fbpx

سحب إقامات لاجئين سوريين في الدنمارك:
الملاذ لم يعد آمناً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“عندما وصلت للدنمارك أخبروني أنّني أتمتّع بحقوق المواطن الدنماركي، فلماذا أتعرّض لهذا الظلم؟”… القرار الدنماركي بسحب إقامات بعض اللاجئين السوريين يخالف الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل نحو سبع سنوات، وصلت السورية رحاب القاسم إلى الدنمارك، لتلتحق بأولادها وعائلاتهم هناك، بعدما فرّت من مخيّم اليرموك قرب العاصمة السورية دمشق، إثر احتدام المعارك وملاحقتها أمنياً.

اليوم باتت حياة القاسم في الدنمارك مهدّدة، إذ سحبت السلطات تصريح إقامتها إلى جانب عشرات اللاجئين السوريين المنحدرين من دمشق وريفها، بحجّة أن هذه البقعة باتت آمنة.

الخطوة الدنماركية الأولى من نوعها أوروبياً، لم تأخذ في الاعتبار معايير عدّة، يأتي على رأسها أن بعض اللاجئين الذين يعيشون في دمشق “الآمنة”، قد يكونون ملاحقين أمنياً في سوريا، أو سيواجهون خطراً محتملاً في حال عودتهم، انطلاقاً من إقامتهم خارج سوريا لسنوات. وهو ما يثير ريبة الأفرع الأمنية السورية حتّى في حال لم يكن الشخص ملاحقاً، يُضاف ذلك إلى أن غالبية المناطق “الآمنة” الواقعة في محيط العاصمة دمشق وريفها مُدمّرة بالكامل، وبالتالي فإن معظم الذين سُحبت إقامتهم من الدنمارك لن يجدوا ملجأً للعيش فيه، كما لن يجدوا ظروفاً آدمية للحياة.

على رغم نجاتها من سوريا، إلّا أن منزل القاسم في مخيّم اليرموك تعرّض للقصف فدُمر بشكلٍ شبه كامل.

ومنذ أسابيع، تجلس القاسم من الصباح حتّى المساء، إلى جانب عشرات السوريين المعتصمين أمام البرلمان الدنماركي، في محاولةٍ للضغط على السلطات من أجل العدول عن قرارها، غير أن الأخيرة لم تستمع للمعتصمين ولم تناقش معهم قرارها.

تقول القاسم: “حاولنا تسليم السلطات خطاباً باسم المعتصمين ولكنهم رفضوا استلامه، لدينا خطوات مقبلة، نحاول المضي فيها لدفع الحكومة للتراجع عن قرارها”.

عندما وصلت رحاب القاسم إلى الدنمارك عام 2013 تقدّمت بطلب لجوء إلى السلطات وحصلت على حق اللجوء السياسي، ولكن عام 2019 تحوّلت إقامتها من اللجوء إلى الحماية، بينما كانت تنتظر الإقامة الدائمة، ولكن السلطات أخبرتها أنّها يجب أن تخضع للتحقيق “كإجراء روتيني”.

بعد المقابلة مع الموظفين بشهرٍ واحد، سُحب تصريح إقامة رحاب، بحجّة أن دمشق آمنة، وأن عليها العودة من أجل “إعمار وطنها”.

حاولت القاسم التحرّك ووكّلت محامياً للتظّلم ولكن محاولاتها لم تنفع، إذ أخبرتها السلطات بقرارها النهائي في 25 أيار/ مايو الماضي، بأن عليها مغادرة البلاد خلال 30 يوماً، وعلى رغم أن القرار الدنماركي لا يرحّل اللاجئين قسراً إلى سوريا، إلّا أنّ آلية التعامل مع أولئك الذين طُلبت منهم المغادرة ولم يغادروا، ما زالت غير واضحة حتى الآن، ولكن مصادر من اللاجئين القُدامى في الدنمارك أشارت لـ”درج” إلى أنهم سيوضعون في معسكر مغلق خاص للاجئين وهو سيئ السمعة من حيث الوجبات الغذائية والنظام الصحّي والاجتماعي.

عندما سمع ابن رحاب القاسم البكر بخبر سحب إقامة والدته، أُصيب بجلطة وبقي في المستشفى أياماً.

تقول القاسم: “يبدو أن القرار اتُخِذه مسبقاً، لأنني عندما أجريت المقابلة لم أحصل على المساحة الكافية لتبرير حاجتي للبقاء في الدنمارك وإنما خضعت لأسئلة روتينية عن تاريخ وصولي البلاد وماذا أفعل فيها”.

وتصف القاسم ما يحصل بأنّه “إهانة وبهدلة” قائلةً: “عندما وصلت للدنمارك أخبروني أنّني أتمتّع بحقوق المواطن الدنماركي، وكل أولادي وزوجاتهم يعملون ويدفعون الضرائب فلماذا أتعرّض لهذا الظلم؟”.

وأضافت: “منذ أكثر من عشرة أيام وأنا أبقى في الشارع أمام البرلمان من الصباح حتّى المساء من دون أن يسألني أحدٌ عن مطالبي”، لافتةً إلى أن الجميع اندمجوا وتعلّموا اللغة والآن يُطلب منهم الرحيل، حتّى أن أحفادها لا يجيدون اللغة العربية بسبب تعلّمهم الدنماركية، فيما أصبح مصير العائلة مشتّتاً.

في هذا الإطار، يوضح المحامي السوري المتخصّص بقضايا اللجوء باسم سالم لـ”درج” أن “القرار الدنماركي بسحب إقامات بعض اللاجئين السوريين يخالف اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين”، لافتاً إلى أن الأولى بالحكومة أن تنسحب من الاتفاقية قبل تشديد قوانين اللجوء بما يتعارض مع هذه الاتفاقية، لأن قانون سحب الإقامات ليس الوحيد وإنما جاء ضمن سلسلة قوانين، من بينها دراسة طلب اللجوء في دولة ثالثة، وهي قوانين تعبّر عن السياسة الدنماركية الجديدة، أي أن يكون عدد اللاجئين صفراً.

وأضاف سالم، أن الرد على هذا القانون يكون بانتقال اللاجئ الذي سُحبت إقامته لتقديم اللجوء في دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا أو السويد، لدراسة طلبه من جديد، “نحن نتحدث عن 200 شخص سُحبت إقاماتهم من أصل 35 ألف سوري في الدنمارك، وهؤلاء لو لم يقولوا إنهم آتين من منطقة آمنة وأنهم لا يواجهون مشكلة مع النظام السوري، وأن ما يهددهم هو الوضع الاقتصادي فقط، لما تجرّأت الدنمارك على سحب إقاماتهم”، مشيراً إلى أن إحدى السيدات السوريات اعترضت في المحكمة العليا على قرار سحب إقامتها وكسبت الدعوة نتيجة نشاطاتها ضد النظام السوري.

ويرى سالم، أن الأمر سوف ينعكس على سياسات دول أخرى مثل التشيك وبلغاريا، ولكن القرار الفصل يكون دائماً بالقصة التي يقدّمها الشخص، وبمراجعة المحاكم للطعن في قرار سحب إقامته سواء في المحكمة العليا أو محكمة حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي اللتين أنصفتا الكثير من اللاجئين.  ولكنّه في الوقت ذاته يشير إلى أن الدنمارك قد تُقدم على خطوة فتح ممثلية ديبلوماسية لها في العاصمة السورية دمشق، مثل قبرص، وفي حال أقدمت على هذه الخطوة ستكون اعتبرت أن سوريا بلد آمن بشكل رسمي وبالتالي لن يتمكّن السوريون من تقديم طلب اللجوء فيها.

ويتحدّث سالم عن أحد القوانين التي سنّتها الدنمارك، والتي تظهر مدى محاربة الهجرة واللجوء، إذ وضعت السلطات حدّاً أعلى لعدد الأجانب غير الأوروبيين الذين يعيشون في الحي الواحد.

“القرار الدنماركي بسحب إقامات بعض اللاجئين السوريين يخالف اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين”.

عام 2019 أصدرت الدنمارك تقريراً اعتبرت فيه أن هناك مناطق سورية “تحسّنت بشكلٍ ملحوظ” وكان هذا التقرير التمهيد الأول لإعادة تقييم أوضاع اللاجئين السوريين على أراضيها، ومن ثم سحب إقاماتهم على أساس التقييم الجديد للمناطق السورية، وفي العام ذاته، ألغيت تصاريح الإقامة لعشرات السوريين، من أصل حوالى 600 شخص أعيدت دراسة ملفاتها. كما حفّزت السلطات اللاجئين حينها على العودة من خلال تقديم مبالغ مالية للعائدين طوعاً تقدّر بنحو 25 ألف دولار أميركي، وعاد على إثر هذا البرنامج نحو 250 مواطناً سورياً بشكل طوعي بحسب الأرقام الحكومية، لتقرّر الحكومة أن دمشق وريفها منطقة آمنة بما يكفي للعودة.

وفي 3 حزيران/ يونيو 2021، أقر البرلمان الدنماركي مشروع قانون يسمح للدنمارك بنقل اللاجئين الذين يصلون إلى أراضيها إلى دولة ثالثة.

لاقى القرار الدنماركي معارضة من جهات أوروبية ومنظمات حقوقية، بسبب المخاوف من عمليات ترحيل قد تضع حياة اللاجئين في خطر.

وأصدرت “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” بياناً، قالت فيه: “إن هذا القرار قد ينتج عنه نقل قسري لطالبي اللجوء، وستتخلى الدنمارك عن مسؤولياتها تجاه عملية اللجوء وحماية اللاجئين الأكثر ضعفاً”.

وعبّرت المفوضية عن معارضتها بشدة تحرّكات الدنمارك لنقل التزامات اللجوء والحماية الدولية إلى دول أخرى، أو الاستعانة بمصادر خارجية.

وقالت “منظمة العفو الدولية”: “سوف تعرّض الدنمارك مئات اللاجئين للخطر إذا أعادتهم إلى سوريا، وتزعم السلطات زوراً أن سوريا أصبحت آمنة للعودة إليها”.

كما أوضحت المتحدثة باسم المفوضية، أدالبرت جانز، أن القانون ليس ممكناً بموجب قواعد الاتحاد الأوروبي الحالية أو بموجب ميثاق الهجرة واللجوء الجديد.

إقرأوا أيضاً: