fbpx

العبرة من المشروع المتعثر لبناء
المدارس في العراق : قصة مدارس الهياكل الحديدية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تحديات التعليم في العراق هائلة، لكن أن تهدر مئات ملايين الدولارات على مدارس وهمية فهذه جريمة كبرى. هذا التحقيق الاستقصائي يشرح كيف حصل ذلك.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ أكثر من عقد من الزمن، أطلقت وزارة التعليم العراقية مشروعاً طموحاً لإصلاح النظام المدرسي المدمر في البلاد وبناء أكثر من 1700 مدرسة جديدة. وأنفقت مئات الملايين من الدولارات من المال العام، ولكن لم تستلم الوزارة سوى القليل من المدارس حتى الآن. ومع إطلاق مشروع جديد لبناء 7 آلاف مدرسة، ليس من الواضح إذا كانت الحكومة قد تعلمت الدرس.

بقلم أسعد الزلزلي

كان محمد علي في الحادية عشرة من عمره عندما أخبره المعلمون في مدرسته في جنوب العاصمة بغداد أنهم سينتقلون قريباً من منشآتهم المتهالكة إلى مبنى مجاور جديد وحديث.

اليوم، بلغ علي الرابعة والعشرين من عمره، ويقوم بالتدريس في غرفة مكتظة بالطلاب في البناء المتداعي القديم ذاته الذي تخرج منه. في حرارة الصيف الحارقة، يكاد يكون من المستحيل حمل طلابه الـ60 على الجلوس، ناهيك عن التعلم. وفي مكان قريب، لا يزال المبنى الجديد المخطط له هيكلاً فولاذياً على رقعة ترابية مملوءة بالقمامة وتسكنها أبقار هائمة.

وقال علي لـ”مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود” – OCCRP.ORG – أن : “المدرسة الحديثة التي وُعدنا بها حين كنا أطفالاً، لا تزال حلماً بعيد المنال”.

كانت مدرسة علي واحدة من نحو 200 مدرسة من المقرر بناؤها في جميع أنحاء البلاد ضمن مشروع أطلقته وزارة التربية العراقية عام 2008. ووفرت تمويلاً بمئات ملايين الدولارات، وهدفت الجهود إلى إعادة بناء البنية التحتية المتهالكة للتعليم في البلاد بعد سنوات من الحرب والفوضى السياسية. 

وبدلاً من ذلك، أصبح المشروع المتلكئ لعقد من الزمان مثالاً صارخاً على تراخي الرقابة على إجراءات التعاقد ما ساهم في تأخر مواعيد التسليم مراراً وأثر في نوعية المنتج النهائي. اليوم، وبعد مرور 13 سنة على إطلاق المشروع، معظم المباني المدرسية لم تُنفذ وصرف الجزء الأكبر من أموال المشروع، بحسب مسؤولين حكوميين.

وجاءت جهود بناء المدارس الـ200- المعروفة باسم مشاريع “دولية 1 ودولية 2” – وسط فشل أوسع للنظام التعليمي العراقي. وبين عامي 2011 و2012، طرح العراق مناقصات مباشرة من وزارة التربية على شركات تابعة لوزارتين تعاقدتا مع شركات خاصة لبناء نحو 1500 مدرسة . ولكن على رغم إنفاق أكثر من 850 مليون دولار على هذه المشاريع، إلا أن الوزارة لم توافق إلا على استلام 178 مدرسة بشكل نهائي من  هذه المجموعة.

عام 2017، حُكم غيابياً على أحد المقاولين بالسجن سبع سنوات مع مصادرة كل أمواله المنقولة وغير المنقولة لأنه لم يكمل بناء 294 مدرسة.

وقال النائب علاء الربيعي عن “تحالف سائرون” الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر إن مشروع بناء المدارس الـ1500 “كان أكبر مشروع فساد في الدولة العراقية”، مشيراً إلى أن الحكومة صرفت “دون غطاء قانوني”60 في المئة من السلفة التشغيلية للشركات ولم ينجز ما يوازي هذه المبالغ حتى اليوم.

وحالياً تعمل الحكومة العراقية على مشروع جديد لبناء 7000 مدرسة. ومن غير الواضح ما إذا كانت المشكلات التي تواجه المشاريع الماضية قد تم حلها.  

وثق  تحقيق أجرته OCCRP لمخالفات وانتهاكات في عملية تمويل مشروع بناء المدارس الـ200 – جاء معظمها قبل وبعد موافقة الحكومة العراقية على نقل المشروع لـ”شركة الصقور للموارد المالية  والمقاولات” في العاصمة الأردنية عمان، التي يملكها مناصفة رجل الأعمال الكردي العراقي النافذ  نوزاد الجاف وزوجته  دلناز.

واستناداً إلى مذكرات مسربة ووثائق داخلية للشركة ومقابلات مع مسؤولين وموظفين، يبين التحقيق كيف تمكن الجاف من استغلال منصبه للحصول على قروض بدون ضمانات أو فوائد من بنك الشمال الذي قدم الضمانات المالية لأحد المشروعين- في تضارب واضح في المصالح.

كما واصل الجاف سحب الأموال من المصرف حتى بعدما أوقفت وزارة التربية مدفوعاتها عام 2014، ما تسبب في خسائر تقدر بعشرات ملايين الدولارات وساهم في انهيار المصرف تدريجياً. ولغاية 26 أيلول/ سبتمبر 2021، وافقت الوزارة على استلام أقل من نصف المدارس التي تم التعاقد عليها.

ينفي الجاف ارتكاب مخالفات ويصر على أنه تم الانتهاء من 111 مدرسة وتسليمها بموجب كشوفات رسمية وقعها مدير المشروع ووزارة التربية. ويقول في مقابلة مع OCCRP إن نسبة إنجاز المتبقي منها بلغت 93 في المئة، وستسلم في 1 أيلول 2021 وأنه تم الاتفاق مع الوزارة على إلغاء 17 مدرسة بسبب السرقات التي تعرضت لها المواقع في محافظتي الأنبار وصلاح الدين زمن سيطرة الدولة الإسلامية.

قام صحفيو  OCCRP بزيارات عشوائية إلى 30 مدرسة من الـ200، بين شهر حزيران/ يونيو وأيلول في بغداد والسماوة والناصرية وفي محافظتي بابل وكربلاء. في مواقع المدارس الثلاث في جنوب العاصمة بغداد، وجدوا عمالاً يطلون الجدران ويركبون هياكل الألمنيوم على الشبابيك والأبواب بعد التسليم المفترض لهذه المدارس. أما المواقع الأخرى التي زاروها خارج بغداد فكانت غالبيتها في مراحل متعددة من التنفيذ، وقد بدت بعض المشاريع وكأن أحداً لم يعمل عليها منذ شهور أو سنوات.

في الأثناء تستمر معاناة الطلاب. 

واليوم، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، هناك ما يقارب من 3.2 مليون طفل عراقي في سنّ الدراسة خارج المدرسة. وعلى غرار مدرسة علي، فإن نحو 30 في المئة من المدارس الرسمية تعمل ضمن نظام الثنائي (المزدوج) والثلاثي. وما زالت  معدلات التسرب من المدارس مرتفعة لغاية الآن. والعراق بحاجة إلى بناء 11 ألف مدرسة جديدة. 

وقال التقرير الأممي إن “عقوداً من النزاع وتدني نسب الاستثمار في العراق دمرت ما كان واحداً من أفضل النظم التعليمية في المنطقة وقلص قدرة الطلاب العراقيين على الحصول على فرص تعليم جيدة”.

واعتبر محمد الدراجي، عضو البرلمان الذي شغل منصب وزير البناء والإسكان والتعمير عام 2013، أن مشاريع المدارس ككل بما فيها مشروع “دولية 1و2”  مثال صارخ على ما حدث من أخطاء شابت العملية من بدايتها. وقال “إن المشروع فشل  فشلاً ذريعاً وتنبغي دراسته وعدم تكراره”. وقال الدراجي إن أهم أسباب الفشل هو تبني وزارة غير تخصصية للموضوع سواء لناحية اختيار الشركات أو الإشراف على العمل. فالتربية وزارة تعليمية وتربوية وليست وزارة إنشائية”.

إقرأوا أيضاً:

المشكلات منذ اليوم الأول

رافقت الإشكاليات من البداية مسار طرح مشاريع دولية: واحد لمحافظة بغداد والثاني للمحافظات الأخرى ما عدا إقليم كردستان. بدأت القصة في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي استمرت فترة توليه السلطة من عام 2006 حتى 2014 وانتهت بكارثة عندما استولى مقاتلو الدولة الإسلامية على نحو ثلث البلاد. وانتشرت مزاعم الفساد على نطاق واسع في عهد المالكي، حيث راج أن مئات المليارات من الدولارات اختفت من خزائن الحكومة. 

وكان وزير التربية السابق د. خضير الخزاعي  أطلق المشروع عام 2008، وخصص 282 مليار دينار عراقي- نحو 239 مليون دولار في ذلك الوقت- لبناء 200 مدرسة سريعة باستخدام الهياكل الحديدية بموجب عقدين منفصلين، يعرفان باسم  “دولية 1  ودولية 2”.

منح الخزاعي أمر إحالة البناء مباشرة – من دون فتح مناقصة- بموجبه إلى ائتلاف من أربعة مقاولين. وفي حين يسمح قانون المقاولات العراقي العام بالتلزيم المباشر من الناحية الفنية – حتى يمكن ضمان “السرعة والكفاءة في التنفيذ”- إلا أن هذه الخطوة قوبلت بالانتقادات بسبب المبالغة في تكلفة العمل وغموض آلية منح العطاءات. 

ونص العقدان على السماح للمتعاقدين بطلب دفعة مقدمة بنسبة 20 في المئة من المبلغ الإجمالي لكل منهما تدفع بعد توقيع العقود مقابل تقديم كفالة مصرفية ضامنة صادرة من مصرف معتمد في العراق يعادل مبلغ السلفة.

قدم مصرف الشمال للتمويل والاستثمار، حيث يشغل الجاف منصب رئيس مجلس الإدارة، خطاب ضمان بشأن الدفعة المسبقة (السلفة التشغيلية) للعقد الأول البالغة 28.6  مليار دينار – نحو 24.2 مليون دولار وقتها. بموجب هذا الضمان، إذا فشل المقاولون في إكمال العمل، سيطلب من بنك الشمال دفع المبلغ إلى الوزارة. ولم يغطى الضمان  بأصول أو أرصدة ولم يوثق العقد لدى كاتب عدل، في انتهاك لقانون المصارف العراقية لسنة 2004 وقانون البنك المركزي العراقي.

قام مصرف دجلة والفرات  للتنمية والاستثمار، وهو بنك خاص، بضمان العقد الثاني بقيمة 27.8 مليار دينار، أو نحو 23.5 مليون دولار.

حددت مدة انتهاء المقاولتين في 31/ 12/ 2010 وتشمل 180 يوماً للبناء وعاماً آخر لضمان نوعية العمل. حددت غرامة قدرها 77 مليون دينار عن كل يوم تأخير.

ولكن عندما قامت لجنة حكومية بجولة في مواقع المدارس في آذار/ مارس 2011، كان أقل من 10 في المئة منها منجزاً. عام  2011، أفاد ديوان الرقابة المالية الإتحادي العراقي عن “نسب الإنجاز المنخفضة” لكلا المشروعين.

وعليه تم إنهاء العقود، وطاولت  د. الخزاعي سهام النقد من جميع الجهات.

في العام ذاته، اتهمت د. مها الدوري التي كانت آنذاك نائبة في البرلمان وعضواً في التحالف الوطني الذي كان يضم رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وهو كتلة برلمانية شيعية، الوزير الخزاعي ومجلس الوزراء بإهدار نحو “أكثر من 250 مليون دولار من أموال الخزينة العامة. واتهمت ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه المالكي ويتبع له د. الخزاعي بعرقلة محاسبة وزير التربية والشركات ومنح العقد لشركة ثانية.  

واتهم وزير مالية المالكي السابق،  باقر  جبر الزبيدي، د. الخزاعي بـ “تدمير النظام التعليمي العراقي” من خلال التعاقد مع شركات إيرانية مجهولة القدرة على التنفيذ حصلت على 20 في المئة من المبلغ المقدم وارسلت كتلاً حديدية “ما زالت حتى اليوم ملقاة في الساحات حيث تركت لتصدأ”.

حاول مشروع OCCRP  التواصل مع د. الخزاعي من خلال مدير مكتبه، لكنه لم يرد على طلبات التعليق.

ومع توقف المشروع على ما يبدو، طلبت وزارة التعليم من مصرف الشمال سداد الضمان. 

لكن الجاف سرعان ما اقترح تسوية بديلة لتجنيب مصرف الشمال دفع الغرامات. وقال الجاف في مقابلة مع OCCRP إنه لم يكن مستعداً لدفع الغرامات للحكومة ولوزارة التربية على الألعاب الموجودة بينهم. “يعني خضير الخزاعي لعب دوراً كبيراً في هذا الموضوع وموظفين الدولة كانوا يلعبون وإحنا ندفع الثمن”.

مناورة الجاف

قبل ذلك كان الجاف أنشأ شركته الخاصة، “شركة الصقور للموارد التجارية والمقاولات”  في الأردن عام 1999. قسمت  الأسهم بالتساوي بينه وبين زوجته  دلناز.

تأسست الشركة المتوضعة بحسب رأيه برأسمال 100 ألف دينار أردني فقط (142 ألف دولار). 

ساعدت علاقات الجاف السياسية على إقناع المسؤولين بالسماح بتحويل عقد التلزيم الخاص بمشروع بناء المدارس إلى شركة الصقور، وفقاً لأعضاء مجلس إدارة بنك الشمال ومديرين تنفيذيين. كما حصل الجاف على تنازل ثلاثة من أعضاء ائتلاف المقاولين الأصلي.

كانت وزارة التربية في ذلك الوقت تحت إشراف محمد تميم- وهو سياسي سني. وقد  أعربت في البداية عن تحفظاتها بشأن النقل وطلبت من مجلس الوزراء توفير “غطاء قانوني” لضمان عدم إلقاء اللوم على الوزارة في التأخير في المدفوعات وفي النسب المئوية لإنجاز العمل، وفقاً لمذكرة داخلية أرسلها كل من مستشار الشؤون القانونية لرئيس الوزراء ورئيس الشؤون القانونية في الامانة العامة لمجلس الوزراء إلى سكرتارية الأمانة العامة لمجلس الوزراء في أيار/مايو 2011. 

أوصت المذكرة بأن يستمع مجلس الوزراء الى وجهة نظر الوزير، لكنها شددت أيضا على أن نقل العقود إلى شركة الصقور يمكن أن يساعد في تجنب المزيد من التأخير للمشروع وغيرها من “المشكلات القانونية” التي لم يحددوها.

وافق مجلس الوزراء على التسوية التي عرضها الجاف. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2011، أضيف ملحقان إلى عقد البناء الأصلي، ما سمح بتمديد مدة التنفيذ تسعة شهور أخرى وإسقاط غرامات التأخير على اعتبار فترة انتهاء العقد الأصلي وبدء العمل الجديد فترة توقف.

وقال الجاف إن شركة الصقور تحملت كامل ديون المقاولين السابقين بقيمة 58.6 مليون دولار، بما في ذلك الدفعة المسبقة البالغة 28 مليار دولار التي ضمنها مصرف الشمال.  ولتغطية ما أسماه البنك “الخسائر الفعلية” المتكبدة من سحب الضمانات المصرفية الصادرة للمتعاقدين، دفع البنك 56.5 مليون دولار لمساعدة شركة الصقور على استيراد المواد الخام الأساسية اللازمة لتنفيذ المشروع.   

كما وقع الجاف بصفته المدير المفوض لشركة “الصقور” مع المدير المفوض لمصرف الشمال  منذر قفطان، اتفاقية “تمويل” لتغطية التكاليف المتبقية للعقد بمبلغ 242 مليار دينار (208.20 مليون دولار) مقدماً على مدفوعات وزارة التربية والتعليم لاستكمال بناء وتنفيذ 200 مدرسة. ومن غير الواضح  إذا كان المقاولون الأصليون قد أنشأوا أياً من المدارس. 

وافق أعضاء مجلس إدارة بنك الشمال -حيث يسيطر الجاف وأبناؤه وأقاربه على 40 في المئة من الأسهم- بالإجماع على الصفقة.

إقرأوا أيضاً:

انهيار مصرف الشمال

نص الاتفاق الجديد على أن يقوم مصرف الشمال بتمويل شركة الصقور مباشرة بموجب عقد تمويل على أساس “مشاركة” مقابل فائدة سنوية 20 في المئة كل عام بغض النظر عما إذا كان المقاول سيحقق ربحاً أو خسارة. 

لم يسبق لبنك الشمال أن اتبع مبادئ البنوك الإسلامية، بحسب المديرين التنفيذيين.

كان لدى شركة الصقور حساب “دائن ومدين” للتعامل مع الأموال في مصرف الشمال.  وتم تعيين وزارة الإسكان للتحقق من رصيد الحساب لفواتير شركة الصقور مقابل نسب الإنجاز التي تم تحقيقها، ومن ثم الطلب من وزارة التربية دفع أقساط وفقاً لمقدار البناء المنجز. وقامت وزارة التربية والتعليم بإصدار الشيكات باسم الجاف الذي كان يقوم بتجييرها لمصلحة البنك لتدفع في الحساب. 

وقد واجه هذا الاتفاق مشكلات في منتصف عام 2014، عندما أمر رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي حل محل المالكي، بوقف أكثر من 9000 عقد لمشاريع عامة لإعادة تقييمها، بما في ذلك مشروع دولية 2. وسرعان ما توقفت المدفوعات من الوزارة إبان معركة الحكومة مع تنظيم «الدولة الإسلامية» وانخفضت أسعار النفط، المورد الرئيسي للخزينة العراقية.

 لكن OCCRP وجد أن الجاف استمر في سحب الأموال من حساب شركة الصقور في بنك الشمال لسنوات بعد ذلك.

وفي رسالة للبنك المركزي العراقي أرسلها لمصرف الشمال بتاريخ 28/6/ 2021، شدد على أن وزارة التربية أعلمته أنها قامت بسداد نحو 235 مليار دينار من غالبية التزاماتها لشركة الصقور “وعلى رغم ذلك، لم تبادر الشركة اعلاه (الصقور) بسداد المبالغ المترتبة بذمتها والبالغة ما يقارب 145 مليار دينار، ما يتطلب السير بالإجراءات القانونية لتحصيل هذه الديون”.

ولم يستجب البنك المركزي العراقي لطلبات متكررة للتعليق.

وقدر عضو مجلس إدارة مصرف الشمال أن قرار الجاف  بتحويل عقود الدولية (1/ 2) لشركته “الصقور”  كلف البنك 127 مليار دينار بحلول عام 2014.

أدى ذلك إلى تعميق الأزمة في البنك، الذي كان يصارع بالفعل خسارة شركة اتصالات “أسيا سيل” كعميل رئيسي، إضافة إلى الخلل الاقتصادي العام في العراق. في آب/ أغسطس 2015، تظاهر عشرات العملاء الغاضبين لعدم تمكنهم من الوصول إلى ودائعهم، أمام مقر البنك في بغداد، واصفين مديريه التنفيذيين بـ”اللصوص” و”السفلة”.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، تم وقف تداول أسهم بنك الشمال  في سوق العراق للأوراق المالية لفشلها في تقديم الإفصاحات اللازمة. اليوم تقلصت عمليات بنك الشمال وقام الكثير من المودعين برفع قضايا على المصرف، بينما قال الجاف إنه رفع ما بين 60 إلى 70 قضية في المحاكم لتحصيل أموال البنك من مدينين أخذوا قروضاً ولم يدفعوها نتيجة تراجع الوضع الاقتصادي في إقليم كردستان العراق وفي البلاد.  

وأشار مدير في البنك لـOCCRP إلى مصادرة الكثير من فروعه الـ18، بما في ذلك 15 فرعاً كانت ملكاً للبنك، لتسوية جزء من ديون المودعين.

وألقى الكثير من المديرين التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة الذين تحدثوا إلى OCCRP شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، باللائمة على إجراءات الجاف المتلاحقة في تسريع عملية تراجع مكانة البنك الريادية.

وقال أحد أعضاء مجلس الإدارة إن قرار الجاف تحويل عقد المدارس بضمانة مصرف الشمال وضع البنك في موقف محرج للغاية بسبب تعارض المصالح لأنه رئيس مجلس إدارة المصرف ومالك شركة الصقور”. وتابع: “أخذ نوزاد ديون المدارس لحساب البنك وسدد ديونه الأخرى من دون أن يلمس رأسماله أو يدفع فوائد”.

وذهب مساهم آخر إلى أبعد من ذلك، قائلاً إن مصرف الشمال تحول إلى بنك لـ “عشيرة الجاف”  ولم يعد “يمثلنا أو يشبه بقية المساهمين”.

وقال مسؤول ثالث لـOCCRP إن المشروع “ساهم في انهيار البنك مئة في المئة حيث كان البنك ينفق المال على مشروع الصقور من دون أن يدخل البنك فلس عوائد”. وقال إن أسلوب الجاف الفردي في الإدارة أثر سلباً في أداء المصرف.

 الجاف يوزع التهم 

بالتزامن مع سير مصرف الشمال صوب الانهيار، كانت هناك بالفعل تقارير تتحدث عن مشكلات في مشروع بناء المدارس.

عام 2013، أرسلت وزارة التخطيط العراقية فريقاً لتقييم مواقع البناء المئة لمشروع دولية 2 الذي يغطي المحافظات كافة ما عدا إقليم كردستان. زار الفريق 26 مدرسة موزعة على المدن والاقضية والنواحي في محافظات المثنى والانبار وصلاح الدين.

وأفادت نسخة من النتائج المرسلة إلى وزارة التربية “بسوء نوعية الأعمال المنفذة التي تم الاطلاع عليها (الخرسانة المسلحة للأرضيات والسقوف ومحجرات السلالم) كونها تمت باستخدام معدات ابتدائية وبدون سيطرة نوعية حقيقية للعيوب التي تم ملاحظتها في مقاطع الخرسانة لمحجرات السلالم وكذلك أعمال اللحام والتقطيع”. وتابعت ان هناك “تأخراً في تجهيز المواد الأساسية للهياكل ويعزى ذلك إلى ضعف العقد الخاص بالتجهيز بين الوزارة والشركة المنفذة وعدم وجود جدول تقدم عمل بصورة نهائية والمواقع تخلو من أماكن للإدارة والاشراف مع خلوها من مستلزمات التنفيذ”.

كما أشار التقرير إلى “غياب الجهة المنفذة (الشركة المقاولة) أو من يمثلها والاكتفاء بتوزيع الأعمال لمتعهدين بدون إشراف حقيقي على التنفيذ والذين يعملون بصورة ارتجالية”.

وقالت النسخة إن “المشروع أعلاه قد خرج عن أهدافه في سرعة إنجاز الأبنية المدرسية والنوعية الفقيرة للأعمال المكررة ومواصلة المشروع بهذه الطريقة يضيف مخاطر مستقبلية على حياة أبنائنا الطلاب”. 

وبحلول 26 أيلول 2021، لم يكن قد تم استلام أكثر من 93 من مدارس المشروع الـ200، بحسب مسؤول في وزارة التربية مطلع على المشروع، رفض الكشف عن اسمه. وقال إن الكثير من الملاحظات الفنية التي ارفقت مع محضر التسليم لكل مدرسة سيتم التعامل معها خلال فترة الصيانة الممتدة لعام آخر.

ونفى الجاف، الذي اتصلت به OCCRP للتعليق في بداية آب/أغسطس، أن يكون المشروع في حالة يرثى لها. وقال إن شركة الصقور  سلمت 111 مدرسة وأن 17 أخرى ألغيت بسبب سرقات في الموقع في ظل حكم “داعش”.  وقال إنه من بين المدارس الـ72 المتبقية التي سيتم بناؤها، تم بالفعل الانتهاء من بناء أكثر من 93 في المئة من المدارس، وأضاف أن الكثير من العمل قد تم الانتهاء منه في السنة الأولى من دون تعويض. وقال إن التأخير يرجع إلى معركة الحكومة مع تنظيم الدولة الإسلامية ومشكلات الميزانية في البلاد وتداعيات فايروس كورونا التاجي. 

وقال “نحن الشركة الوحيدة التي عملت في المدارس وتحملت السرقات التي كانت موجودة قبلنا من (إئتلاف) صرح الاعمار وداخل وزارة التربية”.

وأضاف: “لسوء الحظ، لم تدفع لي الدولة العراقية أي شيء منذ عام 2014. لا أعرف لماذا يحاربونني”.

وقال الجاف إن أحد المقاولين الأربعة الأصليين وهو المدير المفوض لشركة إيرانية، “أكل 21 مليون دولار عليهم (بقية الشركاء)”. 

ولم  يتسن الاتصال بالشركة الإيرانية للتعليق، إذ تم التواصل معهم عبر رقم الهاتف على موقع الشركة الإلكتروني القديم.

وقال الجاف  إنه يعمل جاهداً لإنقاذ مصرف الشمال وإعادة إطلاقه.  وقدر ديون شركة الصقور للبنك بـ75 مليون دولار، وقال إن هذه الديون  سيتم سدادها من أموال تدين الحكومة بها له مقابل إعفاءات ضريبية، واستعادة غرامات وتأمينات المشروع وأعمال إضافية قررتها اللجنة الاستشارية في وزارة الإسكان، وأسباب أخرى. كما قال إنه يهدف إلى استرداد خسارة بنسبة 25 في المئة تكبدها بسبب انخفاض الدينار العراقي مقابل الدولار بين عامي 2011 و 2021. 

وختم قائلا أنه يتوقع أن تصل شركة الصقور الى “نقطة تعادل وتحقيق بعض الأرباح” قبل نهاية العام.

واعترض صفاء الجابري، مدير التخطيط في وزارة التربية ، على مزاعم الجاف. وقال أن “ادعاءات السيد نوزاد الجاف عارية عن الصحة تماماً”. وقال إن “شركة الصقور قد استلمت جميع مستحقاتها المالية وليس لديها أي مستحقات بالوقت الحاضر”.

وأضاف: “هناك توقيتات زمنية تم تثبيتها في جدول تقدم العمل وهي جزء من بنود العقد وعلى الشركة الالتزام بها وبخلافه سيتم اتخاذ التدابير القانونية في الحفاظ على حقوق الوزارة”.

وفي محافظة المثنى الجنوبية، على الحدود مع الكويت والمملكة العربية السعودية، لا يزال الطلاب ينتظرون 8 مدارس موعودة. وقال طالب شبيب حسن، كبير مهندسي إدارة التربية  في المحافظة، إن مواقع البناء كانت مهجورة وتركت المباني تتدهور.

وأردف: “حتى لو تم استخدام هذه الهياكل لبناء المدارس فقد انتهت فترة صلاحيتها ولم يعد من الممكن استخدامها”، مضيفاً: “ما حدث كارثة”.

شارك في التحقيق : عبدالواحد العوبلي  ولارا دعمس. 

إقرأوا أيضاً:

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.