fbpx

خطة الحكومة اللبنانية: مزيد من الإفقار
وتحميل المودعين خسائر إضافية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تتجه الخطّة الحكوميّة إلى تحميل المودعين الجزء الأكبر من خسائر القطاع المصرفي، عبر مجموعة من الإجراءات المجحفة بحقّهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تكن عودة الاحتجاجات الأخيرة، ضد إجحاف المصارف بحق المودعين، عبثيّة التوقيت أو الوجهة السياسيّة. كما لم يكن من قبيل المصادفة أن تتزامن عودة هذه الاحتجاجات، مع توجيه نقيب المهندسين رسالة لصندوق النقد الدولي، يتركّز الجزء الأساسي منها على أزمة ودائع النقابة المحتجزة داخل النظام المصرفي، والتي باتت تنعكس على قدرة النقابة على تأمين التغطية الصحيّة لمنتسبيها، ناهيك بقدرتها على تمويل برامج التقاعد الخاصّة بها. النقيب أكّد في رسالته بدء النقابة تشكيل “قوّة تمثيليّة” مع سائر نقابات المهن الحرّة والنقابات والاتحادات العماليّة ورابطة المودعين، بهدف الضغط لحماية مصالح هذه الفئات التي تمثّل واحدة من كبرى مجموعات المودعين في النظام المصرفي. 

وفي الوقت نفسه، تسارعت وتيرة الأحكام القضائيّة المحليّة بحق المصارف اللبنانيّة من جديد، وآخرها إلقاء الحجز الاحتياطي على أصول عقاريّة يملكها مصرفا FNB وبنك لبنان والمهجر، على خلفيّة امتناع  FNB عن سداد قيمة وديعة بقيمة 1130 دولاراً، احتاجتها سيّدة مسنّة لأسباب إنسانيّة، وتمنّع بنك لبنان والمهجر عن سداد غرامة إكراهيّة لمودع تم إقفال حسابه لمجرّد مقاضاته المصرف. وبذلك، لم يعد المصرفان قادرين على التصرّف بهذه الموجودات العقاريّة التي وقعت تحت الحجز الاحتياطي، إذ يفترض أن يكون الحجز ضمانة لسداد قيمة هذه الالتزامات المتوجّبة عليهما. هكذا، عاد سلاح الدعاوى القضائيّة ليفرض نفسه من جديد في معادلة المواجهة بين المصارف والمودعين، رفضاً لتكريس حالة التمنّع عن الدفع كأمر واقع مفروض على عملاء المصارف. 

وفي ملف غير بعيد من المواجهة القضائيّة، استمرّت قضيّة المودع عبد الله الساعي بالتفاعل في منطقة البقاع الغربي، بعدما نال حيّزاً واسعاً من التضامن الشعبي والحقوقي إثر توقيفه من قبل القوى الأمنيّة. 

قضيّة عبدالله الساعي تمثّل نموذجاً لحالة المودع الذي اضطرّ إلى انتزاع حقّه بالقوّة من بنك “بيروت والبلاد العربيّة”- فرع جب جنّين، إذ أثارت قصته اهتمام الرأي العام نظراً لتحرّك القضاء اللبناني ضد المودع بعد قيامه بتلك الخطوة، في حين أن المصارف اللبنانيّة تمكنت منذ أكثر من سنتين من التمرّد على جميع القوانين المرعيّة الإجراء في علاقتها مع المودعين. 

باختصار، تتقاطع الأحداث التي تؤكّد عودة ملف المودعين وأزمتهم للتفاعل على مستوى التحرّكات الاحتجاجيّة والإعلاميّة والقضائيّة والنقابيّة. وهذه التطوّرات التي تزامن حصولها في وقت واحد خلال الأيام الماضية، تتصل بدورها بالنقمة التي بدأت بالظهور لدى جميع فئات المودعين اليوم، مع تسرّب المقاربات التي تعدّها الحكومة حاليّاً للتعامل مع أزمة النظام المصرفي في إطار خطتها الماليّة، وتحديداً تلك التي تحمّل نسبة ضخمة من الخسائر للمودعين بأشكال مختلفة. وفي أي حال، يفترض أن تكون هذه الخطّة بالتحديد موضوع مباحثات صندوق النقد مع ممثلي الحكومة اللبنانيّة راهناً، وهو ما يفسّر عودة الاحتجاجات إلى الشارع في هذا التوقيت بالذات، وتحرّك النقابات المتضرّرة ورابطة المودعين باتجاه صندوق النقد للضغط ضد المقاربات التي قامت بإعدادها الحكومة. ولهذا السبب بالتحديد، وكما ذكرنا سابقاً، لم يكن تسارع هذه الأحداث معاً وفي وقت واحد من قبيل المصادفة. 

إقرأوا أيضاً:

إقصاء المودعين والنقابات من صياغة الخطّة

أزمة نقابات المهن الحرّة والنقابات العماليّة ورابطة المودعين، بل وجميع المودعين عموماً، تكمن أولاً في مقاربة الحكومة الحاليّة لملف الخطّة الماليّة، التي لم تتسم حتّى اللحظة بأدنى شروط الشفافيّة، من جهة إشراك ممثلي الفئات المتأثّرة بالخطة في عمليّة صياغتها، خصوصاً كون هذه الخطّة هي ما سيحدد لاحقاً مصير أموال المودعين والنقابات المحتجزة داخل النظام المصرفي. لا بل لم يقم الوفد الحكومي المكلّف بإعداد الخطّة بعرض أي تفصيل يتعلّق بطريقة التعامل مع هذه الودائع أمام الرأي العام، أو أمام النقابات والهيئات التي تعمل على تمثيل مصالح المودعين كرابطة المودعين. وعلى رغم أن الوفد يستعد لعرض مقاربات توزيع الخسائر على بعثة الصندوق، مازال اللبنانيّون يجهلون تماماً طبيعة الحلول التي تبنّاها الوفد اللبناني قبل انتقاله لمرحلة مناقشتها مع صندوق النقد. 

ولهذا السبب بالذات، شددت رسالة نقيب المهندسين لصندوق النقد على ضرورة التزام الصندوق بمبادئه بشأن مشاركة منظمات المجتمع المدني وأصحاب المصلحة في المشاورات التي تسبق تبنّي أي خطة تصحيح مالي، ناهيك بفتح هذه المباحثات للتدقيق والنقاش العامين. وللتشديد على أهميّة انتهاج الصندوق هذا النمط في التعامل مع الخطّة، أعاد النقيب التذكير بالشكوك القائمة بمشروعيّة مصرف لبنان والحكومة اللبنانيّة ومن يقف خلفهما من المنظومة السياسيّة الحاكمة، فيما خلص إلى أنّه “من غير المقبول حتى اليوم إبقاء الشعب اللبناني والصحافة ومجموعة واسعة من أصحاب الحقوق، مثل نقابة المهندسين، بلا علم بما يحدث، بينما تتم مناقشة الخيارات خلف أبواب مغلقة”.

في كل الحالات، من المعلوم أن صندوق النقد انتهج خلال الأعوام الماضية سياسة “إشراك أصحاب الحقوق” في الخطط الماليّة التي يقوم بالتفاوض عليها مع الدول المعثّرة، أي إشراك الشرائح الاجتماعيّة المتأثّرة بهذه الخطط. كما بات صندوق النقد يتشدّد في اشتراط “وجود إجماع مجتمعي” على الخطط الماليّة التي يقوم بالتفاهم عليها مع سلطات هذه الدول، قبل الشروع بتطبيق هذه الخطط. ولعلّ تجربة صندوق النقد مع تونس كانت واضحة من هذه الجهة، إذ طلب الصندوق إشراك المعارضة والاتحاد التونسي للشغل والتفاهم معهما في مباحثات الخطة الماليّة للدولة، قبل الشروع بإقرار الخطة. 

ومن هنا، يمكن القول إن رسالة نقيب المهندسين، الذي يعمل اليوم على خلق إطار تمثيلي جامع للنقابات والمودعين، راهنت على إلزام الصندوق بهذه السياسة المعلنة، وفرض تفاوض الصندوق أو الدولة مع هذا الإطار التمثيلي قبل التفاهم على أي خطّة ماليّة بين الحكومة وصندوق النقد.

تحميل المودع خسائر المصارف

كما أوضحت التسريبات، تتجه الخطّة الحكوميّة إلى تحميل المودعين الجزء الأكبر من خسائر القطاع المصرفي، عبر مجموعة من الإجراءات المجحفة بحقّهم. من هذه الإجراءات مثلاً، استعادة جميع الفوائد التي تم دفعها للمودعين بالعملات الأجنبيّة منذ عام 2015، ومن ثمّ دفعها بالليرة اللبنانيّة وبأسعار صرف منخفضة جداً. كما تعمل اللجنة الحكوميّة على فرض بنود أخرى داخل الخطّة مثل استعادة دولارات الودائع التي تم تحويلها من الليرة إلى الدولار الأميركي منذ سنتين وثلاثة أشهر، ومن ثم دفعها بالليرة وبسعر صرف مجحف أيضاً. 

أمّا أخطر ما في الخطة، فهو بعض البنود التي تفرض تحويل جزء من الودائع الكبرى إلى سندات دين على المصارف، لا يمكن تسييلها، وهو ما سيطاول بشكل أساسي أموال النقابات والصناديق التقاعديّة والتعاضديّة المودعة داخل النظام المصرفي. كما ثمّة مقترحات أخرى تطاول الودائع متوسّطة الحجم، بحيث يتم فرض سداد هذه الودائع بالليرة اللبنانيّة، وبسعر يقل عن سعر الصرف الفعلي في السوق، ما سيعني مجدداً تحميل هذه الفئة اقتصاصاً صريحاً من قيمة ودائعها. 

من هنا يبدو أن السريّة التي تحيط بالخطّة الحكوميّة في الوقت الراهن، تستهدف تأجيل النقمة الشعبيّة التي ستنتج عن هذا النوع من الإجراءات، ومن ثم فرض الخطة كاملةً كأمر واقع بعد إنجاز التفاهم مع الصندوق. وبذلك، سيكون المودعون ومعهم النقابات المتأثّرة بالأزمة المصرفيّة الضحيّة الأولى لمسار التصحيح المالي، بعد الاقتصاص من قيمة ودائعهم، على حساب تخفيض قيمة الخسائر التي سيتحمّلها أصحاب المصارف في إطار الخطّة من رساميلهم. 

أما الرهان الوحيد، فهو على قدرة الفئات المتضرّرة على التكتّل في سبيل حماية مصالحها والحؤول دون السير بخطة ماليّة من هذا النوع، عبر تشكيل “إطار تمثيلي” يشمل النقابات والهيئات التي تمثّل مصالح المودعين، ومن ثم فرض موقع هذا الإطار في المعادلة. رسالة نقيب المهندسين أشارت إلى إطلاق النقابة مبادرة من هذا النوع، وهو ما يفترض أن نترقّبه خلال المرحلة المقبلة. 

إقرأوا أيضاً: