fbpx

عن حسين قاووق والسخرية كانتصار حقيقي على الخوف

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد الحملة الشعواء التي استهدفته بسبب برنامج ساخر تناول فيه حزب الله وحركة أمل يقول الممثل حسين قاووق إن الحملة الممنهجة التي تستهدفه لن تؤثر على المحتوى الذي يقدمه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ببساطة شديدة، بالنسبة إلى الكوميدي البريطاني الشهير ريكي جيرفيز، السخرية حق مطلق ولا يجب ان تخضع لأي نوع من المساومة، ولا يجب ان تخضع للخوف، اي خوف يقف حائلاً دون “رشاقة” النكات. يقول جيرفيز: “رجاءً توقفوا عن القول إنكم لا تستطيعون السخرية من أي أمر بعد الآن. تستطيعون. يمكنكم السخرية من أي شيء يخطر في بالكم. وبعض الناس لن يعجبهم ذلك، وسوف يقولون لكم إنه لم يعجبهم. وبعدها يعود إليكم ان تهتموا برأيهم أم لا. وهكذا…”.

بوضوح، يقترن الحق في إطلاق النكات، ضمناً، بالحق في عدم الإعجاب بها، ورفضها. هذا حق. وهذا الحق يتضمن الكتابة الصحافية، والتعبير على وسائل التواصل الإجتماعي، والنقاشات العامة، وكل ما يخطر في البال، طالما أن هذا الأمر لا يتجاوز الحق في التعبير، إلى أي نوع من أنواع القمع الجسدي، أو التهديد الذي يطال الأمن الشخصي لأي من أطراف هذه “اللعبة”. فلعبة السخرية تُلعب عادة بين الساخر والمسخور منه والجمهور، الذي ينقسم أيضاً بين الطرفين، بين من يضحك للساخر وبين من يغضب نصرة للشخص أو الجهة مادة السخرية.

حسين قاووق

هذا الأمر حدث مع الكوميدي اللبناني الشاب حسين قاووق. يقدّم قاووق برنامجاً ساخراً على قناة “الجديد”، هو استكمال لتجربة أطلقها مع صديقه المخرج محمد الدايخ على وسائل التواصل الإجتماعي، عبر فيديوات ساخرة بطلها شخصية تنتمي في “بروفايلها” إلى ما يسمى “بيئة المقاومة”. هذه الشخصية التي يؤديها قاووق، مستوحاة من شخصيات تنتمي إلى البيئة الشيعية، التي ينتمي إليها قاووق، ويعيش في مناطقها.

فالشاب الذي برزت موهبته المسرحية مع المخرج يحيى جابر في مسرحية “شو ها” التي تحاول ان تنقل إلى المسرح “بورتريه” لعائلة شيعية ينتمي إليها قاووق، وعلاقته بها، وعلاقتها بالمحيط، وتماسها مع الأحداث والتطورات الإجتماعية التي تطرأ عليها، في قالب ساخر لكنه قائم على متن اجتماعي ملموس، خاض تجربته الخاصة في “الستاند أب” كوميدي على مسارح في بيروت، ونجحت مقاطع مصوّرة من هذه النصوص التي أدّاها، بالوصول إلى جمهور واسع عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وجرى تناقلها عبر “واتساب” وسواه ووصلت بشكل كبير إلى البيئة الشيعية، ما أظهر قدرة ملفتة لدى قاووق في ملامسة الامزجة العامة، حتى كتب أكثر من حساب من مناصري “حزب الله” ما معناه ان “قاووق كان محبوباً جداً في الضاحية ويلاقي استحسان الجمهور ويضحكهم، فما الذي حدث حتى بات يتعرض لحملة  تتهمه باستهداف المقاومة؟”.

هذا السؤال يفصل فعلياً بين فكرة الحق في انتقاد قاووق وتسجيل عدم الإعجاب بما يقدمه من مضمون، وبين ما ذهبت إليه الحملة التي استندت إلى مقال نشر في جريدة “الأخبار”، وتحوّلت إلى تهديدات علنية عبر تويتر وفايسبوك، بـ”ضرب وسحل وتأديب” قاووق. والحملة بُنيت في الأساس على المقال، لا على البرنامج الذي يقدمه قاووق. فالحلقة، موضوع النقاش، عرضت قبل ايام من نشر المقال، ولم تثر حفيظة البيئة كما يدّعي المقال، ولم تثر ضجة على مواقع التواصل الإجتماعي، بل إن المقال نفسه، في طريقة طرحه ومقاربته، وضع قاووق في مواجهة البيئة، التي لا يخفى على أحد أنها تستند إلى فائض قوة وإلى مئة الف مقاتل اعترف بهم أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله، وصوّر المقال قاووق كما لو كان جزءاً من مشروع معاد لهذه البيئة المستنفرة.

السخرية يا حسين قاووق هي الحل. لا تهرب. ولا تبتعد. ولا تقفل هاتفك. فـ”السخرية هي الإنتصار الحقيقي والوحيد على الحياة والموت”، كما يقول إميل سيوران، الذي يقول أيضاً إن “الضحك هو المبرر الكبير للحياة”. ولا شيء يغيظ السلبيين المتجهّمين الغاضبين دوماً إلا السخرية والضحك. فلنضحك يا… كوثراااااني!

وهنا خرجت “اللعبة” عن أصولها التي تحدث عنها جيرفيز، والقائمة أساساً على الكلام والكلام المضاد. وهذا يتضمن بطبيعة الحال الحق في كتابة مقال يتهم قاووق بأنه يعمل على “تشويه بيئة المقاومة”، ويتضمن هذا الحق السخرية في المقابل من المقال نفسه، الذي يمكن ان يكون مضحكاً لكثير من المتلقّين. ومقالات كهذه، تخشى من “خطر” الضحك على التركيبات الإجتماعية والسياسية السائدة، لا تمكن مواجهتها إلا بالضحك والسخرية. وهذا أيضاً يُبقي اللعبة في أطرها الطبيعية، التي تبتعد عن الترهيب والتهديد. ولا يجب ان تعوز المرء شجاعة ان يدافع عن حق كاتب/ة اي مقال “مضحك”، في ان يدلي أو تدلي برأيه/ا، حتى وإن بدا هذا الرأي للبعض تحريضاً و”هدراً للدم”. ويجب المجازفة احياناً للدفاع عن هذا النوع “المضحك” من العداء للكوميديا، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الكوميديا نفسها، لأنه يغذيها، ويعطي العاملين في صناعة الكوميديا موادها الأولية الأساسية.

ما يُقلق فعلاً، هو انزلاق الأمر إلى خارج هذه “اللعبة”، مع تهديدات صريحة طاولت قاووق، من جمهور صريح ينتمي إلى البيئة التي سخر منها الشاب، تقابل السخرية بعنف لفظي مقرون بتهديدات باستخدام العنف الجسدي، من مثل “اقل الواجب ان يضرب ليفهم انه من غير المقبول ان يتناولنا بأي إساءة”، و”الكوميديا المضادة هي انك تأدبه وتهليه يفهم وين بيخدم عدوه ـ المفروض عدوه- ووين لاء”، “أنا مع فكرة ربط شعره بالسيارة وسحله في شوارع الجنوب والبقاع الغربي والجرود”.

وهذه عيّنة من تهديدات كثيرة طالت الشاب، الذي اقفل خطه لفترة لتفادي التهديدات والمضايقات، قبل أن يعود لفتحه أخيراً، ويقول لـ”درج” إن الحملة التي يصفها بـ”الممنهجة”، لن تؤثر نهائياً على المحتوى الذي يقدمه، لأنه يعتقد ان المسألة لا تتعلق بالمحتوى الذي ورد في الحلقة الأخيرة، بل هناك من لديه مصلحة في إسكاته لأنه بات لديه جمهوراً كبيراً في الضاحية يتأثر ويضحك للمحتوى الذي يقدمه”.
السخرية يا حسين قاووق هي الحل. لا تهرب. ولا تبتعد. ولا تقفل هاتفك. فـ”السخرية هي الإنتصار الحقيقي والوحيد على الحياة والموت”، كما يقول إميل سيوران، الذي يقول أيضاً إن “الضحك هو المبرر الكبير للحياة”. ولا شيء يغيظ السلبيين المتجهّمين الغاضبين دوماً إلا السخرية والضحك. فلنضحك يا… كوثراااااني!

إقرأوا أيضاً: