fbpx

“كارتيل” الدواء في لبنان: خليفة ومشموشي يتوّجان مساراً من الاحتكارات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هذا الكارتيل الذي يضم نحو 40 مستورداً مدعوماً بغطاء سياسي، عجز بسببه القضاء المختص عن محاسبة المحتكرين أو اتخاذ أي إجراءات توازي جرمهم. وهو جرم بحجم إخفاء آلاف أدوية الحروق فيما كانت بلدة التليل العكارية تحترق بأهلها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لن تُصادر البضاعة لأنه ثبت أن المستودع كان يمد الصيدليات بالدواء بشكل قليل”، قالها وزير الصحة اللبناني حمد حسن في مقابلة على “تلفزيون لبنان” بعد يومٍ واحدٍ من استعراضات مداهمة مخزن أدوية عصام خليفة في بلدة العاقبية، وتوبيخه على فعلته بعرضٍ هزليّ وثّقته كاميرات الحاضرين، أراد حسن أن يظهر فيها كـ”مخلّص” للمرضى العاجزين عن تأمين علاجهم، خصوصاً بعدما بدأت الوزارة “معركتها” مع المستودعات والشركات الكبرى.

الحاج عصام خليفة، القيادي في “حزب الله” والمدافع الشرس عن سياسته، لم يتم توقيفه على خلفية جريمته واحتكاره عشرات الأدوية المقطوعة تماماً من السوق، كأدوية السكري والضغط والالتهابات، عدا أدوية الصرع للأطفال، التي حُرم منها المئات فيما تنغّص نوبات الصرع حياتهم. القضاء اكتفى بتوقيع خليفة على ورقة يتعهّد فيها بتسليم الأدوية للصيدليات على السعر المدعوم، وهو السعر الذي استورد فيه الحاج أدويته واحتكرها بغية بيعها بعد رفع الدعم عنها.

وفق مصادر “درج”، خليفة يخزّن الأدوية منذ بداية الأزمة إلا أن كمياته تضاعفت في الأشهر الأخيرة بعدما قلّص تسليم البضاعة للصيدليات مُقرراً احتكارها. “من بين 500 علبة دواء مثلاً، كان يكتفي بتسليم 10 إلى 20 علبة للصيدليات”، يقول المصدر.  

مصدرٌ آخر يوضح لـ”درج” أن “كميات الأدوية المخزنة التي ظهرت في فيديو مداهمة المخزن لم يكن خليفة يملك سوى ربعها منذ أسابيع قليلة”. هذا ما أشار إليه أحد الذين زاروا المخزن قبل أشهر قليلة، وذهل عندما عاين الصور خلال المداهمة، ذاك أن الكميات حين زار المخزن كانت لا تتعدى ربع ما هو متواجد اليوم.

ليس خليفة وحسب. مستودعات وصيدليات عدة تُداهم بمعية الوزير الذي يكتفي بتوبيخ الفاعل وتصوير الحادثة على أنها انتصار، فيما لا يعرف اللبنانيون إلى أين ستذهب تلك الأدوية ومن سيضمن عملية بيعها على السعر المدعوم وعدم تخزينها مجدداً.

أحد المحتكرين هو حسين مشموشي، صاحب أكبر المستودعات في منطقتي صيدا وجدرا، والشائع أنه مدعوم بغطاء سياسي من آل الحريري. مشموشي أيضاً دوهم مخزنه وتبيّن أنه يحتكر عشرات الأدوية، من دون متابعة مصير تلك الأدوية بعد الكشف عنها. علماً أن “كمية الأدوية المصادرة من مخزني خليفة ومشموشي تكفي السوق المحلية ثلاثة أشهر ومعظمها مفقود ومستورد على أساس السعر الرسمي (1500 ليرة)”، وفق وزير الصحة.

من جهةٍ أخرى، أشار أحد العاملين في شركة استيراد أدوية لـ”درج” إلى أن “أصحاب المستودعات يعتمدون بشكل أساسي على بيع الأدوية التي يحصلون عليها مجاناً من خلال عروض يقدمّها المورّدون لتحقيق الربح”. وفي التفاصيل، تقوم شركات الأدوية بتقديم عروضٍ تشجع فيها أصحاب المستودعات على الشراء، فتمنح كميات مجانية من علب الدواء مع كل كمية يتم شرائها، وهي التي يعمد التّجار على بيعها للصيدليات.

“كارتيل” قديم بسجلٍ أسود!

كل ذلك ليس وليد اليوم، إذ إن “كارتيل” الدواء موجود في لبنان منذ عام 1867، وهو بنى رويداً رويداً إمبراطورياته، ثمّ نالت الشركات وكالات في أعوام 1897 و1927 و1946 و1959، لتشكّل عاموده الفقري، وتمدّد الكارتيل في ظل الأزمة التي طاولت القطاع الصحي والطبي، فباتت “بلطجته” مكشوفة.

“كارتيل” الدواء موجود في لبنان منذ عام 1867.

هذا الكارتيل الذي يضم نحو 40 مستورداً مدعوماً بغطاء سياسي، عجز بسببه القضاء المختص عن محاسبة المحتكرين أو اتخاذ أي إجراءات توازي جرمهم. وهو جرم بحجم إخفاء آلاف أدوية الحروق فيما كانت بلدة التليل العكارية تحترق بأهلها. هذا عدا أن المداهمات تستند إلى المعلومات والمعطيات المتوافرة من نظام التتبع الإلكتروني الذي تعتمده الوزارة، والذي أظهر أن ثمة أدوية دخلت إلى لبنان، إلا أنها لم توزع على الصيدليات وهي أيضاً غير موجودة في المستودعات المصرّح عنها، “ما يعني وجودها في أماكن أخرى كالشقق السكنية وغيرها من الأماكن التي اضطررنا إلى خلع أبواب كثيرة قبل الوصول إليها”، وفقاً لحسن.

هذا الكارتيل حوّل الدواء إلى سلعة ووصل إلى حدّ حجبها عن الناس لغايات تجارية، وهو يرفع أسعارها حتى تُصبح بمتناول الأغنياء فقط. وأعضاؤه مستعدّون للتفرّج على المرضى يموتون جرّاء انقطاع الدواء، ولن يضخّوا الكميات اللازمة في الصيدليات إذا لم تكن حصّتهم من الأرباح محفوظة. لكن ذلك ليس بجديدٍ عليه. فالجهة نفسها ضغطت على السلطات المعنية للتغافل عن ملف قضائي يتعلق ببمتهم بتزوّير أدوية سرطان منذ سنوات، وهو الصيدلي حسام مشموشي، شقيق حسين مشموشي، الذي أصبح رئيس بلدية، وبقيت صيدليته مفتوحة إلى أن توفي. ولمّا سُئل وزير الصحة وائل أبو فاعور حينها عن الملف، أجاب: “الملف خرج ولم يعد!”.

من هم المحتكرون؟

العراضات التي يفتعلها حمد حسن لم تكشف جديداً، فاحتكار الدواء وتهريبه أمر محسوم في لبنان. فعام 2020، استورد لبنان دواء بقيمة 1.2 مليار دولار ومستلزمات طبية بقيمة 110 ملايين دولار، بين شهري كانون الثاني/ يناير وتشرين الثاني/ نوفمبر، (أي خلال 11 شهراً). أما عام 2021، فتم استيراد دواء بقيمة 1.3 مليار دولار خلال الستة أشهر الأولى، وهو ما يؤكد توسّع نطاق عمليات التخزين والاحتكار والتهريب.

تأسّست معظم شركات استيراد الأدوية الكبرى في خمسينات وستينات القرن الماضي، فيما يعود بعضها إلى فترة الانتداب الفرنسي وحتّى إلى فترة الحكم العثماني، وهي غالباً شركات عائلية. تشير دراسة لشركة “ماكينزي” إلى أنّ “معظم الشركات العائلية تندثر مع استلام الجيل الثالث إدارتها. أمّا استمرار القلّة منها وتوسّعها فيرتبط بحصولها على منافع وامتيازات من الدولة تسمح ببقائها في السوق”، وهو ما ينطبق على بعض شركات استيراد الدّواء في لبنان، التي حافظت على استمرارّيتها طوال هذه السنوات نتيجة الطابع الاحتكاري المقونن لعملها، وتحكّمها بالسوق، ونفوذها وارتباطها بدائرة القرار السياسي.

وفقاً لأرقام نقابة مستوردي الأدوية، والتي تعود إلى عام 2010، يتبيّن أنّ هناك 120 مستورداً للدواء، ثلثهم متوقّف عن العمل، وثلث آخر غير مُسجّل في نقابة المستوردين، في مقابل 42 مستورداً مُسجّلاً. فيما يسيطر 5 من المستوردين الكبار على السوق، بحيث لا تقلّ أرباحهم عن 50 مليون دولار سنوياً إذا اعتمدنا الأرقام المُصرَّح عنها في نقابة المستوردين. في حين أن تقارير عدة تشير إلى أن أرباحهم تتخطى 200 مليون دولار سنوياً.

وأبرز تلك الشركات هي شركة “ميرساكو” التي تأسّست عام 1959 ويملكها غسان المحاسني ووليد مروّة وجوزف باسيلا وتستورد 265 علامة تجارية و525 دواء. وشركة “فتّال غروب” التي تنقسم إلى قسمين في عالم الدواء، الأول هو شركة “خليل فتّال وأولاده”، وتمتلك 15 وكالة حصرية من شركات أدوية عالمية كـBayer و”فايزر” و”غافيزكون”. والشركة الثانية هي “باسفيك فارما” التي تمتلك تراخيص استيراد 117 دواء، 18 دواء فقط مسوّق فيما البقية غير موزعة في السوق. إضافة إلى شركتي FDC التي يمتلكها المحاسني ومروّة أيضاً، ولديها وكالات من شركات Merck و”فايزر” وغيرها. و”أومنيفارما” التي تتوزّع ملكيتها بين ظافر شاوي وجوزيف جبارة، ونقيب شركات استيراد الأدوية كريم جبارة، والتي تملك 14 وكالة حصرية لـ8 شركات عالمية، منها “أسترازينيكا”.

إقرأوا أيضاً: