fbpx

لبنان: ما حصل بين العشيرة والحزب
لم يكن مؤامرة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما يحصل  ليس مؤامرة، فالمؤامرة فعل ضمني يختفي وراء الوقائع. ما يحصل  معلن ومصور وموثق على نحو شديد الابتذال.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أينما ذهبت بقصتك عن واقعة يوم الأحد في منطقة خلدة جنوب بيروت، ستنتهي إلى نتيجة واحدة، وهي أننا حيال أحد مشاهد النهاية. هذه النتيجة لكثرة ما خلصنا إليها في السنتين الفائتتين، صارت خلاصة مبتذلة لشدة وضوحها. لكن الغريب أن الوضوح ينجلي في كل مرة على نحو يفوق ما سبقه من وضوح. عشائر سنية مسلحة في مقابل حزب شيعي مسلح، والموضوع بينهما قصة ثأرٍ عمرها سنة انتهت بجريمة في عرس أعقبها كمين ومأساة، ونجم عن كل ذلك حوالى 6 قتلى، وتوجت هذه التراجيديا ببيان للعشائر يحتج على السلاح بيد الحزب وعلى تصريح لنائب منتخب، يشير فيه إلى أن حزبه يمكنه أن يقضي على العشائر بظرف 5  دقائق!

لم تكن خلف ما حصل مؤامرة على نحو ما ألمحت الصحافة القريبة من “حزب الله”، وألمحت أيضاً الصحافة الأخرى إلى أن واقعة خلدة جاءت لتطغى على يوم 4 آب/ أغسطس الذي يستعد اللبنانيون فيه لمواجهة مع السلطة. لا شيء خلف ما حصل  سوى الاهتراء. ثمة قتيل سقط قبل نحو سنة، هذا أمر موثق، أقدم شقيقه على “الأخذ بالثأر”، على ما تفعل العشائر عادة، وثمة موكب تشييع مر بالقرب من مناطق العشائر استهدف بكمين. الأمر لا يحتاج لمؤامرة، فالنوايا موجودة ونشهد كل يوم عملية تزخيم لها. الجريمة أسهل فعلة يمكن أن تقدم عليها جماعة أو حزب أو عشيرة. فما هو الرادع في هذه الأيام، وبين هذه الكوابيس؟ القانون مثلاً؟! الأخير في لبنان صار أقرب إلى تعويذات قراء الحظوظ، يتم  انتهاكه في المؤسسات التي ولد فيها. بيان عشيرة أكثر نفاذاً وردعاً من القانون ومن القضاء. وهل الرادع يمكن أن يكون شعور المرتكب بأنه يُبدد مستقبله على مذبح جريمة عابرة! لكن ماذا عن مستقبل هذا الشخص في لبنان في حال تراجع عن قراره! هذه حقيقة مخيفة نحاول إشاحة وجوهنا عنها كل يوم حين نصادف جائعاً أو مشرداً أو مريضاً عاجزاً عن الوصول إلى الدواء.

إنه الاهتراء وقد بدأ يصل إلى أعناقنا. الاهتراء وقد صار واقعاً مبثوثاً في أكثر الأماكن حساسية. الاهتراء وقد وصل إلى حزب الله وإلى دار الفتوى. عود كبريت صغير وتشتعل الحرب بين عشيرة وحزب، ولا قدرة لأحد على إطفائها، ومعالجة الحريق عبر التصويب على عود الكبريت، وليس على السلاح بيد الحزب وبيد العشيرة، هو دأبنا اليوم، وكان دأبنا بالأمس، أما غداً، فلا شيء أكيداً حول الغد، باستثناء أنه سيكون أسوأ.

نعم ما يحصل  ليس مؤامرة، فالمؤامرة فعل ضمني يختفي وراء الوقائع. ما يحصل  معلن ومصور وموثق على نحو شديد الابتذال. فحين أقدم حسن غصن على قتل علي شبلي ليل السبت (31 تموز/ يوليو) ثائراً لشقيقه الذي قتل قبل سنة، فعل ذلك تحت أنظارنا كلنا. الفعل لا يحتاج إلى مؤامرة لكي يقع. يحتاج فقط إلى مسدس وإلى قرار عشائري وهذا أمر متاح بوفرة في جمهورية السلاح والانهيار، تماماً على نحو ما فعل نائب “حزب الله”، حين قال إن الأمر لا يحتاج من الحزب إلى أكثر من خمس دقائق لكي ينجز مهمة موازية لمهمة العشيرة عندما أخذت بـ”ثأرها” من اللبنانيين كلهم. فما قاله النائب ليس مؤامرة طالما أنه صارحنا به، وهو قاله بوصفه احتمالاً بدهياً لا يحمل جديداً، فكلنا يعرف أن “حزب الله” يملك هذه القدرة، فما هي المؤامرة اذاً؟

علينا إذاً أن نكف عن الذهول من الآن وصاعداً إذا ما داهمتنا مآسٍ مشابهة لمأساة خلدة. هذه مشاهد روتينية وبديهية في جمهورية الحزب المسلح والعشيرة المسلحة، وفي جمهورية انفجار المرفأ، ناهيك بجمهورية الإفلاس والسطو والحرائق.

إقرأوا أيضاً: