الزوجيّ، ويجعله مسموحاً ومباحاً في قوانين العقوبات، فلا تجد شكاوى النساء صدى أمام المحاكم، فهي من أكثر الجرائم صعوبة من حيث الإثبات، ولا تجد من يتعامل معها بجدية

لم يكن عدم اعتراف أنظمة عربية بجريمة “الاغتصاب الزوجي” مثار نقاش عام بشكل كاف حتى ظهرت موجات اللجوء إلى دول أوروبا، بعد الثورات العربية. نزح اللاجئون بزوجاتهم وأولادهم وثقافتهم الجنسية والدينية، التي لا تتوافق مع القيم والقوانين الغربية، سبب خضات عائلة حيث فوجئت المحاكم بشكاوى ودعاوى قضائية تتهم الأزواج بإكراههنّ على الجماع، وفوجئ الرجال بصدور أحكام عليهم بالسجن.. طاردتهم السلطات، وزجّت بهم في السجن، وعدَّلت وزارة العدل الألمانية قانون عقوبات الجرائم الجنسية في آذار 2016، ليصبح التعبير عن رفض الجماع أسهل وأسرع، يكفي أن تقول الزوجة: لا، حتى يصبح رفضها صريحاً، وذلك يكفي لعدم الاقتراب منها، وإلا أصبح الزوج متهماً، ومهدداً بالسجن.

دهش عرب كثر مما حصل… عقد الزواج الذي أبرموه في بلادهم – مقابل المهر والمؤخر والشبكة – يمنحهم حق استعمال مطلق للزوجة، ومعظم الزوجات يخفن من رفض الجماع حتى لا تلعنهنّ الملائكة ليلاً ونهاراً إلى يوم الدين. 

تشكو سيدة مصرية أربعينية – تدعى سميرة – من شراهة زوجها في طلب الجنس: “يحصل على ساعة راحة من عمله، ويبلغني أنه قادم لأحضِّر نفسي، يصل ويجبرني على ممارسة الجنس معه، ويجبرني على ممارسته ليلاً أيضاً”.

كانت تطلب منه أن يمنحها استراحة، أو يتوقف قليلاً عن شراهته وعنفه، التي تعمي عينيه عن الكثير من الظروف التي لا تسمح لها نفسياً وبدنياً بإتمام العلاقة الحميمية: ” ليلة وفاة والدي، فوجئت به يخلع ملابسه ويقول لي: يلَّا”. يزيد الأمر عن الحدود المعروفة، لكنها حين تمتنع يهدِّدها ويتوعّدها بأنها “ملعونة” إلى يوم الدين، ويضربها، ويهددها بخيانتها أو الزواج من أخرى.

تحكي سميرة ما تعاني منه لشقيقها، الذي يتواصل مع محامي، طالباً استشارة قانونية، لكن المحامي يحبطه، ويقول إنهايمكن أن تطلب الخلع، أو تتحجَّج بأي شيء آخر، كي تقيم دعوى طلاق… والسبب أن القانون المصري لا يعترف بجريمة الاغتصاب الزوجي، فهناك فارق كبير بين القوانين المصرية والمواثيق.

تعذيب ممنهج خارج إطار القانون.. يبدأ بالضرب وينتهي بعاهة دائمة

بحسب المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فالاغتصاب الزوجي هو “انتهاك جسدي بطبيعة جنسية، يرتكب بحق شخص في ظروف قهرية ويتكون من عناصر محددة، وهي انتفاء الرغبة، وممارسة العنف بأي شكل من الأشكال حتى المعنوي منه، والتهديد بأنواعه المختلفة”.

ينطبق هذا التعريف على آلاف الحالات في مصر، و يرتبط الاغتصاب الزوجي في مصر – أحياناً – بالضرب والعنف والتعذيب وإصابة المرأة بعاهة دائمة، لكن إحصاءات مصرية رسمية، أحدثها أجري عام 2014، ضمن المسح السكاني الذي تقوم به وزارة الصحة المصرية، كشف أن 267 سيدة متزوجة في عينة البحث – البالغة 6693 سيدة – مررن بتجربة الاغتصاب الزوجي. 

لا توفر القوانين المصرية آليات للاعتراف بجريمة الاغتصاب الزوجي، أو إثباتها من جانب الزوجة، لكونها قائمة على الفكر الأبوي الذي يمنح الرجل حق التصرف بزوجته باعتبارها ملكية خاصة ودعوتها إلى الفراش وإجبارها على ممارسة الجنس رغماً عنها، ويتبع المرجعيات الدينية في مواد الأحوال الشخصية، وبعض الآراء الفقهية يعتبر عقد الزواج “عقداً يملك به الرجل المرأة”، وبالتالي يصبح من الصعب إجراء أي تعديل كي تتوافق القوانين المصرية مع المواثيق الدولية، التي وقعت عليها مصر.

المواثيق الدولية vs القوانين المحلية

تنحاز الدول لقوانينها في حالات الخلاف مع المواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية، إلى جانب ذلك  تحافظ مصر على الكثير من المواد وبخاصة في اتفاقية “السيداو”، لكن في الواقع القانون المصري في  عجز عن الاستناد إليها، وبالتالي، نواجه بشكل واضح عدم توفر آليات لتطبيق تلك الاتفاقيات داخل مصر، بحسب ورقة بحثية صادرة عن مجموعة “بنت النيل” وحملة “برضاكي“.

وتعتبر الورقة التي تحمل عنوان “الاغتصاب الزوجي بين التشريع المصري والمواثيق الدولية” الاغتصاب الزوجي شكلاً من أشكال التعذيب، وتضيف: “لا شك في أن التعذيب محظور بموجب مجموعة كبيرة من الصكوك كالمادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، وهو محظور كذلك بمقتضى صكوك إقليمية عدة وبموجب القانون الجنائي الدولي والقانون الدولي الإنساني، واتفاقية مناهضة التعذيب هي الصك الوحيد الملزم قانوناً على الصعيد العالمي الذي ينصّ على جميع أشكال التعذيب وعناصره، التي منها الألم الشديد والعناء الجسدي أو العقلي والقصد والغرض”. 

إقرأوا أيضاً:

الامتناع عن تجريم الاغتصاب الزوجي تبرير ضمني للجريمة

لا تتخذ مصر إجراءً ضد الاغتصاب الزوجي، فالدولة بأجهزتها لا تعتبره تعذيباً من الأساس، والأجهزة – سواء كانت أمنية أو قضائية – لا يدفعها إلى عدم الاعتراف بالاغتصاب الزوجي القانون وحده، إنما ذكوريتها أيضاً، وعدم اعتراف جهات الأمن أو تنفيذ القانون دفع الزوجات، أيضاً، إلى الخضوع للاغتصاب الزوجي بأوجهه المختلفة. 

ويشير مختصون بالعلاقات الأسرية والعاطفية إلى أنّ الاغتصاب الزوجي له أشكال مختلفة، لا تنحصر فقط بإجبار الزوجة على ممارسة الجنس، إنما ممارسته معها حين تغيب عن الوعي، أو ابتزازها عاطفياً لاستدرار موافقتها على ممارسة الجنس، وهو “تكنيك” ذكوري شهير، لإجبار الزوجة على الجنس عبر توبيخها بأقوال من قماشة “أنت باردة جنسياً” لوضعها أمام تحدٍ لإثبات العكس، أو تهديدها بالزواج من أخرى، أو كيل الاتهامات لها لتخضع وتمارس الجنس لإرضاء الزوج فقط، وليس لأنها تريد إقامة علاقة، مهما كانت غير جاهزة نفسياً أو بدنياً. 

لا تلتفت الدولة، عبر أذرعها القانونية أو الأمنية أو قراراتها، إلى أيٍ من أنواع الاغتصاب الزوجي، وهو ما تعتبره لجنة مناهضة التعذيب “نوعاً من التشجيع أو الإذن بحكم الواقع”، بسبب لا مبالاتها وامتناعها عن التصرف الذي ينحاز للضحايا.

القانون المصري لا يحتوي تعريفاً لـ”الاغتصاب الزوجي”

ملاحقة الاغتصاب الزوجي ليست قراراً أو تقصيراً من أجهزة الأمن فقط. الإشكالية الأولى، هي أن مفهوم الاغتصاب الزوجي لم يأتِ بشكل مباشر وواضح في النصوص القانونية المصرية، ولا يوجد تعريف قانوني لها، على رغم الجهود التي تبذلها منظمات أممية تستجيب لها مؤسسات الدولة المصرية أحياناً، لكن الاجتهاد التشريعي في صياغة قوانين متعلقة بالعنف الجنسي لم يبلغ حتى الآن حد التعريف بجرائم الاغتصاب الزوجي. 

تحتاج فلسفة المشرّع، كي يصل بمشرطه الجراحي إلى هذه النقطة، التوسع والاجتهاد في الشرح حتى يصلَ إلى شكل تفصيلي للجرائم المبنية على أساس النوع، وطرائق إثباتها والإبلاغ عنها، حتى أن المشرع المصري لا يزال يواجه قصوراً تشريعياً في تفسير الاغتصاب وهتك العرض.

التشريع المصري لا يسمي الاعتداءات الجنسية بين الزوجين – صراحةً – بـ”الاغتصاب”، فالمشرع المصري لا يطلق على “الاغتصاب من الخلف أو الفموي أو بالآلات أو الأدوات الحادة” اغتصاباً، ويضعها تحت مسميات مطاطة أخرى مثل خدش الحياء، والفعل الفاضح، وارتكاب الفحشاء، وهي عقوبات “تؤدي إلى تخفيف العقوبة ضد مرتكبي تلك الجرائم أو الإفلات منها لأن الزوجة حق للزوج بمقتضى عقد الزواج، بسبب النظرة الأبوية للمشرع التي تمنعه من رؤية أحقية النساء في تملك أجسادهنّ وحقهن في السلامة والكرامة الجسدية مهما كان الجاني”.

هل تلعنهن الملائكة؟

لنعد إلى الدين الإسلامي بالسؤال، هل يعتبر الشيخ مؤنس، الذي اغتصب زوجته هناء، مغتصباً آثماً أم رجلاً يقيم سنن الزواج؟

البحث عن فتوى أو جانب من الفقه يتعرض للأمر يدخل الباحثين إلى واحة الفتاوى المختلفة والمتناقضة.

يتفق قطاع عريض من المشايخ على أنه لا شيء في الدين يسمى الاغتصاب الزوجي، ويوضح الشيخ شوقي عبد اللطيف، وكيل الأوقاف المصري السابق، أنّ هذا المصطلح “دخيل على الإسلام، وغربي لا يجب الاعتداد به في المجتمعات المسلمة العربية”، قائلاً إن الزوج لو طلب زوجته وهي “على ظهر بعير” عليها أن تلبي الطلب، فالزوجة المطيعة تدخل الجنة، بحسب الحديث النبوي القائل “إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت”.

ويحتكم معارضو عقاب الزوج على إكراه زوجته على العلاقة الجنسية إلى حديث نبوي رواه البخاري ومسلم، وهو “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح”، لتبرير المعارضة من باب ديني، لكن الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، يقول لـ”درج” إن ذلك الحديث يُفسَّر خطأ، ويتم الاستناد إليه بالخطأ لتبرير العنف الزوجي. 

ويضيف: “الرسول أراد من وراء الحديث أن يمنح الزوج الحق في إتيان زوجته إذا كانت لا تعاني أي مشكلات نفسية أو جسدية، ولا تجد في نفسها ما يمنعها من إقامة العلاقة الزوجية، أمّا إذا لم تكن كذلك، فيحقّ لها أن ترفض موقتاً أو تطلب التأجيل، كما أنه من مقتضيات الجماع ألا يخلو من المحبة والمودة والرضا، والمرأة التي تلعنها الملائكة حتى تصبح هي التي ترفض فراش الزوجية بدون سبب، أو لمضايقة زوجها، أو استفزازه أو القسوة عليه لتحقيق غرض ما في نفسها”.

يقع عبء الإثبات في جرائم العنف الجنسي على النساء، ولذلك، تحفظ معظم الشكاوى والبلاغات، فلا طريقة تمكّن النساء من إثبات الاعتداء الجنسي، ليبقى من الصعب عليهن إيجاد شاهد لإثبات صحة الواقعة، خصوصاً في الاغتصاب الزوجي، لأنه يحدث على فراش الزوجية، حيث لا كاميرات أو تسجيلات صوتية أو إقرارات بالموافقة أو عدمها أو فحوصات طبية تثبت إن كان الجماع العنيف مرهوناً بالمتعة الزوجية أم بالإجبار، لتقدم كأدلة على ما حصل. الأمر الذي يجعل الإجراءات المتبعة لتحرير محضر بالواقعة في أقسام الشرطة غير موجودة بالأساس، فاللوائح التي يحتكم إليها الضابط المسؤول لا تضم بند الاغتصاب بين الزوجين. 

عدم تدخل المشرعين لتجريم الاغتصاب الزوجي بشكل واضح يسمح للمشايخ أصحاب الشريحة الكبرى من المتابعين مثل الداعية المثير للجدل عبد الله رشدي بأن يكونوا مصدراً مضموناً للنظر للاغتصاب الزوجي باعتباره أمراً عادياً، فقد غرد عبد الله رشدي معلقاً على مشهد اغتصاب الشيخ مؤنس زوجته، ووجه كلامه للمرأة التي تمتنع عن العلاقة الزوجية  قائلاً  “خلي بالك إنك كده بتعملي شي لا يرضى الله عنه، ولذلك إحنا بنرفض مصطلح اغتصاب الزوجة، لأن مفيش حد هيغتصب حلاله، وامتناع الزوجة عن زوجها بدون أعذار شرعية أو صحية مش شيء متاح في الإسلام أصلاً بل حرام ونشوز”.

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.