fbpx

أما قد خسر نظام الفساد اللبناني معركة المهندسين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الصورة في انتخابات نقابة المهندسين كانت جلية. خسارة النظام موضعية، لكنها أيضاً جوهرية لجهة إحداثها مزيداً من الفرز في المواقع، وكشفها عن زيف ادعاءات القوى العميقة لهذا النظام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

التحالف الذي خاضت عبره قوى السلطة الفاسدة والمرتهنة في لبنان انتخابات نقابة المهندسين ومنيت عبره بخسارة جلية، كشف مرة أخرى عن هوية هذه السلطة، وعن مدى ترابطها على رغم مسرحيات انقساماتها المذهبية، وعلى رغم تقاذفها المسؤولية عن الانهيار وعن الفساد، ذاك أن اللحظة التي تشـعر فيها هذه السلطة بأن بديلاً يلوح من خارجها، تعود لتلتئم ولتدفع الخطر عن نفسها. وفي هذه الحال يجب أن لا نستغرب توافق حزب الله وتيار المستقبل على خوض معركة نقابة المهندسين مع بعضهما بعضاً، ناهيك عن حركة أمل والتيار العوني اللذين خاضاها على وقع سجال مواز بينهما موضوعه تشكيل الحكومة، وهو سجال لم يخل من سوقية وبذاءة تبادلها الطرفان. لا بأس، فهذا شيء والانتخابات النقابية شيء آخر، والسلطة الفاسدة تستجمع قواها في لحظة من هذا النوع!

لطالما سوق حزب الله في بيئته وخارج بيئته أنه خارج نظام الفساد، وأنه منقطع للتعبد وللمقاومة. وهو لا يوفر حلفاءه من ترفعه هذا. هو حزب المقاومة، وحلفاؤه قوى أمر واقع لا مفر من التعاون معهم طالما أنه لا بديل عنهم! وما أن يلوح البديل حتى يكشف الحزب عن موقعه الحقيقي. إنه حزب النظام، ليست الانتخابات النقابية التي جرت مؤخراً سوى محطة في هذا المسار، ففي اللحظة التي اهتز فيها نظام الفساد في تشرين  2019 وقف أمين عام الحزب ملوحاً للمتظاهرين بإصبعه ومحذراً من مغبة إسقاط النظام، وهو في خطابه الأخير عاد وذكرنا بذلك. في حينها كانت حجته الحفاظ على النظام العام، أما اليوم، في انتخابات المهندسين، فلن تعينه هذه الحجة.

وإذا كان حزب الله عصب النظام وحاميه، فان تيار المستقبل ومن خلفه القواعد التمثيلية للجماعة السنية في لبنان، من دار الفتوى وصولاً إلى نادي رؤوساء الحكومة السابقين، ليسوا أقل حرصاً على نظام الفساد اللبناني، لا بل هم أعمدته التي لا تلين في لحظات الحشرة. سعد الحريري الذي استقال من رئاسة الحكومة تحت ضغط الشارع في الـ2019 عاد إلى النظام ما أن لاحت فرصة العودة. قال إنه بصدد تشكيل حكومة مستقلين، وباشر لملمة ما خلفته التظاهرات من أشلاء النظام. بالأمس كان تيار المستقبل في موقعه الطبيعي في تحالف أحزاب السلطة في نقابة المهندسين. إنها لحظة الحقيقة، والحريري يعرف أن مكانه هناك إلى جانب التيار العوني وحركة أمل، على رغم ما تشهده شاشات التلفزيون من مسرحيات انقسام حول الحقائب الوزارية. يجب هنا أن لا ننسى أنهم شركاء الفساد، وأن الهندسات المالية صممها رياض سلامة على قياس سعد أيضاً، ومصرفه كان المستفيد الأول منها.

والنظام يتجلى في أكثر صوره وضوحاً في التيار العوني، ذاك أن الأخير لا يملك سوى خطاب واحد في مواجهة تهم الفساد والارتهان التي تطاله: “لم يسمحوا للجنرال بالإصلاح”، وإذ بالجنرال وبصهره لا يحيدان خطوة واحدة عن المكان الذي اختاراه منذ عودتهم للسلطة منذ نحو عقد ونصف. هما جزء من النظام في لحظة الحقيقة، حلفاؤهما الفعليون هم حركة أمل وتيار المستقبل، والخلافات مع هؤلاء لا ترقى إلى مستوى التخلي عن نظام الفساد الذي يضمهم جميعاً! 

الصورة في انتخابات نقابة المهندسين كانت جلية. خسارة النظام موضعية، لكنها أيضاً جوهرية لجهة إحداثها مزيداً من الفرز في المواقع، وكشفها عن زيف ادعاءات القوى العميقة لهذا النظام.

أما موضعية الفوز في هذه الانتخابات فلها حديث آخر، ذاك أنها من الممكن أن تكون مدخلاً لصياغة فهم مختلف للمواجهة في سياق البحث عن قيادة واضحة للانتفاضة في وجه قوى النظام. من الممكن للنقابات أن تكون حاملاً بديلاً عن الأحزاب لقوى الاعتراض. اليوم فازت المعارضة في نقابة المهندسين، وقبلها في نقابة المحامين، وفي الجامعات أيضاً. العمل على مزيد من هذه الانتصارات يرشح النقابات والهيئات التمثيلية الموازية لحمل حركة الاحتجاج إلى مواجهة منظمة مع السلطة. العودة إلى تجربة الثورة التونسية مفيدة على هذا الصعيد، ففي ذلك الوقت كان نظام بن علي قد خنق الحياة العامة وحل الأحزاب، وتونس كانت تفتقد لتجربة الحياة الحزبية. الاتحاد التونسي للشغل كان هيكل الثورة ومنظمها، ومنه انبثقت عملية التغيير الكبرى التي شهدتها بلاد الياسمين.

تونس في الـ2010 تسبق لبنان في الـ2021 لجهة وجود اتحاد الشغل كجهاز تنظيمي وديموقراطي تولى مهمة قيادة الثورة. اليوم في لبنان مقدمات توحي بأن المهمة ممكنة. نقابات المهن الحرة أولاً ثم الانتقال إلى الاتحاد العمالي العام وانتزاعه من أحزاب السلطة. أما القول بأن العمل النقابي شيئ والعمل السياسي شيء آخر، فهو صحيح في مرحلة ما بعد القضاء على النظام. فها هو الاتحاد التونسي للشغل قد عاد إلى موقعه في العمل النقابي، وهو اليوم يخوض معركة منع رفع الدعم عن الخبز، في حين تتولى الأحزاب التنافس السياسي والانتخابي. 

إقرأوا أيضاً: