fbpx

استدعاء شادن فقيه للتحقيق:
المحكمة العسكرية في مواجهة “الفوط الصحية”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“المؤسسة الأمنية مؤسسة ذكورية بتكوينها، سخر الفيديو الخاص بي من هيبتهم، ما جعلهم يشعرون بالإهانة، فكيف لامرأة أن تسخر من الرجال ومن مهماتهم الأمنية”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“ما بكفي بتجيني 12 مرة بالسنة وانا اصلاً ما بدي جيب ولاد، وهلق مضطرة انحبس كرمالك!”، بهذه الكلمات الساخرة علقت الممثلة الكوميدية الساخرة شادن فقيه على استلامها دعوى حضورها إلى المحكمة العسكرية للمحاكمة.

القصة تعود إلى فترة الحجر صحي وإعلان حالة الطوارئ التي فُرضت في لبنان في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، جوبه القرار حينها بالكثير من الاعتراضات، وأبرزها مرور البلاد بأزمة اقتصادية خانقة يعجز فيها المياومون عن تأمين الطعام لعائلاتهم مع غياب المساعدات في ظل دولة مفلسة. تبع هذا الإقفال تظاهرات في طرابلس جوبِهت بعنف مفرط.

وكعادتها، علقت شادن بطريقتها الساخرة على قرار الدولة بالإقفال العام ومنع التجول بعد الخامسة عصراً، فقامت بتصوير فيديو وهي تتصل بالـ112، الرقم الساخن لقوى الأمن الداخلي، قائلةً لهم إن دورتها الشهرية قد حانت ولا تستطيع الخروج “لأنكم منعتم التجول، فهل تستطيعون جلب فوطة صحية إلى منزلي؟”.

أثار الفيديو ضجة كبيرة، وبعد عام وتحديداً في أيار/ مايو الماضي استدعى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية شادن للتحقيق، من دون توضيح السبب. وبعد خروجها أوضحت شادن سبب استدعائها وهو فيديو الفوطة الصحية، الذي صوّرته بهدف انتقاد سياسة الدولة والنظام في ظل جائحة “كورونا”، بخاصة في ما يتعلق بحياة النساء وحاجاتهن الأساسية، كضرورة خروجهن لشراء الفوط الصحية.

يقول المحامي أيمن رعد لـ”درج”، وهو وكيل شادن القانوني: “بناءً على الفيديو التي نشرته شادن، أرسلت مديرية قوى الأمن الداخلي كتاباً إلى النيابة العامة العسكرية، تتهمها فيه بتحقير قوى الأمن، وبناءً على الكتاب المرسل، فتحت النيابة العامة تحقيقاً في الملف، وطلبت من مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية تولي التحقيق، لتستدعى شادن إلى التحقيق في أيار الماضي، وقد انتهى الأمر من دون توقيع أي تعهد أو إزالة الفيديو.

ويضيف رعد: “بناءً على هذا المحضر، ادعت النيابة العامة على شادن بجرم تحقير مؤسسة قوى الأمن الداخلي، ويقع هذا الجرم بحسب القانون ضمن صلاحية المحكمة العسكرية. نعود هنا إلى الإشكال القانوني الذي أتاح للمحكمة العسكرية صلاحيات واسعة في محاكمة المدنيين، يحاول حقوقيون وجمعيات المطالبة بإزالتها”.

يتابع رعد: “حددت الجلسة في 21 حزيران/ يونيو 2022، وفي المبدأ تنتهي في اليوم ذاته، بسبب بساطة الملف والتهمة، كما أن المحكمة العسكرية سريعة في إصدار أحكامها، ومشكلتنا الأساسية هي لدى القضاة العدليين في المحكمة العسكرية، وهم الذين يدّعون من خلال ملفات فارغة، والتي تنتهي بحكم البراءة في كل مرة”.

المحكمة العسكرية ومحاكمة المدنيين

عند كل دعوى أو جلسة محاكمة، يتجدد النقاش حول محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وعلى رغم سعي جهات وجمعيات قانونية لإلغاء أو تقليص دور المحكمة، وحصرها بالعسكريين فقط، إلا أن المحكمة لا تزال تتمتع بصلاحيات واسعة جداً، ولا يزال المتظاهرون يمثلون أمامها. منذ حراك 2015، استعملت السلطة والنيابات العامة، هذه المحكمة تحديداً، فكان مجرد هز شريط شائك أمام مبنى مجلس الوزراء في ساحة رياض الصلح كفيلاً بتحويل عشرات النشطاء إلى المحكمة العسكرية، ولم تنتهِ محاكمتهم إلا بعد سنوات، حين استُعمِلت الإستراتيجية ذاتها في تظاهرات انتفاضة 17 تشرين 2019. بحسب مقال في المفكرة القانونية، مَثُل 30 متظاهراً أمام المحكمة العسكرية في أسبوع واحد خلال نيسان/ أبريل الماضي، فيما لا يزال كثر من المتظاهرين ينتظرون محاكماتهم، وتتبع النيابات العامة هذه الطريقة لإرباك الناس وإخضاعهم وتخويفهم من المشاركة بأي تحركات مقبلة.

تقول شادن فقيه لـ”درج”: “المحكمة العسكرية ليست سوى أداة بيد هذا النظام، وهي عبارة عن مجموعة من الرجال المسلحين، تتلقى أوامرها منه من دون اعتراض أو تفكير أو تكوين رأي مخالف وأنا شخص مدني، كيف أُحاكمْ أمام محكمة عسكرية في ظل انهيار شامل للبلد، لم يشهد محاكمة أي رمز في النظام، على العكس يتلطى من تسبب بهذا الانهيار المالي والأمني خلف الحصانات كي لا يمثلوا أمام المحاكمة، فيما تستمر محاكمتي بشكل طبيعي، ليس بسبب تفجير المرفأ، وليس بسبب انهيار العملة، بل بسبب نكتة”.

وتضيف شادن: “المؤسسة الأمنية مؤسسة ذكورية بتكوينها، سخر الفيديو الخاص بي من هيبتهم، ما جعلهم يشعرون بالإهانة، فكيف لامرأة أن تسخر من الرجال ومن مهماتهم الأمنية، وتحول هيبتهم إلى مادة للسخرية، كل هذه العوامل جعلت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تتحرك سعياً إلى تأديبي وتهذيبي، فسخريتي مست برجولتهم”.

واضح أن السخرية تثير سخط النظام وأجهزته الأمنية وميليشياته، فراهناً قامت جريدة “الأخبار” برفقة جمهور محور الممانعة بالهجوم على الكوميدي حسين قاووق، لتمثيله بطريقة هزلية شخصية “علي العلي العلوية” المؤيد للمقاومة، وتم تهديده بالسحل والضرب وتلقى مئات الشتائم، واليوم تحوّل الممثلة الكوميدية شادن فقيه إلى المحكمة العسكرية لسبب مشابه. في بلد “الحريات” يمكن أن تكتب مئات المقالات ولن يعترضك أحد أو تتحول إلى محكمة المطبوعات كحد أقصى، ولكن إياك أن تجعل هذا النظام الهزلي وميليشياته مادة للسخرية، لأنك سوف تدفع الثمن غالياً في المحكمة العسكرية .

إقرأوا أيضاً: