fbpx

حكايات ناجيات من القصف والتقاليد
لين حشيشو: الفن أنقذني من الحرب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الحرب جعلت رزان زيتونة، وريهام يعقوب، وريم بنا، وأم كلثوم، ومي زيادة، ولجين الهذلول، وغيرهنَّ يقفن على مسرحٍ في عاصمة الشمال البعيد، ستوكهولم، ليروينَ ما حدث، على لسان ليلى/ لين حشيشو، الفتاة السورية اللاجئة، التي لا تزال تصارع من أجل “حياة كالحياة” فقط.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تكن مسرحية للصغار كما قيل، المشهد الأول كان بمثابة اختطاف زمني، يعيدك إلى الوراء، مثل شريط سينمائي يعود بطريقة الـFlashback إلى الطفولة، إلى تفاصيل اختفت، لكنها لا تزال موجودة في مكان ما، هناك في الذاكرة: فتاة تقفز بكل نشاطها بين أشيائها الصغيرة: هاتف نقّال، وصور، الكثير من الصور في تلك الغرفة الصغيرة، وأغنية “ستي العرجة” لريم بنا تجعل كل شيء يرقص، إنها الطفولة تعمُّ المكان.

تسمع الفتاة صوت أبيها يأتي من جهة أخرى في البيت، يدخل الصوت إلى الغرفة، فيتغير كل شيء، الأحداث تبدأ سريعاً بأخذ مسارات تعرفها كل فتاة عربية مرَّت من هناك، ثم تبدأ ليلى سرد ما حصل، والذي كان يشبه الصاعقة، أو أشد، إنها الحرب.

“الحرب جعلتني أكبر” 

الحرب جعلت سميرة خليل، ورزان زيتونة، وريهام يعقوب، وريم بنا، وأم كلثوم، ومي زيادة، ولجين الهذلول، وغيرهنَّ يقفن على مسرحٍ في عاصمة الشمال البعيد، ستوكهولم، ليروينَ ما حدث، على لسان ليلى/ لين حشيشو، الفتاة السورية اللاجئة، التي لا تزال تصارع من أجل “حياة كالحياة” فقط، وليلى هي كل فتاة عربية محاصرة بالظروف والحرب، وتقاوم هذا كله، وتقف لتروي للآخرين عن “الشجاعات”. إنها شجاعة أيضاً، أن تروي قصص أشخاص ألهموك.

تحدثت ليلى عن “الشجاعات” لكن من يتحدث عن ليلى؟ ما الذي جاء بهذه الفتاة العربية إلى ستوكهولم؟ تقف على مسرح في الشمال، وتتحدث عن أشياء نعرفها ونتشاركها، تفاصيل مررنا بها جميعاً، وما زلنا نرتبط بها بطريقة ما.

الحرب هي كل ما حدث، ويحدث الآن بالنسبة إلى ليلى. القصف والاشتباكات ودمار المدن ونزوح أهلها وسقوط القتلى، هذه حرب، والتحرش الجنسي والعنف وسلب الحقوق المدنية وتزويج القاصرات ونظرة المجتمع الدونية إلى المرأة، واللجوء والعنصرية، هذه حرب أيضاً، وقد واجهت لين بعض هذه الحروب، ولا تزال ناجية، وتروي قصصاً عن الشجاعات.

تحدثت ليلى عن “الشجاعات” لكن من يتحدث عن ليلى؟

لين حشيشو، تتذكر جيداً لحظة النزوح، فهذه أمور لا تُنسى، تذكر عام 2013-2012 حين أغلقت كل الطرق في مدينة حرستا، في ريف دمشق، وأمّها التي كانت تنتظرها عند باب المدرسة، عنت تماماً بقولها إنهم لن يستطيعوا العودة إلى البيت مجدداً، فالمدينة أُغلقت والجنود في كل مكان، لكنَّ العائلة تمكنت من الخروج، أو النزوح بتعبير أدق، وها هي إحدى الناجيات تتحدث عن الرحلة الطويلة للفتاة الصغيرة، التي لم تعد كذلك بعد الآن: “فترة الحرب جعلتني أكبر”.

مواجهة العنصرية بالغناء

“الشجاعات” مسرحية تتحدث عن نساء عربيات، عشن في ظروف صعبة تفرملها التقاليد، لكنهن ناضلن لفعل أشياء هي من الحقوق الطبيعية لكل إنسان، وهذا قد يكون العنوان المناسب لقصة المرأة العربية وتحديداً “اللاجئة”.

الحديث عن اللجوء مع لين بالتأكيد هو أصعب من الحديث عن المسرحية كعمل فني، لكننا نتحدث عن الشجاعة، وهذه صفة لا تنقص ليلى، التي تعرف أنها تريد أكثر من هذا الجهد الذي تبذله في مجتمع “جديد” لتثبت له أنها إنسان يصلح أن تتشارك معه الحياة، إنسان يستطيع الغناء والتمثيل والكتابة وتعلم اللغة وممارسة الحياة كحق طبيعي.

لين حشيشو/مسرحية شجاعات. تصوير: علاء هزيم

لين أو ليلى، تعرضت لأكثر من موقف عنصري، وهي التي كانت تعتقد دائماً أن ذلك لن يحدث لها، لكنه حصل، حينها شتمها الرجل العنصري، وشتم أمَّةً بكاملها: “اللعنة على العرب”, هل نستحقها؟ هل تستحق لين أن يحدث لها كل هذا، لماذا تظل اللعنة تلاحق اللاجئ؟ كيف يدافع عن نفسه؟ بالنسبة إلى لين/ليلى يكون ذلك بالجمال، نحن جربنا ماذا يفعل القبح، لذلك أنتجت أغنية باللغة الإنكليزية وسمتها “لاجئ” تتمنى أن يسمعها الجميع، أن ينصتوا لهذا الحديث الذي يشبه مرافعة، لكنها مرافعةً بالغناء والموسيقى.

ليلى هي واحدة من 46 ألف امرأة سورية لاجئة في السويد، وهنَّ مع 70060 رجلاً سورياً يشكلون ذاكرة كبيرة عمَّا حدث في سوريا، وتسبب بمجيئهم إلى هنا، إلى السويد، حيث يصارع كل لاجئ بطريقته للحصول على البقاء، والتغلب على هواجس الاضطرار للعودة إلى الحرب وتداعياتها.

“مو فارقة”

ليلى تعيش قصة حب الآن، مع لوكاس (شخصية متخيلة في المسرحية) صديقها في المدرسة، يبدو ذلك من خلال الطريقة التي تتحدث بها عنه، وهي تستمد طاقة هائلة من هذا الحب لأداء عرضها المدرسي، والذي ستتحدث فيه عن الشرق، عن قصة النساء هناك، عن الفتيات اللاتي يذهبن أسيرات إلى الزواج وهن ما زلن قاصرات، عن نساء أُخذن سبابا، وأخريات أعطينَ “هدايا” لقبيلة أخرى لمنع وقوع حرب بين قبيلتين، وغيرهنَّ اللواتي ما زلنَ مختطفات أو في السجون، عرضة للاغتصاب والتعذيب في كل يوم.

وبينما تتحدث ليلى عن لوكاس تحكي لين حشيشو عن مواقف التحرش التي تعرضت لها، والتحرش مثل كل شيء له أشكاله، وأحدها يقع في السوشيال ميديا، فبعض التعليقات على أغنية “لاجئ” لم تكن حول الأغنية، بل حول الثياب التي ترتديها لين في الفيديو كليب، تعليقات جارحة ومؤذية وتنمر، بعضهم اقترح عليها أن “تخلع أكثر” لتنتشر الأغنية، كأن الذين كتبوا تلك التعليقات لم يسمعوا الكلمات ولم تمر عليهم قصة الحرب واللجوء، أو ربما يكونون لاجئين أيضاً، لكنَّ ذلك وإن كانت تلجأ للبكاء بسببه في البداية، إلا أنه الآن لم يعد يشكل فرقاً، بالنسبة إلى لين، “مو فارقة”.

مشهد أخير

على شاشة عرض صغيرة في المسرح، تظهر رسمة لخرائط الوطن العربي، في قلب كل دولة تضع صورة لامرأة أحدثت فرقاً في المجتمع، وأثرت فيه، وغيرت شيئاً، امرأة ناضلت حتى النهاية، وبعض النهايات كان مأساوياً، مثلما يظهر على خارطة سوريا، حيث سميرة خليل ورزان زيتونة، وخارطة العراق المعلقة عليها صورة ريهام يعقوب، وعندما تزدحم الخرائط بالصور، يسقط ورد كثير على الوجوه، كأنه المطر، وينتهي العرض.

عندما خرجنا من المسرح، قالت لي صديقتي السويدية: الآن صرتُ أعرف أكثر عن النساء في الشرق الأوسط. وهذا بالضبط ما تريده ليلى، أن يعرف الناس أكثر، أليست هي الراوية التي تحب سرد الحكايات، وتقمص الأدوار وفعل أشياء لا تفعلها لين حشيشو، والتي تلجأ إلى التمثيل لأخذ مساحة أكبر من الحرية، بعيدة من أحكام الناس ووشاياتهم؟ ألا يتمنى كل واحد منا أن يكون الآخر الذي في داخله لبعض الوقت؟ التمثيل طريقة بارعة لمواجهة الظروف القاسية.

لين حشيشو/مسرحية شجاعات. تصوير Sören Vilks

والغناء أيضاً طريقة أخرى للمواجهة، الغناء الذي أنقذ لين حشيشو/ ليلى، وخفف وطأة الحرب واللجوء والابتعاد من العائلة، فبالنسبة إلى لين؛ الغناء هو صلة بين الإنسان والإنسان، قد لا يجمعهما الطريق، لكنهما سيصلان إلى النهاية نفسها، وفي الطريق التقت لين حشيشو خلال دراستها الموسيقى بلينا (موسيقية سويدية) وبيام (مغني إيراني) ثم أسسوا فرقة “شارتار”.

الحياة ليست سهلة على اللاجئين هنا في السويد، لكنها ممكنة، وهذا ما تفعله لين وليلى معاً، فهما إضافة إلى تعلم الموسيقى، تعملان في أكثر من وظيفة، وتنتظران القبول الجامعي، وتشاركان في عروض الغناء والأداء المسرحي، وتؤسسان حياة جديدة، وحدهما. لين لجأت إلى السويد وحدها، وعائلتها لا تزال في سوريا، وما زال أفرادها نازحين، لم يعودوا إلى البيت بعد، وهذا صراع آخر تخوضه لين، لأن قرار لم الشمل الذي تقدمت به إلى السلطات السويدية قوبل بالرفض.

إقرأوا أيضاً: