fbpx

موجة التطبيع الجديدة مع إسرائيل:
حب فلسطين أم الخوف من إيران؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إن أولوية الإمارات هي عقد صفقات تجارة ثنائية مع إسرائيل؛ لذلك من الواضح أن الأعمال التجارية ستكون لها الأسبقية على تقديم الدعم أو الاهتمام بحقوق الفلسطينيين وقضيتهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عادة ما يُروج لمفهوم التطبيع مع إسرائيل على أساس أنه يحقق الرخاء والاستقرار والتنمية الاقتصادية لأولئك المنخرطين فيه، ويكون له تأثير إيجابي في المنطقة. لكن هذا الازدهار المتوقع لم يتحقق في مصر والأردن بعد سنوات من التطبيع؛ كما أنه من غير المرجح أن نرى هذا الازدهار بعد اتفاقات أبراهام إذا ما نظرنا إلى أهدافها النهائية التي تتمثل في تسهيل العلاقات الثنائية وخلق سياسة أمنية جماعية لمواجهة إيران.

مرّ أكثر من عام على توقيع وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، اتفاقات أبراهام مع وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في 15 أيلول/ سبتمبر 2020 في واشنطن العاصمة. كيف أثّرت هذه الصفقة في المنطقة وهل تفتح الباب لصفقات تطبيع مستقبلية مع دول خليجية إضافية في ضوء الديناميكيات الأخيرة في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ورحيل ترامب عن السلطة؟

لا تهدف اتفاقات أبراهام إلى حل الصراع الفلسطيني، ولم يضع الموقّعون عليها هذا الغرض في حسبانهم. ومع ذلك، وفي ظل غضب الرأي العام السائد في العالم العربي من إسرائيل بشدة ومدافعته عن القضية الفلسطينية، سلّطت دولة الإمارات العربية المتحدة الضوء على فرص إرساء السلام الجديدة والتي يمكن أن تتمخّض عن عملية التطبيع، لتبرير سبب إبرام الاتفاق. وفي ندوة عُقدت في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، صرّح السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، أن اتفاقات أبراهام تم تنسيقها أساساً للحد من الضم الإسرائيلي للضفة الغربية ولاستبقاء إمكانية تطبيق حل الدولتين. ومع ذلك، وفي خضم تصاعد القمع الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس وتنامي عدد القتلى في غزة، لم يصدر عن دولة الإمارات العربية المتحدة أي تصريح بشأن تأثير هذه الأعمال في الفلسطينيين أو الكيفية التي ستعزّز بها اتفاقات أبراهام حقوق الفلسطينيين.

ضمنت الاتفاقات- التي حظيت بدعم الولايات المتحدة- مساراً لعلاقات أمنية واقتصادية أوثق بين الدول الموقِّعة، من دون الالتفات إلى حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

اتفاقات أبراهام ومعاهدات السلام السابقة: مقارنة موجزة

لفهم عملية التطبيع التي أطلقتها اتفاقات إبراهيم فهماً جيداً، يجب أن يفهم المرء سياق هذه العملية ومدى اختلافها عن عمليات التطبيع السابقة التي دُشنت بين إسرائيل والدول العربية. فقد كانت اتفاقيات مصر والأردن مع إسرائيل تدور في الغالب حول إنهاء الصراع النشط، وتأسّست على فكرة السلام مقابل اعتراف مصر والأردن بسيطرة إسرائيل على الأراضي التي انتزعتها من الفلسطينيين. وعلى عكس هذه الاتفاقيات، تتجاهل اتفاقات أبراهام أساساً قضية فلسطين بالكامل، وينصب تركيزها بشكل أكبر على ديناميكيات إقليمية واقتصادية.

كانت لصفقات السلام السابقة تداعيات وأثمان سياسية كبيرة، لا سيما بالنسبة إلى مصر التي عُلّقت عضويتها موقتاً في جامعة الدول العربية جراء ذلك (وُقّعت اتفاقيات كامب ديفيد في أيلول/ سبتمبر 1978، تلاها توقيع معاهدة سلام في آذار/ مارس 1979)، والتي اغتيل رئيسها الأسبق أنور السادات (في تشرين الأول/ أكتوبر 1981). وفي حالة الإمارات والبحرين، واجهت الدولتان تداعيات قليلة أو معدومة على المستويين الإقليمي والعالمي لتطبيعهما العلاقات مع إسرائيل.

كانت الأُطر الرئيسية التي وُقّعت في ضوئها معاهدة السلام عام 1979 بين إسرائيل ومصر هي اعتراف الجانبين بسيادة كل منهما، ووقف الصراع المستمر والمستعر بينهما منذ حرب 1948 العربية الإسرائيلية، وتطبيع العلاقات، وانسحاب القوات الإسرائيلية والمدنيين الإسرائيليين من سيناء المحتلة. وبهذه الاتفاقية أصبحت مصر- الدولة العربية الأكثر نفوذاً- أول دولة عربية تعترف بإسرائيل رسمياً. وكانت الاتفاقية جزءاً من تحوّل استراتيجي كبير، حيث تحول عدو إسرائيل من خصم إلى جار مُسالم. ومع ذلك، وُصف هذا السلام كثيراً بأنه “سلام بارد” لأن العلاقات الديبلوماسية مستقرة، مقابل رفض التطبيع في المجتمع المصري. 

كانت معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994، والمعروفة باسم معاهدة وادي عربة، تهدف أيضاً بشكل أساسي إلى إنهاء الصراع بين البلدين في أعقاب حربي 1948 و1967 بين العرب وإسرائيل. وحسمت المعاهدة أيضاً نزاعات حول الأراضي والمياه، وأتاحت فرصاً للتعاون في السياحة والتجارة، وألزمت البلدين بعدم السماح لدولة ثالثة باستخدام أراضيهما كمنطقة مواجهات عسكرية.

على عكس الاتفاقيات السابقة، لا تهدف اتفاقات أبراهام إلى وقف الصراع، فما من صراع مباشر بين الدول الموقّعة على هذه الاتفاقات. وبدلاً من ذلك، يركّز الاتفاق الثلاثي على مصالح أمنية جماعية مدفوعة بقضايا إقليمية مشتركة مثل إيران، ما يجعل دولتي الخليج العربي الموقّعتين على الاتفاق أقرب إلى إسرائيل في ما يتعلق بالمصالح الاقتصادية والاستراتيجية. ومن شأن الاتفاقات أن توفّر لإسرائيل وصولاً مباشراً لا مثيل له إلى شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، وأن تعزز التطورات الاقتصادية والتعاون على مختلف المستويات. وقد روّج مهندسو هذه الاتفاقات لها باعتبارها لبنة في “شرق أوسط جديد” يضم إسرائيل. ويفترض أن تساعد اتفاقات أبراهام على إنهاء الاحتلال غير الشرعي لفلسطين، ولكنها من الناحية العملية لا تفعل شيئاً يُذكر في هذا الاتجاه.

إقرأوا أيضاً:

الخوف من إيران يفوق المخاوف على حقوق الفلسطينيين

لقد وصلت الدول الموقِّعة على اتفاقات أبراهام إلى مستوى من التطبيع أشبه ما يكون باتفاقية أمن جماعي؛ إذ إن التقارب الحادث بين هذه الدول يبدو بشكل واضح مدفوعاً بالرغبة في عزل تهديد مشترك في المنطقة. فقد اعتبرت إسرائيل ودولٌ عدة في مجلس التعاون الخليجي- مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية- أن الوجودَ الإيراني المتنامي على الساحة الدولية هو الخطر الأكبر الذي يهدد المنطقة. وبناءً على ذلك، دعمت الإمارات العربية المتحدة استراتيجية الضغط الأقصى التي اتبعها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ضد إيران.

هكذا يتبين أن الاتفاقات كانت معنية بإيران أكثر بكثير من حقوق الفلسطينيين وضم إسرائيل غير الشرعي للأراضي الفلسطينية؛ فقد عقدت كلٌ من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة النية على اتباع استراتيجية من شأنها أن تكبح جماح إيران في المنطقة، بصرف النظر عن أي علاقات محتملة بين إيران والإمارات.

لذلك تبدو الاتفاقات في النهاية خطوةً على طريق سياسة إقليمية خارجية جديدة، أكثر من كونها معنية بالسلام أو بفلسطين؛ ويمكن رؤية هذه الخطوة متوازيةً مع عملية التطبيع مع إسرائيل، التي تهدف إلى إحداث تغييرات في الجغرافيا السياسية الحالية في المنطقة، وتكوين محور جديد في الخليج لمواجهة إيران. 

ضمنت الاتفاقات- التي حظيت بدعم الولايات المتحدة- مساراً لعلاقات أمنية واقتصادية أوثق بين الدول الموقِّعة، من دون الالتفات إلى حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

تبدو الاتفاقات في النهاية خطوةً على طريق سياسة إقليمية خارجية جديدة، أكثر من كونها معنية بالسلام أو بفلسطين.

هل تصمد “اتفاقات أبراهام”؟ 

وفقاً للاستطلاع الذي أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في حزيران/ يونيو 2020 -أي قبل نحو ثلاثة أشهر من تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة- كانت نسبة المؤيدين الإماراتيين لدعم العلاقات مع إسرائيل لا تتجاوز الـ20 في المئة؛ وفي استطلاعٍ أحدث أجراه المعهد نفسه في تشرين الثاني/ نوفمبر- أي بعد توقيع الاتفاقية- تبين أن التصورات عن التطبيع قد تحسنت بشكل طفيف، إلا أن مواقف الإماراتيين ظلت متباينة، حيث رأى 47 في المئة منهم أن توقيع الاتفاقات خطوة إيجابية، بينما اعتبرها 49 في المئة منهم خطوة سلبية.

تجدر الإشارة إلى أن الاعتداء الإسرائيلي على غزة في أيار/مايو 2021، قدم صورة أكثر سلبية عن الاتفاقات. لعقودٍ طويلة كان هناك تصور مُضمَر في أنحاء العالم العربي يقضي بأنه من غير المقبول السعي إلى التطبيع ما لم تُحل القضية الفلسطينية. يمكن القول إن الهجمات الإسرائيلية هي تذكيرٌ رادع بأن الاتفاقات لم تحسّن وضع الفلسطينيين. وعلى الرغم من وقوع هذه الهجمات، لم تُنتقد اتفاقات أبراهام بشكل جاد ومستمر في الدول الموقعِّة عليها. تاريخياً، لم يحدث أن منحت الإمارات مواطنيها منصة مفتوحة ليعبروا فيها عن نقدهم أو معارضتهم؛ لذلك، لا يُتوقع أن يفصح الجمهور عن استيائه من عملية التطبيع، حتى لو ظل الإماراتيون منقسمين حيال الموقف من التطبيع.

وفي حين يشير منتقدو اتفاقات أبراهام إلى الدماء التي تُراق في غزة، والتظاهرات العنيفة داخل الضفة الغربية المحتلة، ليؤكدوا أن الاتفاقات رجعت بخُفّي حُنَيْن إلى الفلسطينيين؛ فإن هذا لم يبطئ أو يؤثر في عملية إنشاء غرفة التجارة والصناعة الإسرائيلية- الخليجية في الإمارات العربية المتحدة. فقد وافق صندوق الثروة السيادية الإماراتي راهناً على مذكرة تفاهم لشراء حقل غاز طبيعي في إسرائيل بتكلفة 1.1 مليار دولار أميركي.

إن أولوية الإمارات هي عقد صفقات تجارة ثنائية مع إسرائيل؛ لذلك من الواضح أن الأعمال التجارية ستكون لها الأسبقية على تقديم الدعم أو الاهتمام بحقوق الفلسطينيين وقضيتهم.

وفي ظل هذه الظروف، تظل مسألة انضمام دول الخليج الأخرى إلى قاطرة التطبيع الآن بعد ترك ترامب السلطة معلقة. في الوقت الحالي، من المتوقع أن تنتظر هذه الدول حلاً سياسياً للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، قبل أن تحذو حذو الإمارات والبحرين. فالمملكة العربية السعودية تواصل دعمها المواقف الفلسطينية في ما يتعلق بالقضايا الأساسية؛ وفي الوقت نفسه، تتمسك الكويت وقطر بمعارضتهما فكرة الضم الإسرائيلي أحادي الجانب لمناطق في الضفة الغربية، وتشددان على أن هذا يتعارض مع الحل العادل للقضية الفلسطينية وقرارات الشرعية الدولية.

إقرأوا أيضاً: