fbpx

لبنان: ما الذي يلتهم الأب عبدو أبو كسم؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قد يكون لبكي مجرماً، لكن ضحاياه، حين حكين، كن أكثر إجراماً وعداءً إذ خرقن عرفاً عتيقاً قضى بأن تطمر الضحية جرحها الأبدي بالصمت، خوفاً على طلاء الهيكل، الأب الأول، من الخدش.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مشهور مدير المركز الكاثوليكي للإعلام، الأب عبدو أبو كسم. 

عنيف في دفاعه عن قدسية الرموز. لو ولد لديانة أخرى، لكان سلفياً، يقيم الحدّ على مزحة في “فايسبوك”، أو على فرقة فنية، أو على مسرحية أو يرمي المثليين من شاهق. لكنه مسيحي، لا يفتي، بل يمارس دوره الصارم في حفظ القشور من الخدش. “إلا القشور”، شعار يكاد يختصر سيرته.

ومن مثله يكون في العادة مطيعاً، نهائي الطاعة، للتراتبية، وللقوانين والأعراف. من مثله يخاف من الخدوش تحديداً، لأنه، في البارانويا التي يعيشها سيراها تصدعات ستوقع الهيكل على من فيه. وهو حارس صلب للهيكل، يرفض حتى أن يزيل الصفة عن منصور لبكي، المحكوم كنسياً ومدنياً بتهمة اغتصاب أطفال. مغتصب أطفال، ومع أنه يعترف على مضض وعلى مغص، بأن لبكي “محكوم”، يرفض إلا أن يقول “الأب” ما دامت الكنيسة لم تحرم لبكي من هذه التسمية بعد.

مع أنه يرتدي ثوب رجل دين، إلا أنه، في المواجهة القاسية في برنامج “فوضى” على تلفزيون “الجديد” مع مارلين غانم، إحدى ضحايا لبكي والناجية منه، بدا حزبياً، يستميت في الدفاع عن الحزب، ورئيس الحزب، ومؤسسة الحزب. لم يتحمل أن تأمره مارلين بالسكوت. ورد النعت بالنعت. قال لامرأة اغتصبت وهي طفلة أنها مجرمة، فقط لأنها وصفت إحجام السلطة الكنسية عن اتهام لبكي بأنه جريمة.

لم يفكر للحظة قبل أن يفلت من عقاله ويقول لها: أنت مجرمة! لم يفكر بسنوات عمرها، كيف مرت عليها. لم يجد في قلبه المسيحي الكبير مكاناً للسؤال عن سبب غضب هذه التي تطلب منه ومن “سيدنا” البطريرك بشارة الراعي والبقية الباقية أن يتواضعوا ويركعوا ويعتذروا من الضحايا، أسوة بأساقفة الغرب. 

“أنت مجرمة”، قال لامرأة واضحة في كل حرف تقوله. امرأة خطت فوق المغتصب لتخاطب السلطة الدينية، وتقرعها، وهذا حقها، وتتهمها، وهذا حقها، وتطلب منها أن تتراجع عن خطيئتها في التعامل مع مجرم مثل لبكي، وأن تعتذر من ضحاياه، وأن تشجع اللواتي ما زلن على صمتهن على “حرية الكلمة”، وهذا حقها. أقل حقها.

في الدقائق القليلة التي خرجت فيها مارلين غانم على اللبنانيين من إيطاليا، قالت، باختصار، أن لا سلطة، مهما علت، ومهما ذهبت بعيداً في ذكوريتها، تستطيع أن تسكت النساء. لا المغتصب، ولا الحارس الأمين على باب المعبد، ولا رأس المعبد نفسه. لا أحد. لم تلجأ إلى استعادة قصتها، لم تحاول استدراج دمعة. هاجمت السلطة الدينية بالمنطق، والمنطق فحسب. أبو كسم، في المقابل، أمضى وقته متلعثماً، يبرر ظهور لبكي المتكرر في مناسبات عدة بأن الحكم الكنسي عليه لا يعني أنه سجين. كل ما عنى أبو كسم كان الدفاع عن الراعي، وعن الكنيسة. تحايل ما استطاع كي لا يقر بأن لبكي مذنب، ولم يكذب للحظة مع نفسه، حين لم يبد أي صدق في التعاطف مع الضحية ورفيقاتها. لم يتفهم غضبها، لم يتفهم وجعها، لم يتفهم إصرارها على أن تأخذ السلطة الدينية درساً كي لا يتكرر مع غيرها ما حصل معها. ليس مُعداً لمثل هذه المشاعر.

ليس شرطاً أن يكون عبدو أبو كسم ضحية كي يفهم ما تشعر به الضحية. لكن الجوهر المعلن للأديان كان التعاطف مع الضعفاء، وتشجيعهم على القول. رجل الدين ينحاز نظرياً للضعيف. السياسي ينحاز لحسابات الربح والخسارة. أبو كسم كان كالجالس على طاولة مفاوضات وقد خسر الكثير من أوراقه. سيضحي بالمغتصب الذي احترق تماماً بعد الحكم القضائي الفرنسي عليه، ويبدو أن أي سقف كان يحميه قد أزيل من فوق رأسه. لكن الأب لن يقدم أي تنازل آخر. أن يبدي تضامناً. أن يسأل كيف يمكن أن يساعد. أن يصمت ويضع عينيه في الأرض ويتركها تقول ما تريد، مهما كان ما ستقوله قاسياً. لا. قد يكون لبكي مجرماً، لكن ضحاياه، حين حكين، كن أكثر إجراماً وعداءً إذ خرقن عرفاً عتيقاً قضى بأن تطمر الضحية جرحها الأبدي بالصمت، خوفاً على طلاء الهيكل، الأب الأول، من الخدش. أي باب من أبواب الجحيم فتحته هؤلاء النساء. لا. أبو كسم لن يسكت. لكن الأب الصارم التهمه عجزه عن فهم كل هذه القوة الآتية من الابنة التي تشعر بالخذلان من ازدواجية الأب وجبنه، وحمايته ابنه، وتحريضه ضد المرأة الضحية. التهمه عجزه حتى عن الدفاع عن نفسه، هو الذي لطالما كان في موقع الهجوم. حشرته في الزاوية ولم تطلب منه أقل من أن يركع ويعتذر. ولأنه لم يكن لديه ما يقوله، بدا في تلعثمه وفقدان سطوته وحجته كمن يركع مكرهاً ويعتذر. خسر الحارس في حربه للذود عن القشور.

إقرأوا أيضاً: