fbpx

أحمد خلع حجابه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ليس للرجل إلا صيته. أي امرأة ستتزوج أحمد الآن؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أحمد شاب عادي مجهول. لكن خلعه الحجاب بات خبراً على وسائل التواصل الاجتماعي، مع أن هذه الظاهرة تتكرر بضع مرات كل شهر، شبان ينشرون فجأة صورهم، وقد خلعوا الحجاب عن رؤوسهم فتقوم الدنيا ولا تقعد.

والسيناريو نفسه يتكرر على السوشيل ميديا. أعضاء الدائرة الضيقة من أصدقاء السافر الجديد، يعلقون مبتهجين بالخطوة الجريئة. وتتراوح التعليقات بين “مبروك” محايدة، أو “مبروك الحرية والتحرر”، التي تفضح موقف صاحبها السياسي الاجتماعي من موضوع حجاب الرجل.

والمهنئون خليط من رجال محجبين وسافرين معاً، فرحوا لأن شاباً قرر أن يتصالح مع قناعاته، وقرر أن يخلع حجابه عندما لم يعد يرى أنه يشبهه كرجل 

خلف كل صورة لشاب خلع حجابه، قصة طويلة شديدة الخصوصية، يتجنب نشرها لاعتباراته الكثيرة. أحمد مثلاً (وهذا مثل مُتخيّل) ليس مضطراً لفضح خصوصياته العائلية، مثل أن أمه طردته من البيت حين واجهها بقراره، أو أن شقيقته، المراهقة التي تصغره سناً، توعدت بأن تقتله، وأن امرأة في الحي الذي يعيش فيه، لطالما أحرقته بنظراتها الشبقة المقززة، قررت أن تبصق على الأرض حين مر بقربها من دون غطاء رأسه وعنقه، وتستغفر الله العظيم.

أحمد لن يقول إن زميلته في العمل جلست بقربه، بكل احترام وتهذيب، وراحت تسأله عن سبب قراره، قبل أن تقول رأيها، بكل احترام وتهذيب أيضاً، بأن ما فعله خطيئة قد تكون خلفياتها نفسية، أو نتيجة للتأثر بأفكار هدامة، وتتمنى له، ولأنها مثل أخته، أن يعود إلى وعيه ليسمع قولها، وترمي نصيحة بالتوبة، وباب التوبة دوّار يمكنه أن يدخل ويخرج منه إلى ما لا نهاية.

الهادئات المتزنات سيقلن لأحمد، في الخاص، إنهن يحترمن قراره، لكن ألم يكن أجدى به أن يكتم الأمر؟

سيفضل أحمد ألا يخبر عن كل ما تعرض له من مضايقات حين نفد قراره. السوشيل ميديا لا ترحم. الساخرات المتنمرات سيقلن إن الحجاب كان يخبئ بشاعته. الحجاب كان ستراً وغطاء لهذا الشعر المقصف الخشن. حجاب أحمد وسفوره سيان. هو تافه ومن يهنئه أتفه منه، خصوصاً المحجبين. أما الذكيات اللماحات فسينبشن صوره القديمة، وينتبهن إلى أن حجابه لم يكن يوماً حجاباً، فشعره كان يظهر من تحته، أو أسفل عنقه أحياناً، وكان يرفع كمي قميصه، ويبالغ في تنميق لحيته ليلفت إليه الأنظار، وثيابه ضيقة عليه تفصّل جسمه تفصيلاً. وسيستنتجن أن أحمد كان عاراً على الرجل المحجب، وخيراً فعل إذ خلع الحجاب أخيراً. 

الهادئات المتزنات سيقلن لأحمد، في الخاص، إنهن يحترمن قراره، لكن ألم يكن أجدى به أن يكتم الأمر؟ فإشهاره خلع حجابه سيفهم بأنه سيمشي الآن “على حل شعره”، وقد تفهم نساء سيئات أنه بات فريسة سهلة لهنّ. ونحن، سيقلن له، نعيش في مجتمع أنوثي لا يرحم، وهو ضعيف. سيلوّث صيته ويقضي على مستقبله، وليس للرجل إلا صيته. أي امرأة ستتزوج أحمد الآن؟ هل يريد أن يعيش مثل هؤلاء الرجال الفالتين، من امرأة إلى امرأة، ترمينه بعد نيل مرادهن منه في السرير؟

ولن يسمعن أحمد وهو يشرح لهن أن ليس كل الرجال محجبين، وليس كل سافر عانساً، وأنه ليس مجرد قالب حلوى عاجز يحتاج إلى أن يلف بالنايلون كي لا يهجم عليه النمل، وأنه رجل لكنه قادر على حماية نفسه ومواجهة المجتمع واختيار شريكة حياته، وليس حالماً ينتظر الأميرة لتأتي على حصانها تحمل فردة صباط زجاجي ليجربها وتعرف أنه هو ساندريلو، وتركِّبه خلفها وتذهب به إلى العيش سعيداً إلى الأبد. سيقول أحمد لهن هذا الكلام لكنهن لن يسمعنه تماماً، فهو رجل، لا يعرف مصلحته، والرجال ناقصو عقل ودين كما نعلم.

أخريات سيقلن إن أحمد تقصد بنشر صورته استفزاز النساء، وتعمد جرح مشاعر الرجال المحجبين. من حق أحمد أن يتساءل، لماذا يبغين محوه، محو وجهه وشعره وهويته ووجوده؟ لماذا يحق لهن أن يتصورن عاريات الصدور على البحر، وبقربهن أزواجهم محجبون مكتوفو الأيدي؟ لماذا يضعن كل يوم صورة جديدة على حساباتهن، بكامل تبرجهن وأزيائهن، وأزواجهن ممنوعون إلا من وضع صور أطفالهم، أو صور أشجار أو مواعظ وحكم؟

هل يريد أن يعيش مثل هؤلاء الرجال الفالتين، من امرأة إلى امرأة، ترمينه بعد نيل مرادهن منه في السرير؟

وأحمد يعلم أن حجابه ليس مسألة دينية، وليس بالتالي مسألة شخصية بينه وبين ربه. أحمد وحجابه، قضية اجتماعية في الأساس. المجتمع الأنوثي الذي يعيش فيه أحمد، اعتاد منذ الأزل على اعتبار الرجل ملكاً عاماً. حدد له تفاصيل حياته كلها، وضع له سقفاً واضحاً للطموح. القوانين والأعراف والمسموح والممنوع صاغتها نساء لمصلحة جنسهن. بنى قلعة هائلة شديدة المتانة من المستحيل هدمها. قلعة من التمييز ضد الرجل في البيت والمدرسة والجامع ومكان العمل. في طريقة الجلوس والوقوف والمشي. في العلاقات مع الجنس الآخر. مجتمع عيّن على أحمد وليات أمر كيفما اتفق، عمات وخالات وشقيقات، وصولاً إلى بنات أحمد نفسه، اللواتي ما إن يكبرن قليلاً حتى يعتبرن أن حقهن الطبيعي التحكم في حياة والدهن وأشقائهن، لأن المرأة هي التي تصون رجال البيت وتحمي عرضها وشرفها.

حين خلع أحمد حجابه، كان يعلم أنها لن تكون مسألة شخصية، وأن رجالاً سيرفضون ما فعل. ومع أن نساء كثيرات سيتضامنّ معه صادقات، إلا أن معظمهن سيشعرن بالتهديد، لأنه لم يتصرف وفق المنتظر منه، لأنه قرر وحده، من دون الرجوع إليهن. تصرّف كالنساء.

سفور أحمد بعد حجابه ليس تحدياً للدين. إنه خروج عن طاعة النساء، تهديد لهن في أزواجهن واخوانهن وأبنائهن. هذا ما رفضنه وسيرفضنه ما دام مجتمعهن حاكماً.

لكن الزمن يتغير. كل عاصفة تهب مع خلع رجل حجابه تستمر يومين، ثم تنسى الحكاية. ومع أنها تتكرر، لم يجرؤ أحد بعد على السؤال الذي قد يكون بمثابة إهانة للنساء: ماذا لو عكسنا الآية؟ ماذا لو أن الحجاب فرض في الأصل على المرأة؟ ماذا لو أنكِ أنت التي قررت خلع الحجاب؟ ماذا كان سيحدث؟ ضعي نفسكِ، عزيزتي المرأة، ولو لمرّة، مكان أحمد.

إقرأوا أيضاً: