fbpx

تصريحات أوغلو والمداخلات التركية
في المسألة السورية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما طرحه أحمد داوود أوغلو أثار مجدداً الأسئلة الضرورية حول طبيعة الدور التركي في المسألة السورية، وعوائد ذلك الدور، أو تداعياته، على السوريين وعلى قضيتهم…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يكن تصريح أحمد داوود أوغلو (رئيس وزراء تركيا ورئيس حزب العدالة والتنميةـ سابقاً) بشأن مسؤولية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن سقوط (أو إسقاط حلب) في يد النظام السوري مفاجئاً، أو غريباً، في إطار المداخلات التركية، الملتبسة، أو الإشكالية، في المسألة السورية، وهو تصريح أتى ضمن جملة تصريحات توخّى منها أوغلو تحميل الرئيس التركي المسؤولية عن تحولات وحوادث كثيرة، في تركيا، وفي الإقليم، لا سيما في سوريا.

وبغض النظر عن رأينا بعسكرة الثورة السورية، التي تتحمل تركيا مسؤولية أساسية فيها، تماماً مثل تركيزها على تدعيم الفصائل التي تتغطى بالإسلام، دوناً عن غيرها، فإن إسقاط حلب تم بعد أخذ تركيا فصائل المعارضة السورية العسكرية، المسيطرة في أجزاء من تلك المدينة ومن ريفها، إلى عملية “درع الفرات” (أواخر آب/ أغسطس 2016)، لفرض السيطرة التركية على منطقة شمال سوريا، على حدودها بين مدينة إعزاز ونهر الفرات، على رغم علمها بأن ذلك سيؤدي إلى وقوع حلب وريفها في أيدي النظام.

 وللتذكير فإن تلك العملية تمت بعد عودة العلاقات التركية- الروسية، بعد اجتماع قمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين وأردوغان في بطرسبورغ (آب 2016)، التي كانت انقطعت بعد حادثة إسقاط الدفاعات الجوية التركية لطائرة سوخوي (تشرين الثاني/ نوفمبر 2015).

على ذلك فإن تصريح أوغلو يؤكد صحة التحليلات التي أشارت إلى ذلك في حينه، كما يؤكد ما أثبتته التطورات بالتجربة، في مجالات ثلاثة، أهمها: أولاً، أن العسكرة، والاعتماد على الخارج والارتهان له، كانت وبالاً على السوريين وعلى قضيتهم وعلى ثورتهم. ثانياً، إن تركيا تتحرك في الشأن السوري وفقاً لمصالحها الخاصة، وهي هنا تعزيز مكانتها الإقليمية وصد الطموحات الكردية داخلها أو في جوارها. ثالثاً، إن “المعارضة” السورية المتصدرة مدجنة، ولا تشتغل وفقاً لمصالح شعبها، بل وفقاً لما تمليه أجندة الداعمين.

وفي الواقع فإن السياسة التركية إزاء الصراع السوري ظلت، منذ البداية، موضع نقاش، ومثار تساؤلات، لا سيما أن تركيا عبرت منذ البداية عن مساندتها الثورة السورية، واحتضنت ملايين السوريين اللاجئين، ثم إنها باتت مقراً للمعارضة الرسمية، وحاضنة للكثير من فصائل المعارضة المسلحة، وهي أمور لا يمكن تجاهلها.

تبعاً لكل ما تقدم، تركيا أضحت من أهم الدول المتحكّمة في مسارات الثورة السورية، وبالمعارضة الرسمية، ويأتي ضمن ذلك تركيز دعمها لمساري العسكرة والأسلمة، على الأصعدة كافة: أي الخطابات والكيانات وأشكال العمل، إلى الحد الذي يمكن معه التساؤل عن حدود أو عن مصير المسارين المذكورين من دون ذلك الدعم.

ربما ثمة من يحاجج بأن تركيا تصرّفت في سياساتها السورية من مكانتها بوصفها دولة إقليمية كبيرة في المنطقة، ووفقاً لمصالحها هي، السياسية والاقتصادية والأمنية، وبحسب رؤية الحزب الحاكم لتلك المصالح. إلا أن ذلك القول، الذي يحاول توخّي الموضوعية، يفترض أن يأخذ في حساباته الموضوعية، أيضاً، أن الدول لا تتصرف كجمعيات خيرية، وأن النظر إلى سياساتها يجب ألا يُبنى على التقديس أو المحاباة أو المبالغات المضرة التي لا تفيد تركيا، ولا شعبها، ولا سوريا ولا شعبها.

في غضون ذلك، ثمة أسئلة كثيرة استحقتها السياسة التركية في تحولات تعاملها مع الصراع السوري، ومع ذلك فإن قيادة المعارضة السورية لم تتوقف ملياً لطرحها، وأخذ إجابات عليها، أو طرحتها على خجل، من دون السعي إلى إيجاد معادلات تخفف من تأثيراتها السلبية، في الثورة والمعارضة؛ فضلاً عن نشوء ظاهرة سورية، من سوريين يحابون سياسة الرئيس التركي أكثر من الأتراك العاديين، أو أكثر من محازبيه مثلاً، وحتى في ما يتعلق بالشأن السوري.

وبكلام أكثر تحديداً، فإن “المعارضة” السورية (بخاصة المتمثلة بالائتلاف)، لم تكلف نفسها مساءلة السياسة التركية، ومساءلة نفسها عن:

1ـ صوابية عسكرة الثورة السورية، وهذه غير ظاهرة جنود “الجيش الحر”، المنشقين عن الجيش النظامي لرفضهم قتال شعبهم، وغير ظاهرة الدفاع المشروع عن النفس من قبل السوريين في هذه المنطقة أو تلك ضد عنف النظام، فالعسكرة هنا يقصد بها تشكيل فصائل مسلحة من قبل داعمين خارجيين، وحصر الصراع مع النظام بالوسائل العسكرية، وتقويض البنى السياسية للمعارضة، وأخذ الصراع إلى مستويات لا يحتملها الشعب أو هي فوق قدراته الخاصة.

2ـ جدوى قيام تحالف آستانة الثلاثي ومسار آستانة التفاوضي (2017)، مع شريكي النظام (إيران وروسيا)، فهل كان ذلك التحالف لمصلحة الثورة، أو لمصلحة الشعب السوري؟ ومثلاً، وطالما أن اتفاقيات “وقف التصعيد”، الناجمة عن اتفاقات استانة، كانت كارثية، وأدت إلى انحسار مواقع المعارضة، وإلى معاودة النظام سيطرته على معظم المناطق، فلماذا الاستمرار في تلك الاتفاقيات؟ ومن أجل ماذا؟

3 ـ هل تعميق الجرح الكردي العربي، ونقل الطريقة التركية في معالجة المسألة الكردية في سوريا، يفيدان في بناء إجماعات وطنية للسوريين؟ أم يضر بذلك؟

المهم أن ما طرحه أحمد داوود أوغلو أثار مجدداً الأسئلة الضرورية حول طبيعة الدور التركي في المسألة السورية، وعوائد ذلك الدور، أو تداعياته، على السوريين وعلى قضيتهم، لكن الأهم من ذلك أن يطرح السوريون المعنيون ذلك، وأن يستنبطوا الدروس المرجوة منه.

إقرأوا أيضاً: