fbpx

الحكومة التونسية الجديدة:
هل تنجح النساء؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حكومة بودن لاقت ترحيباً كبيراً في الأوساط السياسية في تونس التي استبشرت باحتوائها الكثير من الكفاءات، باستثناء “حركة النهضة” التي اعتبرتها “حكومة الانقلاب”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أخيراً تم الإعلان عن الحكومة في تونس بعد أكثر من شهرين في عهد الإجراءات الاستثنائية التي فرضها الرئيس قيس سعيد منذ 25 تموز/ يوليو 2020. كما هو متوقع، جاءت حكومة تكنوقراط من خارج الأحزاب، ولكنها حملت أسماء نسائية كثيرة في سابقة تاريخية. إلا أنه لم يتم تحديد أي سقف زمني لمدة عملها. فهل ستنجح في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة وفي ظل وضع سياسي منقسم؟

حكومة طال انتظارها حتى اعتقد كثر من التونسيين أنها لن تأتي بعدما كانوا استبشروا بتعيين السيدة نجلاء بودن، رئيسة الحكومة يوم 29 أيلول/ سبتمبر، معتقدين أن الإعلان عن تركيبتها كان سيأتي في الأيام أو الساعات القليلة التي تلت التعيين، كما صرح رئيس الجمهورية أكثر من مرة. انتظار زاد من حالة الاحتقان في تونس والتشكيك في نيات الرئيس، الذي استفرد بكل السلطات منذ 25 تموز وعزز ذلك في 22 أيلول من خلال المرسوم الرئاسي 117. فكانت النتيجة تظاهرات أسبوعية في شارع الحبيب بورقيبة، مناهضة لقرارات الرئيس ومطالبة إياه بتوضيح رؤيته المستقبلية  ومشروعه للبلاد التي تعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة. آخرها تظاهرة حاشدة يوم الأحد 10 تشرين الأول/ أكتوبر ضمت الآلاف من المناوئين لسعيّد، أغلبهم من مناصري “حزب النهضة الإسلامي”، إضافة إلى ممثلين عن أحزاب اخرى  تعلن عن نفسها بأنها “ضد الإنقلاب”. شهدت هذه التظاهرة اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن وتم فيها الاعتداء بالعنف على الكثير من الصحافيين وطعن فيها أحد أفراد الشرطة، وكان يمكن أن تتحول إلى صراع دامي. ساهمت التظاهرة الأخيرة في زيادة الضغط على رئيس الدولة عاكسة غليان الشارع، لتدفعه للكشف في اليوم الموالي، عن التركيبة المرتقبة للحكومة.

حكومة غير متحزبة

على شاكلة رئيستها، جاءت حكومة بودن من دون أي تجربة سياسية أو حزبية، استجابة لرغبة الرئيس سعيّد الذي يعتبر أن كل حزبي أو شخص ينتمي لعالم السياسة هو بالضرورة فاسد وبالتالي، لا بد من اختيار وزراء وكتاب دولة “لا تشوبهم شائبة”. هذا ما يفسر أنه لم تكن للتونسيين خلفية عنهم أو معرفة سابقة بهم، فكلهم تقريباً إما أساتذة جامعيون أو مديرون عامون في مؤسسات عمومية أو شركات خاصة. وبذلك يعتقد قيس سعيد الذي احتكر بموجب المرسوم 117 الحق في تعيينهم وعزلهم، أنه أنقذهم من براثن شبكات الفساد والنفوذ. ولكن لا شيء يضمن أنهم سيبقون كذلك، هذا على اعتبار انهم حقا لا ينتمون إلى أي جهة سياسية، هذا ما سنكتشفه في قادم الأيام. فهشام المشيشي، رئيس الحكومة السابق المعزول، كانت تتوفر فيه صفات وزراء حكومة بودن نفسها، أي أنه لم يُعرف له أي انتماء سياسي قبل تعيينه على رأس الحكومة، بل اقتصرت مسيرته المهنية على التنقل بين الوظائف الإدارية في الدولة. ولكن بعد تعيينه من قبل قيس سعيد في صيف 2020، سرعان ما التفت حوله القوى السياسية الحاكمة والنافذة وأهمها “حزب النهضة” وائتلافها الحاكم المكون من “حزب قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة”، ليصبح الرجل عصا طيعة في يدها وينقلب على من قام بتعيينه وينخرط في سياسات زادت من إضعاف الدولة وتعقيد أزماتها. بالتالي، فإن انعدام التجربة السياسية والحزبية عند الوزراء لا يعني بالضرورة الكفاءة في إدارة شؤون الدولة أو التعفّف الأبدي عن أي شكل من أشكال الفساد.

إقرأوا أيضاً:

حضور نسائي غير مسبوق

جاءت هذه الحكومة أيضاً بأسماء نسائية عدة: 8 وزيرات وكاتبة دولة إضافة إلى رئيسة الحكومة. أي في المُحصّلة هناك 10 نساء يتقلدن حقائب وزارية على مجموع 25 وزيراً، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ تونس ويُحسب للرئيس قيس سعيد، حتى وإن كان وعد بأن تكون الحكومة مناصفة. وإذا ما أمعنا النظر في الحقائب الوزارية التي تم إسنادها للنساء، فهي حقائب مهمة مثل العدل والمالية والبيئة والتجارة والتجهيز والثقافة. ونستشف من ذلك أن هناك مراهنة من رئيس الجمهورية على العنصر النسائي الذي يعتبره الأكثر قدرة على مقاومة إغراءات شبكات الفساد وعدم الانخراط فيها، على رغم أنه لا يؤمن بالمساواة بين الجنسين، بخاصة المساواة في الإرث، كما صرح في مناسبات عدة، وله انتقادات حادة لمجلة “الأحوال الشخصية” والحقوق التي أعطتها للمرأة التونسية. وفي رد على منتقديه على هذا التعيين الذي اعتبره كثيرون استغلالاً لصورة المرأة التونسية لدعم مشروعه الرئاسي، صرّح سعيّد بأن “المرأة في تونس ليست مسحوقاً لتجميل المؤسسات”.

أما في ما يتعلق بالبرنامج الحكومي الذي أعلنته رئيسة الحكومة نجلاء بودن أثناء موكب تأدية اليمين للوزراء، فقد جاء عاماً ومن دون إجراءات عملية واضحة، فالحديث عن “مقاومة الفساد” أو عن “إرجاع الثقة للمواطن التونسي في الدولة” هي عناوين فضفاضة، بخاصة إذا لم تُتبع بالإعلان عن إجراءات ملموسة ومحددة. والأهم من كل ذلك، لم يكن هناك أي تقييد زمني لعمل الحكومة فنحن لا نعلم إن كانت ستشتغل لمدة قصيرة حتى الإعلان عن انتخابات مبكرة أم أنها ستواصل عملها إلى حدود 2024 موعد الانتخابات المقبلة، تماماً كما لا نعلم إلى أي حد ستتواصل الإجراءات الاستثنائية. 

وبما أننا ما زلنا في ظل هذه الإجراءات والمرسوم الرئاسي 117، فهذه الحكومة وللمرة الأولى منذ 2011 لن تنال ثقة البرلمان بما أنه مُعطّل. وبالتالي، فهي مسؤولة فقط أمام رئيس الدولة الذي له الحق في تعيين وزرائها وعزلهم وهم مسؤولون فقط أمامه. وبذلك انتهى مسلسل التحالفات السياسية والحزبية الذي كان يُصاحب دائماً منح الثقة لأي حكومة في البرلمان.

سابقة أخرى تحققت مع حكومة نجلاء بودن هي أنها للمرة الأولى منذ الثورة التونسية، جاءت خالية من أي عنصر قريب من “حركة النهضة الإسلامية” (أو منتمٍ إليها) التي كانت موجودة أو ممثلة داخل الحكومات السابقة ولو بوزير واحد على الأقل. وبذلك يعتقد قيس سعيد أنه ربح معركته بوضع النهضة خارج دوائر القرار السياسي والسلطة في تونس.

تحديات كبيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي

حكومة بودن لاقت ترحيباً كبيراً في الأوساط السياسية في تونس التي استبشرت باحتوائها الكثير من الكفاءات، باستثناء “حركة النهضة” التي اعتبرتها “حكومة الانقلاب”. رحبت بها أيضاً المنظمتان العريقتان، منظمة الأعراف والمنظمة الشغيلة وأبدتا استعدادهما للتعاون معها، أمام الأوضاع المستعجلة التي تعيشها تونس على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.

بقي السؤال اليوم حول قدرة هذه الحكومة على رفع التحديات الكبيرة التي ستواجهها وأولها إيجاد  الموارد اللازمة لإكمال العجز في الميزانية لآخر السنة والمقدر بـ2.4 مليون يورو. ومعلوم أن مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي قد تعثرت في المدة الأخيرة نتيجة الوضع السياسي غير المستقر، ليصبح من الصعب جداً على تونس الحصول على قروض خارجية سواء من هذه المؤسسة أو حتى من الأسواق العالمية، بخاصة أمام تردي تصنيفها الائتماني من وكالات التصنيف العالمية مثل “موديز” و”فيتش”، كما أن الدولة لا تملك السيولة اللازمة على المستوى الداخلي لتغطية نفقاتها.

حكومة بودن ستجد نفسها أيضاً في مواجهة المطالب الاجتماعية التي لا تزال تحتد خلال السنوات الأخيرة والتي سترتفع أكثر الآن أمام الآمال الكبيرة التي تضعها الفئات الضعيفة والمتوسطة من الشعب في ظل سياسة قيس سعيد الذي وعدها بحلول سحرية لجميع مشكلاتها. وسيكون عليها رفع تحديات الإصلاحات الهيكلية على مستوى المنظومة الاقتصادية والاجتماعية.

لكن التحدي الأكبر أمامها في رأينا، هو كيفية العمل في مناخ سياسي غير مستقر وفي ظل برلمان معطل وانقسام سياسي في الشارع، عكسته التظاهرات الأسبوعية التي تهدد بالتحول إلى تصادم عنيف بين فئات معارضة لقيس سعيد وفئات مساندة له، وهو ما لا ينفك يدلي بخطابات تؤجج هذه الخلافات وتُعزّز الانقسام والفرقة في إطار حربه على الإسلاميين.

إقرأوا أيضاً: