fbpx

رحلة بين سينمات طرابلس…
“أمم” تعيد إحياء أمجاد المدينة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تأخذك كل غرفة من غرف المنزل الشمالي، القديم، الذي يستضيف المعرض إلى حقبة عابرة من تاريخ لبنان حين كانت صالات السينما عامرة تنسج المجتمع وتشكله اقتصادياً وسياحياً وسياسياً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

معرض “طرابلس سكوب، عودٌ على طرابلس في ثقافتِها وممارساتها السينمائيَّة”، يحط رحاله في شكّا، شمال لبنان، حيث افتتحت مؤسسة “أمم” المعرض يوم السبت 11 كانون الأوّل/ ديسمبر، بعد نحو عامين من التأجيل لأسباب عدة، لعلّ أبرزها قيام انتفاضة 17 تشرين، واغتيال الكاتب لقمان سليم (مؤسس أمم) في شباط/ فبراير الماضي.

يأخذك هذا المعرض في رحلة اكتشاف السينما، أو تلك التقنية الأشبه بالسحر التي تنقل أحوال البشر ومشاعرهم الى جدران ورقية في غرف مظلمة.

المعرض الذي يستمر حتّى التاسع من كانون الثاني/ يناير ويستقبل الزوار بين الحادية عشرة صباحاً والخامسة بعد الظهر أيام السبت والآحاد وأيضاً تبعاً للمواعيد، هو وليد سلسلة أبحاث قادتها الصحافيّة الألمانيّة- الفرنسيّة ناتالي روزا بوخر، بالتعاون مع “أمم”. بحث بوخر الميداني المكثّف، إضافة إلى شغفها في ما يتعلق بعالم السينما، والذي يظهر جلياً عبر حماستها وهي تشرح عن المشروع، قاداها إلى العثور على الأرشيف الضخم للشركة السينمائية التجارية (SCCTL) (وهي الشركة التي كانت تدير الكثير من صالات السينما القديمة) الذي عملت على حفظه وترتيبه لإقامة معرض “طرابلس سكوب”، بالشراكة مع “المعهد الفرنسي في طرابلس” و”المؤسسة العربية للصورة”.

تأخذك كل غرفة من غرف المنزل الشمالي، القديم، الذي يستضيف المعرض إلى حقبة عابرة من تاريخ لبنان حين كانت صالات السينما عامرة تنسج المجتمع وتشكله اقتصادياً وسياحياً وسياسياً.

جلست وبوخر على مقاعد قديمة كانت سابقاً جزءاً من صالات السينما، ليعود ويتشكل ذاك الزمن ويسرقنا الحديث الى الحقبة الأجمل في تاريخ طرابلس. تحدّثنا عن الرابط بين دور السينما والتوجهات والموضة وكيف كان الناس والفن في ذاك الزمان العابر.

تقول بوخر: “قيل لي إن بعض الخياطين في المدينة كانوا يكتشفون مسبقاً ما إذا كان هناك فيلم كبير سيأتي إلى الصالات، وإذا كان هناك فستان ما يمكن أن يصبح رائجاً، وذلك لأنهم يعرفون أن بعض السيدات ذوات الإمكانات العالية سيشاهدن الفيلم ويطلبن من الخياطين فستاناً كالذي ارتدته فاتن حمامة أو مارلين مونرو… عندها سيحصل الخياطون على القماش ويصنعون الفستان المنشود. كان الرجال أيضاً ينسخون اللحى والسوالف من بعض النجوم”.

خلال الجولات، واللقاءات اليومية والمقابلات مع أهل المدينة، التقت برجل اسمه رياض شعبان أو “جيمس دين” كما تحب بوخر أن تناديه. لقد شاهد شعبان فيلم  Rebel Without a Cause، الذي كان له أثر كبير عليه، إذ قرر فور مشاهدته الفيلم أنه سيذهب الى أميركا يوماً ما لا محالة. وبالفعل، انتهى به المطاف في العيش في الولايات المتحدة لسنوات واختار لوس أنجلوس وذهب بالضبط إلى الأماكن التي تم تصوير بعض مشاهد الفيلم فيها.

تسرد بوخر المزيد من القصص حول تأثير السينما في توجهات الأشخاص. تحدّثنا عن شاب آخر قام بدفع ثلاثة أرباع راتبه الأول ليحصل على زوج من جينز جيمس دين. تضيف بوخر: “أتذكر أنني سألته عما إذا كان الأمر يستحق العناء وأجاب نعم”. وتشير بوخر إلى رجل كان يذهب كثيراً إلى دور السينما وكان مهتماً جداً بأفلام بروس لي Kung Fu، ما دفعه إلى اختيار رياضة الكاراتيه، وتردف هنا: “أعتقد أن هذا هو الرابط الذي نتحدث عنه بين عالم السينما والأفراد”.

إقرأوا أيضاً:

الجزء المتعلق باللغة مثير للاهتمام أيضاً فبعض الأشخاص لم يشاهدوا أبداً الأفلام الفرنسية أو الإنكليزية، وقال البعض إنهم لم يشاهدوا فيلماً عربياً أبداً. ربما كان هذا موقفاً سياسياً، دفاعاً عن العروبة أو رفضاً للتمثّل بالغرب. 

كانت دور السينما مخصصة لعرض الأفلام بشكل أساسي، ولكن، غالباً ما كانت تستخدم قوّة الصناعة السينمائية سياسياً من قبل الأحزاب والأطراف السياسية، مثل الفلسطينيين و”الحزب الشيوعي”، لأغراض سياسية. “كان يتم استخدام دور السينما على نطاق أوسع بكثير مما هو عليه اليوم” تقول بوخر.

أما مونيكا بورغمان، وهي باحثة مستقلة مهتمة بالأرشيف وتاريخ السينما ومديرة مركز أمم للتوثيق والأبحاث الذي أسَّسَتهُ مع زوجها الراحل لقمان سليم فتقول: “إحياء تاريخ السينما هو جزء من مهمتنا، إنه جزء مما تفعله “أمم”، التي تعالج وتحفظ الأرشيفات حول التاريخ الاجتماعي والسياسي والثقافي للبلد. لقد قمنا سابقاً أيضاً بإنقاذ المحفوظات من استوديوات بعلبك ، كما عملنا كثيراً حول الحرب”. وتضيف بورغمان: “عندما ذهبت إلى طرابلس، كنت مندهشة حقاً من امتعاض الناس بسبب غياب السينما عن الساحة الطرابلسية، حتى من الذين قد لا نتوقع ذلك منهم”.

وتضيف بورغمان حول تأثير السينما: “الثقافة والمعارض ودور السينما تمكنها حقاً معالجة الموضوعات الصعبة بطريقة مبتكرة، ودور السينما في لبنان كثيراً ما عالجت ولا تزال تعالج موضوع الحرب الأهلية، بمعنى آخر، السينما هي وسيلة للتعامل مع ماضي”.

وفي المعرض أرشيف هائل حول عالم صالات السينما بكل تفاصيله، ما أن تدخل المبنى حتى تخال نفسك اقتلعت من زمن الحوكمة والانترنت والسرعة ويندثر هاتفك الذكي، وتعود الحياة الى الأوراق الصفر القديمة، لتدخل إلى عالم موازٍ، عالم أجمل بكلّ تفاصيله من ملصقات الأفلام العربية والهندية، والأوروبية والأميركية، إلى أفلام الحب و”الأكشن” والإباحية، أضف إلى ذلك، فواتير الكهرباء وعقود الإيجار والتي يعود بعضها إلى خمسينات القرن الماضي، مروراً ببعض الوثائق الرسمية التي تجيز عرض الأفلام، وصولاً الى جداول الأسعار وتقسيم المقاعد.

قد تساعدنا السينما على فهم الطبيعة البشرية وسبر أغوارها، هي المسرح أيام شكسبير، والرسم أيام دافنشي، والنحت أيام مايكل أنجلو، نفشل في صياغة تعريف واضح للسينما فهي عالم قائم بحدّ ذاته. الريفولي وبالاس وروكسي وكابيتول ودنيا وأوديون ورومانسي وأمبير وركس، هذه ليست سوى عينة من صالات السينما الآتية من الذاكرة الطرابلسية، فهل تعود أمجادها يوماً؟

إقرأوا أيضاً: