fbpx

تونس ما بعد 25 تموز: هل من خارطة طريق؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تحولت الحياة في تونس إلى “مرحلة انتظار دائم” تتخللها إعلانات يومية عن إيقافات لنواب وإطارات عليا في الدولة، وتنفيذ أحكام قضائية سابقة متعلقة بهم أو فتح تحقيقات في ما يخصهم، وذلك في إطار الحرب التي أعلنها الرئيس على الفاسدين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هناك مثل تونسي يقول “توفى السكرة ويحضروا المداينية” أي ينتهي السكر ويحين وقت دفع الديون. هذا المثل يلخص وضع تونس الحالي، فبعد الانتشاء بفرحة إزاحة الإخوان من الحكم عبر قرارات الرئيس قيس سعيد تجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، جاء وقت التفكير في المرحلة المقبلة أي “ما بعد حركة النهضة”. 

مرت أيام منذ إعلان القرارات المصيرية ولم نرَ خطة طريق واضحة لما بعد المهلة التي حددها رئيس الدولة للفترة الاستثنائية بثلاثين يوماً. ينام التونسيون ويصبحون وفي أذهانهم سؤال واحد: ماذا بعد؟

الغموض يكتنف المسقبل والرئيس لا يفصح عما ينوي فعله ولم يختر إلى الآن رئيس حكومة ولا نعرف حتى شكل هذه الحكومة. فهل ستكون حكومة  تكنوقراط مصغرة تنكبّ على معالجة المشكلات العاجلة مثل أزمة “كورونا” والأزمة الإقتصادية، كما اقترح “الاتحاد العام التونسي” للشغل أم أنها ستأخذ شكلا آخر؟ وكم سيدوم عمل هذه الحكومة وما أولوياتها؟ وفي حال تم تشكيل الحكومة فمن سيمنحها الثقة والبرلمان مُعلّق؟ ثم هل من حدود “للفترة الاستثنائية” أم سيظل الرئيس يمدد فيها كحالة الطوارئ من دون أفق واضح؟ في الأمر الرئاسي الذي أصدره قيس سعيد في 29 تموز/ يوليو 2021 بخصوص تعليق عمل البرلمان ورفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه، حدد ذلك بفترة ثلاثين يوماً قابلة للتجديد. ولكن لا أحد يعلم كم من مرة سيتم تجديد هذه الفترة.

هذه الأسئلة لا تنفك تطرحها منظمات المجتمع المدني في تونس التي وإن استبشرت خيراً بقرارات الرئيس لإنهاء منظومة الحكم الفاشلة التي ساهمت في نخر أسس الدولة واستشراء الفساد في كل مفاصلها، فإنها لم تخف تخوفها من تغول رئيس الدولة واستفراده بالحكم بخاصة أنه يجمع في يده حالياً كل السلطات وما يمكن أن ينتج عن ذلك من تراجع عن مكاسب الثورة، تحديداً في ما يخص الحقوق والحريات التي أقرها دستور 2014 والخروج عن الشرعية الدستورية وإنهاء التجرية الديموقراطية في تونس.

وكانت منظمات وجمعيات مثل “الرابطة التونسية لحقوق الإنسان” و”جمعية النساء الديموقراطيات”، التقت رئيس الجمهورية يوم 26 تموز لتعرب له عن قلقها من إمكانية التفرد بالسلطة وعدم تحديد أجل واضح للإجراءات الاستثنائية.

“لقد أعربنا للرئيس سعيد خلال لقائنا به عن تخوفنا من خطر جمع كل السلطات والانزلاق نحو الحكم الفردي، كما طالبناه باحترام المدة الزمنية المحددة بثلاثين يوماً”، يؤكد جمال مسلم، رئيس “الرابطة التونسية لحقوق الإنسان”، مستئنفاً “نحن ندرك أنه من الصعب أن تكفي هذه المدة لمحاربة الفاسدين وكورونا والأولويات الأخرى التي أعلن عنها قيس سعيد، لذلك نتوقع أنه سيمدد الوقت بثلاثين يوماً أخرى ولكننا سنبقى نتابع بحذر تطور الأوضاع وهو ما جعلنا نكون تنسيقية من الجمعيات لمتابعة تنفيذ القرارات الاستثنائية”.

جاء الإعلان عن هذه التنسيقية خلال اجتماع قامت به 7 منظمات وطنية من بينها “الاتحاد العام التونسي للشغل” يوم 27 تموز في مقر “النقابة الوطنية للصحافيين”، وجعلت هدفها العمل المشترك على وضع تصور لخارطة طريق يتم تقديمها في ما بعد للرأي العام التونسي وللرئيس قيس سعيد. 

وأعلن “الاتحاد العام التونسي للشغل” أنه جهز خارطة طريق للحكومة المقبلة، ولكنه تراجع عن تقديمها في “ظل حالة الغموض الحالية وعدم الاطلاع بعد على رؤية رئيس الجمهورية لتحديد إن كان معها أو ضدها”، كما صرح الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي الخميس 5 آب/ أغسطس لإذاعة “موزاييك” الخاصة. وقد ذهب إلى “ضرورة العودة إلى الشعب والدعوة إلى انتخابات مبكرة”.

مطلب إعلان خارطة طريق واضحة للمرحلة المقبلة، اصبح المطلب الأساسي والملحّ اليوم للتونسيين، إذ  دعا “المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة” في بيان نشره  يوم 4 آب، رئيس الدولة إلى “الإسراع بإعلام الشعب بخارطة الطريق حتى لا تطول الفترة الموقتة وحتى يطمئنّ الشعب على مستقبله ومستقبل البلاد، من دون التخوّف من العثرات الممكنة ومن الفراغ المؤسساتي ومن إمكانية عودة رموز الفساد إلى السلطة تحت أي غطاء”.

إقرأوا أيضاً:

حتى “حركة النهضة” التي تشهد اضطرابات وانقسامات كبيرة حالياً، أصبحت تطالب الرئيس بإلحاح بالإعلان عن خارطة طريق. فقد عبر مجلس الشورى المنعقد يوم 4 آب في بيانه عن انشغاله من “الفراغ الحكومي المستمر منذ ما يزيد عن عشرة أيام وعدم تكليف رئيس الجمهورية الشخصية المدعوة لتشكيل حكومة قادرة على معالجة أولويات الشعب”، وشدد على”ضرورة التسريع بعرض الحكومة الجديدة على البرلمان لنيل ثقته”.

لا أحد يعرف حقيقة ما يدور في خلد رئيس الجمهورية، فهو لا يتشاور إلا مع قلة قليلة من الأناس الذين يثق بهم ومنهم مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة وأخوه نوفل سعيد: كما أن رئاسة الجمهورية لا تملك ناطقا رسمياً باسمها، ولا يتم تنظيم مؤتمرات صحافية. ولا يتعرف التونسيون إلى توجهات الرئيس إلا من خلال بعض الخطابات التي يلقيها بمناسبة استقباله بعض المسؤولين في الدولة أو ممثلي المجتمع المدني. “هذا يعقد كثيراً عملنا كصحافيين، ويصعب حصولنا على المعلومات الرسمية من رئاسة الجمهورية”، تقول أميرة محمد نائبة رئيس “النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين”.

هذا التصرف ليس بجديد على رئيس الدولة، فمنذ توليه السلطة لم يفصح إلا ببعض توجهاته ورؤيته بكلام عام ومبهم عادة لا علاقة مباشرة له مع الواقع. لشهور عدة، ظل يتحدث عن “الفاسدين” و”المتآمرين في الغرف المظلمة” من دون أن يسميهم، إلى حد أن شقاً كبيراً من التونسيين أصبح لا يعير اهتماماً لما يقوله. إلى أن جاءت قرارت 25 تموز لتقلب المعادلة ويصبح كل تونسي معلقاً بكل كلمة تخرج من فم الرئيس. ولكن هذا الأخير بقي كعادته متكتماً حول توجهاته، لا يعلن عن خطواته المقبلة.

هكذا تحولت الحياة في تونس إلى “مرحلة انتظار دائم” تتخللها إعلانات يومية عن إيقافات لنواب وإطارات عليا في الدولة، وتنفيذ أحكام قضائية سابقة متعلقة بهم أو فتح تحقيقات في ما يخصهم، وذلك في إطار الحرب التي أعلنها الرئيس على الفاسدين. ومن وقت إلى آخر، يدعو قيس سعيد التجار إلى تخفيض الأسعار مراعاة للوضع الاقتصادي الصعب، وهو ما لا يتبعه تنفيذ بالضرورة على أرض الواقع.

لكن الوضع اليوم يتطلب إيضاحات لما ينوي قيس سعيد فعله في المرحلة المقبلة، وهو ليس فقط مطلباً داخلياً، إنما أيضاً مطلب خارجي ملح لأن شركاء تونس الاقتصاديين والسياسيين في حاجة لفهم ما إذا كانت الوضعية الاستثنائية ستستمر طويلاً. فتونس التي دخلت في مشاورات منذ أشهر مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض جديدة لن تستطيع التوصل إلى اتفاق طالما بقيت دون حكومة أو برلمان يشتغل، بل إن وكالة موديز للتصنيف الإئتماني اعتبرت أن غياب المحكمة الدستورية سيؤثر سلباً في الوضع السياسي في تونس وفي المشاورات مع صندوق النقد الدولي.

في الأثناء، تواصل “النهضة” دعواتها إلى الحوار والعودة إلى المسار الدستوري وسط رفض شعبي لعودتها إلى الحكم والمطالبة بمحاسبة رموزها، لدورهم في مفاقمة الصعوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسهم راشد الغنوسي نفسه، والذي على رغم تقلص نفوذه السياسي حتى داخل حركته، إلا أن كثيرين داخلها باتوا يطالبون برحيله، فإنه لايزال متمسكاً بمنصبه سواء على رأس الحركة أو على رأس البرلمان المعطل.

ويرى مراقبون أن الرئيس قيس سعيد لا نية له للعودة إلى وضع ما قبل 25 تموز، وأنه بالنسبة إليه فإن منظومة الحكم السابقة ببرلمانها وحكومتها وطريقة إدارتها للبلاد انتهت ولا بد من تعويضها بأخرى. بقي أن نعرف ما هي هذه المنظومة الجديدة: بمعنى هل سيظل ضمن دستور 2014 ويدعو إلى استفتاء شعبي على تغيير القانون الانتخابي والنظام السياسي ليتم تنظيم انتخابات مبكرة  بعد ذلك، أم سيعتبر هذا الدستور لاغياً، بما أنه تم تشريعه في فترة كانت فيها “النهضة” تمسك بزمام الحكم، ليعود إلى دستور 1959 بعد تنقيح بعض فصوله لتتماشى مع الوضع الحالي؟ 

نحن لا نملك سوى الانتظار…

إقرأوا أيضاً: