fbpx

أذربيجان تنقل مشاكل الشرق الأوسط إلى القوقاز

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من الواضح أن الحرب لم تضع حداً للصراع. وهي لم تنجح سوى في إلحاق مشاكل الشرق الأوسط بمنطقة القوقاز المتداعية بالفعل!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

شنّت القوات المسلحة الأذربيجانية في 27 أيلول/سبتمبر من العام الماضي هجوماً واسع النطاق على كامل الجبهة الأمامية لمنطقة الصراع في كاراباخ، وبهذا ربح إلهام علييف رهانه بعد ذلك الهجوم بأربعة وأربعين يوماً -على حساب التضحية بأرواح آلاف المجندين الشباب – بإحراز انتصار عسكري على القوات الأرمينية، مسترجعاً ليس فقط الأراضي الأذربيجانية التي غزاها الجيش الأرمني خلال حرب كاراباخ الأولى (1991-1994) ولكن أيضاً بعض المقاطعات التي يسكنها الأرمن مثل هادروت وبالأخص مدينة شوشي (أو شوشة باللغة الأذرية) ذات القيمة الرمزية. 

لم يتحقق  الانتصار هذا بفضل تفوق الجيش الأذربيجاني وقدراته التسليحية وأفضليته التكنولوجية التي منحتها له الطائرات بدون طيار “درون” بالإضافة إلى الصواريخ التي اشترتها أذربيجان من إسرائيل وتركيا فقط، لكن أيضاً بفضل مشاركة الجيش التركي إلى جانب آذربيجان واستعانتها بالمرتزقة السوريين في ميادين المعارك بالإضافة إلى استيرادها مئات الأطنان من المعدات العسكرية المتطورة من إسرائيل خلال حربها ضد أرمينيا المعزولة دولياً. 

وعلى الرغم من كل ما سبق، كان القول الفصل لروسيا بعد ساعات قليلة من تحرك قواتها العسكرية من قواعدها في أرمينيا متجهة إلى منطقة الصراع في كاراباخ، وما إن أسقطت الصواريخ الأذرية مروحية روسية حتى أُعلن اتفاق التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

أما الآن وبعد عام من بداية الحرب، وقرابة الأحد عشر شهراً من نهايتها، فقد اختلف مشهد الصراع اختلافاً جذرياً وتغيّرت موازين القوى. ومع أن الحرب لم تضع نهاية للصراع، إلّا أنها حولّته تماماً.

غيّرت القيادة الأرمنية خطابها تغييراً جذرياً. إدارة باشينيان التي تبنّت قبل الحرب لهجة طنانة قائمة على المواجهة رافعة شعارات على شاكلة “أرتساخ أرمنية ولا بديل لذلك” (أرتساخ هو الاسم الأرمني لكاراباخ) بهدف مجابهة التصريحات الأذربيجانية العدوانية بتصريحات أرمنية تحمل القدر نفسه من العدوانية. وبدلاً من أن تخلق تلك السياسة توازناً بين طرفي الصراع فقد كشفت ببساطة حقيقة وصول المفاوضات التي استمرت 26 عاماً إلى طريق مسدود. 

ولم يفاجأ فريق باشينيان كثيرين بنجاته من الهزيمة فحسب بل أيضاً بفوزه في انتخابات مبكرة بعد ذلك. وعلى الرغم من أن تلك الانتخابات نجحت في تخفيف حدة التوتر الداخلي إلى حد ما إلا أنها لم تُنهِ الأزمة التي تمر بها البلاد ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى فشل السلطات الأرمنية في توضيح سبب نشوب الحرب للرأي العام وسبب وقوف أرمينيا وحيدة وصولاً إلى هزيمتها، بالإضافة إلى السبب وراء تغيير لهجة خطابها من تحدي أذربيجان للنداء بالسلام مع كلاً من أذربيجان وتركيا.

في الوقت الذي غيّرت فيه السلطات الأرمنية موقفها الرسمي تغييراً جذرياً، ظل موقف نظيرتها الأذربيجانية ثابتاً، فقد واجه إلهام علييف صعوبة بالغة قبل الحرب في الوصول إلى حل عبر المفاوضات لصراع كاراباخ، نظراً لافتقاره إلى رصيد من المهارات السياسية التي تؤهله لإقناع أنصاره بمثل تلك التسوية. فحرب كاراباخ الأولى لم تكن سبباً في سقوط رئيسيّ أذربيجان السابقَين (أياز مطلبوف وأبو الفضل إلجي بيك) فحسب، بل إن حيدر علييف (والد إلهام)، واسع النفوذ، قد حاول أيضاً التفاوض مع يريفان وقوبل بمعارضة شرسة من أعوانه المقربين بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى اتفاق. 

لذا لا شك أن اقتراح أي حلّ تفاوضي للصراع هو أخطر خطوة يمكن أن يتخذها أي حاكم في باكو، ولهذا استنتج إلهام علييف عندما خلف والده في الحكم في 2003 أن أيّ محاولة للتسوية ستظهره في مظهر الضعيف وتُعّرض نظامه إلى زعزعة داخلية، واختار بدلاً من ذلك ان يسلك المسلك المتشدد منفقاً مليارات من أموال النفط على الجهود العسكرية مصعداً تهديداته اللفظية ومُصلباً موقفه التفاوضي. 

بالإضافة إلى ذلك، جمع الهام عليف بين موقفه المتشدد بخصوص الصراعات العرقية – الإقليمية وتقوية سياسته الداخلية، فلم يضيق الخناق على المعارضة الأذربيجانية فحسب، بل على المنظمات المستقلة في مجاليّ الإعلام وحقوق الإنسان.

في أعقاب حرب 2020، اكتسب إلهام علييف لأول مرة منذ وصوله إلى السلطة شرعية سياسية وشعبية واسعة لم يتمتع بها أيّ رئيس آذربيجاني آخر قبله. وقد أعطاه النصر إمكانية الاختيار بين الاستمرار في الصراع وحتى تصعيده، أو أن يكون بعيد النظر ويحاول طيّ صفحة العداء ساعياً من أجل السلام. ومع ذلك، اختار إلهام علييف مواصلة الصراع. وأرسلت أذربيجان قواتها إلى مناطق حدودية مع أرمينيا، حيث أطلق الجنود المتمركزون في الجبال العالية أو حتى في سهل أرارات النار على بعضهم البعض. وتواصل أذربيجان الاحتفاظ بأسرى الحرب الأرمن، وتصف البلدات والمدن الأرمنية بالأراضي الآذرية “التاريخية”. وعلى المستوى السياسي، أعلن علييف أن نزاع كاراباخ قد انتهى، وأنه لا يوجد شيء يمكن طرحه للمناقشة بشأن الوضع المستقبلي لكاراباخ. وهذا يعني أن مجموعة “مينسك” التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والتي كلّفها المجتمع الدولي بالتوسّط في هذا الصراع، قد عفا عليها الزمن من وجهة نظر باكو.

إن خيارات إلهام علييف السياسية ليست مجرد خطوات محسوبة لفرض تنازلات في يريفان، أو للحفاظ على شعبيته في الداخل في فترة ما بعد الحرب لمدة أطول. بل لها أبعاد أيديولوجية وحتى نفسية، وإلّا كيف يمكن تفسير هدم الكنائس والمقابر الأرمنية في كاراباخ، أو بناء “حديقة تروفي” الفاشية العاصمة باكو لعرض تماثيل الجنود الأرمن القتلى أو المحتضرين؟

تمخّض عن المواقف القتالية الأذربيجانية توترات ومشاكل جديدة. ولا يزال المشاركون الثلاثة في رئاسة مجموعة “مينسك” التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا- يرون أن الصراع لم ينته بعد، وأن وضع كاراباخ لا يزال يتعيّن حسمّه، وأن تفويضهم كوسطاء لم ينته بعد. بعبارة أخرى، هم ليسوا سعداء بمواقف علييف بعد الحرب.

والدولة الأخرى غير الراضية عن سياسات أذربيجان هي إيران. فبعد أن أغلقت أذربيجان الطريق السريع الرئيسي الذي يربط إيران بالعاصمة الأرمينية واعتقلت العديد من سائقي الشاحنات، شنّت إيران مناورات عسكرية ضخمة في مناطقها الحدودية مع أذربيجان وأطلقت على هذه المناورات اسم “غزاة خيبر”. ومع ذلك، لا يشير هذا الاسم إلى معركة “خيبر” فحسب- عندما حارب المسلمون الأوائل في عام 628 قبائل يهودية في شبه الجزيرة العربية- بل إن هناك دلائل على أن إيران غاضبة من الوجود العسكري الإسرائيلي داخل أذربيجان.

تماماً مثلما اضطرّت أرمينيا إلى الاعتماد على نحو متزايد على روسيا في أعقاب حرب عام 2020، خضعت أذربيجان خلال الحرب وفي أعقابها لنفوذ عسكري تركي متصاعد. وتتواتر الأنشطة العسكرية التركية والمناورات الحربية. فماذا سيحدث لأذربيجان وكذلك كاراباخ وأرمينيا إذا تدهورت العلاقات الروسية التركية وتحوّلت القوقاز إلى ساحة صراع بينهما؟

من الواضح أن الحرب لم تضع حداً لهذا الصراع. وهي لم تنجح سوى في إلحاق مشاكل الشرق الأوسط بمنطقة القوقاز المتداعية بالفعل!

إقرأوا أيضاً: