fbpx

لبنان 4 آب:
نعم هزيمة السلطة ممكنة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

يدفعنا مشهد الأمس إلى تنشق بعض الأوكسيجين، على رغم الأوضاع القاتمة التي نمر بها. ثمة حقائق لم يعد ممكناً القفز فوقها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد مشهد الأمس في بيروت، لم تعد مقولة إن اللبنانيين استسلموا للقدر الذي اختارته لهم الطبقة السياسية الفاسدة والمجرمة، دقيقة. بالأمس، نزل عشرات الآلاف منهم إلى الشوارع واتهموا السلطة وأحزابها بالوقوف خلف جريمة المرفأ. سبقت ذلك مؤشرات أخرى لا تقل وضوحاً، إلى عدم استسلام اللبنانيين لهؤلاء اللصوص والقتلة. هزيمة أحزاب السلطة في انتخابات الجامعات وفي انتخابات المهن الحرة، وآخرها نقابة المهندسين، لا تقل دلالة على أن شيئاً جوهرياً قد حصل.

لا ندعي أن هزيمة السلطة فادحة وأن خسائرها نهائية وأن قدرتها على الاستقطاب المذهبي تم تعطيلها، لكن المناطق الأقل تضرراً في مساحات نفوذها، هي المناطق الأقل تأثيراً في صورتها. والصورة في هذا الزمن أكثر أهمية منها في الأزمنة الآفلة. مشهد الناس متجمعين أمام موقع الجريمة يوم الأربعاء 4 آب/ أغسطس 2021، ومشدودين لحماية القاضي بيطار، سيكون أكثر تأثيراً من مشهد جماعة مذهبية قررت أن تحمي مرتكبها، طالما أننا نتحدث عن حجم تأثير الصورة في تشكيل المشاعر وفي صناعة الرأي العام.

بالأمس قال لبنانيون، متنوعون ومتعلمون ومؤثرون، إنهم يقفون إلى جانب قاضي التحقيق طارق بيطار في مواجهة المجلس النيابي الذي رفض رفع الحصانات، وفي مواجهة وزير الداخلية الذي يحمي رؤساء الأجهزة الأمنية، وفي مواجهة مجلس نقابة الصحافة الذي شكك بالتحقيق. وبالأمس أيضاً قررت هيئات مدنية جديدة أن تكون جزءاً من مشهد الغضب والاحتجاج، فدعت نقابة المهندسين للمرة الأولى إلى المشاركة في التظاهر، وشعرت نقابة الصحافة البديلة بضرورة الانقضاض على النقابة (الأصيلة أصالة النظام)، ودفعت الوقائع مؤسسات إعلامية مشاركة بحماية النظام إلى الانكفاء وإفساح المجال لأصوات تدين النظام الذي تتولى حمايته، فتحول مارسيل غانم إلى “محقق استقصائي”، بعدما كان يتقصى القرائن التي تثبت “نزاهة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة”، وأوقفت الـ”نيو تي في” بث مقابلات مروان إسكندر عن براءة الحاكم المرفقة بإعلانات تجارية لطيران الشرق الأوسط، وأعطت هواءها لرياض قبيسي وليال بوموسى وهادي الأمين، وهؤلاء فرضهم لبنانيو شارع 4 آب و17 تشرين الأول/ أكتوبر على مؤسساتهم وعلى شاشتهم، تماماً كما فرضت على غانم الانكفاء قليلاً عن وجه الحاكم.

يدفعنا مشهد الأمس إلى تنشق بعض الأوكسيجين، على رغم الأوضاع القاتمة التي نمر بها. ثمة حقائق لم يعد ممكناً القفز فوقها. 

أي استحقاق لن يتمكن من غض النظر عنها. وهنا صارت مهمة السلطة البدهية هي تعطيل الاستحقاقات. تعطيل الانتخابات وتعطيل التحقيق، وحتى تعطيل المناسبات، على نحو ما حاولت بالأمس أن تفعله عندما دفعت إلى تحويل ذكرى جريمتها إلى مناسبة فولوكلورية استبقتها بنصب بشع على المرفأ وبخطاب ورثاء ركيك ولا يقول شيئاً لرئيس الجمهورية، وبصلاة لامتصاص الغضب.

هذا أظهر مشهد المرفأ الملتقط من شاشات البث المباشر، قبل أن يصل اللبنانيون إليه، مقتصراً على مارد نديم كرم وعلى خطب قادة أحزاب النظام، فيما نحيت الوظيفة الاحتجاجية للمناسبة جانباً، إلى أن حان وقت وصول من دفعهم الانفجار بعيداً من منازلهم، فانعقد المشهد على بعد مختلف عما أرادته السلطة للجريمة.

مزاج جلد النفس الذي مارسناه طوال السنة الفائتة نحتاج إلى بعض الإجراءات التصويبية له. نحن حيال سلطة ستقاتل حتى الرمق الأخير دفاعاً عن جريمتها، وهي تستمد قوتها من طوائف تحصنها، ومن ثروات راكمتها من عمليات النهب الهائلة التي مارستها، ومن دول ومحاور إقليمية ودولية، وعلى رغم ذلك تم تحقيق إنجازات في مواجهتها. 

المهمة ليست سهلة، لكن حجم الجريمة ووضوحها، يجعلانها ممكنة، والأهم أنها الخيار الوحيد للنجاة، وللخروج من حفرة الموت التي خلفها الانفجار الرهيب.     

إقرأوا أيضاً: