fbpx

“ماما رح نموت؟”… الخميس الأسود كما عاشه أهالي عين الرمانة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“حالة الاحتقان التي وصل إليها الأهالي، جعلت المعركة قريبة، وكأن الجميع كان مستعداً للقتال، نتيجة وصاية السلاح وتحكّمه بمصائر المواطنين”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تبدو شوارع عين الرمانة هادئة، وهو هدوء يشبه الحزن الطفيف الذي يأتي بعد معركة عنيفة. الحركة خفيفة، الناس مترقبون. الجيش منتشر وكذلك الأجهزة الأمنية لا سيما على مداخل أسواق عين الرمانة والطيونة والجوار. إنه يوم حداد على ضحايا السلاح المتفلّت، ضحايا مقتلة 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أو “الخميس الأسود” كما سمّاه البعض، ما يحيل إلى أيام سود كثيرة عاشتها الجمهورية اللبنانية، إذا ما أردنا توزيعها على أيام الأسبوع لامتلأت الروزنامة.

“طفلتي كانت في المدرسة، لا أعرف كيف أصف لك شعوري، هي في مدرسة الفرير حيث وقع الاشتباك الأول، وأنا أحاول الوصول إليها، فيما كان القنص ينزل على رؤوسنا كالشتاء. طفلتي عمرها ست سنوات، حين استطعت الوصول إليها، عانقتها بقوّة، سألتني: (ماما رح نموت؟)، لم أجد ما أقوله، دموعي كانت الجواب الوحيد الذي ملكته”. هكذا تروي ريتا لـ”درج” ما عاشته يوم غزوة “حزب الله” على عين الرمانة والطيونة، وهي غزوة قوبلت بدفاع الأهالي عن أنفسهم، كما يؤكد عدد ممن التقينا بهم. “ما من قرار حزبي من القوات اللبنانية في القتال، لكن بطبيعة الحال الطريقة التي دخل بها مناصرو حزب الله وحركة أمل إلى المنطقة، استدعت أن يدافع البعض عن حياتهم”، يوضح مسؤول منطقة الشياح في “القوات اللبنانية” الياس نخلة لـ”درج”.

“التظاهرة السلمية” التي دعا إليها “حزب الله” و”حركة أمل” كان يفترض أن تسير من منطقة الشياح مروراً بشارع سامي الصلح، إلى الطيونة باتجاه العدلية، وكان يريد الثنائي من خلالها تسجيل اعتراضه على التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت والمطالبة بكف يد المحقق العدلي القاضي طارق بيطار.

لكن التظاهرة السلمية، امتدت إلى أحياء في فرن الشباك وعين الرمانة، مع هتافات “سمير جعجع صهيوني” و”شيعة شيعة شيعة” و”بالروح بالدم نفديك يا نبيه”، إلى هتافات أخرى تندد ببيطار وتشتمه.

في شارع سامي الصالح، بين مفرق مدرسة الفرير وسيدة لورد وقع الاشتباك الأول بالحجارة والأيدي والشتائم، وسرعان ما تحول إلى اشتباك بالنيران، نقل على إثره عدد من الجرحى إلى مستشفيات المنطقة.

 “في هذه المنطقة يعيش أهالٍ فقدوا أبناءهم في انفجار مرفأ بيروت، وقد أتى هؤلاء للمطالبة بعدم محاسبة من قتل أحباءهم. ماذا كان مناصرو الثنائي ينتظرون حين يمرون في الأحياء مع هتافات مستفزة وحين يرمون الناس بالحجارة ويهددونهم؟ أن نقول لهم شكراً؟”، يقول سامي الخوري وهو من سكان بدارو، وقد اضطر إلى أخذ عائلته إلى البقاع هرباً من القنص والعنف. “أنا ما بنتمي لأي حزب، بس تخيلي حدا يجي لعندك ويحاول الاعتداء عليكِ، شو بتعملي؟”، يسأل سامي.

وفق رواية الثنائي، قام “حزب القوات اللبنانية” بنصب كمين للمتظاهرين، وهو ما نفته القوات اللبنانية وكذلك فعل مسؤول منطقة الشياح في حديثه إلينا، مشيراً إلى أن “مناصري حزب الله وأمل بدأوا بالاعتداء وقد وقع جرحى في بداية الحوادث من أهالي المنطقة، ما يؤكد أن هناك اعتداء عليهم، نافياً وجود قناصين تابعين للحزب”.

تخلل الإشكال الأول تكسير بعض المحال التجارية والسيارات والتراشق بالحجارة، قبل أن يتطور الأمر إلى ساحة حرب تخللتها قذائف صاروخية وأسلحة متوسطة متل “بي 7” و”آر بي جي”، فاضطر كثيرون إلى النزوح من المنطقة، إضافة إلى سقوط عشرات الجرحى وسبعة قتلى بينهم الضحية مريم فرحات التي قتلت قنصاً على شرفة منزلها في الطيونة، أما الباقون فهم من صفوف “حزب الله” و”حركة أمل”.

سقوط الضحايا وهم في غالبهم من طرف الثنائي أمل وحزب الله استخدم ذريعة للقول أنهم أولياء دم الضحايا لكن كيف لنا أن نصل الى حقيقة من هم القناصة في وقت يمنع التحقيق في جريمة أكبر مثل جريمة المرفأ.

بعض من تواصلنا معهم، روى أن “مسلحي الثنائي كانوا يطلقون النار بشكل عشوائي، وقد شوهد ذلك في الفيديوات المنتشرة، التي تؤكد العبثية والأخطاء الواضحة في تصويت السلاح، وبالتالي لا يمكن استبعاد فكرة أنهم قتلوا ناساً تابعين لهم أو أشخاصاً كانوا معهم في التظاهرة المفترضة”. لكن الفرضية تبقى غير مقنعة بما يكفي ولا تستبعد فكرة وجود طرف آخر، رد على نيران الثنائي، قد يكون بعض مناصري حزب “القوات اللبنانية”، الذي وجّه إليه “حزب الله” الغاضب أصابع الاتهام. وقد بدا فتى الحزب، الإعلامي علي حجازي غاضباً جداً عشية المقتلة، وقد احمرّ وجهه كثيراً وهو يحاول في مقابلة تلفزيونية إثبات أن حزبه هو الجهة المقتولة التي وقعت ضحية مؤامرة، قبل أن يؤكد أنّ القاضي بيطار “رح ينشال”، بنبرة التهديد والتأكيد.

وإذ لا يمكن ألا يتوقف المرء عند ما قاله حجازي، فإن الرجل طالب بلسان حزبه بأن يراعي التحقيق الإنصاف بين الطوائف والجهات السياسية، معتبراً أن استدعاء مسؤولين من جهته السياسية حصراً إلى التحقيق، يدين القاضي، على اعتبار أن في ذلك استنسابية وارتياباً. وبطريقة أخرى، يريد الرجل تطبيق منطق 6 و6 مكرر حتى على أكبر جريمة في التاريخ الحديث! وعاد إلى تأكيد أن المقاومة أهم من كل شيء وأهم من التحقيق…

إقرأوا أيضاً:

ليست المعركة الأولى…

هي ليست الغزوة الأولى، وليست المعركة الأولى في تلك المنطقة وسواها، بين “حزب الله” والناس الذين يريدون العيش خارج عباءته على اختلاف توجهاتهم، من مجموعات في 17 تشرين إلى معارضيه من الجهات السياسية المختلفة، وغالباً ما يسير الاختلاف مع “حزب الله” إلى معركة أو إلى حائط مسدود، تماماً كما حصل في تظاهرات وسط بيروت و”الرينغ”، حين نزل مناصرو الثنائي الشيعي لتكسير الخيم وتفريق المحتجين، وتماماً كمشهد 7 أيار/ مايو 2008، حين تم تدمير بيروت من أجل شهود الزور.

ربما تكون المفارقة، أن مقتلة 14 تشرين الأول مني خلالها الحزب بهزيمة مدوّية سياسياً وشعبياً، وهو غير قادر على وضعها في خانة أيامه المجيدة، كما 7 أيار وسواه.

يشير شهود إلى أن “حالة الاحتقان التي وصل إليها الأهالي، جعلت المعركة قريبة، وكأن الجميع كان مستعداً للقتال، نتيجة وصاية السلاح وتحكّمه بمصائر المواطنين لا سيما في قضية مرفأ بيروت التي لها بعد أخلاقي أولاً، ولا يمكن التعامل معها كأي معركة سياسية يريد الحزب وحلفاؤه كسبها”.

مرة جديدة إذاً يستخدم “حزب الله” سلاحه في الدخل، بعكس ما يدّعي حين يؤكد أن سلاحه موجّه حصراً لمحاربة إسرائيل و”داعش”. وهذه المرة السلاح يقف في وجه التحقيق في قضية مرفأ بيروت، بحجة أن القاضي مسيّس، وفق أمين عام الحزب حسن نصر الله، الذي كان حضّرنا في خطابه الأخير إلى أننا مقبلون على كارثة في حال بقاء بيطار.  

انفجار الشارع، كان سبقه انفجار في حكومة نجيب ميقاتي، التي شهدت في 12 تشرين الأول/ أكتوبر معركة عنيفة، حول تنحية بيطار وهو مطلب “حزب الله” و”تيار المردة” و”حركة أمل” بشكل أساسي. أما العونيون فيقفون موقف الإحراج بين  الرغبة الشعبية في معاقبة المسؤولين عن الجريمة والرغبة في الانتقام من “حركة أمل”، وبين رغبة الحليف في إقفال القضية، مرة واحدة وإلى الأبد، تماماً كما أُغلقت ملفات كثيرة في التاريخ اللبناني بهذه الطريقة المشينة والغامضة والوقحة.

“الحزب أو الحرب، الأسد أو نحرق البلد” هذا هو المنطق المفروض على الدولة واللبنانيين وتحديداً أهالي ضحايا مرفأ بيروت، الذين ما زالوا بانتظار معرفة من قتل أبناءهم.

ووسط هذا الاحتقان كله، عاش أطفال عين الرمانة والأحياء المتاخمة يوماً لا يُنسى و”تروما” لا يسهل تخطيها. الأهالي الذين تواصلنا معهم، كانوا بالفعل عاجزين عن التصريح، فمشاهد الحرب عادت إليهم في ثانية واحدة، تركوا منازلهم، احتُجزوا في الحمامات، في المدارس، خوفاً من قناص لا يرحم ولا يأبه، في ظل دولة تعايشت مع السلاح غير الشرعي حتى بات حصانتها للاستمرار في نهج الفوضى واللاقانون.

إقرأوا أيضاً: