fbpx

بعض من سيرة مصطفى بكري:
“الذكوري” الخائف على قيم المجتمع المصري

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يعرف بكري كيف يحافظ على النجومية ويدعم أسطورته كرجل “مدافع عن الأخلاق والقيم المصرية”، فحين يجد شيئاً يهاجمه المصريون لأنه يمس قيمَهم، يقدم طلب إحاطة ويطلق تصريحات صاروخيه ويقود حملة منظمة للتحقيق فيه ومواجهته، باستخدام ما يملكه من صلاحيات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في الفترة الأخيرة، قاد السياسي المصري المعروف مصطفى بكري خط الهجوم على فيلم “أصحاب ولا أعز”، النسخة العربية من الفيلم الإيطالي الأصل Perfect Strangers، المعروضة على منصة “نتفليكس”، واعتبره عملاً تجارياً يستهدف الأسرة المصرية، رغم أن الفيلم عربي مصوّر في لبنان وكل علاقته بمصر أن منى زكي إحدى بطلاته. 

شبّه بكري الفيلم بـ”حروب الجيلين الرابع والخامس التي تستهدف الدول الوطنية ومؤسساتها وتسعى لتفكيك المجتمعات”. وقال إن الفيلم “يضرب منظومة القيم ويفكك الأسرة باعتبارها البناء الأول في المجتمعات وأن نتفليكس أهدافها معروفة لإحداث تطبيع في العالم الشرقي والعربي والإسلامي مع قضايا معينة”.

لم يكتف بكري بكل ذلك، وكان يقصد بـ”قضايا معينة” المثلية الجنسية تحديداً، فأضاف أنه حين كان نائباً برلمانياً ما بين 2005 و2010 قال أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب في ذلك الوقت، إن هناك ضغوطاً تمارس على مصر للإقرار بمشروعية المثلية الجنسية، وهذا يكشف عن أبعاد المؤامرة التي تستهدف مجتمعاتنا بالأساس، وتتصادم بشكل عنيف مع قيمنا المجتمعية”. واعتبر فيلم “أصحاب ولا أعز” جزءاً من المؤامرة، الممتدة منذ أكثر من 15 عاماً، لأن “هناك حالة تعاطفاً مع الشخصية المثلية التي ظهرت خلال أحداث العمل”.

يحمل بكري خليطاً عجيباً من العداء للسينما المختلفة، التي تحمل أفكاراً لا تروق للحرس القديم، الكتلة التي لا تستسيغ التجديد وتقاومه حتى النهاية تحت شعار “الحفاظ على منظومة القيم”، وفي الحقيقة، تحرس المواكب الملكية التي تحمي مصالحَها. ففي ندوة عقدتها تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين (الذراع الشبابية للدولة المصرية)، هاجم بكري المنتج (وهو يقصد محمد حفظي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي والجانب المصري في إنتاجات نتفليكس)، بأنه “منتج معروف بمواقفه المعادية للقيم، وأذكر منها فيلم (ريش) بما أحدثه من ضجة، وفيلم (اشتباك) الذي نفذه بعد 30 يونيو”.

حارس “دولة الأخلاق”…

يكشف هجومه الأخير على فيلم “أصحاب ولا أعز” جانباً من توجهات “بكري”، فهو حارس الدولة المصرية العميقة، لم يكن يوماً عابراً أو عادياً كالذين يبزغ نجمهم في فترات ثم تخفيهم الأجهزة الأمنية أو تهمّشهم أو تنحيهم جانباً، إنما بقي مستفيداً وداعماً من الدرجة الأولى، فلديه الكثير من الأسرار والعلاقات والتاريخ  الذي يجعله حاضراً في كل المشاهد. يعبر من دولة إلى دولة ومن نظام إلى آخر بسلاسة، وإذا كان مصطلح “الدولة العميقة” قد تردَّد طويلاً بشكل عابر وعبثي وعشوائي لوصف بقايا نظام بائد، أو موظفي المؤسسات الحكومية، أو غيرهم من الوجوه القديمة، فمصطفى بكري هو نموذج الدولة العميقة الذي يمكن القياس عليه دائماً. 

منذ ظهوره الأول، يحمل بكري أجندة مصالح وعلاقات متشابكة من جميع التيارات المتناقضة، التي كان يعمل بينها وسيطاً، فبرغم أنه في الأصل صحافي، إلا أنه تخلّى عن تلك الصفة لفترات طويلة لحساب صفة السياسي والبرلماني الذي يريد الحفاظ على كرسيه في مجلس النواب، ولأجل ذلك، يفعل أي شيء. 

يراهن على كونه صعيدياً، من جنوب مصر، حيث العائلات والقبائل والتشدّد العرقي والقَبَلي والعائلي، وعلاقات المصالح المتشابكة بين الأسر، التي تمنح من يمسك بخيوطها، بخاصة إذا لم يكن دخيلاً على الصعيد وكان واحداً من أبنائه، أهمية خاصة، فلسنوات طويلة، وتحديداً عقد التسعينات الذي كان عامراً بالإرهاب في الجنوب، وكلَّله الهجوم الإرهابي في الأقصر عام 1997، كانت الأجهزة الأمنية والدولة تحتاج أبناء الصعيد لاحتواء الموقف ومواجهة الإرهاب إلى جانب الدولة. وكان من ضمن تلك المواجهة تزويدهم بكميات كبيرة من السلاح وتخفيف القبضة الأمنية، فكان بكري ومن هم على شاكلته وسطاء، ومن هنا بنى أسطورته. 

وكي تنجح الوساطات، قدّم خدمات كثيرة لأبناء الصعيد، وعيّن ذويهم في وظائف، وأوجد لهم أعمالاً وحل مشكلاتهم وساعدهم مالياً وفك كربهم وأخرجهم من السجون بعلاقاته مع أجهزة الدولة، فلم يعتبروا تلك الأشياء فساداً ومحسوبية أو خرقاً لمنظومتي “الكفاءة والعدالة”، إنما اعتبروها اهتماماً واعتناءً ووداً ووصلاً لا ينقطع، وعلى مدار نحو 40 عاماً من العمل الميداني هناك، كوّن “عزوة” وشعبية هائلتين بين من رأوا فيه “رجل الخير وكبير الصعيد”. فأصبح رقماً صعباً في أي معادلة تخصّ الصعيد. تستعين به الدولة (بأنظمتها المتعاقبة) في إزالة المشكلات والأزمات وتقديم الاستشارات وحل الألغاز، بخاصة أن الصعيد مجتمع قبلي معقد يحمل إرثاً طويلاً من التشابكات والعادات والتقاليد. ولا يجيد سبر أغواره إلا من جاءوا من داخله، وكانت مكافأته أن يظل نائباً.

عاشق الديكتاتوريين… من عبد الناصر إلى صدام حسين والقذافي وبن علي!

منذ ذلك الوقت، أجاد لعبة التلوّن واللعب على كل الأحبال، فكان مقرباً من نظام حسني مبارك، ولم يجد مشكلة في الحصول على أموال من نظامي معمّر القذافي وصدام حسين (اللذين يدافع عنهما باعتبارهما رمزين للاستقلال والعروبة حتى الآن) وذلك لتمويل صحيفته “الأسبوع”، التي كانت في التسعينات ومطلع الألفية إحدى أكثر الصحف المصرية توزيعاً. كان يحضر مؤتمرات في العراق وليبيا برعاية الرئيسين، اللذين تربطه بهما علاقة قوية، بناها بفضل انتمائه “العروبي” والشعارات العروبية والناصرية التي يروّجها ويتبنَّاها طوال الوقت، فجعلته واحداً من كبار الناصريين في مصر. والناصرية في عهد مبارك، كانت لعبة الصحافيين والنشطاء للتقرب من الأنظمة “العروبية” النفطية، التي كانت تتمتّع بنزعة عربية جارفة، وتدفع مقابر نشرها والحفاظ عليها كثيراً، لدعم قوتها الناعمة ورفع صوتها في الدول الشقيقة.

وبرغم أن بكري أحد المدافع المصوّبة باتجاه كل من يحصل على تمويل أجنبي، يهاجمه ويخوّنه ويتهمه بالعمالة إلى حد قوله أنهم “أخطر على مصر من العنف والإرهاب”، إلا أنه أحد أكبر الحاصلين على تمويلات في تاريخ الصحافة المصرية، وله رحلة طويلة، كشفت بعضاً منها وثائق رسمية، وأغلبها، إن لم يكن جميعها، من زعماء دول سقطوا بثورات وديكتاتوريين. 

عام 2019، أصدر ديوان المحاسبة الليبي تقريراً حول المخالفات المالية الحكومية، وكشف أن قناة “الساعة” المصرية، التي أنشأها وأدارها بكري، حصلت على ملايين الدولارات برغم أنها مغلقة منذ 9 سنوات. ويعني ذلك أنها كانت تحصل على تمويلات ليبية طوال فترة عملها، ثم حتى بعد إغلاقها.

وبعد الثورة التونسية، صدر “الكتاب الأسود” المأخوذ من وثائق الأرشيف الرئاسي في عهد المخلوع زين العابدين بن علي ليكشف عدداً من الصحافيين المصريين الذين تقاضوا منحاً ورشاوى باعتبارهم متعاونين مع نظام بن علي، وكان في مقدمتهم بكري بـ15 ألف دولار، حصل عليها من وكالة الاتصال الخارجي التابعة للرئاسة التونسية.

وبحسب برقية مسربة ضمن تسريبات “ويكيليكس”، عام 2015، من سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، إلى مستشار الديوان الملكي، فإن السفير السعودي قابل مصطفى بكري، الذي طلب منه تمويلاً لتحويل جريدة “الأسبوع” من أسبوعية إلى يومية، وكذلك إنشاء محطة فضائية لمواجهة المد الإيراني في مصر، وإطلاق حزب سياسي. وذلك بعدما أبلغه أن الإيرانيين تواصلوا معه ضمن إعلاميين مصريين آخرين، لكنه فضّل المملكة.

لم يكن هناك مجال للغضب على بكري بسبب طموحه المالي الكبير، برغم أن الأنظمة والأجهزة دائماً ما تحب الانفراد برجالها، إلا أنه كان متعدّد العلاقات والمصادر، وكان مهماً للدولة في تسوية ملف الصعيد. يمنحها الكثير، وهو ما حافظ له على استقلاليته في إدارة مصالحه وثرواته ولعبته الانتخابية.كان يعقد صفقات انتخابية مع الإخوان المسلمين، وبعدها أصبح الصحافي المقرّب من الجيش، وظل على وفاقه مع الإخوان ومديحه لهم، ثم انقلب عليهم، حين تبيّن الخيط الأبيض من الأسود وعرف أن رحيلَهم مسألة وقت ليصبح أشدّ المتعصبين للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وقال: “سننتخب السيسي رئيساً للدولة أراد أم لم يرد”. 

تلك الاستقلالية جعلته مؤسسة قائمة بذاتها، فلا ينتمي لمؤسسات الدولة الإعلامية، لا يعمل في إحدى قنواتها، بل قناة خاصة تابعة لرجل أعمال وهي “صدى البلد” المملوكة للملياردير محمد أبو العينين، ولا يرأس تحرير صحيفة تدفع لها الدولة بشكل مباشر، بل ظل يرأس تحرير صحيفته “الأسبوع”، وذلك لأنه ليس “رجل الدولة” دائماً، فأحياناً تنوي الدولة على شيء كهدم الأبراج والمباني المخالفة، التي تورّط بها الكثير من المواطنين في القرى والصعيد، لينحازَ بكري للناس بطريقة ناعمة، فيحاول التوصل إلى حل وسط، يرضي الدولة ولا يعصف بالناس، فيتدخل لحساب العمال مرة، وينتقد وزيراً مرة. يخلق التوازن الذي يجعله قريباً من الناس دائماً. وهذه التركيبة تحل لغز انحيازه الدائم لـ”القيم”. 

إقرأوا أيضاً:

تحرش بإعلامية لبنانية؟

منذ بداية ظهوره، وهو الشاب الآتي من قرى الصعيد بإرثها الأخلاقي والقيمي الثقيل، وجد مصطفى بكري نفسه مضطراً للحفاظ على تلك القيم ودعمها، وإدخالها في حديثه ليجذب جمهوراً ومريدين وكأنه “شيخ عرب” وليس صحافياً، فإذا كان هناك قانون يفصل في مسألة المواريث، بينما يتحدث بكري عن أزمة خاصة به، لن تجده منحازاً للدولة المدنية، ويقدم على الحل باستخدام القانون، بل يتطرّق إلى الأعراف والتقاليد ومقتضياتها وتجارب الأجداد والأهل و”ما تربينا عليه في صغرنا”، حتى يصلَ إلى الحل؟ وذلك لأنه يعرف الفئة التي يخاطبها تماماً، فهي لن تتقبَّل القوانين بقدر استجابتها للعادات والتقاليد والأعراف، ولن تتقبل أيضاً حقوق المرأة، فتحوّل بكري إلى “الذكوري الأول” وصديق الرجال والمدافع عنهم، لا سيما أن المجتمع الذي يداعبه يحكمه الرجال، والمرأة هامشية. 

ذلك الأسلوب يفيده في عمله السياسي والبرلماني. لقد كان أشبه بصناعة “العلامة التجارية الشخصية” وصوغ المشروع السياسي الذي يرتبط دوماً بالأخلاق الحميدة وقيم المصريين القديمة والعادات والتقاليد وإرث الماضي، بغض النظر عن الحداثة والحريات الشخصية أو السياسية أو القوانين أو العلم.

وكلما كان يحتكر الحقيقة، ويهاجم الحريات الشخصية، ويحرض على سلب الحريات وينشر أخباراً كاذبة حول أي شيء لا يريده، تضاعف التصفيق وأضاف ذلك لرصيده لدى قبيلته وعزوته في الصعيد وقرى مصر، فإذا بحثت عن مصطفى بكري في مواقع التواصل الاجتماعي، لن تجد سوى سخرية وصور متهكمة واختلافات وشتائم. وبرغم ذلك، يملك بكري جمهوراً كبيراً يتابع برنامجه، ويمنحه أصواته الانتخابية التي تضمن له كرسي مجلس النواب منذ أكثر من 20 عاماً. وإذا مشى في الشارع، سيجد المئات الذين يعرفونه ويلتقطون صوراً معه، ويطلبون منه حل مشكلاتهم وإعانتهم. وحينها، سيطلب أرقامهم ومستندات ويسعى لحل المشكلة بالفعل، فالرجل عرف مبكراً أن الناس هم ذخيرته الحية، فصار ما يُروى عنه دائماً تواضعه وعمله للخير دون ذكر تلونه السياسي أو عدائه للحريات أو دعمه الديكتاتورية أينما حلَّت.

وفي خضم ثورته الأخيرة على فيلم “أصحاب ولا أعز”، كتبت الإعلامية اللبنانية ديما صادق، أنها كانت في القاهرة تعد بحثاً للماجستير، فاتصلت ببكري تطلب موعداً، فوجدت منه رداً مريباً، أرسل لها ليلاً “بوكيه ورد مع تليفون مفاده أنه نناقش الرسالة عندك بالأوتيل؟”. اندهشت ديما من رد الفعل: “يومها أخذ رداً يليق به كزوج وأب حريص على الأخلاق المصرية”. 

دُهش كثيرون من القصة التي روتها ديما صادق، فالصورة الذهنية حول مصطفى بكري أنه رجل محترم وكبير مقاماً ولا يمكن أن يفعل ذلك، ولأن الكتلة الكبيرة من المصريين تميل إلى تلك “القيم” التي كبرت عليها، يعرف بكري كيف يحافظ على النجومية ويدعم أسطورته كرجل “مدافع عن الأخلاق والقيم المصرية”، فحين يجد شيئاً يهاجمه المصريون لأنه يمس قيمَهم، يقدم طلب إحاطة ويطلق تصريحات صاروخيه ويقود حملة منظمة للتحقيق فيه ومواجهته، باستخدام ما يملكه من صلاحيات، باعتباره عضواً برلمانياً وصحافياً ومقدماً للبرامج وسياسياً تستضيفه الندوات والمؤتمرات باستمرار ليقول رأيه.

تناقضات بكري “الذكورية”: هل فساد صفوت الشريف لا يضر “قيم المجتمع”؟

سجل بكري الحافل بالتناقضات يجعله دائماً محل نقد، فلن تجد له داعمين بناءً على مواقفه السياسية، فمواقفه دائماً ما تتغيّر. ينحني لجمال مبارك ثم يهاجمه ويهيل بالتراب على عهد والده، يمدح ثورة 25 يناير ثم يهاجم شبابها، يدعم سامي عنان (منافس السيسي) ثم ينقلب عليه ويدعم السيسي، يحضر مؤتمرات برفقة الإخوان المسلمين، ثم يكون أول من يقدم شهادات معادية لعهدهم ويبذل الكثير لمحاكمتهم. وتلك التناقضات تلازمه منذ بداياته المهنية.

أوحى للجميع بأنه شيوعي ويساري، فعُيّن صحافياً في جريدة “الأهالي” التابعة لـ”حزب التجمع اليساري”، الذي كان يرأسه المفكر رفعت السعيد، ثم يكتب مقالاً في مديح مبارك في الصحيفة، التي يفترض أن تكون معارضة له، ويصفه بـ”البطل الذي أنقذ البلاد من الفوضى بعد انقلاب الأمن المركزي”. اتصل به مبارك في ذلك الوقت، وشكره، ونقله إلى مجلة “المصوّر” الحكومية، فنقل توجّهاته من صحيفة يسارية معارضة إلى أخرى حكومية ساعدته على إقامة علاقات مع رجال النظام، وهو ما كان حافلاً بـ”الضرب تحت الحزام” بين رموزه، لكن من المعروف أنه كان محسوباً على صفوت الشريف، الذي حضر حفل إطلاق صحيفة “الأسبوع” التي كانت تصدر باعتبارها صحيفة معارضة لنظام مبارك، ولذلك وصف الشريف بعد وفاته بـ”حمامة سلام بين الجميع وصاحب بصمة واضحة في الإعلام المصري”!

تلك المعارضة الكرتونية التي شملت صحفاً عدة لإرضاء الديموقراطية الغربية…. وكان معظم رجالها ورؤساء تحريرها، آتين من صحف حكومية كعادل حمودة، الآتي من مجلة “روز اليوسف” ليؤسس صحيفة “صوت الأمة”، وإبراهيم عيسى الذي ترك “روز اليوسف” ليؤسس “الدستور”، ومجدي الجلاد الذي انتقل من “الأهرام” ليؤسس “المصري اليوم”. ركب بكري تلك الموجة وأسّس صحيفة “الأسبوع” بنزعته العروبية، فتدفّقت التمويلات من رجال أعمال ناصريين ثم رؤساء دول كالقذافي وصدام حسين، وأصبح يمارس عمله في حراسة صفوت الشريف، الذي كان صاحب اليد العليا في تدجين الصحف والقنوات التلفزيونية وإدخالها حظيرة الدولة وتجنيد المعارضة، باعتباره وزيراً للإعلام لنحو 20 عاماً. وكان قبل توليه وزارة الإعلام ضابط مخابرات متورطاً في قضية “فساد المخابرات” الشهيرة التي أطاحت برئيس المخابرات الأشهر فساداً في تاريخ مصر، صلاح نصر، بعد نكسة 1967، لاستخدامه أساليب الابتزاز وتجنيد الفنانات وتسجيل شرائط جنسية باعتبارها أداة من أدوات الحكم، وكان يوصف بـ”الذئب” لقوته وقدرته على المراوغة التي سمحت له بأن يكونَ الوحيد الذي صعد السلم السياسي مع مبارك منذ يومه الأول في الحكم حتى اليوم الأخير.

وكان الاسم الحركي لصفوت الشريف في تلك اللعبة، التي كان أحد أبطالها، هو “موافي”. حاكمه جمال عبد الناصر بحلول 1968 وأحاله للتقاعد حين كان عمره 35 سنة، لفساده قبل أن يستعين به السادات بعد ذلك بـ10 سنوات، واعترف في تحقيقات تلك القضية بـ”الحصول على صور أو أفلام تثبت وجود علاقة جنسية مشينة للشخص المطلوب السيطرة عليه لاستغلال الأمر”. 

تولى “موافي” ترشيح المندوبات واستئجار شقق وزرع أجهزة التسجيل، ومن بين اللواتي حاول تجنيدهن كانت سعاد حسني، التي انتهت قصتها باغتيالها أو انتحارها في لندن، وثبت عليه بعد زوال عهد مبارك الكسب غير المشروع، بينما يراه بكري صاحب بصمة في الإعلام وحمامة سلام. ولم يثر أي جدل طوال 40 عاماً حول تلك القضية بل دعاه إلى افتتاح الصحيفة التي يرأس تحريرها قبل أكثر من 20 عاماً. ألم يكن صفوت الشريف خارقاً لقيم المجتمع وأخلاقه أكثر من فيلم “أصحاب ولا أعز”؟

جمال مروان ومحمد الأمين… خطايا الرجال “مغفورة لهم”!

الحالة الثانية التي تثبت على بكري تناقضه في الدفاع عن القيم والأخلاق لجمال مروان، حفيد جمال عبد الناصر، الذي يعتبره بكري زعيمه المفضّل، ويقيم علاقات مستمرة مع أبنائه تكلّلها الزيارات السنوية إلى قبر الزعيم في ذكراه. وكان جمال مروان، حفيد جمال عبد الناصر لابنته منى. 

تزوّج الفنانة قمر سراً وأنجب منها، وأنكر نسب نجله، وأنشأ مجموعة قنوات “ميلودي” التي كانت “تتحدى الملل” بإعلانات تقوم على تسليع المرأة وابتذالها والنكات الجنسية التي تستهدفها، وأثارت جدلاً كبيراً في مصر في ذلك الوقت. كانت الأسرة المصرية تهاجم “ميلودي” باعتبارها خطراً على أبنائها وقيم المجتمع، فقد كانت من أكثر الأشياء ابتذالاً في تلك المرحلة، وبخلاف نزعتها الجنسية، تعمَّدت التنمر والتعامل مع المرأة كسلعة تدر ربحاً. وكان هذا توجّه مجموعة القنوات، التي لم تلفت نظر بكري طوال سني عملها، استسلاماً لمواءمته الكبيرة مع رمز عبد الناصر، الذي يجب التغاضي عن أي فساد يخص عائلته، وهي الطريقة التي لا يتبعها بكري مع ناصر فقط، إنما مع كل ما يخصّ قيم الأسرة المصرية، التي يمكن التلويح بها لمداعبة المصريين حين لا يقترب الأمر من السيسي، أو عبد الناصر، أو شخص يرتبط معه بمصالح مالية أو سياسية، أما إذا كان هذا الشخص فقط يبحث عن حريته، ويمارسها بالشكل الذي يريده، وإذا كان بلا سند أو قوة كفتيات “تيك توك”، فيقهره بكري أكثر. 

هل تريد مثالاً؟

أثارت قضية رجل الأعمال المصري محمد الأمين دهشة الجميع، لم يتوقع أحد أن الرجل الذي يدّعي أنه أهل للخير، وقد أقام ملجأ لليتيمات، يقيم بداخله غرفة نوم ويغتصب هؤلاء اليتيمات، كما كشفت التحقيقات. إلا أن بكري، الصديق الصدوق للدولة العميقة، وممثلها، وصاحب العلاقات الممتدة مع رجالها، لم يتحقق من تلك الرواية، أو يتعامل معها كصحافي أو سياسي، يجب أن يبحث أو يقدم قولاً فصلاً بشأن حقوق المصريين، اكتفى بإلقاء شهادة حول الرجل، تبرئه وتنزهه عن أي خطيئة. فقال: “شهادتي في المهندس محمد الأمين الذي أعرفه منذ أكثر من 15 عاماً: إنسان وطني، يعشق تراب هذا البلد، رجل شريف، جاء بثروته من عمله بالكويت، ليعمل ويبني في بلده، دائما مع الفقراء ويضحي من أجلهم بلا حدود، رجل معروف بالإيمان والتقوى، وهو عنصر محافظ، ملتزم بالقيم والمبادئ، ولم أسمع عنه إلا كل خير مذ عرفته- حكيم في تصرفاته ومواقفه. يعطي بلا حدود للغلابة والمساكين دون إعلان- كان سعيداً بدار اليتيمات التي أقامها في بلدته بني سويف، وقدم لها الكثير من حر ماله”. 

أحد مكونات “الدولة العميقة” التي ينتمي إليها بكري، هي الذكورية، فهو متضامن دائم مع الرجال، يحمل إرثاً كبيراً تربى عليه في الجنوب، فالمرأة، بالنسبة إليه، بلا حق ولا يجوز أن يُرفع لها صوت، والرجل دوماً على حق، مهما كانت خطيئته وإذا كان من يخلع “الكيلوت” في فيلم “أصحاب ولا أعز” رجلاً وليس ممثلة مصرية، لم يكن، في الغالب، ليتحدث أو يهاجم أو يقدم طلب إحاطة برلمانياً.. تعامل بذلك مع محمد الأمين وجمال مروان وصفوت الشريف ومنى زكي ليكمل حلقات تناقضاته.

إقرأوا أيضاً: