fbpx

فصل آخر من الأزمة اللبنانية: حاربوا الموت والفساد بـ”بطاقة تموينية”!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الكهرباء والبنزين والمياه، ضيوف تفتقدهم البيوت اللبنانية… وأمام هذا المشهد السوداوي، لم يجد رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ما يدفعه نحو تسريع الحسم، تشكيلاً أو اعتذاراً. لا يزال يراوغ ويهدر الوقت، محملاً البلد تبعات خياراته.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“نحو العام الأول بعد أشهرٍ قليلة”… كُتب على لوحةٍ وُضعت إلى جانب الطفلة جوري تشي بتوق أهلها لرؤيتها شابة. لكن جوري السيد، ابنة الشهور العشرة، لم تكمل عامها الأول، إذ سقطت ضحية فساد النظام اللبناني وفشله.  

تضاربت الروايات حول وفاة جوري، لكن المؤكد أنها ضحية.

“ماذا سيعوّضني عن طفلتي؟ لوين بدي وصّل صوتي؟ للتماسيح والحيتان اللي تركت البلد تسكّر؟”… عبارة قالها والد جوري مازن السيد وهو يحمل جسد ابنته بعد وفاتها. 

جوري لم تكن تعاني من مشكلات جسدية وفق أهلها، كل ما في الأمر أن أسنانها بدأت بالبروز، فارتفعت حرارتها. إلا أن الدواء لم يكن متوفراً، والبديل عنه لم يفِ بالغرض، وهو ما اضطر العائلة إلى نقل الطفلة إلى مستشفى مزبود، حيث تلقّت علاجاً لم يكن كافياً لعدم توفر قسم مختص بالعناية المركّزة للأطفال، ولم تتوفّر الأدوية اللازمة والصيدليات كانت مقفلة، وفق رواية الأهل. وهو ما دفعهم إلى اتخاذ القرار بنقلها إلى مستشفى آخر في مدينة صيدا، لكن جسدها النحيل لم يصمد وفارقت الحياة قبل أن تصل.  

“اللي قاهرنا أن سبب موت جوري كان سخيفاً… بروز أسنانها”، تقول خالة جوري نهى الحاج. 

هذا “الموت السخيف” الذي لحق بجوري نتيجة نفاد الدواء وضعف القطاع الصحي في لبنان، وقع ضحيته لبنانيون آخرون في الأيام القليلة الماضية. 

هادي حدبا نعى والده الذي توفي بعد توقف آلة الأوكسجين التي يحتاجها بشكلٍ دائم بسبب انقطاع التيار الكهربائي. كذلك أصدقاء الشاب عمر جيلاني الذي وقع من الطبقة الخامسة وتوفي وهو يتفقّد خزانات المياه المقطوعة عن مدينة بيروت. 

تلك الأحداث الثلاثة وقعت في يومٍ، سبقتها بأيامٍ قليلة وفاة شابين بسبب إشكالين على محطات وقود. والسبب واحد: فشل السلطة اللبنانية في إيجاد أي حلحلة للأزمات المتراكمة. 

السلطة اللبنانية، المتمثلة في قضية جوري بوزير الصحة العامة حمد حسن، أوعز “بفتح تحقيق بملابسات وفاة الطفلة”. إلا أن ذلك التحقيق، لن يختلف عن تحقيقات كثيرة واهية فتحها معنيون ولم تصل إلى نتيجة. 

كهرباء، مياه، بنزين، دواء… ضيوف لا تأتي 

في بداية تموز/ يوليو 2021، تواصل “درج” مع نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة، فقال حينها إن “مخزون الأدوية بعد شهر من الآن سيصل إلى صفر”. واليوم، بعد أسبوعين من تصريح جبارة، نفدت بالفعل مخزونات شركات الرعاية الصحية المحلية من مئات الأدوية اللازمة لعلاج السرطان وأمراض القلب مثلاً، حتى مسكنات الألم العادية وحليب الأطفال الرضّع.

وعليه، أقفلت معظم صيدليات لبنان أبوابها معلنةً الإضراب المفتوح احتجاجاً على تأخر فتح اعتمادات لاستيراد الأدوية. ليعود “تجمّع أصحاب الصيدليات” ويعلّق القرار ليومين “لمنح السلطات مهلة لتأمين الأدوية”. إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، إذ أقفلت صيدليات عدة أبوابها معلنة الإضراب المفتوح، لا سيما بعد اعتداء أشخاص على صيادلة. 

من جهة أخرى، فإن انقطاع التيار الكهربائي ليس حكاية جديدة، إنها مشكلة تعود إلى قرون، اعتاد خلالها المواطنون سدّ الثغرات من طريق توصيل نظام موازٍ من المولدات الخاصة.

حالياً، الأمر ليس مجرد ثغرة. توقفت الشبكة بالكامل، وأصبحت المولدات الخاصة هي المصدر الوحيد للطاقة. وذلك بعدما صرّحت “شركة كهرباء لبنان” بأن “أكبر محطتي كهرباء في لبنان المملوكتين من الشركة، وهما دير عمار والزهراني – واللتين توفران معاً نحو 40 في المئة من الكهرباء في البلاد، أغلقتا يوم الجمعة” (9 تموز/ يوليو).

أدى هذه الإغلاق، الناجم عن نفاد الوقود في المحطتين، إلى تفاقم الأزمة التي شهدت حصول المواطنين على ساعتين فقط من الكهرباء يومياً. وذلك مقابل مولدات تتعرض للضغط أيضاً. إذ تعمل بـ”الديزل” الذي يصعب العثور عليه. هذا عدا كلفة المولدات باهظة الثمن، التي يعجز كثر عن تحمّلها. 

الكهرباء والبنزين وكذلك المياه، ضيوف تفتقدهم البيوت اللبنانية.

إذاً، الكهرباء والبنزين وكذلك المياه، ضيوف تفتقدهم البيوت اللبنانية. إذ إن مناطق عدة من البلاد تواجه تقنيناً في المياه، لا سيما أن محطات الضخ تعمل بـ”الديزل” وتفتقر إلى الإمدادات التي تحتاجها لتعمل.

في هذا السياق، يصف الأكاديمي والناشط السياسي زياد عبدالصمد الوضع الراهن لـ”درج” بـ”السيئ المتجه نحو الأسوأ”. يقول عبدالصمد إن “استعصاء المشهد السياسي يتجلّى في ظواهر عدة أبرزها المشهد السياسي، لا سيما أن السلطة الحالية رافضة التحرّر من قفص المذهبية والمحاصصة”. 

يؤكد عبدالصمد أن “استعصاء المشهد السياسي لا يُحل بتشكيل حكومة من دون صلاحيات استثنائية، بل إن لبنان بحاجة إلى تغيير جذري وبنيوي، كتغيير في النظام الاقتصادي وآليات التوزيع وإعادة التوزيع والنظام الضريبي”. كما يُعيد عبدالصمد الحل إلى خلق حركات داخلية سياسية من منتجات انتفاضة 17 تشرين، تحمل المشروع التغييري وتتحضّر لتشكيل قوى تغييرية حقيقية في الانتخابات المقبلة”.

بطاقة تمويلية أم “تمويهيّة”؟

لا يزال مشروع البطاقة التمويلية، الذي يفترض أن يحلّ جزءاً من معاناة الناس، عالقاً بسبب رفض حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تمويل جزءً منها، وبسبب تلكّؤ الحكومة في تحديد آلية الاستفادة منها. هذا عدا التمويل الذي لم يُؤمن لها بعد، ففيما تصر الحكومة على أن يتحمل مصرف لبنان مسؤولية تحويل الاعتماد المخصص للبطاقة إلى الدولار، على أن يحصل المستفيدون على أموالهم بالدولار أيضاً، لا يزال المصرف يرفض ذلك، مصراً على أنه مستعدّ لتأمين المبلغ بالليرة.

تعليقاً على البطاقة التمويلية التي لم تلقَ تعويلاً كافياً إلا من السياسيين الذين رأوا فيها وسيلة ضغط جديدة على منتخبيهم، يشرح عبدالصمد أن “البطاقة هي أسوأ خيار يمكن أن يحصل للبنانيين”، مشيراً إلى استخدامها كرشوة انتخابية من قبل الأطراف السياسية، فالسلطة اللبنانية ستصرف مليار ونصف المليار دولار على مشروع غير مستدام من دون حلّ فعلي للمشكلة، خصوصاً أن البطاقة التمويلية هي مشروع مدّته سنة واحدة كونه يرتبط بالموازنة السنوية للحكومة.

من جهة أخرى، ينتقد عبدالصمد مشروع البطاقة الذي يغطّي 70 في المئة من الشعب اللبناني، علماً أن المستهدفين مجهولون حتى الساعة، لا سيما أن حجم الفئة المستهدفة يحوّل الوضع اللبناني إلى “حالة عامة” لا ينفع معها مشروع استهداف. هذا عدا أن الأسعار تتجه إلى الارتفاع الدائم نتيجة ارتفاع الدولار مقابل الليرة بشكل متواصل، مع ما يرافق ذلك من ارتفاع أسعار سلع كثيرة مفقودة من السوق أصلاً. وبالتالي فإن تلك البطاقة لن تكون سوى سبب إضافي للتضخم. 

أمام هذا المشهد السوداوي، لم يجد رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ما يدفعه نحو تسريع الحسم، تشكيلاً أو اعتذاراً. لا يزال يراوغ ويهدر الوقت، محملاً البلد تبعات خياراته. وحتى الآن، لا تزال الحكومة تترنّح بين “أيام حاسمة” و”اعتذار وشيك”، على وقع “الموت السخيف”.

إقرأوا أيضاً: