fbpx

سوريا … بعد 8 سنوات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تكن الجولة الأولى عادية في قامشلو التي تركتها قبل 8 سنوات. كل شيء تغير. أناس غرباء يجوبون شوارعها، سيارات فاخرة، وأخرى مهترئة، قمامة في كل مكان، فوضى عارمة..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مسعود عكو – صحافي كردي سوري

8 سنوات إلا أسبوعاً، هي الفترة التي غبت فيها عن سوريا، وليس بإمكان أمثالي زيارتها إلا من طريق كردستان العراق. لم يكن أمامي خيار سوى السفر بالطائرة القطرية المتجهة من أوسلو إلى هولير/ إربيل في كردستان العراق عبر الدوحة. رحلة استغرقت 17 ساعة، منها 8 ساعات انتظار في مطار الدوحة. على رغم توفر الكثير من الرحلات عبر المطارات التركية، إلا أن مخاوف المضايقة أو التحقيق أو ربما الاعتقال، كانت أسباباً كافية لتغيير الوجهة. نصائح كثر من الأصدقاء الذين قامت السلطات التركية بمضايقتهم والتحقيق معهم في مطاراتها فقط لكونهم أكراداً، دفعتني إلى قبول النصح وعدم المجازفة عبر تركيا.

الطريق إلى سيمالكا

الطريق من إربيل إلى معبر سيمالكا ليست طريقا سهلا، فمن هناك تسيّر كل تجارة تركيا وإقليم كردستان العراق. كان على سائق السيارة أن ينسل مدة 3 ساعات منهكة، بين شاحنات تحمل كل شيء، حتى المواد الخطيرة وسريعة الاشتعال. كثيرون فقدوا حياتهم جراء الحوادث المتكررة على هذا الطريق. عليك تحمل كل تلك المصاعب حتى تصل إلى ضفاف دجلة للعبور من جنوب كردستان إلى غربها، أما المعبر فتلك قصة أخرى.

معبر بيشخابور الحدودي غير الرسمي بين جنوب كردستان وغربه على نهر دجلة، المعروف باسم “سيمالكا”. المعبر الذي كان يدار سابقاً من قبل النظام السوري، يسيطر عليه الأكراد اليوم على ضفتي دجلة. لم يستغرق عبوري الحدود أكثر من نصف ساعة، بين إجراءات روتينية لتسجيل الداخلين والخارجين، وما يتطلب الأمر من تفتيش وتدقيق في الأوراق والثبوتيات والحقائب. ربما لأنني كنت أحمل الجنسية النرويجية لذلك تم الأمر بكل يسر. عادة ما يكون التنقل أصعب من ذلك بكثير للأكراد السوريين بين ضفتي دجلة.

متعبة جداً رحلة عبور الحدود، يهلك الناس من الانتظار والتعب في هذا الحر الشديد، ولا أحد يكترث. كبار السن والنساء والأطفال وحتى الشباب تخار قواهم في مكان غير مجهز أبداً كي يكون معبراً. مكاتب الموظفين ومقار الأمن مكيفة ومجهزة بكل شيء، في حين يضطر الناس إلى الانتظار ساعات تحت الشمس الحارقة، في أحسن الأحوال تحت مظلة من حديد تحرق أكثر مما تقي. المضحك المبكي أن الخراف والعجول والكوكاكولا تتنقل بالسيارات عبر الجسر المعد خصيصاً للتجارة، والبشر يستقلون عبّارة يستغرق عبورها نصف دقيقة بين الضفتين.

دولة في دولة

خلق الانسحاب الطوعي للنظام السوري من المؤسسات والمديريات الحكومية في محافظة الحسكة صيف 2012، حكم أمر واقع نتجت عنه لاحقاً منظومة الإدارة التي أسسها حزب الاتحاد الديموقراطي PYD باسم “الإدارة الذاتية الديموقراطية”. تبع ذلك تشكيل المؤسسات المدنية والعسكرية، ما أدى إلى قيام نظام حكم محلي جديد، من دون إسقاط الحكم المحلي للنظام، حيث لا تزال مؤسسات حكومية عدة تعمل هناك، كما حافظت قوات الأمن السورية على المربع الأمني في مدينة قامشلو، وكذلك المطار، وفوج عسكري بالقرب من تلة طرطب جنوب المدينة.

على رغم تطعيم هذه الإدارة بأشخاص من مختلف التوجهات، إلا أن سيطرة PYD واضحة تماماً. صور الزعيم الكردي عبد الله أوجلان وأعلام منظومات تكن بالولاء للزعيم معلقة في كل مكان. داخل مكاتب هذه الإدارة، وعلى الطرقات، والشوارع، والحواجز العسكرية، وعلى الكثير من السيارات المدنية والعسكرية. أخيراً أزيل الكثير منها، وبقي عدد ليس بقليل.

فرضت هذه الإدارة على الأهالي نظامها وقوانينها، إذ أجبرت ملتحقي الخدمة العسكرية لواجب الدفاع الذاتي التابع للإدارة على حمل دفتر خدمة علم خاص بها، وكذلك شهادة قيادة المركبات، ووثائق صادرة عن كافة المؤسسات التابعة لهذه الإدارة.

انتقادات كثيرة للإدارة الذاتية، أناس غير أكفاء وغير مختصين في الإدارة يتولونها. قوانين، وإتاوات وضرائب ورسوم مالية تعود كلها إلى خزينة هذه الإدارة. تلك المقصرة جداً في أداء واجباتها كسلطة تحكم منطقة كبيرة غنية بمواردها. الماء والكهرباء والصحة والتعليم والخدمات الأخرى هي التي يكثر الناس الحديث عنها. على رغم قيام الإدارة الذاتية ببعض تلك الخدمات، إلا أنها غير كافية كي تنال رضا المواطنين.

فُرص عمل

على رغم كل الانتقادات فإن هذه الإدارة خلقت فرص عمل لقرابة 100 ألف شخص، وتقوم بمنح رواتب تتراوح بين 175 و375 دولاراً، وهي معاشات جيدة جداً إذا ما تمت مقارنتها برواتب النظام التي تقل عن 90 دولاراً. منحت الإدارة التراخيص لعمل الكثير من المنظمات سواء المحلية أو الدولية العاملة في مجال المجتمع المدني أو الإغاثة، إذ تعمل في مناطق سيطرتها عشرات المنظمات، تتراوح الرواتب المقدمة فيها، بخاصة في المنظمات الدولية ما بين 500 و1500 دولار، إذ تقوم هذه المنظمات بتشغيل آلاف السكان كمتعاقدين موقتين. يتحدث كثر من الناشطين عن فساد بعض هذه المنظمات، من قبيل المحسوبية، وتشغيل أفراد الأسرة الواحدة، وغير ذلك. كما أن بعض المنظمات المحلية تشكو من قلة الموارد أحياناً كثيرة، بسبب المنع الذي تفرضه بعض المنظمات الدولية المانحة، لأن عمل تلك المجموعات الصغيرة يقع تحت نطاق سيطرة الإدارة الذاتية. على رغم أن تلك المنظمات الدولية عملت ولا تزال في مناطق أكثر خطورة من مناطق الإدارة الذاتية.

واقع الحرب منح فرص عمل لمئات المواطنين كصحافيين وإعلاميين، إذ ترخص الإدارة الذاتية عمل المؤسسات الإعلامية، وتمنح العاملين في المجال الإعلامي بطاقات صحافية تخولهم العمل في مناطق الإدارة كافة. والصحافة من أكثر المهن التي لاقت رواجاً ليس فقط في روجأفا، بل في كل سوريا خلال سنوات الحرب.

ليست معركتنا، ولكن يجب أن نخوضها

لم تكن الجولة الأولى عادية في قامشلو التي تركتها قبل 8 سنوات. كل شيء تغير، أناس غرباء يجوبون شوارعها، سيارات فاخرة، وأخرى مهترئة، قمامة في كل مكان، فوضى عارمة، دراجات نارية، أطفال ونساء يتسولون، فقر مدقع، وغناء فاحش، أبنية كثيرة وأسعارها خيالية، أعلام كثيرة، وصور أكثر، ومظاهر مسلحة ورائحة الديزل ومولدات الكهرباء في كل مكان.

لماذا يؤخذ أبناؤنا للقتال في الرقة أو دير الزور؟ هذه ليست معركتنا! هذا أكثر سؤال يوجه لك ولغيرك في روجأفا. يظن الأكراد أنهم مستثنون من هذه الحرب اللعينة. إن لم يقاتل الأكراد في الرقة لكانت تركيا ستفصل الجزيرة عن كوباني/ عين العرب بذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. كما فعلت في احتلال جرابلس والباب ولاحقاً عفرين. وإن لم يشكل الأكراد جيشاً خاصاً بهم، لكانوا إما جنوداً في جيش الأسد يقاتلون معه في إدلب أو ريف دمشق أو درعا، أو كانوا مقاتلين تابعين لما كان يسمى الجيش الحر. إن لم يدخل الأكراد الحلف الأميركي، لكانوا في حلف روسيا أو تركيا أو إيران أو السعودية أو قطر وغيرها من الدول الفاعلة في الحرب السورية. إن لم يقتلوا في الرقة ضد “داعش”، لقتلوا في حلب أو حمص ضد جبهة “النصرة”، وغيرها من التنظيمات الإرهابية. فالقتل كان مكتوباً ولا مهرب منه أبداً، محال أن تفلت بنفسك في هذه المقتلة العظيمة التي أنت متورط فيها شئت أم أبيت.

هذه كلمات الحرب المتداولة يومياً بين الناس، منهم من يتفق ومنهم من يعارض، إلا أن شواهد القبور ومزارات “الشهداء” تحكي حكاية الموت اللعين في هذا البلد. مزار “دليل ساروخان” من المقابر التي خصصت ل”شهداء” الحرب، وهو ليس مجرد مقبرة، بل بحر من القبور، التهم جيلاً كاملاً من الشباب كبيرهم لم يتجاوز الأربعين.

قد لا ترى دماراً للبنى في المناطق الكردية، إنما هناك دمار أخطر وأعظم تأثيراً. تكاد تنعدم الفئة الشبابية بسبب الهجرة، منهم من انشق من جيش النظام وفر إلى إقليم كردستان العراق لينخرط في صفوف بيمشركة روج، وهي قوات كردية سورية شاركت في الحرب على “داعش” في قطاع الموصل. ومنهم من فر كيلا يصبح مقاتلاً في جيش الإدارة الذاتية أو ما يسمى واجب الدفاع الذاتي، إذ تقوم شرطة الإدارة الذاتية بالاعتقالات العشوائية بين الفينة والأخرى، فتسوق شباباً في مقتبل العمر إلى معسكرات التدريب، لتزج بهم بعد فترة قصيرة في أشرس المعارك ضد أخطر تنظيم إرهابي على وجه الخليقة.

نور في نهاية النفق

على رغم كل ظلام الحرب هناك من يتأمل نوراً في نهاية النفق المظلم. تعب الأهالي وكلّوا من هذه الحرب، لا يريدون المزيد من القتل والدمار والهروب والتهجير، إنهم يبحثون عن الاستقرار على رغم كل منغصات الحياة. لا أهمية توازي حاجة الإنسان إلى الراحة، لا تهمه السياسة ولا تولي المناصب، وتوزيع صلاحيات حكم الأمر الواقع بين الأطراف المتناحرة. حاجات الإنسان اليومية أهم من كل أكاذيب السياسيين ونفاقهم في بناء وطن ديموقراطي بلا خبز أو ماء.

ريد مطر - صحافية مصرية | 24.04.2024

“لا نعرف مصيرهنّ”: لغط حول مصير ناشطات مصريات اعتُقلن خلال تظاهرة دعم لغزة

"نحن لم نتوقع هذا الترهيب كله، ذهبنا فقط لتسليم بياننا للأمم المتحدة لحثّها على حماية النساء والأطفال في زمن الحروب، وهي المهمة التي تقع على عاتقها كجهة دولية مسؤولة عن ذلك".