fbpx

حكايات طلّاب وأساتذة علّقت الجامعة اللبنانية مصيرهم… هل يبدأ العام الدراسي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“بدي خلّص آخر سنة حتى فِل، إذا قدرت فل” كلمات تعبّر فيها جيسيكا سركيس، طالبة الدراسات العليا في الجامعة اللبنانية، عن غضبها من الإضراب المفتوح في الجامعة وكأنّه عصا في دواليب أحلام الطلاب الذين يحاولون إنقاذ ما تبقّى منها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتراكم المشكلات في الجامعة اللبنانية مع سوء الإدارة وغياب شبه تام للخطط البديلة التي من شأنها أن تنقذ العام الدراسي المفكّك أصلاً، والذي توّجته جائحة “كورونا”، لتزيد من تلاشيه واضعة الطلاب في نفق مظلم لا يبدو حتى السّاعة أنه سيبصر النور قريباً. 

المستقبل المعلّق

جيسيكا طالبة في فرعيْ الفنار والحدث، ففي كلّ منهما تدرس اختصاصاً، فيما تصبّ أولويتها على فرع الحدث حيث يفترض أن تستكمل سنتها الدراسية الأخيرة في الدراسات العليا كي تنطلق الى سوق العمل، والذي تفضّله، كما معظم الشابات والشبان خارج لبنان. 

تقول جيسيكا لـ”درج” وحالة من الضياع تسيطر عليها، إنّها لجأت الى العمل في غير مجالها حتى تشعر بأنّها “مفيدة للمجتمع ولا تضيع الوقت”، فحتى الساعة لم يتم التصديق على علامات العام الفائت، ولا مهلة معيّنة لإصدارها بشكل رسمي. وهذا يعني أنّ مصير العام الجديد، الذي كان يفترض أن يبدأ في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر ما زال مجهولاً. 

فكرت جيسيكا في الانتقال إلى إحدى الجامعات الخاصّة لعلها تنجو من الجامعة اللبنانية وعقباتها المرهقة، لكن العوائق المتمثّلة بالوضع الاقتصادي الصعب وتأخير المعاملات الإدارية وضعت حداً لهذا الاقتراح فليس أمامها سوى الانتظار. 

بين الملاك، المتفرّغين والمتعاقدين

صحيحٌ أنّها ليست المرّة الأولى التي تشهد فيها الجامعة اللبنانية إضراباً مفتوحاً، إلاّ أنّ هذا العام يشهد إطاراً مختلفاً عن الأعوام السابقة التي كانت تحل عقدها بتسويات بين وزارة التربية وإدارة الجامعة. لكن هذا العام تبدو الأزمة أكبر من التسويات، وضحايا هذا الوضع كثر، الأساتذة المتعاقدون والمتفرّغون وعائلاتهم من ناحية، والطلاب- وهم الضحية الأكبر- من جهة أخرى. 

الأساتذة المتعاقدون هم من فئة غير المثبّتين رسمياً في الدولة اللبنانية أو ما يعرف بالملاك والمتفرّغين، وهم لا يتقاضون راتباً ثابتاً نهاية كل شهر بل بدل ساعات، ولا يتمتّعون بمخصّصات وميزات كما الملاك والمتفرّغين كالاستشفاء مثلاً، لذا قد يكون محصول العام الدراسي كاملاً ما لا يتعدّى الـ16 مليون ليرة لبنانية. وهذا المبلغ الذي كان يساوي نحو 11 ألف دولار أميركي سنوياً، أصبح يساوي اليوم نحو 700 دولار، بسبب انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار ووصولها الى أدنى مستوياتها. 

إقرأوا أيضاً:

خلفيات الإضراب 

انطلاقاً من هنا، يسرد أنطوان أبو زيد، أستاذ متعاقد في كلية العلوم الاقتصادية الفرع الثاني، أنه كان للوضع الاقتصادي البصمة الأكبر على الأساتذة المتعاقدين ما أدّى إلى إعلان الإضراب المفتوح. ويضيف أبو زيد أن انخفاض القدرة الشرائية وغياب الموارد الأساسية لانطلاق العام الدراسي وضع إدارة الجامعة في مأزق. 

هذا الأمر أدى بإدارة الجامعة الى بدء العام الدراسي، في بعض الفروع المفتوحة، من بعد، وهو ما ينتقده أبو زيد معتبراً أنّ لا مبرّر لذلك طالما أن الجامعات الخاصة تعلّم حضورياً على رغم الجائحة. والسبب الرئيسي وراء هذا القرار، بحسب أبو زيد، هو عدم قدرة إدارة الجامعة على تأمين المازوت للمولدات مع الانقطاع المزمن للكهرباء من جهة، وعجز الأساتذة عن تأمين بدل النقل مع الارتفاع الكبير في سعر صفيحة البنزين، متّهماً الحكومة بحجب التمويل عن جامعتها. 

طبعاً الموضوع يتوسّع ليطاول الرواتب والأجور المتدنيّة ما دفع الجسم الإداري الى المداومة سوماً واحداً في الأسبوع وحسب. 

الأساتذة الملاك والمتفرّغين، علّقوا الإضراب بعد الحصول على طلباتهم التي قضت برفع اجورهم الى ما يقارب الضعف، إضافة إلى بعض التقديمات والمحفّزات. وكونهم المهنيين على الجامعة بسبب اللجنة المنظمة التي ينتمون إليها والقدرة التفاوضية الملحوظة، أعلنوا عودتهم الى التعليم وفتح الجامعة جزئيّاً. فهؤلاء عددهم 1600 فقط، يقابلهم 3700 متعاقد ملتزمون بالإضراب. الجدير ذكره أنّ معظم الأساتذة المتفرّغين يعملون في جامعات خاصّة وهذا مخالف للقانون، لكن الدولة تتغاضى عن الأمر.  

ويفيد مسؤول شؤون الطلّاب في فرع علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية عباس غبريص لـ”درج” بأنّ هذه المرّة وصل السيف إلى رقاب الجميع، من إدارة وأساتذة متعاقدين ومتفرّغين وتلاميذ. فالإدارة تطالب بزيادة في الرواتب وكذلك الأساتذة، فحدّة الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان والارتفاع الجنوني في الأسعار تطلّبا تصعيداً من الجميع هذه المرّة. أمّا رئيس الجامعة وهيئتها، بحسب غبريص، فيطلقون الوعود “المورفينية”، لذلك يبدو الأمر مختلفاً هذا العام والإضراب مستمر الى أجل غير مسمّى. 

ولكن حال فروع الجامعة اللبنانية ليست متشابهة، فبعضها أقدم على إطلاق العام الدراسي بعد عيد الاستقلال (22 تشرين الثاني/ نوفمبر)، وفتح باب التسجيل ومنها فرع علم النّفس في الفنار. هذا لا يعني أن الأمر يخلو من المشكلات، على العكس تماماً. مع الانقسام في صفوف الأساتذة والدكاترة، عاد الملاك الى التعليم بشكل طبيعي، أمّا المتعاقدون والمتفرّغون فمستمرّون بالاضراب الى حين إيجاد حلول. وفي هذه الحالة، يشير مجد سلامة طالب علم النفس لـ”درج” الى أنّ الطلاب من أصل 8 محاضرات، يحضرون 4 فقط، مشدّداً على أنّ ذلك يعني أن مصيرهم ما زال معلّقاً فامكانية التخرّج أو الانتقال إلى السنة التالية مستحيلة. 

وأضاف مجد أنّ هناك تلاميذ يسعون لاستكمال دراستهم في فرنسا، إذ هناك تعاقد بين الجامعة اللبنانية والجامعة الفرنسية، ولكنّ حاجز الحصول على الإفادة وإجراء الامتحانات في وقتها في ظل الإضرابات، يفصل بين الطلاب ومستقبلهم في الجامعة الفرنسية. فإلى حين اصدار العلامات وتصديقها مع ما يلزم الطلاب من أوراق رسمية، تكون الجامعة الفرنسية قد أغلقت باب التسجيل من دون عودة. 

الطلاب إداريون 

وفي خضمّ الفوضى الحاصلة، يقوم التلاميذ بالعمل الإداري لمساعدة زملائهم والتلاميذ الجدد، إذ أوضح مجد لـ”درج” أنّهم يستلمون الشّق الإداري. يعمل ممثّلو الطلاب على تقديم الإفادات للإدارة التي تفتح أبوابها بحسب مزاجها، أو يساعدون الطلاب في عملية التسجيل، أو يؤمّنون الأوراق الناقصة. ببساطة، إلى جانب محاولة العودة الى مقاعد الدراسة، يحلّون مكان الإدارة لإنجاز ما يمكن إنجازه. 

يرى مجد أن سوء الإدارة وعدم توحيد المطالب بين جميع المتضرّرين في ظل غياب قيادة بارزة لإيصال الصوت، تشكل السبب الأساس وراء المشكلات غير المحلولة منذ سنوات وحتى اليوم. لا بدّ من تفادي الأزمة الحالية والاّ سيقع الطلّاب في فخ العام الدراسي الذي يساوي 12 شهراً كما حصل العام الماضي، والذي تمكن ترجمته بدفن الطموح إلى حين. 

حاول “درج” التواصل مع نائب رئيس الجامعة اللبنانية ومع وزارة التربية لمعرفة وجهة نظرهما، لكنه لم يتلقّ رداً. 

لا حلول جذرية تلوح في الأفق لإنقاذ ما تبقّى من رهجة الجامعة اللبنانية التي خرّجت أجيالاً متمكّنة عملياً وأكاديمياً. اليوم، أصبح ذكر اسمها فقط كفيلاً بسرد المشكلات اللامتناهية والتأفف مصحوبة ببعض الحسرة على ما آلت إليه في هذه الجامعة، التي يفرّ منها معظم الطلاّب الجدد. الجامعة صورة مصغّرة عن البلد، الشعب يفرّ منه هرباً من الموت البطيء والجامعة يفرّ منها الطلاب خوفاً من أن يمضوا شبابهم وراء قضبانها، في غياب مرجعية تطلق سراحهم. 

إقرأوا أيضاً: