fbpx

“فايسبوك”: هل حول عملاق التواصل
المجتمعات إلى قبائل متناحرة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

سعى زوكربيرغ منذ ظهور شركته وحتى الآن إلى فرض سياسة الاحتكار والوصول إلى مرحلة جعل مؤسسة عملاقة تقود الوعي العالمي إلى الأسوأ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تنبه العالم بشكل مفاجئ ومثير للاستغراب إلى خطورة “فايسبوك” على أمن المجتمعات والدول وتقويضه الديموقراطية، بنشره أخباراً كاذبة ومضللة، بعد ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، وسربته الموظفة السابقة في الشبكة فرنسيس هاغن، إضافة إلى شهادتها أمام الكونغرس عن تلاعب المنصة من خلال خوارزميتها بالمحتوى، لكي يصبح أكثر إثارة، وجذباً، كما وكأن أحداً من خبراء الميديا أو الأكاديميين في الجامعات الاميركية والأوروبية، لم يتحدث عن انتهاكات هذه المنصة وديكتاتورية مؤسسها مارك زوكربيرغ طيلة السنوات الأخيرة.

الحقيقة هي أن الحكومات كانت تعرف ما يحصل داخل هذه المنصة وما تفعله عن وعي وإدراك وانتهاكها المعايير والقوانين، وأدلة إثبات هذه الانتهاكات كانت حاضرة، ولكن نرى الآن انتهازية العالم الذي انتفض ضد “فايسبوك”، ليكشف في أيام معدودة أنه يمثل خطراً محدقاً، يقوض أعمدة الدول والمجتمعات والسلام الاجتماعي.

في الواقع، القصة ليست جديدة، فهذه المنصة أخذت مساراً احتكارياً بعدما استحوذت على اشتراكات أكثر من ملياري مواطن في جميع أنحاء العالم، وهذا لم يحدث بين ليلة وضحاها، وإنما عبر عملية متواصلة كانت تنفّذ أمام أنظار الجميع، ونبه إليها الكثير من الخبراء في النشر الرقمي. وبهذا الشأن، صدر عام 2018 كتابان على قدر كبير من الأهمية، تضمّنا وبتفصيل كبير أدلة على انتهاكات “فايسبوك”، لكن ذلك لم يثر أي اهتمام من جانب الإدارة الأميركية والحكومات الأخرى، وهذا لا يعود بالطبع فقط إلى أن السياسيين والمسؤولين لا يقرأون الكتب، ولا يعيرون أي انتباه للبحوث والدراسات التي تعدها مراكز البحوث المتخصصة والجامعات، أو ما تورده وكالات استطلاع الرأي عن توجهات الرأي العام، وإنما لهذا الموقف كواليسه السياسية والتجارية.

انظروا الآن كيف أن الديموقراطيين والجمهوريين في الكونغرس الأميركي يتحدون في إدانة “فايسبوك”، وما ترتكبه من خروقات، بعدما ظلوا صامتين ولم يتحركوا قبل أن تستفحل الازمة، وتسبب هذه الاضرار الفادحة على السلوك الاجتماعي العام، وظلوا يتفرجون ويتغاضون عن الوقائع والتقارير التي تصلهم، بينما كان بمقدورهم القيام بمبادرات تشريعية لوقف التلاعب بالعقول ونشر المعلومات المضللة، ووقف تنامي حركات وجماعات الإرهاب والعنف على الشبكة.

10 أسباب لإلغاء حسابك على شبكات التواصل فوراً

قبل أكثر من ثلاث سنوات وفي كتابه بعنوان “عشرة أسباب لإلغاء حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي فوراً، أوضح عالم الكومبيوتر غارون لانييه كيف أن هذه المنصات طورت قدراتها للاستحواذ على عقولنا، وبالتالي الإضرار بمصالحنا بمجرد استخدامنا لها، وكيف أن مواصلة الاستخدام يعزز السيطرة والاستحواذ والأضرار أيضاً، وقال: “كلما استخدمناها… مكناها من النيل من مصالحنا”.
وتناول لانييه موضوع نموذج الأعمال الذي يعتمده «فايسبوك» ووفر له المزيد من الاتساع والتأثر لدرجة أنه يسيطر الآن على جزء كبير من أنشطتنا الاتصالية والاستهلاكية والمالية، معتبراً ذلك أمراً خطيراً للغاية لأن نجاح هذا النموذج «يجرح بشكل مباشر كرامتنا الإنسانية»، بسبب ارتباطه الوثيق بمسألتين مهمتين: تقويض خصوصيتنا، والخضوع لأساليب الدعاية الوضيعة المستندة إلى التلاعب، وعدم احترام عقولنا.

الكتاب الثاني بعنوان «الإعلام المعادي للمجتمع: كيف تمكن فايسبوك من الفصل بيننا وتقويض الديمقراطية» لمؤلفه سيفا فيدياناثان، المؤرخ الثقافي والبروفسور في جامعة فيرجينيا، يرى أن «فايسبوك» جعل من الخصوصية، التي تحميها الشرائع والدساتير والقوانين ومعايير حقوق الإنسان العالمية، سلعة تُباع وتُشترى، منبهاً إلى أن الإغراق في استخدام «فايسبوك» أدى إلى الحط من السياسة والسياسيين، وقوض الأساليب الديموقراطية، ما أدى إلى ظهور ما سماه «أسوأ منتدى للحوار السياسي».

 لم يعد سراً أن “فايسبوك” وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية في ظهور الإرهاب الإسلامي وتضخم تنظيماته وانتشارها في كل دول العالم، فبعدما كانت “القاعدة” منظمة مسلحة صغيرة في أفغانستان، تحولت إلى تنظيم جهادي عالمي مسلح له فروع في كل أنحاء العالم.

 لقد استخدم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الانترنت و”فايسبوك” وشبكاته لنشر أيديولوجية الموت بحرية وتجنيد المقاتلين ونشر الكراهية الدينية والعنف الديني في المجتمعات”. ويتحمل “فايسبوك” أيضاً المسؤولية الأساسية عن صعود التيارات الفاشية والشعبوية، وازدهار العنصرية في بقاع شتى من العالم.

إقرأوا أيضاً:

زوكربيرغ والاحتكار والعملقة

سعى زوكربيرغ منذ ظهور شركته وحتى الآن إلى فرض سياسة الاحتكار والوصول إلى مرحلة جعل مؤسسة عملاقة تقود الوعي العالمي إلى الأسوأ. في السياق ليس سراً أن «فايسبوك» قام على مر السنوات المحدودة التي مضت ومذ  برز في مجتمع الأعمال العالمي، بالاستحواذ على أكثر من 70 من شركات ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بما ينجزه من أعمال، مؤسساً بذلك حالة احتكارية فريدة من نوعها، وجدنا أنفسنا وجهاً لوجه أمام مخاطرها، باعتمادنا عليها عندما انقطعت ما تقدمه من خدمات فجأة.

 إلا أن الأيام والأسابيع الأخيرة، أظهرت أن «فايسبوك» يعيش مرحلة صعبة وخطيرة ربما تكون الأولى على هذه الدرجة من التعقيد والحرج، إذ يبدو أن العالم بات أكثر قدرة على الشعور بخطورة الكثير من محتواه على المجتمعات والأمن القومي للدول.
لقد كتب كثر عن مساوئ “فايسبوك” ومخاطرة وتقويضه الديموقراطية، وترويجه للكراهية والأخبار الكاذبة. وسعى خبراء في الميديا إلى تجسيد جوانب الخلل في أنموذج أعمال «فايسبوك»، وعلى رغم ذلك، فإن الحكومات والهيئات الدولية المعنية لم تعر أي اهتمام أو انتباه لكل هذه الانتقادات وما تضمنته الدراسات التي شرحت مكامن الخطأ في هذه الشبكة وسبل إصلاحها، لأن المشكلة الأساسية تكمن في أن العالم ظل مسحوراً بما يقدمه زوكربيرغ ويبيعه من منتجات ومحتويات، للمليارات من جمهوره ولهذا كان متردداً في تقليم مخالب هذا العملاق الذي لم يكف يوماً عن فرض الهيمنة والسيطرة والاستحواذ.

خروق وانتهاكات وفضائح


تلقى «فايسبوك» صفعات كثيرة خلال السنوات الاخيرة، ولكنها لم تؤثر في وجوده ولم تغير سلوكه مثل الصفعات الأخيرة التي هزت الميديا العالمية وأوساط السياسة والمال والأعمال. ربما من المفيد التذكير بالصفعة الأولى التي تلقاها زوكربيرغ وشركته عام 2018 عندما كشفت “الغارديان” البريطانية فضيحة استخدام شركة “كامبريدج أناليتيكا” البيانات والمعلومات الشخصية للمشتركين في المنصة بالتواطؤ مع “فايسبوك”،  وذلك على عكس ما ادعى. الصفعة الثانية التي تلقاها “فايسبوك”، كانت عند الحديث عن تورط المنصة في تدخل روسي عبر إعلانات استهدفت ناخبين للتأثير فيهم، فاستدعى الكونغرس زوكربيرغ للشهادة أمامه، ولكن في النهاية لم يُكشَف عن الدور الروسي لمصلحة المرشح آنذاك دونالد ترامب.

الآن تبدو الصفعات الجديدة أقوى وأكثر تأثيراً في الحكومات والرأي العام العالمي من تلك التي كانت خلال السنوات الماضية، لا سيما تلك الاتهامات التي وجهتها للمنصة مهندسة البرمجيات الأميركية فرانسيس هوغن، ومهاجمتها مديرها السابق زوكربيرغ مشيرة إلى أنه لا يخضع لأي محاسبة إلا من نفسه، واتهمته بـ«التغاضي عن إصلاحات ضرورية لاحتواء مخاطر التفاعلات التي تحصل عبر منصاته على بعض الفئات” وقالت “إن الشبكة تلعب دوراً غير نزيه لتحقيق غايات خطيرة”. وكشفت هوغن الملقبة بـ”المبلغة عن فضائح فايسبوك” خلال شهادتها بجلسة اجتماع في الكونغرس الأميركي وقدمت خلالها مجموعة من الوثائق التي تدين سياسة الشركة، أهمها أن الشبكة تنشر الكراهية وتؤجج العنف والاضطرابات السياسية وتروج الأخبار المضللة. وقالت إن “فايسبوك يغذي العنف العرقي في ميانمار”. وأعربت عن مخاوفها “من ألا تكون السلوكيات المثيرة للانقسام والتطرف التي نراها اليوم سوى البداية”. وفي هذا الشأن كانت صحيفة “نيويورك تايمز”، كشفت في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أن عناصر جيش ميانمار كانوا يغمرون “فايسبوك” بكراهيتهم وحولوا الموقع إلى أداة للتطهير العرقي على مدى خمس سنوات. ونقلت عن مسؤولين سابقين في جيش ميانمار وباحثين لم تكشف عن هوياتهم قولهم إن “عناصر جيش ميانمار كانوا نشطاء رئيسيين في حملة ممنهجة على فايسبوك استهدفت أقلية الروهينغا في البلاد”، إذ “ظهر هؤلاء على المنصة كمستخدمين عاديين لخدماته، لكنهم كانوا يروجون لقصص كاذبة، بينها اعتبار الإسلام تهديداً للبوذية، واغتصاب رجل مسلم امرأة بوذية”.

ولاستكمال تحقيقها الاستقصائي نشرت الصحيفة نفسها تفاصيل الفحص الذي قام به الباحث والمحلل الرقمي ريموند سيراتو لنحو 15 ألف منشور على “فايسبوك”، مصدرها أنصار مجموعة “ما با ثا” القومية المتشددة.

الصفعة الثانية جاءت من صوفي زانغ التي عملت سابقاً في “فايسبوك”، “عالمة بيانات”، إذ كتبت مذكرة بعد إنهاء خدمتها قالت فيها إن الشركة لم تفعل ما يكفي لمكافحة المعلومات الخاطئة على شبكتها خارج الولايات المتحدة. وكتبت زانغ على “تويتر”: “إذا أراد الكونغرس مني الإدلاء بشهادتي، فسأؤدي واجبي المدني”. وأكدت زانغ في المذكرة أنها خلال فترة عملها في الشركة “وجدت محاولات صارخة متعددة من قبل الحكومات الأجنبية لإساءة استخدام منصتنا على نطاق واسع لتضليل مواطنيها”.

وأعلنت أنها كانت “قدمت وثائق مفصلة بشأن انتهاكات جنائية محتملة إلى وكالة أميركية لإنفاذ القانون”، لكنها لم تكشف لشبكة “سي أن أن” من هي الوكالة.

الصفعة الجديدة التالية جاءت من مدعين عامين في 14 ولاية أميركية ينتمون إلى “الحزب الديموقراطي”، قاموا بإرسال مذكرة إلى زوكربيرغ يستفسرون فيها عن معلومات كاذبة ومضللة روجت لها شبكته عن اللقاحات المضادة لفايروس “كورونا”، وتلقي ناشريها معاملة خاصة، وهو اتهام ورد على لسان هاغن، ودعمته بوثائق ومستندات داخلية تكشف أن المنصة أقامت نظاماً يعفي المستخدمين البارزين من بعض قواعدها أو كلها. وفي تقرير له ذكر “مركز مكافحة الكراهية الرقمية” أن قائمة المعلومات المغلوطة تضم 12 مناهضاً للتطعيم مسؤولين عن نشر نحو ثلثي المعلومات المضللة عن اللقاحات. إلا أن المتحدث باسم “فايسبوك” أليكس بورجوس، أشار إلى أن “المنصة أزالت أكثر من 35 من الصفحات والحسابات على فايسبوك وانستغرام مرتبطة بالمذكورين الاثني عشر، وفرضت أيضاً عقوبات على بعض نطاقات مواقع الإنترنت الخاصة بهم”.

نرى الآن انتهازية العالم الذي انتفض ضد “فايسبوك”، ليكشف في أيام معدودة أنه يمثل خطراً محدقاً، يقوض أعمدة الدول والمجتمعات والسلام الاجتماعي.

 مؤامرة كونية أم خطر وشيك

أما الصفعة الأخرى والأشد قوة، فقد حدثت عندما انقطعت خدمات المنصات الثلاث الكبرى «فايسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب» لمدة ست ساعات، ما خلف قلقاً واضطراباً عالميين، وسبب خسائر بالمليارات للشركة ومؤسسها وللاقتصاد العالمي.
المغرمون بنظرية المؤامرة، ولست منهم بالطبع، وجدوا في ما يحصل مع «فايسبوك» مؤامرة معدة بإتقان بهدف تدميره الشركة، فلا تفسير لما حصل من انشقاقات واتهامات ضد المنصة ومؤسسها في ظرف أسبوع واحد فقط مثل الاحتكار ونشر الأخبار الكاذبة وتقويض الديموقراطية وتجاهل ضرورة القيام بإصلاحات سريعة واتخاذ إجراءات فعالة لمعالجة العيوب، بغية وقف ما تحدثه منتجاتها من أضرار، وذلك طمعاً في تحقيق المزيد من الأرباح. 

ووجد الكاتب في “الغارديان” البريطانية جوناثان فريدلاند في مقال له بعنوان “هل فايسبوك هو صناعة التبغ في القرن الحادي والعشرين”، تشابها بين حالتي “فايسبوك” الراهنة والتدخين ومرض السرطان، مذكراً بأن “الخبراء كانوا توصلوا في ستينات القرن الماضي إلى استنتاج يشير إلى وجود علاقة مباشرة بين التدخين والسرطان، ولكن لم تُنشر المعلومات آنذاك، كما أنكرت شركات التبغ وجود مواد مسرطنة في السجائر”. وذهب إلى حد مقارنة هذه المعلومة بما كشفته هوغن عن أن “إنستغرام”، له أثر مثل السم خصوصاً على الشابات والمراهقات، لما يحتويه من صور أجساد نحيفة ومتناسقة.

لم تكن مقالة فريدلاند عن خطورة الكثير من محتوى “فايسبوك” أول تنبيه لأضرار “فايسبوك”، إذ سبقتها سلسلة مقالات نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية ونسبتها إلى مجهول في ايلول/ سبتمبر الماضي، وردت فيها معلومات عما عرف باسم “القائمة البيضاء”، وهي فئة غير مرئية، داخل النظام تضم حوالى 6 ملايين شخصية بارزة يسمح لها بكسر قواعد النشر عبر محتوى متطرف أو مؤذ ويتسبب في أضرار مزدوجة. 

انفلات الأمن السيبراني وتآكل المجتمعات

أعرب كثر من الباحثين والخبراء في الميديا وتقنيات الاتصال منذ سنوات كثيرة عن قلقهم ومخاوفهم من حجم الانفلات الحاصل في الأمن السيبراني منذ نشأة الإنترنت، وخصوصاً تركيزهم على المحتوى المتطرف والإرهاب والكراهية الدينية والعرقية والمذهبية،  وكذلك مسائل غسيل الأموال باستخدام مواقع المقامرة الرقمية مثل «ريفر بوكر» لتبييض الأموال، وتبادل العملات الرقمية «بيتكوين»، إضافة إلى معسكرات التجنيد الرقمية للتنظيمات من «القاعدة» إلى «داعش»، وصولاً إلى الحضور النشط لـ«حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية و”حماس” والجهاد الإسلامي والحوثي على مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاولة بث محتوى تضليلي.

المطلوب… تحرّك سريع!

لم يعد يمكن السكوت على التغول الحاصل من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى، لا سيما بعد ما أنتجه من أزمات خطيرة تتجاوز في مستواها المحتوى وتطرح في الأساس مفهوم استقلال الشركات الرقمية وبحثها عن الربحية السريعة، والتملص من التبعات القانونية والأخلاقية، ما يشكل عبئاً إضافياً على أمن الدول والأفراد.
سلطة «السيليكون فالي» (Silicon Valley) كانت منذ عقود محل صيحات أطلقها باحثون وخبراء، إضافة إلى مراكز أبحاث، عن مخاوف من أن عدم تعديل الدساتير الغربية في مقاربة مسألة شركات التقنية بحجة حرية الإنترنت للجميع، والصورة الوردية الإيجابية للثورة الرقمية، حال دون أخذ المسألة بشكل جاد.
الآن وبعد هذه الصفعات كلها التي تلقاها «فايسبوك»، والتي لن تكون الاخيرة، حان الوقت لتقوم الإدارة الأميركية بفرض اجراء اصلاحات تعد الآن ضرورية، للحد من احتكار هذه الشركات وتحكمها بتحديد مسارات المعرفة والسلوك البشري، وتغذية الكراهية والعنف داخل المجتمعات وضد بعضها بعضاً، بخاصة بعدما تحولت مجتمعات العالم إلى ما يشبه القبائل المتناحرة تتغذى على الانتقام والعنف. 

في هذا السياق تكشف استنتاجات توصلت إليها دراسات وبحوث تحليلية أعدتها مراكز بحوث عريقة عن تضخم شركات التقنية التي تساهم في تغطية الإعلام الرقمي بمنتجاتها كافة: من خطابات التطرف إلى الكراهية العنصرية والشعبوية إلى تهديد امن الدول واستقرارها من خلال أكثر الفئات المجتمعية هشاشة على مستوى الوعي، 70 في المئة منهم من المراهقين، وبعدد يتجاوز الثلاثة مليارات من سكان الأرض بحسب الباحث يوسف الديني. 

ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية تقريراً سلط الضوء على الآثار النفسية للتوقف عن استخدام “فايسبوك”، لا سيما أن المجتمعات المختلفة أصبح أفرادها في معظمهم مدمنون على مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبح تصفحها يومياً العادة الرقمية الأكثر شيوعاً في العالم. ونقلت عن أستاذ العلوم السياسية وعلوم المعلومات والكومبيوتر في جامعة “نورث إيسترن الأميركية”، ديفيد لازر، أن “النتائج المتعلقة بالمعرفة السياسية أظهرت أن فايسبوك يعتبر مصدراً مهماً للأخبار السياسية التي يوليها الناس اهتماماً خاصاً”. وحذر لازر من “الاستهانة بهذه النتائج، التي يمكن تأويلها في كلا الاتجاهين. ويبدو أن المحادثات والمعلومات على فايسبوك كانت تزاحم استهلاك الأخبار على المواقع الأخرى”.
ونوهت إلى أن النتائج المتعلقة بمقاييس الاستقطاب السياسي كانت مختلطة على رغم أن معيار “الاستقطاب بشأن القضايا”، شهد تراجعاً بين الممتنعين عن استخدام “فايسبوك” من 5 إلى حدود 10 في المئة، في حين حافظت مجموعة المراقبة على معدلها العادي.

إقرأوا أيضاً: