fbpx

تركيا تستغل الانشغال بأفغانستان
لمهاجمة القوات الكردية في سوريا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لا أدري ماذا يريد أردوغان منا؛ لقد فقدنا منزلنا ومدينتنا، ونعيش في ظروف صعبة للغاية. نريد العودة إلى مدينتنا، ونريد الأمان، فقدنا ما يكفي من الشباب والفتيات”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تكن زينب سري كانيه جنديةً محنّكة. انضمت الفتاة البالغة من العمر 26 سنة إلى “وحدات حماية المرأة”، أو ما تُعرف اختصاراً بـYPJ، التي يقودها الأكراد، والمؤلَّفة كلها من النساء، قبل أشهر. ومذ مُنيَ تنظيم “الدولة الإسلامية” بهزيمة ساحقة في سوريا عام 2019، توقف القتال اليومي، لذا كانت سري كانيه تمضي معظم وقتها في قاعدتها في تل تمر في شمال شرقي سوريا، إما في إعداد الشاي للمقاتلات الأخريات أو في قراءة طالعهن من بقايا فنجان القهوة. لكن في الليل، كانت إحدى النساء تظل مستيقظة دائماً ليتسنى لها سماع طنين الطائرات المسيَّرة في السماء التابعة لخصمهن الرئيسي، تركيا.

وعندما أجريت مقابلة مع سري كانيه من أجل إعداد مقال عن “وحدات حماية المرأة”، نُشر في صحيفة الغارديان في تمّوز/ يوليو، قالت إنها فتاة “مسترجِلة”، وإنها نشأت مع أربعة أشقاء. وقالت إنها لم تخطط أبداً للانضمام إلى ميليشيا، لكن العيش في بلد يعاني من صراع متنامٍ ومن تزايد تهديدات الاحتلال التركي جعل ذلك ضرورياً.

وأضافت سري كانيه: “من الصعب للغاية أن ترى بلادك يحتلها شخص غريب”. وكانت ترتدي الزي الخاص بالوحدة وتحب حمل الكلاشنيكوف متدلياً على كتفها. وسارت وهي تعرج من إصابة تعرضت لها أثناء التدريب. لكن أسلوبها الجاد، والأبله في أحيان كثيرة، لم يكن يوحي بأي صلابة لديها. وذلك لأنها لم تشارك في معركة قط.

في 1 أيلول/ سبتمبر، قُتلت سري كانيه إثر غارة تركية شنّتها طائرة مسيَّرة أثناء إعدادها الشاي في تل تمر. وكانت الغارة جزءاً من موجة الهجمات التركية الأخيرة التي شُنّت ضد القوات الكردية، وقتلت ما يزيد عن عشرة مدنيين في العراق وسوريا، إضافة إلى أعضاء بارزين من الميليشيات- بمن فيهم قائدة سري كانيه، سوسن بِرهات، التي حضرت سري كانيه جنازتها قبل أسبوع من مقتلها هي الأخرى.

انتهى المطاف بسري كانيه في “وحدات حماية المرأة” بسبب انسحاب القوات الأميركية من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2019، قصفت تركيا مسقط رأسها في رأس العين، بعد أيام من انسحاب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا. ثم انتقلت هي وعائلتها إلى تل تمر، حيث انضمت إلى “وحدات حماية المرأة” في كانون الأول/ ديسمبر 2020. وقد قُتلت بعد يومين من سحب الولايات المتحدة آخر قواتها من أفغانستان.

يقول المحللون إن الهجمات الأخيرة تمثل تصعيداً كبيراً من جانب تركيا، وإن وقوعها كان غير مستبعد جزئياً بسبب الأزمة الراهنة القائمة في أفغانستان. وقالت إيمي أوستن هولمز، الزميلة في “مركز ويلسون” والمهتمة بدراسة شؤون المنطقة: “لدى تركيا طموح لتوسيع سيطرتها الإقليمية على سوريا لسنوات من الآن”. وأضافت أن “هذا التصعيد الأخير مهم للغاية. فتركيا تفعل ذلك فيما ينشغل العالم بما يحدث في أفغانستان”.

وعلى نحو مماثل، قال سونر كاغابتاي، وهو زميل رفيع المستوى في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في أواخر آب/ أغسطس لشبكة “رووداو” الإعلامية: “طالما أفغانستان في اللعبة، أعتقد أن تركيا تتمتع بقدر كبير من النفوذ في هذه اللحظة”، لأن تركيا كانت تساعد على تأمين مطار كابول حيث عملت الولايات المتحدة على إجلاء الأفغان.

لم ترد السفارة التركية في واشنطن على طلب للتعليق.

وتقصف تركيا الأكراد لأنها تنظر إلى “وحدات حماية الشعب” على أنها امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني”، الذي يُعرف اختصاراً بـPKK، ويتخذ من تركيا مقراً له، وهو جماعة متمردة كانت تركيا في صراع معها منذ نحو أربعة عقود. ولطالما ناضل الأكراد، وهم مجموعة عرقية بلا دولة، من أجل الحكم الذاتي.

تعتبر كل من تركيا والولايات المتحدة “حزبَ العمال الكردستاني” جماعةً إرهابية، لكن الولايات المتحدة كانت في شراكة مع القوات الكردية في سوريا منذ سنوات. وتقول تركيا أيضاً إن “وحدات حماية المرأة” تختطف الأطفال ليخدموا في ميليشياتها، وهو ما تنفيه “وحدات حماية المرأة”. فيما وجد تقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2021 أن حوالى 100 فتاة خدمن في صفوف “وحدات حماية المرأة” التي يُقدَّر عددها بالآلاف.

وتشن تركيا منذ سنوات هجمات متفرقة على القوات الكردية في شمال شرقي سوريا. وعام 2017، وُصفت الضربات على المقاتلين الأكراد هناك بأنها محاولة لاجتثاث جذور “بؤر الإرهاب” التي قد ترسل أسلحة إلى “حزب العمال الكردستاني”، لاستخدامها في هجمات داخل تركيا. (وأدانت الولايات المتحدة الضربات).

وفي تشرين الأول 2019، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستسحب قواتها من شمال شرقي سوريا، وهي خطوة وصفها كثيرون بأنها خيانة واضحة للأكراد. وسرعان ما تبع ذلك هجوم بري للقوات التركية على البلدات الحدودية. ومن بين تلك البلدات مدينة رأس العين، مسقط رأس سري كانيه. وأطلقت تركيا على الهجوم اسم “عملية نبع السلام”.

أشارت الأمم المتحدة إلى أن عملية نبع السلام أدت إلى نزوح آلاف الأشخاص وتفاقُم الأزمات الإنسانية في المنطقة. ونشرت “منظمة العفو الدولية”، العاملة في مجال حقوق الإنسان، تقريراً عن أن الجيش التركي والجماعات التي تدعمها تركيا قد أظهروا، خلال الهجوم الذي استمر أسبوعاً، “لا مبالاة مشينة بحياة المدنيين، فارتكبوا انتهاكات خطيرة وجرائم حرب”.

إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصرّ على أن العملية انطلقت “لمنع إنشاء ممر إرهابي عبر حدودنا الجنوبية، ولإحلال السلام في المنطقة”؛ وظل هذا مبرّرَ الهجمات، بما في ذلك الضربات الجوية في الشهر الماضي.

لكن البحث الذي أجرته هولمز من مركز ويلسون يفنّد هذا التبرير الذي قدمه أردوغان؛ ففي تقرير صدر في أيار/ مايو، عاينت هولمز أكثر من 3500 حادثة اقتتال في شمال شرقي سوريا من كانون الثاني/ يناير 2017 إلى آب/ أغسطس 2020. ووجدت هولمز أن تركيا أو الميليشيات التي تدعمها هاجمت القوات الكردية أو المدنيين 3319 مرة. وخلال الفترة نفسها، شنت “وحدات حماية المرأة” والقوات الكردية الأخرى 22 هجوماً عبر الحدود، ولكن هولمز لم تستطع التحقق بشكل مستقل سوى من 12 هجوماً منها، وأشارت إلى أن “الـ12 هجوماً حدثت حدثت بعدما بدأت تركيا عمليات التدخل والاقتحام في تشرين الأول 2019؛ ولذلك يمكننا اعتبارها دفاعاً عن النفس”.

وأضافت هولمز: “بعبارة أوضح، فإن التدخل التركي (في شمال شرقي سوريا) قد قام على كذبة”.

إقرأوا أيضاً:

(وبالعودة إلى تركيا؛ لا يزال العنف قائماً بين قوات أمن الدولة وحزب العمال الكردستاني. ووفقاً لإحصاء أجرته مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة غير ربحية، فاق عددُ القتلى من صفوف مقاتلي حزب العمال الكردستاني، من كانون الثاني إلى تموز، عددَ قتلى أعضاء أمن الدولة بنسبة تتجاوز أربعة إلى واحد).

وحذرت هولمز أيضاً في تقريرها من أن الصراع بين تركيا والقوات الكردية كان في ما مضى محصوراً في جنوب شرقي تركيا وجبال قنديل في العراق، أما الآن “فإن تداعياته طاولت المدنيين من شتى المجموعات العرقية والدينية، عبر مساحة كبيرة في شمال سوريا”.

وخلال الفترة الأخيرة، استهدفت الهجمات التركية الجوية منطقةً في شمال شرقي سوريا يسكنها مسيحيون آشوريون، وهم أقلية عرقية استهدفها تنظيم “الدولة الإسلامية” سابقاً، وأسفرت هذه الضربات عن مقتل 8 من اليزيديين -وهم أقلية دينية كردية في شمال العراق- منهم أربعة مدنيين.

في منتصف آب، قصفت القوات التركية بلدة زركان شمال شرقي سوريا، وهي بلدة يقطنها أكراد وعرب وسريان مسيحيون، فأسفر هذا القصف عن مقتل امرأة وطفل، وإصابة أكثر من عشرة آخرين، وتشريد أكثر من 5000 شخص، وذلك بحسب ما ذكره عز الدين صالح، المراقب المحلي لـ”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، وهي منظمة مستقلة غير ربحية، مدعومة من “الصندوق الوطني للديموقراطية” الذي يقع مقره في الولايات المتحدة.

لم تتمكن “فورين بوليسي” من إجراء مقابلة مع جوي هود، القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، لأنه لم يكن متاحاً؛ لكنه أخبر شبكة “رووداو” الإعلامية راهناً أن الولايات المتحدة “قلقة للغاية بشأن النشاط العسكري في شمال سوريا وشمال العراق”، وبشأن التقارير التي تشير إلى سقوط ضحايا من المدنيين. إلا أنه أضاف أن الولايات المتحدة تتفهم “أن تركيا بحاجة إلى اتخاذ إجراءات في دفاعها القومي ضد الأنشطة الإرهابية”.

لذا، فإن واشنطن الآن عالقة في عملية توازن حرج؛ فتركيا حليف رئيسي في الناتو، وقدمت مساعدات قيّمة في عمليات الإجلاء من أفغانستان. لكن من ناحية أخرى، تدعم الولايات المتحدة القوات الكردية في شمال شرقي سوريا. ولم تكن وفاة سري كانيه سوى إحدى ضرائب هذا التوازن غير المستقر.

ذرفت والدة سري كانيه، زليخة جمعة راشد، الدموع وهي تنظر إلى صور ابنتها في المنزل في تل تمر، بعد أيام من وفاتها. وقالت الأم إنها أيدت قرار ابنتها بالانضمام إلى “وحدات حماية المرأة”، على رغم إدراكها مخاطر هذا القرار، وكانت سري كانيه لا تغيب عن عينها، نظراً إلى قرب قاعدتها من البيت؛ بل إن سري كانيه جاءت، قبل أسبوع من وفاتها، إلى البيت لقطف أوراق العنب من الحديقة لإعداد وجبة غداء.

قالت الأم وهي تبكي: “لا أدري ماذا يريد أردوغان منا؛ لقد فقدنا منزلنا ومدينتنا، ونعيش في ظروف صعبة للغاية. نريد العودة إلى مدينتنا، ونريد الأمان، فقدنا ما يكفي من الشباب والفتيات”. وأضافت أن خمسة أفراد من عائلة راشد الكبيرة لقوا مصرعهم خلال الهجوم التركي في تشرين الأول 2019.

وأعقبت قائلةً “واليوم أفقد ابنتي الجميلة زينب، ما هذا الظلم؟ لقد سئمنا”.

بعد أكثر من أسبوع من وفاة سري كانيه، استمرت الضربات الجوية التركية على قرى في عفرين، وهي المنطقة التي تشتهر بحقول أشجار الزيتون. وقد غزت تركيا والميليشيات المدعومة منها عفرين في آذار/ مارس 2018، وتحتل الآن مساحة شاسعة منها بجانب الجماعات المتمردة. أدى هذ الاحتلال إلى نزوح مئات الآلاف، وخلّف مئات القتلى على الأقل. وقد استمرت الضربات حتى 16أيلول، إذ وردت تقارير عن وقوع تفجيرات في قريتَين أُخريَين في عفرين.

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.

إقرأوا أيضاً: