fbpx

سقوط كابول: “يوم فرح وعز وانتصار”…
لماذا فرح إخوان مصر بعودة “طالبان”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ترتبط الحركة مع جماعة الإخوان بعلاقة تاريخية، فالجماعة كانت المسؤول الأول عن جمع التبرعات والعطايا للمقاتلين الأفغان في العالم العربي، وقد وجدت في سيطرة “طالبان” مخرجاً من الأزمة القاسية التي تمر بها منذ سقوط إخوان مصر حتى الإطاحة بـ”إخوان تونس”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“هذا يوم فرح وعز وانتصار، حيا الله خيرة رجال الأفغان”… لم يكن هذا تصريح جهادي أو إرهابي سابق أو عائد من أفغانستان في عهود وأزمنة سابقة، إنما تعليق القيادي الإخواني يحيى موسى، مؤسس حركة “حسم”، المصنفة تنظيماً إرهابياً لدى الولايات المتحدة، والمتحدث باسم وزارة الصحة المصرية في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، على سقوط كابول في أيدي مقاتلي “طالبان”.

ترحيب وجوه إخوانية بصعود “حركة طالبان” إلى الحكم مرة أخرى يتزامن مع حملة دعائية هائلة تروّج فكرة أن الحركة بدأت بتقبل من كانت تهدر دمه سابقاً وباتت تسمح بتعليم النساء. 

لم يكن تصريح يحيى موسى سوى رأس جبل الجليد، الذي يمتلئ سعادة وانتعاشاً بصعود حركة دينية أنعشت أحلام الجهاديين وحاملي الرايات السود في جميع أنحاء العالم باعتبار حلمهم في الحكم المطلق صار ممكناً، ولأن حركة زميلة “طالبان” قد نالته أخيراً وإن بعد حين، ومن بين هؤلاء إخوان مصر الذين حققوا الحلم “موقتاً” قبل سقوطهم مباشرة.

والمفاجأة أن ذوي التوجه الإسلامي الذين يبايعون “طالبان” ويبيّضون صفحتها حالياً، هم أنفسهم الذين هاجموا منهجها القاسي قديماً، وكان واحداً منهم فهمي هويدي، الكاتب الصحافي المصري، المعروف بتوجهاته الإسلامية. يروي في كتابه “طالبان: جند الله في المعركة الغلط“، الذي صدر بعد 3 سنوات من وصول “طالبان” إلى الحكم، الانتهاكات التي مارستها الحركة في نسخة حكمها الأولى، وإجبار الناس على نوع معين من التدين بقوة الشرطة، وإصدار قائمة محظورات على الناس الالتزام بها، وإنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعاقبة المتجاوزين عقوبات فورية، وتجريف كشف وجوه النساء، وتحريم البرقع الإيراني، الذي يبرز الوجه، ومنع سائقي الأجرة من توصيل النساء، وتحريم الموسيقى في أي مكان، وسجن من يملك شريطاً غنائياً، وتحريم حلق اللحى، وإيداع من يحلق لحيته السجن حتى تنمو مجدداً، وجعل الصلوات في المساجد إجبارية بنصّ قانوني، وإغلاق مدارس البنات. 

تغيَّر كل شيء.. الفصيل الذي كان عدواً لـ”طالبان”، ورأى أن تجاوزاته الدينية والسياسية تشوه جميع الإسلاميين في العالم وتخلى عنه لحساب تنسيقه مع الأميركيين مطلع القرن الجاري، يهروّل شبابه إلى “طالبان” الآن ويدافعون عنها، وبعضهم يتمنّى أن يخضع لحكمها ويعيش بمناطق سيطرتها.

“طالبان” الأب الروحي للجماعات الإسلامية

سبب سعادة بعض أنصار جماعة الإخوان بصعود “طالبان” التي ترتّب الأوراق المبعثرة الآن لتستعيد دولتها العميقة التي بعثرتها واشنطن، هو تحقيق حلم “دولة الخلافة” وأستاذية العالم الذي يجمع كلَّ تلك الحركات والتنظيمات والجماعات إلى جانب عشرات القواسم المشتركة، التي تذيب كلَّ الخلافات العابرة التي يمكن حلها حين “يتمكّن” الإسلاميون من الأرض… وهو ما دفع المقربين من الإخوان في كل الاتجاهات لتهنئة “طالبان”، ليصبح ذلك “تأييداً غاشماً” يستطيعون من خلاله تحقيق أي استفادة أو الحصول على جزء من كعكة النصر (الذي يعتبرونه نصراً للدين والتنظيمات الدينية وليس لجماعة بعينها)، وفي مقدمهم الشيخ أحمد الريسوني، رئيس “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، والقيادي الإخواني الليبي علي الصلابي، الذي ردَّد مقولة الملا محمد عمر، رجل “طالبان” الأول، لحظة سقوط الحركة، “لقد وعدنا الله بالنصر ووعدنا جورج بوش بالهزيمة وسنرى أي الوعدين أصدق”.

إقرأوا أيضاً:

لماذا فرح الإخوان بعودة “طالبان”؟ 

ترتبط الحركة مع جماعة الإخوان بعلاقة تاريخية، فالجماعة كانت المسؤول الأول عن جمع التبرعات والعطايا للمقاتلين الأفغان في العالم العربي، وقد وجدت في سيطرة “طالبان” مخرجاً من الأزمة القاسية التي تمر بها منذ سقوط إخوان مصر حتى الإطاحة بـ”إخوان تونس”، وطالما لم يعد هناك حل، رفعوا شعار “طالبان هي الحل”، وسط دعوات بالجهاد المسلح، فهم يعتبرون أنّ الحركة الأفغانية حين تمسَّكت بسلاحها تمكَّنت من فرض نفسها على المجتمع الدولي، استشهاداً بتصريحات وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي قال إن “طالبان انتصرت، ومن ثم وجب على الجميع الجلوس معها”.

كان القيادي الإخواني الفلسطيني عبد الله عزام صاحب الفضل على “طالبان”، عبر دوره البارز في تأسيس مكتب “خدمات المهاجرين العرب” في مدينة بيشاور الباكستانية عام 1984، وجمع المكتب تبرعات من عشرات البلاد الغربية على رأسها الولايات المتحدة لدعم المقاتلين الأفغان في معاركهم، فضلاً عن تجنيد الشباب وتدريبهم وإلحاقهم بمعسكرات القتال في أفغانستان، لكن المهلِّلين الآن لا يعرفون ما حصل في ما بعد.

سقوط “حركة طالبان” عام 2001 ألهم قيادات الإخوان بـ”خيانة جديدة“، وعلى رغم كل الصفات والأفكار المشتركة بين الإخوان و”طالبان”، انحازت الجماعة إلى الولايات المتحدة في حربها ضد الحركة، أملاً بتولي السلطة، ومنذ ذلك اليوم يقدّم إخوان أفغانستان أنفسهم باعتبارهم الفصيل الديني الأكثر حضوراً في المشهد، وهو ما يبشِّر بنزاع متوقع بين الحركة والجماعة في المستقبل القريب، فكلاهما يملك رغبة في الهيمنة على المشهد. 

ولدى الإخوان في أفغانستان من الإمكانات ما يدعو “طالبان” إلى التحالف معهم، فعام 2002 أعلنت 30 قيادة إخوانية تأسيس كيان سياسي في أفغانسان، وأطلقت عليه اسم “الجمعية الأفغانية للإصلاح والتنمية الاجتماعية” في العاصمة كابول، وبفضل انحيازها للولايات المتحدة، حصلت على موافقة من وزارة العدل سريعاً، وأنشأت 35 فرعاً، وبدأت تضع خططاً للتأثير في الطبقات الاجتماعية المختلفة. أنشأت عشرات المدارس، و4 معاهد لتعليم الفتيات، و8 مدارس لتدريس العلوم الشرعية وداراً للعلوم الإسلامية وأول قناة فضائية أفغانية وإذاعة ومجلات وصحفاً ومواقع إلكترونية كـ”إصلاح مللي” و”معرفة” و”صوت الإصلاح” و”رسالة الإصلاح” وجمعية المساعدات الإنسانية ومستشفيات وعيادات.

يملك الإخوان “دولة موازية” داخل أفغانستان، ويعملون منذ سقوط الرئيس المصري السابق محمد مرسي على تعبئة أنصارهم ودعوة المجتمع الدولي إلى التدخُّل، وساهمت السنوات الماضية في تغذيتهم بعلاقات واسعة مع “طالبان”، ربما حلَّ الوقت المناسب الآن للطرفين لاستثمارها. الإخوان يريدون العودة إلى المشهد ولديهم في أفغانستان مؤسسات قائمة لا تملكها “طالبان” حتى الآن، والأخيرة تريد جمع الأطراف المختلفة لتحصل على اعتراف دولي، وقد تؤدي دورها باعتبارها “الأب الروحي للجماعات الإرهابية في العالم” وتجمعهم مجدداً على أرضها لتهديد العالم بتصدير المجاهدين، حال سقوطها.

لم يكن تهليل إخوان مصر لصعود “طالبان” مفاجئاً، فالطرفان يشتركان في عوامل عدة.

هل تصبح أفغانستان ملاذاً آمناً لـ”إخوان مصر”؟

لم يكن تهليل إخوان مصر لصعود “طالبان” مفاجئاً، فالطرفان يشتركان في عوامل عدة.

الأول هو “الكفيل”، كلاهما يدير أعماله من قطر، وعلى مقربة من مكتب حركة “طالبان” في الدوحة ستجد مقار قيادات الإخوان، ولعبت الدوحة دور الوسيط بين “طالبان” والولايات المتحدة على مر السنوات الماضية حتى توصلت إلى اتفاق يسمح للحركة بالعودة، وهو ما حدث كثيراً مع الإخوان لإعادتهم إلى المشهد وإعانتهم. 

لعبت قطر دوراً محورياً في سياستي “طالبان” والإخوان، وهو ما جعلها “الحاكم الأول” لهما ليس من باب التمويل وحسب، إنما أيضاً من باب “الود السياسي” الذي يكنانه لقطر باعتبارها “الوسيط الناجح الوحيد”. دور الوسيط، حاولت الرياض وأبو ظبي لعبه في قضية “طالبان”، لكنهما فشلتا بسبب ضغوطهما المستمرة على الحركة لتقديم تنازلات، حتى تولت قطر إدارة ملف المحادثات وأحدثت تحولاً كبيراً في أفكار الحركة وسياساتها، فهناك رأى قادة “طالبان” المولات والحياة الحديثة وتأثروا بالانفتاح القطري على العالم حتى انعكس ذلك على سياساتهم الحديثة.

العامل الثاني هو “كراهية أميركا“، فالحركة التي انطلقت من أفغانستان نمت على كونِ الولايات المتحدة هي “العدو الأوحد” الذي يعطل مسيرة الإسلام السياسي، وذلك النمو كان على مستوى المقاتلين، والآن لديهم عدو واحد يرون أن أصابعه هي التي تدير العالم، وتسند الأنظمة المستبدة.. هو الولايات المتحدة.

الثالث هو السقوط المدوي لجميع حركات الإسلام السياسي منذ سقوط “داعش”، حتى التي تمارس السياسة، تم إسقاطها على أيدي رؤساء مدعومين إماراتياً كالرئيس قيس سعيد في تونس، ويرى الإخوان أن “طالبان” يمكن أن تساعدَهم في إعادة بناء أنفسهم، والعودة إلى المشهد من جديد، كما أنها تمنحُهم قبلة حياة للمساومة بعدما تخلّت عنهم تركيا وأغلقت قنواتهم، وتقدمت قطر لتذويب الجليد مع مصر والإمارات والسعودية، ومنذ ذلك اليوم، يبحث الإخوان عن بديل… وأخيراً، وجدوه.

ووسط بحثهم عن “ملاذات أخرى آمنة” لعناصر وقيادات الجماعة المطلوبين في مصر، استقرت مجموعات على نقل بعض الفضائيات للعاصمة البريطانية، لندن، ونقل موقع “العربية” عن مصادر، أنّ قيادياً بارزاً طرح فكرة جديدة، في أحد الاجتماعات، وهي نقل العناصر الإخوانية إلى أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية وسيطرة “طالبان”، واستغلال تولي تركيا حماية مطار حامد كرزاي الدولي في كابول.

وبحسب “العربية“، يستند القيادي البارز إلى الدعم الذي قدمه الإخوان لـ”حركة طالبان” والجهاديين في أفغانستان في فترات تدهور أوضاعها، فقد قدمت سابقاً “دعماً مادياً وإغاثياً وإنسانياً”، وعرضت الفكرة على قيادات أعلى، وبدأ التشاور بين قيادات التنظيم الدولي ومسؤولي “حركة طالبان” وأطراف تركية “شبه رسمية”. وربما تكون الهجرة الإخوانية إلى أفغانستان – إن حدثت – ميلاداً جديداً لأولاد حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين) في أحضان تلاميذ الملا عمر، مؤسس “حركة طالبان”.

إقرأوا أيضاً:

السيسي أنقذنا من مصير كابول؟

لم تكن الحالة السياسية والدينية في مصر متدهورة إلى حدِ القلق من مصيرٍ مشابه لشكل الحياة الذي تفرضه “طالبان”. كان الإخوان أكثر تساهلاً وتسامحاً وتقبلاً للملابس المكشوفة، فكان الزيّ الرسمي الذي يصدّره الإخوان لفتياته “لفات رأس” قصيرة تبرز الصدر قليلاً على عكس “طالبان” التي تفرض “البرقع” زياً موحداً للنساء. كان ذلك “حيلة” انتخابية لجذب الأصوات، لكن ما لا يستطيع أحد نفيه، أنّ الإخوان كانوا أكثر انفتاحاً على المستوى الرسمي، إلا أنّ بعض مريدي الجماعة وأنصارها ورجالها كانوا بالغي التشدد.

بينما يتصايح أنصار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمقولة أنه أنقذ مصر من مصير أفغانستان، يمكن القول إنه لم يحدث سوى اشتباكات في سياق الخلاف السياسي وقمع الاحتجاجات، على عكس “طالبان”، التي وجدت شخصاً يحمل علم أفغانستان، فأوسعته ضرباً. وعلى رغم إيمان الإخوان بمشروعهم فقط، لم يكونوا يسيئون للعلم المصري، وعلى رغم أن تحقيقات كثيرة أثبتت أنهم كانوا مسلحين، لكن لم يكونوا ميليشيات شديدة الخطورة تحمل المدافع والرشاشات علناً، وتسير بها في الشوارع، كما يحدث في حالة “طالبان”.

والأهم من ذلك، أنه كان لدى الإخوان برنامج مدني، ورؤية للدولة المدنية، وإن كانت متأثرة بالنموذج التركي الذي يقوده رجب طيب أردوغان، ولم تتحول القاهرة إلى قندهار طوال عام حكمهم. ولكن هل كان الأمرُ كله خدعاً ومؤامرات وكلاماً معسولاً لأجل الوصول إلى “التمكين” ثم الانقلاب على الدولة المدنية؟

لا أحد يستطيع أن يجزمَ بصحة ذلك من عدمه، لكن مراقبي مشهد قيادات الإخوان ذوي اللحى، وليس السياسيين، وشبابهم يرصدُ ميلاً شديداً إلى الهيمنة والعنف والحكم بالقوة، حتى إن بعض الشباب الإخواني كان يرافق قوات الشرطة في قمع المتظاهرين وتحديداً بعد الإعلان الدستوري الذي صدر في آذار/ مارس 2013 وعرف بـ”دستور الجنة والنار”. تلك النزعة سربت إلى الأقباط رعباً من التجربة، فأقدم حوالى 200 ألف قبطي إلى الهجرة في عام واحد، على رغم أنه في عهد الرئيس الأسبق، حسني مبارك، لم يكن عدد المهاجرين يتجاوز 30 ألفاً.

 الصورة التي أصبحت عليها كابول جعلت السيسي في نظر أنصاره بطلاً بعيد النظر، أنقذ بلاده من حكم ديني “محتمل”، وبالنسبة إلى الفريق الآخر، فهو لم ينقذ مصر إنما استعجل الحصول على السلطة، فلأسباب أخرى، يُستبعَد- حتى اللحظة – سيناريو أفغانستان، ويروق لكل طرف أن يرى السيسي بحسب توجهه السياسي. 

لعبت قطر دوراً محورياً في سياستي “طالبان” والإخوان، وهو ما جعلها “الحاكم الأول” لهما ليس من باب التمويل وحسب، إنما أيضاً من باب “الود السياسي”

القاهرة… والهرولة إلى “طالبان”

أمَّا مصر “الرسمية” فلا تفكر في الإخوان ومواقفهم وتعاطفهم مع “طالبان” من عدمه، تريد فقط أن تنشئ علاقة سياسية مع “طالبان”، لا تشوبها شوائب ولا تؤثر فيها مواقف القاهرة من الإخوان. 

أشارت مصادر إعلامية لـ”درج”، إلى أن السلطات المصرية تفرض على الصحف والقنوات تناولاً إخبارياً بعيداً من التحليلات والوقائع المسيئة لـ”طالبان” وتمنع ترجمة القصص الصحافية التي تشوه الحركة، وقد وضعت “خطاً أحمر” هو الإساءة إلى قادة الحركة، أو إظهارهم بصورة الإرهابيين، حتى إن الإعلامي البارز المحسوب على النظام المصري، أحمد موسى، استضاف الدكتور محمد نعيم، الناطق باسم المكتب السياسي لحركة طالبان، على هواء قناة “صدى البلد” المصرية، وأجرت مواقع وصحف حوارات مع قيادات في =”طالبان” تمهيداً لنوع من تطبيع العلاقات التدريجي.

يتماشى ذلك مع توجه مصر، خلال الأشهر الماضية، للتهدئة مع أنقرة والدوحة (الكفيل السياسي لـ”حركة طالبان”)، على عكس الإمارات التي تتخذ موقفاً مضاداً لأي توجه قطري أو تركي.

إقرأوا أيضاً: