fbpx

“إطفاء” موقع السجل التجاري في لبنان: “تعتيم” الشفافية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هكذا ينسحب الانهيار الاقتصادي إلى السجل التجاري، ويضرب في العمق حق الوصول إلى المعلومات الذي يمكّن صحافيين استقصائيين ونشطاء مستقلين من ملاحقة الفاسدين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

موقع السجل التجاري في لبنان خارج الخدمة. هذا أمر لاحظه جميع من يعمل في الصحافة الاستقصائية ويهتم بمعرفة تفاصيل إنشاء الشركات والعلاقات بين مالكيها، خصوصاً في التجربة اللبنانية التي تدخل فيها الأعمال بالعلاقات العائلية وتتصل بالسياسة بشكل أساسي. مبادرة “غربال” كانت أول من لاحظ هذا الأمر، وسألت عبر “تويتر”، “هل هذه حرية الوصول إلى المعلومات التي تتباهى بها السلطة في المحافل الدولية؟ أم أنهم لا يستطيعون حتى دفع تكاليف صيانة الموقع؟”. 

يخرج موقع السجل التجاري عن الخدمة بعد عام تقريباً على حجب موقع “ش.م.ل” shinmimlam.com، والذي اغلق بقرار قضائي بعد شكوى تقدّم بها نقيب المحامين ملحم خلف لقضاء العجلة، لحماية سجلات تجارية ترتبط بمحامين. واستجاب القضاء للطلب وحجب المعلومات التي يفترض أن تكون متوفرة للعموم، خصوصاً أن الموقع، الذي أسسه مجهولون خارج لبنان، كان يؤمن خدمة بصرية (غرافيكس) تمكّن من فهم الترابط بين الشركات ومالكيها، وهو ما يسمح بكشف من يقف وراء بعض الشركات من سياسيين أو أقاربهم. 

الموقع يحتاج اليوم إلى VPN لكي يعمل على الأراضي اللبنانية. ومع “سقوط” موقع السجل التجاري، يصبح البحث عن سجلات لشركات تجارية “أونلاين” في لبنان غير ممكن، ودونه صعوبات تقنية. والسبب كما يرجّح أسعد ذبيان من مبادرة “غربال” هو انقطاع مادة المازوت، وبالتالي عدم قدرة الدولة على تأمين كهرباء لتبريد الخوادم (servers)، فقامت بإطفائها. هكذا ينسحب الانهيار الاقتصادي إلى السجل التجاري، ويضرب في العمق حق الوصول إلى المعلومات الذي يمكّن صحافيين استقصائيين ونشطاء مستقلين من ملاحقة الفاسدين، والكشف عن التركيبات التي سمحت لهم بسرقة المال العام وتبييض الأموال. وكان موقع السجّل التجاري يخرج في أوقات متفرقة عن الخدمة في السابق، وعندما يراجع صحافيون وزارة العدل يأتيهم الجواب بأن هناك مشكلات تقنية يتعرض لها الموقع، بسبب محاولات لقرصنته، ثم تقوم فرق الصيانة بـ بإنعاشه وإعادته إلى الحياة. ولا يستبعد صحافيون أن تكون المسألة اليوم مرتبطة ايضاً بهذه المشكلات التقنية شبه الدائمة التي يعاني منها الموقع. لكن من تراه يقوم بهجمات قرصنة ضد موقع السجل التجاري؟ من لديه مصلحة في إخراجه من الخدمة؟

احتمالات أن يكون الأمر مدبّراً لا يمكن إسقاطها، خصوصاً أن سياسيين كثراً يشتكون من عمل الصحافيين الاستقصائيين الذي يحرجهم أمام جماهيرهم، ويكشف ممتلكاتهم والشركات التي يديرون عبرها أموالهم مع عائلاتهم، فيما خسر معظم اللبنانيين قيمة رواتبهم واستولت المصارف على مدّخراتهم، في واحدة من أكبر السرقات الجماعية التي حدثت في تاريخ لبنان. ومع حجة مثل انقطاع الكهرباء، سيكون سهلاً حجب المعلومات عن العامة والصحافيين وإخفاء الكثير من الآثار التي يمكن أن تدلّ على جرائم مالية تورّط بها سياسيون وأقاربهم. 

وسيكون على الصحافيين الاستقصائيين، في زمن “كورونا” والانهيار وتقطّع السبل وندرة المحروقات وانقطاع الكهرباء حتى عن المؤسسات الرسمية، أن يذهبوا بأنفسهم إلى مبنى السجل التجاري لطلب نسخ ورقية من السجلات، والحصول عليها واحدة واحدة، ودفع رسوم مالية عن كل سجل تجاري (نحو ستة آلاف ليرة عن كل شركة) قبل الحصول عليه. وهو أمر يستهلك وقت الصحافيين، كما تقول الصحافية الاستقصائية ليال أبو موسى، التي تستخدم موقع السجل التجاري في عملها، وهو يسهل عليها الحصول على المعلومات الأساسية قبل تعميق البحث في مسائل أكثر تعقيداً في عالم الشركات. لكن مع غيابه سيكون عليها تكبد عناء الذهاب إلى مبنى السجل التجاري وتمضية وقت طويل للوصول إلى معلومات تتوفر عبر الموقع بكبسة زر. 

في كانون الأول/ ديسمبر المقبل ينقعد مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ويفترض بلبنان أن يشارك في الاستعراض الدوري، عبر ورقة يقدمها في الدورة من المرجح بحسب المطّلعين على التحضيرات ان تكون حول أهمية وجود السجل التجاري، وسهولة الوصول إليه، من أجل تعميم الشفافية. ربما يجدر بمن سيعدّ الورقة أن يدقّق جيداً في مصطلح “تعميم الشفافية”، ومعناه مع “إطفاء” موقع السجل التجاري. ربما يجدر به، حفاظاً على الشفافية، أن يستخدم مصطلح “تعتيم” بدلاً من “تعميم”. 

إقرأوا أيضاً: